; مع اللواء فؤاد علام على الهواء | مجلة المجتمع

العنوان مع اللواء فؤاد علام على الهواء

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1997

مشاهدات 13

نشر في العدد 1282

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 30-ديسمبر-1997

شاهدنا الحوار الذي أجرته قناة الجزيرة القطرية مع الأساتذة: اللواء فؤاد علام أحد خبراء الأمن في مصر، والدكتور كمال الهلباوي الناطق السابق باسم الإخوان المسلمين في الغرب. كان الحوار يدور حول قيام مجموعة مسلحة بمهاجمة مجموعات من السائحين في منطقة الأقصر في جنوب مصر. ولقد أجمعت القوى السياسية داخل مصر وخارجها على استنكار الحادث واعتبرته جريمة غير مبررة، تخالف المبادئ الدينية والإنسانية وتسيء للإسلام. أما الجماعة الإسلامية التي أصدرت بيانًا تبنت فيه العملية، فقد تبين من التناقضات التي ظهرت على ألسنة مختلف أطرافها أنها منقسمة على نفسها. وأن الذي أصدر الأوامر وما زال يتبنى مثل هذه العمليات هو فريق الخارج الذي يحرك الجناح العسكري.. أما القادة التاريخيون للجماعة الذين يقضون عقوبة السجن في قضية اغتيال السادات- وهم الذين أطلقوا المبادرة السلمية التي تقوم على وقف عمليات العنف من جانب واحد في يوليو الماضي- فلم يعد لهم أي تأثير على منفذي العمليات.

 وإذا كانت لا توجد أحداث بلا سبب، ومعالجة المرض تحتاج إلى تشخيص العلة أولاً.. فما الأسباب الحقيقية لظاهرة العنف هذه؟ 

جريدة الوفد المصرية تحلل الأسباب فتقول: أثبت الواقع أن ظاهرة العنف تتسع، وتجتذب إليها أجيالًا جديدة من الشباب، كما تطورت الأساليب من القتل الفردي إلى القتل الجماعي على النمط الجزائري، ووقفت الدولة عند إطار المواجهة الأمنية رغم تغيير القيادات وكان نصيب وزارة الداخلية من التغيير أكثر من غيرها، وتوالى عليها في عهد مبارك سبعة وزراء هم اللواءات النبوي إسماعيل، وحسن أبو باشا، وأحمد رشدي، وزكي بدر، وعبد الحليم موسى، وحسن الألفي، ثم أخيراً حبيب العادلي، ولا شك أن كلًا منهم أدى واجبه في حدود الإمكانات المتاحة، ومع ذلك بقيت جمرة  الإرهاب مشتعلة، بل زادت اشتعالاً!! إن المواجهة الأمنية لن تؤتي ثمارها بينما بقية عناصر المواجهة مغيبة، أو محكوم عليها بالشلل والجمود.. فالأزمة متعددة الجوانب السياسية والاجتماعية ومن هنا يجب أن يبدأ الإصلاح لا من مسدس رجل الأمن فقط. لا يمكن أن نتوقع استقرارًا في ظل تركيبة سياسية تسمح بتزوير الانتخابات العامة... وتترك الفساد يتغلغل في كل مكان... وفجوة الظلم الاجتماعي تتسع بين أثرياء يحصلون على الأموال بوسائل غير مشروعة وينفقونها في مظاهر السفه والفجور... بينما سواد الشعب عاجز عن الحصول على حقوقه الأساسية في العمل والمسكن والعلاج والتعليم.. يجب أن نعترف بأن الشعب المصري لا يمارس دوره الطبيعي في المسؤولية والرقابة والحكم، وأن المجالس البرلمانية لا تعبر عن مجموع الأمة... وأن منافذ العمل السياسي مغلقة بالضبة والمفتاح، وأننا نعيش عصر الحزب الواحد الذي يحتكر الحكم دون سند شرعي.. وأن هذا الحزب مفروض على الواقع المصري بقوة القهر.. وأن هذه التركيبة الهشة أدت إلى عزل الشعب عن مسؤولياته.. فحدث الانكماش والتقوقع والإحباط.. ولا نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن هذا الإحباط تحول إلى سخط وغليان مكبوت في أعماق المواطن المصري. إن الحكومة تعمل- من حيث لا تدري- على تشجيع العمل السري وتنمية الجماعات المتطرفة، فصار حالها أشبه بالمستجير من الرمضاء بالنار... فهي تخاف من ازدياد دور الأحزاب الشرعية، فتعمل على ضربها، وتضع العراقيل أمام نشاطها، وتستخدم أجهزة أمن الدولة في تخويف كل من يفكر في الانضمام إلى أحزاب المعارضة وتضعهم في قوائم المشبوهين وتهددهم في أرزاقهم وترقياتهم.. فماذا كانت النتيجة؟ اجتذبت الجماعات المتطرفة أفواجًا جديدة من البائسين واليائسين والحياري والضائعين، وجعلت منهم أدوات هدم وتدمير.. وفقد الناس الأمل في قيام معارضة شرعية تمارس دورها الوطني في حماية الاستقرار، وسيادة القانون، ومكافحة الانكشارية التي تفرغت للسلب والنهب وتكويش الثروات بأيسر السبل. نحن إذن في حاجة إلى مواجهة سياسية تطفئ الحريق قبل استفحاله ولا بدّ من فض المولد الحالي القائم على التزوير والتزييف والكذب والنفاق ولا بدّ من فتح النوافذ أمام هواء نظيف خال من التلوث والفساد.. ولا مفر من اللجوء إلى الشعب لكي يمارس دوره الطبيعي في المشاركة والرقابة وضبط تروس العجلة قبل أن تهوي إلى القاع... نحن في حاجة إلى حركة سياسية عامة تدفع بالدماء الحارة إلى كل شرايين الأمة المصرية، وتخرج بها من حالة السلبية واللامبالاة واليأس.... وبدون هذا العلاج السياسي الشامل لن تتوقف عجلة الإرهاب، ويقول د. وحيد عبد المجيد في جريدة الحياة: ينبغي إطلاق حرية العمل العام والنشاطات السياسية والمدنية على كل صعيد بما في ذلك داخل الجامعات المحظور ممارسة أي عمل حزبي فيها وربما لا يخلو من مغزى أنه في الوقت الذي حدثت فيه مذبحة الأقصر، كانت هذه الجامعات في حال اضطراب بسبب تدخل الإدارة في انتخابات الاتحادات الطلابية، وشطب عدد كبير من المرشحين الذين ينتمون أو يؤيدون أحزابًا وقوى سياسية مختلفة. هذه الإجراءات وغيرها مما يهدف إلى نزع السياسة من جامعات مصر التي كانت قلعة الحركة الوطنية والديمقراطية منذ الثلاثينيات، تمثل أحد أهم منابع التطرف، فإذا كانت المشاركة في الانتخابات ممنوعة على هذا النحو، وهو ما يعني أن العمل السياسي محظور، فينبغي ألا يدهشنا انزلاق بعض الشبان في اتجاه التطرف ومنه إلى الإرهاب. 

فإذا سلمنا بما ذكر من أسباب العنف، فكيف يكون العلاج؟ 

نعود الآن إلى بداية حديثنا، إلى اللقاء المباشر الذي أجرته قناة الجزيرة والحوار مع اللواء فؤاد علام والدكتور كمال الهلباوي... ففي ثنايا الحديث سنتعرف على بعض الأسباب.

يسأل المذيع اللواء علام فيقول: ولماذا لم تقبل الحكومة عرض الجماعة الإسلامية وهي تطالب بإيقاف العنف بلا قيد ولا شرط؟ لماذا لم تحاورهم لتتعرف على حقيقة مواقفهم ومطالبهم؟ فإن وجدتها معقولة حمدت الله على الأمن والسلام، وإن لم تجدها كذلك فلن تخسر شيئًا، فالقوة وأسبابها وجنودها بيد السلطة، فيرد اللواء علام وقد غلبته طبيعته المباحثية وتذكر فيما يبدو دوره في صنع هذه الحالة عبر أكثر من ثلاثين سنة، فيقول: «وكأنه يدافع عن نفسه»: «إن الحوار مع هؤلاء يقويهم، وهو نوع من الاعتراف بهم.. ثم ما أفكارهم الجديدة التي رفضوا بموجبها العنف؟ ينبغي إعلانها حتى نعرف لماذا يطالبون بالتوقف.. لضعف فيهم أم لكسب الوقت للتخطيط لعمليات أخرى؟ أم هو اقتناع بأفكار جديدة؟ ثم يسأله مقدم البرنامج: وكيف ستتعرفون على أفكارهم إذا لم تحاوروهم؟ ثم ينتقل اللواء علام إلى كتاب معالم في الطريق للأستاذ سيد قطب فيقول: «هذا الكتاب يحمل في طياته بذور التكفير وتقسيم المجتمع إلى مجتمع إسلامي ومجتمع جاهلي.. وأن كل نظام لا يحكم بالإسلام هو دار كفر.. وبذلك كان الشرارة التي ولدت هذه الانحرافات باسم الدين».

ونحن نعتقد أن سيد قطب ظُلم من فريقين: فريق غالى في كرهه وهؤلاء من خريجي مدرسة المباحث التي يعتبر اللواء علام أحد أركانها. وفريق غالى في حبه ففسر كلامه على أنه مفاصلة للمجتمع وهجران له وتكفير للآخرين ولم يفرق بين المجتمع الجاهلي وبين الكفر... وسيد قطب بريء من الفريقين... ومع ذلك فحتى لا يلتبس الأمر وتختلط الفهوم فقد أصدر الإخوان في السجون كتاب «دعاة لا قضاة» بقلم مرشدهم حسن الهضيبي- رحمه الله- توضيحًا لكل النقاط غير الواضحة.. وبين الكتاب أن الإخوان لا يكفرون أحدًا لا حاكمًا ولا محكومًا إلا من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة أو نطق بكلمة الكفر، ثم ينتقل اللواء علام إلى الإخوان ويسأل: وماذا فعل الإخوان ليثبتوا إقلاعهم عن العنف؟ 

وإدخال الإخوان في حديث الإرهاب مقصود فهو يريد أن يؤكد أنه لا فرق بين الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى التي تتبنى العنف. ومع ذلك نقول للواء علام لقد أصدر الإخوان المسلمون خلال الخمسين سنة الماضية أكثر من ألف بيان ومنشور يستنكرون فيه العنف.. ابتداء من مرشدهم الأول الذي وصف قتلة النقراشي بأنهم ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، وتثنية بالمرشد الثاني الذي كانت عقليته ترفض وجود جهاز خاص، وانتهاء بمدرسة المرشد الثالث عمر التلمساني- رحمه الله- الذي كانت الحكومة تلجأ إليه لدفع العنف الذي يتبناه الآخرون، بالإضافة إلى مئات البيانات الرسمية التي أصدرها الإخوان يستنكرون فيها أحداث العنف من أي مصدر جاءت.. هذا بالإضافة إلى مواقف الإخوان العملية منذ خروجهم من السجون في أوائل السبعينيات وحتى اليوم، فهل أدينوا بحادث عنف واحد؟ أم أدينوا بامتلاك سكين أو مسدس؟ ولا نعتقد أن اللواء علام يجهل هذا الكلام أو أنه لم يسمع به أو لم يقرأه. فأذن المباحثي شديدة الالتقاط وحاسة الشم عنده حادة، ولكنه لا يريد أن يعرف الحقيقة، فتراه مثلًا يذكر كتابًا لشخص ما لا يمثل فكر الإخوان ولا رأيهم ولا علاقة له شخصيًا بالإخوان في الوقت الحاضر، ويستشهد به ويتجاهل بيانات الإخوان الرسمية. ونحب أن نعطي للواء المباحثي درسًا في الأصول الديمقراطية، فإن شخصًا «ما» من حزب «ما» إذا فعل فعلًا «ما» يعاقب عليه القانون، فلا يجرم بفعله الحزب إلا إذا تبناه، ولكن هيهات فهذه قيم لم تصل إلى مباحثنا بعد. إن الأمة لن تتخلص من فكر الإرهاب، إلا إذا تخلصت من الفكر المباحثي الذي لا يفرح للأمن، بل يفرح لوجود الجريمة وإذا لم يجدها افتعلها حتى يبقى صاحب حظوة، وكم فبركت المخابرات من قضايا، وكم لوت عنق الحقائق. يوم حدث الانفصال في سورية، قال أحمد سعيد بصوته المنفعل: «اسهروا معنا يا شعبنا حتى تروا نهاية الانقلاب الذي قام به الإخوان المسلمون» استحى أن يقول إن زبانية النظام هم الذين فعلوا، وكنا نظن أننا انتهينا من عقلية أحمد سعيد وعقلية المباحث. 

                                                                                  أيمن محمد

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل