; مواصفات الداعية الناجح (1) - هكذا فليكن الدعاة | مجلة المجتمع

العنوان مواصفات الداعية الناجح (1) - هكذا فليكن الدعاة

الكاتب د. إيمان مغازي الشرقاوي

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008

مشاهدات 20

نشر في العدد 1800

نشر في الصفحة 52

السبت 03-مايو-2008

الداعية إلى الله

حسن الخلق مع الجميع ينهج المنهج الوسط

يوازن بين العقل والعاطفة يخالف هواه ولا يكتم كلمة الحق على يقين بنصر الله

لقد كتب الله تعالى لهذا الدين العظيم البقاء والخلود، وإننا جميعًا نشارك في بقائه بالدعوة إليه والتخلق بأخلاقه وممارستها في حياتنا العملية، والدعاة إلى الله على كاهلهم يقع العبء الأكبر في إرشاد الناس إليه. ومتى تخلق الدعاة بتلك الأخلاق وزرعوها في نفوس الناس فسينهض هذا الدين ويحيا من جديد في القلوب، وإن حصل لأتباعه كبوة فسرعان ما ينهضون منها.

إن الإسلام انتشر في مراحله الأولى بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالحوار والإقناع، كما أمر سبحانه وتعالى: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾ (النحل: 125). ومن هنا كانت أهمية الدعوة، إنها اللسان الناطق باسم هذا الدين، وهي التي بدأ بها الرسول ﷺ رسالته إلى الناس كافة، فحرك بها القلوب وأعمل العقول وغير الاعتقادات الباطلة وأصلحها. وهذه الصفات التي ذكرت في المقالات السابقة ليست كل أخلاق الداعية، وإنما هي الصفات الأساسية التي ينبع منها جميل الأخلاق، وتتبعها بقية الصفات التي تكملها، فمن أراد أن يدعو إلى الله فليتعلم سيرة المصطفى ﷺ الداعية الأعظم في تاريخ البشرية جميعها، وليأخذ منه المثل والقدوة، قال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (الأحزاب: ۲۱). هكذا فليكن الدعاة إلى الله.

فالداعية إلى الله يجب أن يكون على علم وبصيرة بما يدعو إليه، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾    ( يوسف: 108)

الداعية إلى الله:

يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى لرسوله ﷺ حين وجهه إلى أسلوب الدعوة الأمثل: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ﴾ (النحل: 125). «أي: ادع یا محمد الناس إلى دين الله وشريعته القدسية بالأسلوب الحكيم واللطف واللين بما يؤثر فيهم وينجع، لا بالزجر والتأنيب والقسوة والشدة، وجادل المخالفين بالطريقة التي هي أحسن من طرق المناظرة والمجادلة بالحجج والبراهين والرفق واللين. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ (النحل: 125)، أي: إن ربك يا محمد هو العالم بحال الضالين وحال المهتدين فعليك أن تسلك الطريق الحكيم في دعوتهم ومناظرتهم وليس عليك هدايتهم ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ (الرعد: 40( (1).

الداعية إلى الله: يبدأ بنفسه وأهل بيته وذوي قرابته، متأسيًا برسول الله ﷺ الذي قال له ربه ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ ( الشعراء: 214)؛ لأنه مسؤول عن أهل بيته، ومطلوب منه أن يقيهم عذاب الله وغضبه، كما قال تعالى:    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾   ( التحريم: 6). «وليس هناك من اختلاف بين دعوة الرسول في قومه، ودعوة المسلم في أسرته وبين أقاربه، إلا أن الأول يدعو إلى شرع جديد منزل عليه من الله تعالى، وهذا يدعو بدعوة الرسول الذي بعث إليه، فهو يبلغ عنه وينطق بلسانه» (2).

الداعية إلى الله يوازن بين العقل والعاطفة: فلا ينبغي أن يغلب على دعوته الحماس والعاطفة دون تعقل فيؤدي به ذلك إلى ما لا تحمد عقباه، وكذلك لا يجدر به أن يهمل الجانب العاطفي في دعوته ويطرحه بعيدًا عنها، وإنما عليه الموازنة بين هذا وذاك.

قال الإمام حسن البنا- يرحمه الله: «ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة القلوب بلهيب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق على أضواء الخيال الزاهية البراقة» (3).

وسطية المنهج

الداعية إلى الله: ينهج المنهج الوسط في دعوته، متمثلًا قوله تعالى:            ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة: 143). وقول الرسول ﷺ: «سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا» (رواه البخاري). وهو لا يفعل كما يفعل بعض الناس فيتعصب التعصب المذموم، بغير حق سواء كان لمذهب يتبعه، أو رأي رأه، أو شيخ أخذ عنه.

الداعية إلى الله: حسن الخلق مع الجميع، فهو يبر والديه ويصل أرحامه ويوقر الكبير وذا الشيبة، ويرحم الصغير ويجل العلماء، ويحسن إلى الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل، تتمثل دعوته إلى الخير في عمله وخلقه الطيب، يهتم بمن يدعوه ويعرف حقوق الناس عليه. قال ﷺ: «البر حسن الخلق» (رواه مسلم). وقال: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا» (رواه البخاري).

الثقة بنصر الله

الداعية إلى الله: على يقين بنصر الله تعالى لدينه ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف:8)، وهو يختار لدعوته الأرض الخصبة التي تنمو فيها بذرتها الصالحة. ليس له التوقف عن الدعوة انتظارًا لثمرتها، إنما عليه أن يبذر البذرة ويرعاها وبعون الله ستأتي الثمرة الطيبة منها ولو بعد حين، فهو لا يستعجل النتائج، وقد قال الله تعالى لرسوله ﷺ: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ﴾ ( الشورى: 48). وقال: ﴿۞ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ ( البقرة: 272). 

الداعية إلى الله: لا ينفرد برأي يخالف فيه إجماع غيره من العلماء وهو يحرص على الوحدة الدعوية بينه وبين إخوانه من الدعاة فلا يعيب أحدًا منهم، ولا يرى لنفسه فضلًا عليهم، فكل منهم عضو ولبنة في صرح الدعوة الشامخ الكبير، وبجميعهم يكتمل البنيان.

مخالفة الهوى

الداعية إلى الله: يخالف هواه ولا يكتم كلمة الحق، ولا يداهن أحدًا على حساب دعوته، عفيف النفس يتعفف عما في أيدي الناس، غني القلب يستغني عن عطاياهم، يعمل لوجه الله ويطلب الأجر منه، لا يحب الشهرة ولا يغتر بها إن وجدت؛ لأنه يعلم أنه سيحشر يوم القيامة وحده حافيًا عاريًا إلا من عمله الخالص لوجه الله تعالى. 

الداعية إلى الله: يتأهل لدعوته بالعلم ويطلع على كل جديد يخدم دعوته، يعي فقه الواقع ويعايشه، ويعرف الأولويات في مجال دعوته ويحددها، ولا يهمل فقه التدرج فيها، يخاطب الناس على قدر فهمهم، ويغلب جانب الترغيب على الترهيب، ويترك الجدال والمراء.

مداومة التجديد

الداعية إلى الله: التجديد سمة في أسلوب دعوته والاستمرارية مبدأ من مبادئها حسن التحضير لدروسه، يستخدم ما يقدر عليه من الوسائل المشروعة لتبليغ الدعوة ونشرها، وهو يلزم نفسه بما يدعو الناس إليه، ويقدم للمدعوين من نفسه القدوة الحسنة.

الداعية إلى الله: يحاول معرفة أحوال المدعوين، ويخاطبهم بلغتهم، يختار الطريقة المناسبة لدعوتهم، والأسلوب الداعي لقبولهم، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ ( إبراهيم: 4) يتخير من الوسائل ما يعينه على القيام بالدور الدعوي، لإيصال دعوته إلى الأذهان والقلوب، لهذا «ينبغي على المسلمين أن يهيئوا للدعوة الإسلامية في أرجاء الأرض وسائلها وأسبابها، ومن أهم ذلك المعرفة بلغة القوم والأقوام الذين يقومون بدعوتهم إلى الإسلام، وتعريفهم بمبادئه وأحكامه، فقد رأينا أنه ﷺ بعث ستة رجال من أصحابه في يوم واحد ليتفرقوا إلى الملوك الذين أرسلهم النبي ﷺ إليهم، وكان كل واحد منهم يتقن لغة القوم الذين بعثهم إليهم» (٤).

الداعية إلى الله يعلم أن زوجته شريكة له في دعوته وأجره، بمساعدتها له وتحملها بعده وانشغاله عنها، وصبرها معه على الظروف التي قد تطرأ عليه، مع ما تقوم به من رعاية أولاده وبيته، فلا ينكر فضلها، بل يثني عليها بالخير ويدعو لها بظهر الغيب.

الداعية إلى الله: يعيش قضايا أمته، ولا يكون بعيدًا عنها، ويشارك في تبصير الناس بها ويدعو إلى مساندتها بالطرق المشروعة التي أمرنا بها الله -عز وجل.

صفات جامعة

وقد جمع لنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من الصفات التي تنطبق على الدعاة الصالحين فقال: «منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم، فهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم فقدوا أنفسهم منها. أما الليل: فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلًا، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعًا، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم. وأما النهار: فحلماء علماء أبرار أتقياء لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون. إذا زكي أحدهم قال: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما يعلمون، فمن علامة أحدهم: أنك ترى له قوة في دين، وحزمًا في لين، وإيمانًا في يقين، وحرصًا في علم، وعلمًا في حلم وقصدًا في غنى، وخشوعًا في عبادة، وتجملًا في فاقة، وجدًا في شدة، وطلبًا في حلال، ونشاطًا في هدى، وتحرجًا عن طمع، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر تراه قريبًا أمله، ولله خاشعًا قلبه، قانعة نفسه مسهلًا أمره حريزًا دينه، ميتة شهوته مكظومًا غيظه، الخير منه مأمول والشر منه مأمون، إن كان من الغافلين كتب في الذاكرين، وإن كان من الذاكرين لم يكتب من الغافلين، يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيدًا فحشه، لينًا قوله، غائبًا منكره حاضرًا معروفه، مقبلًا خيره، مدبرًا شره، في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور» (٥).

الهوامش

(1) الشيخ محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير ج ۲، الطبعة الرابعة دار القرآن الكريم بيروت. ۱۹۸۱م ص ١٤٧ .

(2) د. محمد سعيد رمضان البوطي، فقه السيرة النبوية، الطبعة الحادية عشرة، دارالفكر دمشق ۱۹۹۱م، ص ٧٤.

(3) الشيخ أحمد القطان، الداعية الناجح ج 3، دار الدعوة الكويت، ۱۹۸۹م، ص ۱۹۰. 

(٤) د. محمد سعيد رمضان البوطي، المرجع السابق، ص ٢٥٥ .

(٥) الأستاذ نعيم يوسف، الداعية إلى الله: مقوماته وصفاته، الطبعة الأولى، دار المنارة المنصورة ٢٠٠١ م ص ۸۰۷.

الرابط المختصر :