العنوان مواقف فيها عبر
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 25-ديسمبر-1973
مشاهدات 17
نشر في العدد 181
نشر في الصفحة 7
الثلاثاء 25-ديسمبر-1973
قد تمر بالإنسان أثناء مطالعاته في الكتب مواقف تستحق التسجيل، وكذلك تحدث في مجتمعه حوادث يحسن الوقوف عندها، وتناولها بالدراسة والتحليل.
وفي هذه الزاوية نعرض لموقف من هذه المواقف في سجل التاريخ القديم أو سجل الحياة الحاضرة.. ونتناول هذا الموقف بالتحليل لنستخلص منه عبرة وعظة تنفع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. وكذلك سنصنع في كل عدد.
يفعلون ما يقولون
رحم الله أنس بن النضر شهيد معركة أحد، الذي وفى بعهده لربه، فقد آلمه وأحزنه أن لم يشهد معركة بدر الكبرى، فقد فاته بفواتها أجر كبير، وما كان تخلفه عن خور أو نفاق، وإنما لظن أنه لا قتال، وأن الخروج إنما هو للتعرض للعير، ولم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد ألزم جميع الصحابة بالمسير، تألم أنس وعاهد ربه على أن يريه ما سيصنع عندما يشهد معركة مع الأعداء، وفي معركة أُحد ولى المشركون الأدبار بعد أن صدق الله المؤمنين وعده، فلما خالف المسلمون أمره- صلى الله عليه وسلم- تفرقوا وعادت المعركة حامية ورجع أنس من مطاردته للأعداء ليجد الموقف قد تغير وتبدل، فنظر إلى صاحبه قائلاً: يا سعد إني أجد ريح الجنة دون أحد، ونظر إلى المسلمين المنهزمين قائلا: اللهم إني أعتذر إليك مما فعل هؤلاء، وانطلق تجاه العدو انطلاق النسر الجارح في هجمة الأسد الهصور تدفعه قوة الإيمان، وتتمثل أمام ناظريه حياة كريمة يريدها بعد مفارقة هذه الحياة، إنه يريد أن يفي لربه بعهده، ولقد رأى ربه، فقد وجده المسلمون بعد المعركة، وكأن جسده غدا مزرعة للسيوف وللرماح والنبال، حتى أن الصحابة لم يستطيعوا التعرف عليه، فقد تغيرت ملامحه ولم تعرفه إلا أخته بعلامة كانت ببنانه «إصبعه». وقال سعد وهو يروي للرسول صلى عليه وسلم ما كان من أنس: «فوالله یا رسول الله ما استطعت أن أصنع ما صنع أنس».
ويذكرني هذا الموقف من أنس بموقف ذلك الأعرابي الذي آمن بالرسول وتبعه، فلما أعطي نصيبه من الغنيمة بعد إحدى المعارك، قال للرسول صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قال: «نصيبك من الغنيمة» قال: ما تبعتك على هذا، وإنما تبعتك على أن أقاتل في سبيل الله فيصيبني سهم ها هنا، «وأشار إلى حلقه» فأموت فأدخل الجنة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «إن تصدق الله يصدقك».
وفي المعركة التالية جيء به وقد أصيب بسهم في المكان الذي أشار إليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أهو هو؟ قالوا نعم، قال: صدق الله فصدقه الله».
وذلك الفتى الذي ترك الصلاة خلف معاذ عندما أطالها معاذ، فاتهمه معاذ بالنفاق، فاشتكى الفتى للرسول، فقال الرسول لمعاذ «أفتان أنت يا معاذ؟» وقال للفتى كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت؟ قال: أقرأ بفاتحة الكتاب، وأسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ!، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم: «إني ومعاذ حول هاتين، أو نحو هذا، ثم قال الفتى: ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم- يعني بهم الأعداء- وكان المسلمون قد أخبروا بقرب قدومهم، فقدموا فاستشهد الفتى، فقال رسول الله لمعاذ: ما فعل خصمي وخصمك؟ قال: يا رسول الله- صدق الله وكذبت «یعني نفسه»، استشهد لقد كان الرعيل الأول صادقين في إيمانهم وفي أقوالهم يصدرون عن عقيدة قوية، وعزيمة ماضية، ولو ذهبنا نتتبع هذا الصنف من الذين يقولون ويفعلون لرأينا المئات بل الآلاف من النماذج الرائعة، ولقد حققوا قول الله فيهم: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب:23)، إننا بحاجة إلى هذا الصنف الكريم من المؤمنين الذين تصدق أقوالهم معتقداتهم، وتصدق الأعمال القول والعقيدة، يعلمون أنهم إذ ينتسبون إلى الإسلام فعليهم أن يخلعوا عنهم ثوب الجاهلية؛ ويدخلوا في الإسلام بقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، وسلوكهم، وآمالهم وآلامهم، ويقيمون علاقاتهم مع غيرهم حبًا وبغضًا على هدى من كتاب الله، إننا بحاجة إلى هذا الصنف من المسلمين، فهل نحن منهم؟!
نرجو أن نكون، وإلا فلنحاول والله المستعان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل