; من يوميات امرأة مسلمة: بالفيديو.. تصطاد ماريا المنصرة فريستها | مجلة المجتمع

العنوان من يوميات امرأة مسلمة: بالفيديو.. تصطاد ماريا المنصرة فريستها

الكاتب ابتهال قدور

تاريخ النشر الثلاثاء 10-نوفمبر-1987

مشاهدات 19

نشر في العدد 842

نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 10-نوفمبر-1987

·      تداعي الذكريات

إن أي فرد منا له سلسلة طويلة من الأحداث في حياته، وسواء طالت أو قصرت تلك الحياة فإن فيها من العبر ما يجعلنا ننظر إلى الأمور التي تصادفنا نظرة تأمل وتفكير.. ولكن الكثير منا تمر عليه الحوادث دون أن يأخذ منها عبرة، أو أنه يتأثر بها وقتيًّا ثم تذهب مع ما ذهب من الماضي المنسي.

ولقد ذكرت في حلقات سابقة العبر التي لفتت نظري حين كنت طفلة في مدرسة للراهبات، وعبرًا أخرى حين كنت نزيلة إحدى مستشفيات الولادة، في ظروف طارئة حيث تحدثت عن بعض أساليب المنصرين الظاهرة والخفية في بث الأفكار بين أوساط المسلمين بكل ما أوتوا من ذكاء وحيلة.

·      محاولة اصطياد في إحدى الجامعات العربية

أريد اليوم أن أذكر للقارئ الكريم حادثة أثرت في نفسي أشد التأثير حين كنت أعمل في إحدى الجامعات العربية، وكنا عدة زميلات في العمل من بينهن واحدة نصرانية كانت تخطئ في بعض الأحيان بزلات لسان تنم عن كرهها الشديد للمسلمين.. ولكنها سرعان ما تتراجع فتظهر بمظهر المحبة للجميع.. وذلك لما كانت تراه من معارضة الزميلات لها حين كانت تبدي ما تخفيه نفسها علنًا.

المهم في الحادثة أن هذه المبشرة ماريا كانت تحسن اصطياد فريستها، فهي لم تحاول مع من يستطيع الرد عليها ورفض أفكارها، إنما راحت تحاول مع زميلة طيبة القلب تعايش فترات عصيبة؛ حيث إنها وحيدة مع جدتها المسنة بعد أن تزوج والداها كل من طرفه وتركاها منذ صغرها عند جدتها.. ولظروف ما بلغت الثلاثين دون زواج.. وكانت هذه الظروف فرصة للمبشرة ماريا كي تلقي شباكها!

·      بالفيديو وبمختلف الوسائل العصرية تبدأ مسرحية التنصير وزعزعة العقيدة

شاء الله أن يكون لي من بين الزميلات صديقة تنقل لي الأخبار، فجاءتني مرة حزينة وقالت لي: «في إحدى الأمسيات ذهبت لزيارة صديقتنا في منزل جدتها بدون أن أخبرها، وبعد أن جلست قليلًا أخبرتني بأنها تنتظر الزميلة النصرانية ماريا، وما لبثت أن وصلت ماريا ومعها فيلم فيديو في حقيبة يدها أخرجته وهي تضحك وقالت: إنها فرصة كي تشاهدي معنا هذا الفيلم اللطيف (ما زال الكلام لصديقتي).. ترددت الزميلة المسلمة قليلًا ولكن ماريا شجعتها من خلال ابتسامة، فوضعت الفيلم وحين نظرت -حسب قول محادثتي- كان شيئًا شنيعًا.. لم أكن أعلم أن الأفلام الخليعة هذه تنتشر حتى بين الفتيات وعلى هذا النحو من الوقاحة وكأنه فيلم عادي!

لم تطل نظرتي لأكثر من لحظة، ثم اعتذرت وانصرفت لأنني لم أجد ما أقوله في تلك الآونة.. انتهى كلام زميلتي.

في صباح اليوم التالي جلست مع زميلتي وسألتها: لماذا انحدرت إلى هذا المستوى؟ قالت: في الحقيقة عندما رأيت ذلك الفيلم لأول مرة رفضته وعافته نفسي وأخلاقي.. ولكنها بقيت تحاول معي وتشجعني حتى أصبح الآن شيئًا عاديًّا.

·      الإصرار على إثارة الغرائز وإفساد الضمائر والأخلاق، هدف ما بعده هدف!

نعم إنه الإصرار وراء الهدف، أصرت المنصرة على هدفها حتى بلغته، وهذه طريقة أخرى من طرق التنصير الخفي أذكرها للقراء نظرًا لأهميتها، وهذا ما يطابق قول البابا شنودة في وثيقته السرية: «ليس من الضرورة أن يترهب المسلمون؛ لكن يكفي أن تزعزع إسلامهم».

وكيف سيزعزع الإسلام إلا بانهيار الأخلاق؟

ماذا ننتظر من مسلم أو مسلمة مزعزعة الدين؟ وكم هم المسلمون الذين انهار إسلامهم دون أن يعلموا؟ يقول أحد القساوسة: «إن المسلمين الموجودين في أوربا هدية من السماء يجب أن نعمل على تنصيرهم بكل حزم وبأية طريقة.. وإن المودة والكرم والتقرب هي المفتاح السحري للوصول إلى قلوبهم.. وبالتالي فرض أخلاقيات معينة عليهم».

·      واقعنا المر وأخلاقياتنا شاهدة على انتصارهم

يا لهول المأساة.. ونحن نراهم يمشون وراء هدف واحد تظهر لنا آثاره يومًا بعد يوم.. في الفيديو، في بيوت السينما، في التلفزيون، في دور الأزياء وغير ذلك.. أفلام معظمها من الدول النصرانية كانت في بداية الأمر مرفوضة لدى أغلب المسلمين لما فيها من معاص وإلهاء عن ذكر الله.. ولكنها أصبحت اليوم شيئًا طبيعيًّا.. أصبح النظر إلى المرأة مكشوفة العورات المتزينة شيئًا عاديًّا في حفلاتنا وسهراتنا؟ وأصبحت القبلة في الشاشة شيئًا عاديًّا دون أن نشعر.. وشيئًا فشيئًا سوف نقبل أشياء كثيرة كنا نرفضها سابقًا.. وهذا لا أعتبره أنا سوى تنصير خفي. ولينظر كل واحد منا إلى ما يحيط بنا!

·      تساؤلات

إن تلك الحادثة -أيها القارئ الكريم- جعلتني أطرح على نفسي عدة تساؤلات؟ لماذا أحسنت ماريا اختيار فريستها، والأرض التي تزرع فيها بذورها الفاسدة، وأنا المسلمة لا أفعل شيئًا؟!

لماذا استطاعت الإصرار على هدفها؛ وأنا لم أحاول حتى البدء فيه؟ لماذا نجحت في السيطرة على فتاة طيبة؛ وأنا لم أحاول إلا قليلًا؟ لماذا هي تفوز أمام رهبانها؛ وأنا أفشل أمام ربي؟

من خلال هذه التجربة الخاصة أستطيع أن أضع قاعدة عامة وهي:

«التقصير منا والعيب فينا» فلو تساءلنا: ماذا ننتج؟ بماذا نضحي؟ سنجد الإجابة مؤسفة جدًّا.. أي إننا بكل بساطة لا نفعل شيئًا.. فإذا كان شعب ضل طريقه وسط الخرافات التنصيرية هو الذي تفوق علينا، فمعنى هذا أننا لا نقوم حتى بعمل بسيط.. أنا لا أنكر أن هناك دعوة إسلامية تنتشر يومًا بعد يوم، لكن هذا لا يكفي مادام هناك أمة منتصرة وأمة مخذولة على العموم؛ لأن المسلم لا يكفيه عمل بسيط هنا وهناك كي يثبت أنه أدى الأمانة، وإنما يجب أن يثبت وجوده ويكون خير أمة أخرجت للناس.. تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. لأنه يحمل رسالة الله، وهذه الرسالة من المفروض أن يكون حاملها هو الموجه لهذا العالم.. على اعتبار أنه يحمل الخير لهم.. وهذا أقل شيء نفعله كي نرضي الله الذي اختارنا من دون العالمين لتحمل عبء تبليغ آخر رسالة على وجه الأرض.. يجب أن يكون ذلك هدفنا لأسباب عديدة أهمها: كيف نسمح بسيادة خرافات المنصرين دون دين الله.. ونحن المسؤولون أولًا لأننا مسلمون؟

قد يعذرنا الله تعالى لو أننا فعلنا ما في وسعنا ولم نحقق شيئًا، وهذا مستحيل لأننا لو فعلنا الشيء المطلوب فقط بالنسبة لمهامنا العظام لحققنا الكثير الكثير، وأن الرجوع إلى الوراء واستقراء الفتوحات الإسلامية خير دليل على ما أقول.

·      ننتظر آخر صرعات الغرب النصراني

نحن بكل صراحة نهمل أمور ديننا.. نجلس في انتظار آخر الصرعات المادية والمعنوية التي يرسلها لنا الغرب، رجالًا ونساء.. وهذا شيء خطير.. وأعتقد أن ذلك ذنب لا يغفر، فنحن خلقنا الله كباقي الأمم إن لم نكن أفضل.. باعتبار أننا نحمل رسالة خالدة.. فالتبرير لهذا التقهقر هو خطأ فينا بالتأكيد.. عندنا حل هذا الخطأ لكن لا نلجأ إليه.. وهذه هي الجناية العظمى.. لقد طابت لنا حياة القاع حيث سمحنا للخفيف بالطفو حتى أصبحت حياة القاع وتقليد الغير عادة تتناقلها الأجيال المسلمة.. وعلمي أن عصور الانحطاط بالنسبة لنا قد بدأت حين بدأنا نتخلى عن ديننا الصحيح.. ونقلد غيرنا باتباع أية صرخة تظهر عندهم.. ولو دخلوا جحر ضب لدخلناه.. اللهم بك أستغيث وأعوذ!

·      آثروا التعب وآثرنا الراحة والترف والاستجمام

ترى لماذا يغامر الأطباء المسيحيون بالذهاب إلى أراض مليئة بالمخاطر مثل إفريقيا وأفغانستان وغيرها؟! أما أطباؤنا ودعاتنا وعلماؤنا وغيرهم من العرب والمسلمين لا يهمهم سوى المسكن المريح والعمل المريح.. والاستجمام والسياحة.. ترى على من فرض الجهاد؟ علينا أم على المنصرين؟ لماذا يعتبرون المسلمين هدية إلهية ينبغي أن يعملوا على تنصيرها؟ ونحن جالسون ننظر ونتفرج..

إني وأنا أرجع لتجربتي الخاصة أستنتج أنه كان من المفروض أن أضاعف من جهودي، حين شعرت بوجود طرف مخالف لي.. ولكنني أهملت هذه الناحية فخسرت المعركة، وهذا من الممكن جدًّا أن يعمم.. ربما كنت حقدت على ماريا وقلت في نفسي: لماذا لم يأمر الله بإبادة هذه الطوائف الناشرة للفساد؟ ولكنني تراجعت وقلت: الإسلام طالبنا بالعمل والجهاد.. الإسلام لا يحب الكسل.. وحين سمح الإسلام للنصارى واليهود بممارسة شعائرهم الدينية فإنما أرى أن ذلك وضع كنوع من الامتحان لنا كي نثبت أحد الأمرين: عجزنا أو تفوقنا عليهم في جميع الميادين.. فإما أن نغلبهم بأخلاقنا وديننا وعلمنا.. وإما أن يغلبونا.. وكأن الإسلام يحضنا بطريق غير مباشر على المبادرة والعمل! ولكن هيهات!

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (هود: 117)

فقد يكون السماح لهم بممارسة عباداتهم في وسطنا حكمة فيها خير لو اعتبرناها كنوع من الديمقراطية واحترام الرأي.. ونستطيع أيضًا اعتبارها شرًّا.. من حيث وجود أناس مخالفين لها في الفكر والعقيدة.. وسط مجتمعنا.. يحاربوننا في الباطل.. ولكنها في كلتا الحالتين فتنة واختبار لنا.

وفي الحقيقة إن وجود الخطأ وسط الحق ليس بخطر تمامًا.. بل على العكس سوف لا يزيد الخطأ إلا تراجعًا، ولكن هذا إذا استمرت الدعوة والجهود من أجل الإبقاء على هذا الحق.. ومتى يتقدم الخطأ إلا عندما يتقهقر الحق ولا يجد من يبينه ويوضح صفحته ويحميه؟ قال الله تعالى: ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ، وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ (هود: 121، 122) وصدق الله في قوله: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود: 117)

لماذا يستخدم المنصرون عقولهم لإفسادنا ولا نستخدم عقولنا لإصلاح أنفسنا؟

هذا سؤال أطرحه على نفسي وعلى غيري من المسلمين.. وأنا أرى -قارئي العزيز- أن الحقد والكره القائم على رد الفعل العشوائي لن يفيدنا شيئًا.. وأن فائدتنا الوحيدة تبدأ بالرجوع إلى ديننا الذي يأمرنا باستخدام عقولنا وإصلاح أنفسنا من جميع النواحي.. وذلك لا يتحقق إلا باتباع أحكام ديننا كي تتكون لدينا الحصانة المتماسكة والقاعدة الثابتة التي نستطيع بها رد خرافات ساذجة يأتي بها المنصرون وغيرهم من أصحاب الحركات الهدامة.

ذلك ندائي.. فهل من مجيب؟

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لا... يا مجلة العربي!

نشر في العدد 3

93

الثلاثاء 31-مارس-1970

الإسلام والسياسة

نشر في العدد 434

17

الثلاثاء 27-فبراير-1979