العنوان مواقف فيها عبر (183)
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يناير-1974
مشاهدات 18
نشر في العدد 183
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 15-يناير-1974
يقولون ما لا يفعلون..
إنه خطيب مجيد تستمع إليه فيشدك إليه، ويملك عليك نفسك، إنه يتدفق في حديثه حتى لا يتلعثم، ويرصع خطبه بآي القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يقصده جمع غفير من الناس في بلده، عاشرته عهدًا بعد أن استمعت إلى حديثة، فرأیت حقيقة الرجل مناقضة للصورة التي كونتها عنه في نفسي، رأيت تصوراته وآماله بعيدة عن نهج الإسلام، أما أسرته فليس بينها وبين الإسلام إلا صلة ضعيفة، فآلمني حاله وتوليت عنه، مؤمنًا أن أمثاله يصدون عن سبيل الله بعملهم هذا، كما كان يفعل الأحبار والرهبان من قبل ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ﴾.
إن هؤلاء إذ يضل بضلالهم عالم كثير، لذلك كان إثمهم أكبر من إثم غيرهم، أما الفرد العادي فإن ضلاله على نفسه. هؤلاء يتخذهم غيرهم ذريعة للطعن في الدين والسخرية منه، ولتهوينه في قلوب الناس، هذا الصنف من الناس هم الأئمة المضللون، الذين خشيهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أمته.
ولذلك كان عقابهم شديدًا، يقول الرسول صلى الله الله عليه وسلم: «يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار فتندلق أقتابه -وفي رواية أقتاب بطنه- في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه». رواه البخاري ومسلم
أعاذني الله وإياك أن نكون من هؤلاء، ولقد مر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة، أسرى به برجال تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فلما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عنهم، قال له: هم الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون.. هؤلاء هم خلفاء أولئك الضالين من بني إسرائيل، الذين كانوا يدعون إلى الخير ثم لا يفعلونه.. ﴿أَتَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبِرِّ وَتَنسَوۡنَ أَنفُسَكُمۡ وَأَنتُمۡ تَتۡلُونَ ٱلۡكِتَٰبَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾.ِ
هؤلاء يدلون غيرهم على طريق الخير ولكنهم لا يفعلونه، فحالهم كما قال الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
الذي يقدم الخير للناس، حرى به أن يقدمه لنفسه أولًا:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإن انتهت فأنت حكيم
وشبیه هؤلاء الخطباء الذين يقولون ما لا يفعلون، ويعظون ولا يتعظون، أولئك الزعماء والرؤساء الذين يمنون أمتهم بالنصر، ويعدونها بالعز والتمكين والقوة والغلبة، ثم لا يحققون شيئًا مما وعدوا.
لا يظن هؤلاء أنهم بمفازة من الحساب والعذاب، إن ما يقولونه مسجل عليهم
﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾.
وعند ذلك سيندمون ويصيحون: ﴿ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾.
إن للكلمة في الإسلام وزنًا كبيرًا، ولذلك عد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، والغدر بالعهد، من خصال المنافق، ولقد رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحابية تنادي ابنها: عبد الله بن عامر -بينما كان يلعب- وتقول له: تعال أعطيك. ترغيبًا له في المجيء، فقال لها: وما أردت أن تعطيه؟
فقالت: تمرًا.
فقال: «أما إنك لو لم تفعلي، كتبت عليك كذبة»!
إن الإسلام يعتبر هذه كذبة، فكيف بكذب أولئك ووعودهم، فاحرص على الكلمة التي تنطقها، والوعد الذي تعطيه، فإن كل ذلك عند الله له شأن.. ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ﴾.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل