العنوان من مائدة النبوة (343)
الكاتب عبد الله السند
تاريخ النشر الثلاثاء 29-مارس-1977
مشاهدات 25
نشر في العدد 343
نشر في الصفحة 50
الثلاثاء 29-مارس-1977
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله- تعالى- أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (سورة المؤمنون: 51)
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ (سورة البقرة: 172)
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك.
رواه مسلم
المقصود من هذا الحديث تنفير وتحذير وترهيب الناس من الحرام مأكلًا ومشربًا وملبسًا، والترغيب في اختيار الحلال في كل، لتقبل أعمالهم ويستجاب دعاؤهم. فمهد النبي- صلى الله عليه وسلم- بمقدمتين الأولى- قوله «إنَّ الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» ، ومعناه أن الله طاهر منزه عن النقائص متصف بكل كمال فلا يقبل من أعمال العباد إلا ما كان طيبًا. والطيب من الأعمال ما اجتمع فيه شرطان- الأول أن يكون صحيحًا مشروعًا. والثاني أن يكون خاليًا من الرياء.
فإذا كان الغذاء الذي يولد القوة على العمل حلالًا طيبًا كان ذلك العمل طيبًا يقبله الله- تعالى- بفضله وكرمه، وإذا كان حرامًا كان العمل غير طيب فلا يقبله الله كما يشير إليه آخر الحديث.
الثانية قوله «وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ (سورة المؤمنون: 51)»، وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (سورة البقرة: 172). فهذه المقدمة الثانية أتى بها لتفخيم شأن الحلال وبيان عظيم قدره عند الله- تعالى- حيث أمر الرسل المصطفين من خلقه بالأكل منه قبل أن يأمرهم بالعمل الصالح، لأن من يتغذى بالحلال يصفو قلبه فتنبعث أعضاؤه لفعل الخير، ومن يتغذى بالحرام يقسو قلبه فتفتر أعضاؤه عن الطاعة، وكذلك أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين تشريفًا للمؤمنين حيث سوى بينهم وبين المرسلين، ولا شك من أيقن بهاتين المقدمتين تشتد رغبته في اختيار الغذاء الحلال، لطيب عمله وتنفر نفسه أشد النفور من التغذي بالحرام الذي يكون سببًا في رد أعماله، وعدم قبول دعائه وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (سورة البقرة: 172) من فيه للابتداء، أي ليكون أكلكم مبتدأ من الطيبات بحيث تكون الطيبات فقط موضعًا له، وفيها معنى التبغيض، لتشير إلى عدم الإسراف في استعمال الطيبات فهو كقوله: ﴿وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ﴾ (سورة الأعراف: 31)
وأسند الرزق إليه- تعالى- إرشادًا لتصحيح عقائدهم بأن الرازق هو الله- تعالى-، وتحذيرًا لهم من الاعتماد على قوتهم، أو على ما عندهم من المال والعلم بالحرف والصنائع فيقولون كما قال قارون:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي﴾ (سورة القصص: 78)
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغبر، يمد يديه إلى السماء- يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك».
والمعنى أن الرجل يخرج في طاعة الله مسافرًا سفرًا طويلًا، يفارق وطنه، ويتعب بدنه، يترك زينة نفسه، حتى يكون أشعث الرأس مغبر البدن ويظن أن عمله هذا يزيده تقربًا لربه، ويكون سببًا لإجابة دعائه، فيجأر إلى الله بالدعاء، ويقول يا رب ارزقني، يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني.. إلى غير ذلك من أنواع الدعاء.
وحاله في الذلة والمشقة والوحدة والغربة تقتضي إجابة دعائه- ولكن الله لا يستجيب له دعاء لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام إلى آخره، فإذا كان دعاء مثل هذا الرجل غير مجاب مع هذه الصفات لتعاطيه الحرام أكلًا ومشربًا وملبسًا- فكيف يكون حال المسرف على نفسه، البعيد عن طاعة ربه إذا دعا الله- تعالى- وهو يتعاطى الحرام أكلًا وغيره.
فالحرام مانع قوي، وحاجز حصين بين الدعاء والقبول، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- لسعد ابن أبي وقاص- رضي الله عنه- «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة».
فالحديث يرشد إلى أهم شروط الدعاء المستجاب، وهو أكل الحلال، وبقي له شروط وآداب، فمن شروطه أن لا يدعو بحرام أو بمحال، ولا عادة كمن يدعو برزق، ويترك الأخذ في سببه. أو بنجاح في امتحان، ويهمل المذاكرة والتحصيل.
فالواجب الأخذ في السبب العادي ثم يدعو الله بالنجاح، ومنها أن يكون حاضر القلب موقنًا بالإجابة، ومن الآداب أن يكون متطهرًا مستقبل القبلة، ويبدأ الدعاء ويختمه بالصلاة والسلام على النبي- صلى الله عليه وسلم-، ويكفي هذا الحديث جلالة ومزية أنه من الأحاديث التي تنبني عليها قواعد الإسلام، وعليها العمدة في تناول الحلال وتجنب الحرام. والله الموفق.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل