العنوان حوار الشيخ أحمد القطان يتحدث لـ «المجتمع» عن رحلته إلى کابل
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الأحد 31-مايو-1992
مشاهدات 720
نشر في العدد 1003
نشر في الصفحة 12

الأحد 31-مايو-1992
يبقى دور العلماء أكبر من مجرد وعظ الناس
وإرشادهم إلى الخير والحق والعدل باللسان ليتجاوزه إلى أنوار أكبر بكثير من ذلك
الدور، فمعايشة الأحداث، ومواكبة مسيرة العمل الإسلامي، والجهادي منه على وجه
الخصوص، أصبحت ضرورة ملحة على كل عالم عامل مجاهد، ومع ولادة دولة أفغانستان
الإسلامية الفتية بعد جهاد زاد على أربعة عشر عامًا ملئت نفوس المسلمين جميعًا
بالفرحة وتوجه وفد من علماء الكويت وأهل الخير فيها إلى أفغانستان كان من بينهم
فضيلة الشيخ جاسم مهلهل الياسين الأمين العام للحركة الإسلامية الدستورية في
الكويت وفضيلة الشيخ أحمد القطان العالم والداعية الإسلامي المعروف، وقد نشرنا في
العدد الماضي من المجتمع مقابلة وافية مع فضيلة الشيخ جاسم المهلهل عن الرحلة التي
قاموا بها إلى كابل واليوم سنلتقي مع الشيخ أحمد القطان:
المجتمع:
في البداية.. ما الأثر الذي تركته زيارتكم في نفوس الأفغان وقادتهم؟
القطان: الأثر لا شك أنه كان كبيرًا حيث
يلتقي المسلم العربي مع المسلم الأفغاني لإصلاح ذات البين ولبناء وإعمار الدولة
الأفغانية المسلمة وفرحوا عندما علموا أننا ما جئنا للتدخل في شئونهم الخاصة وإنما
نطرح أنفسنا بين أيديهم كما فعلنا في بدء الجهاد فوجهونا هم إلى ما يحتاجه الجهاد
منا، وفي هذه الزيارة أيضًا يوجهوننا إلى ما يحتاجه الإعمار منا، لا شك أن لقاءنا
معهم فيه فرحة عظيمة في زمن القوميات فالإسلام مطلق الزمان مطلق المكان مطلق البشر
وتحت هذه المظلة تم هذا اللقاء فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا لهم
مفاتيح للخير، مغاليق للشر يجري الخير على أيدينا وأيديهم إلى يوم القيامة.
المجتمع:
هل تعتقد بأن هناك ضرورة لقيام العلماء والدعاة بزيارات مشابهة لأفغانستان في هذه
المرحلة؟ وما الدور الذي يمكن أن يقوموا به؟
القطان: أنا أرى ذلك أن يقوم الدعاة
والعلماء بزيارة أفغانستان وعليهم أن يحرصوا ألا ينقلوا خلافاتهم إليهم وإنما
دائمًا يحرصون على التأليف بين القلوب وعلى التقارب في وجهات النظر فيما بينهم وأن
يدعوا المسلمين إعلاميًّا من بعد تحقق مثل هذه الزيارات لأن تنتقل الكفاءات
الإسلامية لإعمار دولة أفغانستان المسلمة وأن ينقلوا الصورة الحقيقية إلى شعوبهم
وإلى المحسنين من شعوبهم الذين بذلوا الأموال عبر الجهاد الأفغاني الطويل حتى لا
ينقطع مثل هذا الدعم في مواطن الجهاد الأخرى مثل كشمير والبوسنة والهرسك وبورما
وفلسطين وغيرها من مواقع الجهاد وإننا نفتقر إلى إعلام إسلامي فإن هؤلاء العلماء
والدعاة سيسدون هذا الفراغ مؤقتًا بنقل الصورة الصحيحة الحقيقية عن أفغانستان.
* هناك اتفاق تام بين
المجاهدين في الأهداف غير أن الخلافات كلها في الوسائل والأساليب |
المجتمع:
زرت ساحة الجهاد الأفغاني عدة مرات من قبل ولكن زيارته هذه المرة كانت للعاصمة
كابل وهي ترفع راية النصر؛ فما هي المشاعر المختلفة التي شعرت بها هذه المرة عن
المرات السابقة؟
القطان: هذا الشعور أحسست به مرتين في
حياتي المرة الأولى عندما دخلت بلدي الكويت بعد التحرير والمرة الثانية عندما دخلت
كابل بعد التحرير، والشعور كان واحدًا، فكما أن الكويت بلدي فكابل بلدي، فنحن أهل
الإسلام والدعوة لا تحدنا الحدود وإنما ننطلق في أرض الله نبلغ دعوة الله فكل بلد
يذكر فيه اسم الله فهو بلدنا ونسعى إلى تحريره وجعل السيادة فيه لله. شعرت بعزة
الإسلام وتحقيق إرادة الله الذي أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده،
شعرت وأنا أدخل كابل أن النصر مع الصبر، إن تصبروا تنالوا، وإن تحقيق الأهداف
والغايات الكبرى لا يكون إلا بالتضحيات الكبرى فقد ضحى هذا الشعب بتضحيات ما لها
مثيل؛ مليون ونصف شهيد وأكثر من ثلاث ملايين مهاجر ومشرد وأربعة عشر عامًا. كابل
وحدها فيها ما يزيد على مائة ألف أرملة وهذا يكفي.
المجتمع:
في كل رحلة قمت بها إلى ساحة الجهاد من قبل كانت له مواقف تأثرت بها؛ فما أهم
المواقف التي أثرت فيه هذه المرة؟
القطان: تأثرت عندما شاهدت أولئك
المجاهدين بعمائمهم وخلو ملابسهم من الرتب والنياشين يجلسون على مكاتب القادة
الشيوعيين وفي داخل مساكنهم وقصورهم، فعلمت أن الله هو مالك الملك وليس الإنسان ﴿قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ
مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ
ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران:26) فعلمت يقينًا أن كل
الجبابرة والطغاة مهما طال الزمن وطال ظلمهم وظلامهم سيأتي إلى الشعوب المستضعفة
مثل هذا الفجر المستنير وسيجلس المستضعفون في الأرض على عروشهم ومكاتبهم ﴿وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم
مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ
وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55)
ويقول سبحانه ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر:51) فهذا
هو المشهد الذي أثر في فزاد يقيني بالله وتوكلي عليه وارتفعت الآمال في تحقيق
تحرير الأقصى وتجدد ذلك في نفسي، وما ذلك على الله بعزيز، فقضية الأقصى لا تغيب عن
ذهني وعقلي لأنها عندي دين وعقيدة فكما فتح الله كابل أصبح يقيني أن الله يفتح
القدس والأقصى، وأن الله سبحانه سيفتح عاجلًا أو آجلًا رومية كما أخبر بذلك
الرسول- صلى الله عليه وسلم- فإن فتح رومية عندي لا يقل أبدًا عن فتح كابل لأن
الذي فعل ذلك هو الحي الذي لا يموت، ولعل الجهاد في البوسنة والهرسك الآن هو
انطلاقة الفتح الأولى.
* أجمع قادة
المجاهدين على أن مسعود مجاهد صاحب دين ومبدأ وقد حباه الله تدبيرًا وتقديرًا
وكنعانًا وإنجاحًا |
المجتمع:
يحاول الإعلام الغربي أن يصور قادة المجاهدين الآن أنهم يتطاحنون فيما بينهم
للوصول إلى السلطة.. ولا شك أنه قد رأيت منهم خلال زيارتك بعض المواقف والكلمات
التي تبين حقيقة هذا الأمر فهل يمكن أن تذكر لنا بعض هذه المواقف؟
القطان: لقد شوه الإعلام الغربي سمعة قادة
المجاهدين وأظهر أنهم يتحاربون ولكن في الحقيقة وجدنا بينهم ألفة عجيبة ومحبة
وأخوة إيمانية إسلامية لأنه لن يكون هناك أحرص على أفغانستان من المجاهدين والسبب
أنهم ضحوا أكثر من غيرهم وصبروا وجاهدوا وعانوا ومن خلال هذه المعاناة؛ يتنازلون
كثيرًا كثيرًا عن حقوق أنفسهم وخصوماتهم، ولا ننفي الاختلاف ما داموا هم بشر ولكن
المظلة الإيمانية والمحبة الإسلامية تطغى على تلك الخلافات.
فعلى سبيل المثال عندما التقينا مع الشيخ
يونس خالص في بيشاور تحدثنا معه كثيرًا ثم سألناه عن الأخ حكمتيار وما حدث في كابل
بسببه كما تبث أجهزة الإعلام فتكلم عنه كلامًا كثيرًا فيه خير كثير وثناء كثير
ولكن الذي لفت نظري أنه ختم كلامه قائلًا: تذكروا أني بشر فلا تسمعوا مني وحدي
ولكن اذهبوا إلى أخي حكمتيار واسمعوا منه مباشرة كما سمعتم مني لأنني أخشى أن يكون
في كلامي هوى.
فيتبين من هذا الكلام أنهم ينشدون الحق
ويعدلون في شهاداتهم.. كذلك في إحدى القواعد العسكرية لحكمتيار بين جلال آباد
وكابل كان هناك مندوب بي بي سي ومندوب آخر لإحدى وكالات الأنباء فسأله متى يكون
التفاوض بينك وبين مسعود فأجابه حكمتيار قائلًا: التفاوض بين الأعداء، وليس بيني
وبين مسعود تفاوض إن بيني وبينه في المستقبل القريب لقاء لأننا إخوة.. فأصبحوا على
وعي كبير لنوعية الأسئلة التي تطرح عليهم من أمثال هؤلاء الذين يثيرون الفتن، قال
أيضًا نفس المراسل: إن الجنرال دوستم زعیم الميليشيات لن يخرج من كابل حتى يستتب
الأمن فيها وإن سبب وجوده هو الحفاظ على أمن كابل، فكان رد حكمتيار حازمًا جازمًا
فقال: من هو دوستم حتى يتحدث عن أمن كابل؟! فما سرق كابل إلا هو والميليشيات التي
معه، وليس له عندنا إلا الخروج أو الطرد، إن أمن كابل من مسؤولية المجاهدين وليس
من مسؤولية دوستم وميليشياته.
كذلك أعجبت بموقف
المجاهد الكبير الأستاذ سياف، حيث إنه خرج مع المجاهدين التابعين له من كابل، بعد
فتحها، بعد أن ثبت رباني فيها، واطمأن على أمنها، خرج هو وجماعته منها، فلما
سألناه عن السبب قال: إن المجاهدين الذين معي لا يطيقون رؤية وجوه المليشيات الذين
قتلوا آباءهم وأبناءهم، وأخشى أن ينفعل أحد من المجاهدين، فيقتل أحد المليشيات
فتشتعل الحرب عند أول طلقة، ويختل الأمن في كابل، فأثرت أن أخرج برجالي بعيدًا عن
ساحة كابل، حتى يستتب الأمن فيها.
والأمر الثاني حتى أكون جاهزًا للإصلاح
بين القيادات المجاهدة. فأدركنا أنه يلعب الآن أعظم دور، إنه لا يسعى أبدًا للكرسي
والحكم بقدر ما يسعى لحقن الدماء بين المسلمين، كما فعل الحسن بن علي رضي الله
عنهما، يوم أن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سيد وإن الله سيصلح
به بين طائفتين كبيرتين من المؤمنين».
فدور سياف في
تقريب وجهات النظر بين حكمتيار ومسعود هو دور كبير، والحمد لله رأينا بين
المجاهدين اتفاقًا تامًّا في كل ما طرحناه لهم، وهناك خلاف بسيط في وجهات النظر في
بعض الوسائل والأساليب، فعلى سبيل المثال هناك اتفاق تام بينهم على خروج المليشيات
ولكن نوع الخروج ووقته وأسلوبه هو الذي سيتم اللقاء بين مسعود وحكمتيار للاتفاق
عليه وتحقيقه.
أما أحمد شاه مسعود فحرصنا أن نسأل عنه كل
من قابلناه من قيادات المجاهدين فسألنا عنه يونس خالص وسيافًا، والقاضي نجي الله
ومحمد ياسر وزير الإعمار، وشكري وزير الإعلام، وزعيم الجمعية الأستاذ رباني وسألنا
جلال الدين حقاني، وغيرهم وغيرهم. فأجمع الجميع أنهم لا يتهمونه في دينه بشيء على
خلاف ما تشيعه أجهزة الإعلام وغيرها بأنه عميل لفرنسا أو أنه يريد أن يثبت جماعته
أو قبيلته في الحكم دون الآخرين.
الحقيقة غير ذلك، فقد أثنى عليه قادة
المجاهدين، أثنوا على دينه وورعه وتقواه وتواضعه، وأن الله قد حباه تدبيرًا
وتقديرًا وكتمانًا وإنجاحًا، ولم نجد من القادة من قال في مسعود غير ذلك.
* شعرت وأنا أدخل
كابل أن النصر مع الصبر، وأن تحقيق الأهداف والغايات الكبرى لا يكون إلا
بالتضحيات الكبرى |
المجتمع:
في الختام، الفترة القادمة ستشهد فيها أفغانستان تحديات كثيرة فما هي في تصورك أهم
التحديات التي ستواجه الدولة الإسلامية الوليدة في أفغانستان؟ وكيف سيتغلب
المجاهدون عليها؟
القطان: دولة
أفغانستان المسلمة الآن هي محط أنظار العالم كله وهم يريدون أن يروا حقيقة تلك
الشعارات الإسلامية العظيمة التي رفعها المجاهدون عبر جهادهم؛ كيف ستتحقق في دولة
أفغانستان وأنا على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيعينهم كما أعانهم من قبل ﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69) أمامهم تحدي تعليم المرأة، وهذا أمر مهم ولابد
أن يتجاوزوا كثيرًا من العادات والتقاليد التي تحرم أو تمنع التعليم على المرأة
فلابد أن يكون هناك من يقوم على شؤون المرأة في الدولة من النساء أنفسهن من معلمات
وطبيبات.. أمامهم تحدي إعداد الدستور الإسلامي وأمامهم تحدي الألغام التي توجد في
أرض أفغانستان بالملايين، فطول طريق الرحلة ونحن نرى الألغام عن يميننا وشمالنا،
أمامهم أيضًا تحدي بناء الإنسان بعدما حولت الشيوعية الإنسان إلى مسخ فلابد من
إعادة بنائه، كذلك تحدي إعمار البلاد، فالشعب الأفغاني سيلتفت إلى حكومته والناس
لا يصبرون كثيرًا على تحقيق هذه الوعود فمثلًا في روسيا وعد يلتسين الناس وعودًا
كثيرة ولما أخفق فيها هاج الناس عليه ويتعرض الآن لنقد الناس الشديد فكل إنسان يرى
حاجته أمام عينيه يريدها أن تتحقق، فعلى دولة الإسلام في أفغانستان أن تنظر في
حاجة الناس وما أكثرها بعد حرب دامت أربعة عشر عامًا فقدوا فيها كل شيء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

لا دهشة!! الشيوعيون في السودان.. تطبيق عملي لمذهب الغدر والهدم
نشر في العدد 70
19
الثلاثاء 27-يوليو-1971
