العنوان مواكب الشهداء (55)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أبريل-1971
مشاهدات 49
نشر في العدد 55
نشر في الصفحة 19
الثلاثاء 13-أبريل-1971
بعد أن لقي عاصم بن ثابت، مرثد بن أبي مرثد، خالد بن البكير ربهم في أكرم موقف وأعز موطـن نعـود إلى الثلاثة الباقين: خبیب بن عدي، زيد بن الدثنة، عبد الله بن طارق.
هؤلاء الثلاثة لا أذهب في تأويل عدم مقاومتهم للغادرين أول الأمر أنهم لانوا ورقوا رغبة في الحياة!! كما يقـول بعـض المؤرخين، فإن مـا حـدث بعد ذلك لا يسعف هؤلاء في تعليلهم، ولعل أقرب ما يمكـن تصـوره أنهـم ظنـوا أن باستطاعتهم الفرار بالحيلة من هؤلاء المشركين حتى يعودوا إلى الركب المحمدي؛ ليساهموا جنـودًا في ميدان الدعـوة، مجاهدين في معارك أكبـر، ومن ثم كان التظاهر بالتسليم وتصديق المشركين فيما وعدوا به، أو ليستطيعوا مباغتتهـم فیُصيبوا منهم عددًا أكبر، وتم أسرهم، وسار المشركون بهم في الطريق إلى مكة حتى يبيعونهـم لقريش، وبينما هم في منطقة «الظهران» وأيديهم موثوقة بأوتار القش، استطاع عبدالله بن طارق أن يفك وثاقه، وينزع يده مـن القران، ويأخذ سيفه!! لكن القوم أدركوا خطته، فاستأخروا عنه وهم كثر، ورموه بالحجارة حتى لحق بالرفيق الأعلى وفاضت روحه تلحق بأرواح الثلاثة.
وانطلق موكب الغادرين بزید وخبيب حتى قدموا بهما مكة، وبيع زيد لصفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف الذي جند له المؤمنون في قليب بدر.
ولقي زيد ربه بمكيدة الغادرين وأيدي المشركين، وصعـدت روحه إلى باريها تلحق بأرواح الأربعة.
وقدم الغـادرون خبیب بن عدي إلى بني الحارث؛ لأنه كان قد قتل بعض رؤوسهـم يوم بدر، ومكث عندهـم مسجونًا، يحكى عنـه أنـه استعار من إحـدى بنـات الحارث «موسى» يستحد بها للقتل، فما راع المرأة ولهـا صبي يدرج إلا بخبيب قـد أجلس الصبي علـى فـخـذه والموسي في يده، فصاحت المرأة!!
فقال لها: أتخشين أني أقتله؟! إن الغـدر ليـس من شأننا.
فقـالت المرأة بعد ذلك: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، لقـد رأيته وما بمكة من ثمرة، وإن فـي يده لقطفًا من عنب يأكله!!
إن هـذا ليس علـى الله العزيز، فمـن قبـل كـانت الفاكهة تأتي مريم ابنة عمران في محرابها في غير أوانها، ومـن حيث لا يأتيها بشر، قـال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (آل عمران: 37).
ثم أجمع القوم على قتله، فخرجوا به من الحرم إلى التنعيم، فلمـا أجمعوا علـى صلبه، قال: «دعوني، حتى أركع ركعتين»، فصلاهما، ثم قـال بعد أن سلّـم: «والله لـولا أن تقولوا إن ما لي جزع لزدت!!»، ثم دعا ربه قائلًا: «اللهم أحصهم عددًا، وخـذهم بـددًا، ولا تغادر منهم أحدًا».
واجتمعت قريش في موقف الشماتة، تحاول أن تشفي غليلها مـن فرد واحـد مؤمن!! ألقت به يد الغدر إليهم يتقدمهم زعيمهم (أبـو سفیان بن حرب)، الذي قال له: یا خبیب أيسرك أن محمدًا عندنا نضرب عنقه، وأنك في أهلك؟
فرد عليه بصيحـة المؤمن المحب لله ورسوله: «لا والله، ما يسرني أني في أهلي وأن محمدًا في مكانه الذي هـو فيه تصيبه شوكة تؤذيه!!»، ثم ترنم بأبيات من الشعر يسخر بجموعهم الشامتة، ويشكو إلى الله وحده قائلًا:
لقد أجمع الأحزاب حولي وألبـوا
قبائلهم واستجمعـوا كـل مجمـع
وقد قربـوا أبناءهـم ونساءهـم
وقربت من جذع طويل ممنـع
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي
وما جمع الأحزاب لي عند مضجعي
وقد خيروني الكفر والمـوت
دونه فقد ذرفت عيناي من غير مدمع
وما لين حذار الموت إني لميت
وإن إلى ربـي إيـابي ومرجعي
ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذاك في ذات الإلـه وإن يشأ
يبـارك على أوصال شلو ممـزع
فخرج إليه (أبو مسروعة بن الحارث) فضربه فقتله، وظل جثمانه الطاهر معلقًا مصلوبـًا يتلذذ به السفاكون الغادرون.
لكن الرسول العظيـم -صلوات الله عليه- الذي أبلغـه الله أنباء وفده استجابة لدعوة عاصم، بعث (عمرو بن أميـة الضمري) فدائيًا يأتيه بالأخبار، يقول عمرو: «وصلت مكـة، فجئت إلى خشبة خبيب، وأنا أتخوف العيون، فرقيت إليها، فحللت خبيبًا فوقـع علـى الأرض، فانتبذت غير بعيـد ثم التفت فلم أر لخبيب أرمة (أي جثـة)، فكأنمـا الأرض ابتلعته، فلم تذكـر لخبيـب أرمة حتى الساعة».
وظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو شهرًا في صلاته على الغادرين «عضل والقارة»، وكان رجزه يـوم الخندق «اللهم العن عضـلًا والقارة».
فهل يستطيع القراء أن يأتوني بكوكبة من الشهـداء غدر بهم كغدر هؤلاء، وعددهم ستة؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل