; موضوع الغلاف (1346) | مجلة المجتمع

العنوان موضوع الغلاف (1346)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999

مشاهدات 40

نشر في العدد 1346

نشر في الصفحة 20

الثلاثاء 20-أبريل-1999

ماذا بعد تدخل الأطلسي..؟

مستقبل البلقان ومصير الألبان

إذا لم يستسلم ميلوسوفيتش فإن المنطقة ستواجه أحد السيناريوهات التالية:

تدخل بري مكثف.. أو استمرار القصف الجوي

أيًا كانت السيناريوهات الَّتي ستواجهها المنطقة فإن الأزمة الكوسوفية ستظل محل نظر وقَدْ تستمر لوقت غير معلوم

د. حمزة زوبع

هل سيتدخل الناتو برًا أم سيستمر في الضربات الجوية؟

 للإجابة عن هذا السؤال يجب الإجابة عن سؤال سابق له في الترتيب الزمني وهو: هل يستسلم ميلوسوفيتش أم يستمر في عناده؟

ميلوسوفيتش رئيس يوغسلافيا الحالي عرف عنه العناد وركوب الرأس، وقَدْ دخل في حروب ثلاث منذ توليه السلطة في صربيا ۱۹۸۹م، وهو شيوعي قديم أعتلى رئاسة الحزب - الشيوعي في صربيا ۱۹۸۷م، مع أنه دخل المعترك السياسي في العام ١٩٨٤م، أستطاع أن - يستغل الكنيسة الصربية في الدعوة إلى العنصرية، وكان أول ما قام به بعد تنصيبه رئيسًا لصربيا هو زيارة إقليم كوسوفا ولقاء الأقلية الصربية، وصرَّحَ متحدثًا: «بعد اليوم لا أحد - سوف ينال منكم»، واتخذ إجراءات إلغاء الحكم الذاتي وضم الإقليم إلى صربيا، ومن ثم فرض قانون الطوارئ.

كان يشبهه زملاؤه بالزعيم الروسي لينين ويقولون عنه «لينين الصغير» كما أطلقت عليه مجلة THE ETHNIC اسم المطهر العرقي TIME تايم CLEANSER

خاض الحروب التالية في ظرف زمني صغير:

  1. كرواتيا عام ۱۹۹۱ وانتهى الأمر بالهزيمة واستقلال كرواتيا وتطهير إقليم كرابينا من الصرب. 
  2. البوسنة والهرسك ۱۹۹۲م، وأنتهى الأمر بالضربة العسكرية ثم الرضوخ لاتفاق دايتون واعترف العالم به شريكًا للسلام. 
  3. كوسوفا ۱۹۹۸ م - ۱۹۹۹م ضد الناتو، ومن الواضح أن هزيمة عسكرية لحقت به قبل إطلاق صرخة الاستسلام، البعض يرى أن ساعة الاستسلام قد دنت مستشهدين بالتالي:
  4. لقائه مع إبراهيم روجوبا الرهين في بلجراد واستغلاله وجود السفير الروسي لإعلان مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار ومناشدته الوصول إلى حل سلمي.
  5. النداء الَّذي وجهه أحد رجالاته اسكوفيتس، والَّذي أنشق عن المعارضة ليحل ضيفًا بالوزارة، والَّذي كان يصرخ بعد عشرة أيَّام على شاشة الـ CNN قائلًا: «لا يمكننا التفاوض تحت وابل القنابل».
  6. الإعلان عن وقف إطلاق النار، وحرية العودة للمهاجرين، وانسحاب بعض وحداته من كوسوفا بمناسبة عيد الفصح.
  7. الإعلان عن مبادرة جديدة وذلك عقب الضربات الساحقة الأخيرة للحلف، وبموجب هذه المبادرة فإنه يرحب بالحكم الذاتي والانسحاب وقوات دولية ليست أطلسية.
  8. العرض الَّذي قدمته صربيا للأمريكيين بالإفراج عن الجنود بعد أن أعلنت في بداية الحرب عن تقديمهم للمحاكمة ورفض الأمريكيين العرض يعني أن صربيا ليس لديها الكثير من المقاومة وهي تبحث عن أوراق سياسية.
  9. قيام ميلوسوفيتش بإجراء تعديلات عسكرية في صفوف القيادة العليا شملت بعض القادة العسكريين في الجبل الأسود، وهذا يعني أن هناك مشكلة في الولاء لميلوسوفيتش، أو أنه متخوف من خيانة متوقعة، الأمر الَّذي ترك تصدعًا بالجيش حتى هذه اللحظة، وكما عبر المتحدث باسم الناتو: «هناك علامات تشقق وتصدع بالجيش والبعض يرفض قرارات ميلوسوفيتش... ».
  10. البيانات العسكرية توضح أن هزيمة عسكرية كبيرة لحقت بالجيش اليوغسلافي، وأن بعض أسلحته قد دمرت تمامًا مثل طائرات الميج. والبعض الآخر عجز عن استخدامه مثل الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات المختبئة بأدغال كوسوفا خوفًا من استخدام طائرات الأباتشي قاهرة الدبابات.
  11.  التحرك الروسي مؤخرًا والتهديد بحرب عالمية وإن تراجعت موسكو بعد ذلك يبين أنه ليس هناك وقت طويل قبل دخول القوات البرية، وهو ما يعني وضعية أخرى واتفاق جديدة، كما أن موافقة برلمان صربيا على الوحدة مع روسيا وروسيا البيضاء، لن يضيف جديدًا ولن يحرك شيئًا.
  12.  المبادرة الأخيرة الَّتي أعلنت الأحد ٩٩/٤/١١ من قبل صربيا والَّتي تقبل فيها بالحكم الذاتي الموسع والانسحاب وقوات أجنبية وليست أطلسية، ولكن الاتفاق يكون بين يوغسلافيا ميلوسوفيتش وإبراهيم روجويا زعيم الألبان هناك «الغريب أن وسائل الإعلام الصربية لم تعد تصف إبراهيم بالإرهاب كما دايت على ذلك من قبل».

ويبقى السؤال: هل يمكن لميلوسوفيتش أن يتنازل عن كرامته وكبريائه المزعوم ويعلن الاستسلام أم أن هناك ثمة مخارج للاستسلام المشرف؟

والحقيقة أن الساسة الأمريكيين يدركون قرب نهاية ميلوسوفيتش واستسلامه بأي شكل، ولكنهم لا يريدون التعامل معه كما صرَّحَ كبير موظفي البيت الأبيض: «لا نود رؤيته، ولكننا لن تعمل على إزاحته» تمامًا كما كان الوضع مع صدام قبل الموافقة على دعم المعارضة العراقية، كما أن كوفي عنان نفسه كرر مطالب المجتمع الدَوْلِي ومطالب صربيا بوقف إطلاق النار والموافقة على الشروط الخاصة بالحكم الذاتي والانسحاب، وعودة المهجرين، وتوقيع اتفاقية سلام ولكنه يرى عدم التعامل مع ميلوسوفيتش، لما ثبت من عدم جدوى الاتفاق معه.

وعلى ذلك فاجتماع وزيري الخارجية الأمريكي والروسي بعد اجتماع وزراء الناتو سيكون بمثابة تسليم الشروط للاستسلام المشرف لميلوسوفيتش قبل الانهيار الكامل لصربيا بعد الضربات المؤثرة على عمق بلجراد.

 وإذا لم يستسلم ميلوسوفيتش يبقى أحد السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول التدخل البري

يراهن الكثيرون على أن التدخل البري حاصل وفي القريب العاجل مستدلين بما يلي: 

- التصريحات القوية من جانب مسؤولين كبار في البيت الأبيض مثل: «جون بوديستا» كبير موظفي البيت الأبيض والَّذي قال في برنامج ، واجه الصحافة، الأحد 11/4/99 «إن هناك خطة للتدخل بقوات برية»

- تصريحات لقادة عسكريين في الناتو مثل جورج جولوان القائد الأعلى السابق للناتو والَّذي صرَّحَ بأنه يمكن التدخل البري الآن وبأعداد قليلة، خصوصًا بعد تقليم أظافر القوة العسكرية لميلوسوفيتش وتكبيده خسائر تصل إلى ٥٠٪ من قواته في كوسوفا..

- وقال جولوان إن: (٦٠ - ١٠٠) ألف تكفي للقيام بالتدخل البري في هذه الظروف.

- علاوة على تدمير وسائل الاتصال والإمداد والتموين من مخازن للوقود، كما أن الناتو أشار إلى أن الـ ٥٠ % المتبقية من قوات ميلوسوفيتش قد أصابتها خسائر جزئية تصل إلى ٤٠ %.

- تصريحات رئيس فريق المراقبين الدَوْلِيين في كوسوفا والَّتي قال فيها: الكل يريد القوات البرية لاستعادة الأمن والنظام الوحيد الَّذي يرفض هو ميلوسوفيتش، وقال: «هؤلاء اللاجئون لن يعودوا بدون حماية، وأنا شخصيًا لن أعود إلا في وجود هذه القوات». 

- تصريحات الساسة الأمريكيين الكبار من وزن هنري كيسنجر والَّذي طالب باستقلال الإقليم الأمر الَّذي لا يمكن تحقيقه بدون قوات دولية تحمي الكيان الناشئ من العدوان الصربي. 

- الوضع الإنساني المتدهور وحالة الشتات الَّتي يعاني منها المهاجرون «في مخيمات اللاجئين قرابة النصف مليون»، والأمواج المتتالية من البشر على كل من ألبانيا ومقدونيا ورفض الأخيرة مزيدًا من المهاجرين خوفًا من المصير السياسي الَّذي قد ينتهي بهم في مقدونيا مضيفًا رقمًا ألبانيا جديدًا إلى الرقم الحالي ٤٠%. 

- تسجيل حالات التطهير العرقي والاعتداء الجنسي وحرق القرى والمدن وإخلاء بعضها تمامًا مثل برشتينا، يضع العالم أمام مأساة قد يطول أمدها إذا لم يحسم الصراع الآن والقوات الصربية تترنح. 

- ظهور جيش تحرير كوسوفا مرة أخرى داخل الإقليم وقيامه مؤخرًا باغتيال بعض الجنود الصرب، يعني أن ثمة تنسيقًا جاريًا، وأن الضربات العسكرية استطاعت تحجيم الآلة العسكرية، الأمر الَّذي يسمح للمقاومة بالتواجد، علاوة على فتح مراكز للتدريب على الحدود الألبانية لجيش تحرير كوسوفا، قد يشجع قوات الأطلسي على التدخل البري في ظل وجود قوات من الألبان تكون في طليعة القوات البرية «أكبر الضحايا ستكون في صفوف الألبان ».

- الضغط الشعبي في أمريكا من جانب المنظمات الإسلامية والَّتي أثبتت دورًا تاريخيًا وقامت بتظاهرة كبيرة في حديقة البيت الأبيض تطالب بتسليح المسلمين في كوسوفا والتدخل البري لحمايتهم.

- الضغط الشعبي العربي والإسلامي على ضعفه والمظاهرات الَّتي خرجت في القاهرة، ومن الأزهر وانحياز العلماء الرسميين للمسلمين في كوسوفا والمطالبة بدعمهم والتدخل العسكري. والمطالبة الشعبية بفتح باب الجهاد، قد تغري الأمريكيين باستخدام هذه الورقة في مزيد من الضغط على ميلوسوفيتش وروسيا.

 - إعلان منظمة المؤتمر الإسلامي المشاركة بقوة لحفظ السلام، قد يعني ضمنًا استعداد بعض الدول للمساهمة من أجل تنفيذ التدخل البري ولو بتقديم الدعم المالي والمعنوي.

 

 

استمرار القصف الأطلسي

وهذا يعني أن الطرف الخاسر هو البان كوسوفا، لأن المجتمع الدَوْلِي سيضطر إلى التعامل مع صربيا كدولة إن عاجلًا أو أجلًا، أما الألبان فستتحول قضيتهم إلى قضية لاجئين وستشهد المنطقة سخونة لا تنتهي طالما بقي الألبان تحت الحكم الصربي، وبقي اللاجئون على مقربة من الوطن الأم، ومعسكرات جيش تحرير كوسوفا قد تغري الكثيرين خصوصًا إذا ما تولت أمريكا تسويق المشروع إلى العالم العربي والإسلامي من خلال فتح باب الجهاد والتطوع واستغلال الإغاثة واللاجئين في استمرار التوتر دون الوصول إلى حل نهائي وعليه فإن أوروبا تكون قد شربت الهواء، ببقاء التوتر في وسطها دون حل.

وهذا يعني:

۱ - توسع التوتر شرقًا، على رغم وجود قوات أطلسية في مقدونيا يمكنها التدخل لوقف أي عمل عسكري يقوم به البان كوسوفا للمطالبة بحقوقهم.

 ۲ - تشقق الاتحاد اليوغسلافي وانفصال الجبل الأسود الَّذي تذمر من الضربات ومن تصرفات ميلوسوفيتش، لذا فبعد خمسة أيَّام من الضربات الَّذي طالت بعض المواقع في الجبل الأسود، توقف الأطلسي رغبة منه. الحفاظ على في ورقة الاعتدال في الجبل الأسود.

٣- التصور الأخير يعني ضمنًا زوال ميلوسوفيتش «رئيس يوغسلافيا»، لأنه في حال انفصال الجبل الأسود يكون اتحاد يوغسلافيا غير ذي صفة، ويمكن للمجتمع الدَوْلِي المراهنة على التغيير في صربيا بعد زوال ميلوسوفيتش، ولكن الأزمة الألبانية الكوسوفية ستكون محل نظر، وقَدْ تستمر لوقت غير معلوم.

مستقبل البلقان

من غير المعقول أن تخوض الدول معارك وحروبًا تكلفها بلايين الدولارات من أجل استسلام - سياسي لا يساوي ثمن الحبر الَّذي كتب عليه، لذا فقد عرف تاريخ الحروب «حق المنتصر»، وهو ما يعني أن الدول المنتصرة لها حق فرض شروطها. السياسية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية على - الطرف المهزوم، وقَدْ عرف التاريخ الحديث ذلك في الحرب الروسية - التركية وتلاها مؤتمر برلين ۱۸۸۷م، حرب البلقان ومؤتمر لندن ۱۹۱۲م. ۱۹۱۳م، الحرب العالمية الثانية واتفاقية بالطاء - وتقسيم ألمانيا وتحجيم الدول المشاركة إياها، حرب البوسنة واتفاق دايتون، لذا فإنه من المتوقع أن تلجأ - دول الأطلسي إلى إحداث تغييرات سياسية وجغرافية سوف تتبعها متغيرات اقتصادية أيضًا:

  1. كوسوفا في حال القيام بتدخل بري - محدود فالبعض ومنهم «مجلة جينز العسكرية»، يرى أن تغييرًا جغرافيًا في خريطة صربيا ينتهي بتقسيم الإقليم وإعطاء الألبان الشطر الجنوبي الغربي وضم الجزء الآخر بما فيه جزء من برشتينا «لذا بدأ التطهير العرقي فيها أولًا» إلى صربيا ويصبح الجزء الألباني تحت الحماية الدَوْلِية لحين استقرار الأمور والسماح بدولة للألبان.
  2.  كوسوفا في حالة التدخل البري الحاسم وموافقة الصرب على التوقيع على أتفاق جديد يضمن وجود قوات دولية يصبح الحكم الذاتي أول خطوة نحو إقامة دولة بعد أن يثبت الألبان حسن السير والسلوك لأمريكا أولًا.
  3. مقدونيا في ظل وجود القوات الأطلسية هناك، وفي ظل الدعم المعنوي والسياسي المقدم من الغرب وعلى رأسه زعيم الناتو سولانا الَّذي أشاد بدور مقدونيا وخدمتها للسلام العالمي، فلن يسمح لألبان مقدونيا بالتحرك بل سيتم التخيير بين البقاء ضمن الدولة المقدونية والرضا بما يعطى مع توسيع صلاحيات وحقوق الألبان هناك أو الذهاب إلى دويلة كوسوفا للاستقرار بها، ويراهن الغرب على أنه بعد زوال جليجوروف فإن الإصلاحات السياسية في مقدونيا يمكنها استيعاب الألبان، لكن الكثيرين يرون أن القوات الأطلسية لا يمكنها البقاء طويلًا، ولا يمكنها التورط في حرب، مِمَّا يعني أن التحرك السياسي يجب أن يبدأ الآن، علاوة علي أن اليونان ما زالت ترى في مقدونيا جسمًا غريبًا قد تضطر إلى التعايش معه مؤقتًا احتراما للناتو.
  4.  كرواتيا: عجوز سياسي آخر أستطاع تحرير بلاده من الصرب ويسيطر أتباعه على جزء كبير في البوسنة والهرسك وربما يدفعه طموحه وضعف الصرب الآن ومستقبلًا إلى التفكير في إقامة اتحاد بين الجزء الكرواتي المسلم وكرواتيا.
  5. صربيا والجبل الأسود والانفصال المحتوم والعودة إلى الدويلات القومية بالبلقان، ويبقى انتظار تحرك المجريين في إقليم فيوفدينا السنجق لتكون القاصمة لصربيا، والَّتي سيتم تجريدها من السلاح لفترات طويلة لحساب دول الجوار مثل كرواتيا ومقدونيا، وألبانيا حتى لا تعاود الكرة. 
  6. اليونان والبانيا ليس من المستبعد أن تطالب اليونان بحماية اقليتها اليونانية في ألبانيا وتطالب الناتو بالتدخل لحمايتهم كما يفعل من أجل المسلمين، وعليه فإذا سمح العالم لكوسوفا أو الجزء المتبقي للألبان بالانضمام إلى دولة البانيا. ستسعى اليونان إلى فصل جنوب ألبانيا وضعه سم وهكذا تظل المساحة الَّتي يعيش عليها الألبان كما هي لم تتغير.
  7. التغييرات السياسية وتشمل إزالة ميلوسوفيتش وميلوتينوفيتش والإتيان بوجه جديد من المعارضة من الحزب الديمقراطي أو الديمقراطي الصربي اللذين يلقيان دعمًا غربيًا كبيرًا، أو السماح بانقلاب عسكري مدعوم من الناتو.

على المستوى الدَوْلِي 

  1. التأكيد على المسار الواحد والاتجاه السياسي الواحد العولمة السياسية، بزعامة أمريكا. 
  2.  ضعف بل وضمور الأمم المتحدة وربما يكون للمنظمات الإقليمية دور أكبر في الفترة القادمة ١٩٩٩ - ٢٠٠٠م.
  3. تسليط عصا الناتو لتأديب الخارجين على القانون في الداخل والخارج، ورفع شعار الناتو «تأديب وتهذيب وإصلاح».
  4. إعادة تأهيل الأقليات في العالم وإخضاعها لمنظومة العولمة وعدم اعتمادها على المناصرة بعيدًا عن أمريكا والناتو، بمعنى عدم السماح للدولة الأم بالتدخل في مشكلات أبناء عرقها في بلاد أخرى.
  5. القضاء والمرة الأخيرة على حق الشعوب المسلمة في الاستعانة بالدول الإسلامية، فلا الدول الإسلامية تسمع، وحتى إن سمعت فحق الرد مكفول لأمريكا والناتو.. فقط
  6. نهضة معمارية واقتصادية بلقانية تستفيد منها أمريكا وأوروبا، والدعم الَّذي يقدم من الدول الإسلامية الشقيقة.

ليس من المعقول أن تخوض الدول الكبرى حروبًا تكلفها ملايين الدولارات من أجل استسلام سياسي ودون فرض شروطها السياسية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية علي الطرف المهزوم

تصفية حسابات تركية- يونانية علي نيران الغارات!

لندن: عامر الحسن

تثير أزمة كوسوفا وغارات حلف الأطلسي على صربيا مساحة واسعة لتصفية حسابات قديمة بين تركيا واليونان. فقد نقلت صحيفة تركية نبا تحرش أجهزة رادار يونانية تابعة لأحد مواقع الصواريخ بجزيرة ليمونس بطائرة تركية مقاتلة من طراز 16 - F مما اضطر قائد الطائرة التركية للعودة إلى قاعدته الجوية في أنقرة فورًا، وبعدها قامت الحكومة التركية بإرسال إنذار لليونان ضمنته تأكيدًا بأنها ستقوم بتدمير أي قاعدة للصواريخ تنطلق منها أشعة الرادار صوب طائراتها، وقالت جريدة "حرية" الَّتي نشرت الخبر إن الدولتين كادتا تخوضان حربًا بسبب هذه الحادثة. 

وبعيدًا عن التفاصيل، يظل المثير هو توقيت نشر الخبر، فالواقعة حصلت ۱۹ مارس الماضي، فيما نشرت «حرية» الخبر في ٢٩ من الشهر نفسه؛ بحيث يتزامن مع استمرار غارات حلف الأطلسي والقوات الأمريكية على صربيا، والمثير أيضًا أن تركيا واليونان عضوان في الناتو، لكن فيما يؤكد الرئيس كلينتون أن جبهة الناتو متحدة أمام العدوان الصربي على الألبان المسلمين في كوسوفا، تطالب اليونان الحلف بوقف إطلاق النار والبدء في محادثات سلمية مع الرئيس اليوغسلافي ميلوسوفيتش.

ويزايد كل من تركيا واليونان على ما يقوم به الناتو بشأن يوغسلافيا لإثبات أحقيته في الصراع التقليدي بينهما على قبرص، وتهدف تركيا من نشر الخبر السابق - فيما يبدو - للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا والناتو لسحب تأييدهم لليونان خاصة أن الحكومة اليونانية ترفض اندلاع الغارات الجوية على بلجراد.. 

شركات الأسلحة الأمريكية الرابح الأول من حرب البلقان

بون قدس برس: في الوقت الَّذي تواصل فيه الآلة العسكرية لحلف شمال الأطلسي «ناتو» تدمير المواقع الصربية العسكرية وغيرها ردًا على التطهير العرقي في البلقان، مسببة خسائر جمة في يوغسلافيا ارتفعت أسهم شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية في الأسواق المالية، إذ تعد شركات التسليح في الولايات المتحدة الرابع الأكبر من حرب البلقان الَّتي بلغ حجم فاتورتها الملايين من الدولارات. 

ومن الشركات الَّتي تحقق أرباحًا هائلة شركة «كامبريج» للأبحاث في ولاية فرجينيا وهي تنتج نظام حاسوب خاص يساعد الطيارين الأمريكيين على رؤية صورة بصرية للهدف الَّذي يدكونه، وتمكن أنظمة الحاسوب بالغة الدقة من بناء صور ذات أبعاد ثلاثية للموقع المراد تدميره بدلًا من الاعتماد على الرادار فقط، وقَدْ تم تجهيز سلاح الطيران الأمريكي المقيم في أفيانو في إيطاليا بهذا النظام المحوسب قبل عامين. 

ويقول مسؤول في الشركة الأمريكية إن النظام حقق نتائج باهرة جعلت العمل به إجباريًا في تدريب الطيارين الَّذين عليهم كذلك استعماله قبل كل طلعة جوية ضد يوغسلافيا في حرب البلقان الحالية، وينوي سلاح الجو الأمريكي تجهيز جميع طائراته بهذا النظام. وهذا يعني في المقابل أرباحًا هائلة للشركة الَّتي تنتجه.

بين مستقبل كوسوفا ومستقبل الأطلسي

خطط الناتو لم تضع في حسابها حماية المدنيين من الانتقام الصربي وإنما ركزت علي تحاشي وقوع الخسائر

أحمد الأديب

ليس في تصريحات مسؤولي حلف شمال الأطلسي - بزعامته الأمريكية ما يوحي بان الحلف يتحرك تحت تأثير دوافع إنسانية محضة في مثل قضية كوسوفا، بل لا يوجد في تصريحات المسؤولين في الحلف ولاسيما الأمريكيين ما يزعم أن لتلك الدوافع مفعولًا حاسمًا، أو رئيسًا، من بين العوامل الَّتي تحدد سياسة واشنطن الأطلسية وخططها العسكرية، ولكن يوجد ما يكفي من التصريحات الرسمية والشواهد العملية على وجود مرتكزات رئيسة أخرى في صياغة تلك السياسة، وأهمها ما يوصف بالمصالح القومية الأمريكية، ومصداقية حلف شمال الأطلسي، وموقع الزعامة الأمريكية للحلف في الساحة الأوروبية، وبقليل من التأمل في التحرك العسكري الأطلسي ضد الصرب جوًا، ينكشف أن الخطط العسكرية نفسها لم تضع عنصر «الدوافع الإنسانية» في حسابها، ولم يكن قائد العمليات العسكرية كاذبًا عندما قال بعد ثلاثة أيَّام من القصف الجوي إنه فوجئ بما يمارسه الزعماء الصرب من إجرام في حملات التقتيل والتشريد والتدمير مما يوصف بالتطهير العرقي!.. 

ولا تعود تلك المفاجأة بطبيعة الحال إلى جهل بحقيقة سلوبودان وجنوده، وما مثال البوسنة والهرسك ببعيد، ولا كانت السنوات الماضية خالية من الإجرام الصربي الفاحش في كوسوفا، ولكن عنصر المفاجأة يكمن في أن قادة الحلف لم يكونوا ابتداء يفكرون بخطط «تحمي» سكان كوسوفا من الانتقام الصربي المنتظر ردًا على أي عملية قصف أساسية، بل كان تفكيرهم متركزًا على عدم وقوع خسائر في صفوف القوات الأطلسية أثناء توجيه ضربة عسكرية إلى ذلك الطرف المتمرد على الإرادة الأطلسية، وذلك في فترة تشهد مرور خمسين عامًا على نشأة الحلف أيَّام ممارسة الغرب السياسة حصار الأحلاف على الشرق الشيوعي، وتشهد الحرص على أن يقترن الاحتفال بهذه المناسبة باحتفالات التوسع شرقاً، وبتثبيت صياغة جديدة لأهداف الحلف ومهامه الأمنية المستقبلية، وجلها مما يسري عليه مصطلح الهيمنة، وفرضها وتوسيع نطاقها عالميًا.

من المنطلق الإسلامي يمكن أن يستند تقويم الدور الأطلسي في حرب البلقان الراهنة إلى رصد مدى ما يحققه، أو لا يحققه لصالح أهل كوسوفا «المسلمين الألبان» وهذا مع ملاحظة أن معاناتهم منذ ثمانية عقود كاملة إنما هي. نتيجة المأساة الكبرى الَّتي صنعتها القوى الدَوْلِية نفسها المسيطرة أطلسيًا في الوقت الحاضر، والمهيمنة على صناعة القرار الدَوْلِي منذ إسقاط الدولة العثمانية. 

أما تقويم الحرب نفسها من المنظور الأطلسي فينطلق من اعتبارات أخرى قد يدخل فيها عامل مصير المسلمين الألبان من زاوية ما، كالحيلولة دون مزيد من الهجرة إلى بلدان غربية معينة، أو الخشية من امتداد شرارة حق تقرير المصير إلى اقليات عرقية محرومة منه في القارة الأوروبية، أو التعامل مع الرأي العام الغربي، أما العوامل الحاسمة في ذلك التقويم فتصدر عما سبقت الإشارة إليه مما تحتل «المصالح القومية الأمريكية»، مكانة الصدارة منه، باعتبار أن واشنطن سيطرت على زعامة الحلف منذ نشأته وما تزال تسيطر.. وأنها أرادت أثناء الحرب الباردة وتريد الآن أكثر من ذي قبل أن تجعل منه ذراعها العسكري عالميًا.. وهذا ما ينبغي فهمه من خلال مصطلح المصالح القومية الَّذي تردده السنة المسؤولين الأمريكيين كثيرًا، والَّذي أصبح البعد العالمي منه يعبر - بعيدًا عن ديبلوماسية الكلمات - عن تطلعات الهيمنة ومطامع الزعامة الانفرادية في واشنطن. 

وفي إطار التقويم الأطلسي - الأمريكي تأتي التساؤلات المطروحة عن مدى تأثير مجرى الحرب الراهنة في البلقان على وحدة صف الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومن العسير هنا إغفال أن اتخاذ القرار بالحرب أرتبط ارتباطا وثيقًا بترسيخ تصورات مختلف عليها بشأن مستقبل مهام الحلف وموقعه الأمني عالميًا.. فقد اندلعت تلك الحرب في مرحلة اقترب فيها موعد الحسم النهائي في نقاش ساخن يدور منذ سقوط الشيوعية في الشرق، حول مستقبل حلف شمال الأطلسي الَّذي فقد مهمته الأصلية عقب حل حلف وارسو قبل ثمانية أعوام، وأرادت زعامات الحلف حسم عدد من النقاط قبل حلول أبريل ۱۹۹۹م، موعد الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الحلف وموعد استكمال ضم المجموعة الأولى من الدول الشيوعية سابقًا إليه، والمحاور الرئيسة لنقاط الخلاف هي حجم الدور الأوروبي في القيادات السياسية والعسكرية، والعلاقة بين الحلف والمنظمات الأمنية الأخرى في الساحة الأوروبية. لاسيما الاتحاد الأوروبي الغربي، ثم مدي توسيع تلك المهام أوروبيًا دون حدود، وعالميًا دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدَوْلِي ، وأخيرًا الخلاف حول جدوى الحفاظ على الصيغة الأطلسية القديمة من الحرب الباردة بشأن الضربة النووية الأولى بمعنى ما يعتبره الحلف حقًا، له أن يستخدم السلاح النووي لرد خطر ما وفق منظوره، وإن لم يكن «خطرًا نوويًا».

واشنطن.. هي الَّتي تتمسك بالهيمنة على القيادات الأطلسية، وبتوسيع نطاق مهام الحلف خارج مجاله الجغرافي ودون قيد دولي ما. وبصيغة الضربة النووية الأولى.. والأوروبيون - أو غالبيتهم - متخوفون من ذلك كله، يريدون التميز بسياساتهم الأمنية والخارجية عن واشنطن وتجنب الانزلاق في مغامرات عسكرية دولية وفق الرؤية الأمريكية، ثم إنهم لا يجدون مبررًا مقنعًا لاستمرار التعامل الأمني أطلسيًا بالصورة نفسها الَّتي كان عليها أثناء الحرب الباردة.. وانطلاقا من أرضية هذه الخلافات يمكن القول إن الحرب باسم الدفاع عن كوسوفا الآن هي حلقة في مسلسل طويل من التحركات الأمريكية المدروسة المتوالية لتثبيت تصورات واشنطن حول مستقبل الحلف بصورة عملية... وينسجم مع هذا التصور على سبيل المثال وفي حدود ما يرتبط بأحداث البلقان فحسب:

- المماطلة في التعامل مع حرب البوسنة والهرسك جنبًا إلى جنب مع دعم عودة موسكو إلى الساحة الأمنية الأوروبية عبر ثغرة البلقان إلى أن أصبح التدخل الأطلسي بزعامته الأمريكية محتمًا ووسيلة رئيسة لاستعراض ضعف المساعي الأوروبية للتميز الأمني.

- إسقاط قضية كوسوفا من جدول أعمال مفاوضات دايتون وكانت على جدول أعمال. سائر المؤتمرات الدَوْلِية السابقة له بصدد حرب البلقان، ثم المماطلة في التدخل في مجري احداث كوسوفا حتى أصبح مفعوله داعمًا الموقف واشنطن حول مستقبل الحلف والموقع الأوروبي فيه.

- لا تنقطع التحليلات الأوروبية الَّتي تشكك 

الحرب باسم الدفاع عن كوسوفا حلقة في مسلسل التحركات الأمريكية المدروسة لتثبيت تصورات واشنطن حول مستقبل الحلف في الأهداف الأمريكية في كوسوفا الآن، كما سبق أن شككت في تحركات أطلسية وأمريكية سابقة على المستوى العالمي.. ومع كل يوم إضافي يمر على الحرب دون حسم المعركة على الأرض، يزداد عدد المعارضين في الساحة الأوروبية لاستمرار الغارات الجوية، وهم يقدرون أن أسلوب القتال - وإن بات واضحًا أن میلوسوفيتش لا يفهم سواه - يمكن أن يؤدي إلى مزيد من النزاعات والتوترات السياسية والعسكرية بما يتجاوز حدود البلقان على الأرض الأوروبية، ومع ذلك تدرك الزعامات السياسية في دول أوروبا، أنها لا تستطيع التراجع عن الطريق العسكري قبل الوصول به إلى نهاية المطاف، إذ لن يقتصر الأمر آنذاك على خلافات داخلية أطلسية، بل يمكن أن تستعصي منطقة البلقان نفسها على أي صيغة من صيغ الضبط السياسي المجرى الأحداث والنزاعات، وبما تمتد نتائجه إلى المناطق الأوروبية الأخرى.

خلافات الحلف

ولا يبدو أن النجاح سيكون حليف سياسة ميلوسوفيتش الهادفة إلى إثارة خلافات بين دول الحلف، سواء عن طريق حملات التشريد الجماعي الإجرامية لمضاعفة الأعباء على الدول الأوروبية لاسيما القريبة من كوسوفا، أو عن طريق استثارة أسباب التعاطف الأوروبي مع الصرب بتصويرهم يتعرضون للعدوان الخارجي فحسب. إن مشكلة ميلوسوفيتش في هذه المناورات أنه لا يستطيع إثارة خلافات أطلسية من هذا القبيل.. لأنها موجودة في الأصل على كل حال، وكانت سياسته العدوانية نفسها هي الَّتي أبطلت مفعول الخلافات أو جعلتها تضمحل وجعلت سائر الدول الأوروبية توافق على التدخل العسكري الأطلسي وغالبها تحت الاضطرار، وبالتالي لا يبدو أن أمل ميلوسوفيتش سيتحقق فيتصدع الموقف الأطلسي الموحد اثناء العمليات العسكرية لاسيما أن الأوروبيين يقدرون أن أخطار ذلك عليهم أكبر بكثير من أخطار المتابعة في الحرب إلى النهاية، رغم تباين التصورات عنها بين الدول الأعضاء، ورغم غياب الأرضية المشتركة لتحديد الأهداف السياسية المطلوبة من خلالها. 

ربما ساهم الموقف الروسي في تعزيز أسباب تنامي المعارضة الداخلية في الحلف والمطالبة بوقف القتال الفسح المجال أمام حل ساسي، ولكن من المرجح أن تبقى تلك المعارضة وراء الكواليس، أما أن يرتفع حجمها وتصبح علنية فقد يكون ذلك رهنًا بعامل اخر وهو سقوط عدد من «الضحايا»، من جنود هذه الدولة أو تلك من الدول الأعضاء في الحلف ولا ينتظر ذلك ما لم تبدأ حملة عسكرية برية. وقَدْ أصبحت غير مستبعدة واقعيًا.. إنما الأرجح عدم الشروع فيها إلا بعد الوصول بالقصف الجوي إلى أقصى ما يمكن تحقيقه في إطار إضعاف القدرة العسكرية الصربية على مواجهة فعالة لقوات أرضية اطلسية.

وسيان ما سيكون عليه وضع حلف شمال الأطلسي وما ستكون عليه نتائج حرب البلقان على مستقبله ومستقبل العلاقات بين الدول الأعضاء فيه، فإن مالا ينبغي أن يغيب عن المواقف الإسلامية تجاه الحرب الراهنة يتمثل في ثلاث نقاط رئيسة لا غنى عن أي منها: 

- للأطلسي أهدافه.. ولزعامته الأمريكية أهدافها.. وقَدْ تتلاقي أو تتقاطع مع الأهداف المشروعة لأهل كوسوفا المسلمين، إنما لا ينبغي أن يتضمن هذا أو ذاك تمييع استقلالية تلك الأهداف القائمة على المشروعية القانونية الدَوْلِية والمشروعية التاريخية، بما يشمل حق تقرير المصير، وحق التحرر والاستقلال والسيادة.

- سيان.. إذا كان زعماء الصرب بمخططاتهم المدروسة أو كان زعماء حلف شمال الأطلسي بسوء تخطيطهم للغارات الجوية هم السبب في تشريد مئات الألوف من أهل كوسوفا عن أرضهم.. فإن ذلك لا يغير شيئًا من ثبات حق العودة إلى الموطن الأصلي، ووفق ما كان عليه وجود الألبان المسلمين في مختلف القرى والمدن ومختلف أنحاء كوسوفا، ولا ينبغي أن يتحول هذا الحق الثابت في أي وقت من الأوقات إلى ورقة للمساومة في مفاوضات باسم تسوية سياسية مزعومة.

- أن الغياب «العسكري» للدول الإسلامية عن ساحة كوسوفا وساحة المسلمين في البلقان عموماً، لا يبرر - بغض النظر عن أسبابه - غيابها السياسي، ولا يبرر ضعف حضورها على الصعيد الإنساني في كوسوفا والبلقان، وإن نتائج هذا الغياب لا تصيب أهل كوسوفا والمسلمين في البلقان عمومًا فحسب، بل تصيب أيضاً الدول الإسلامية نفسها، وستزيد من ضعف الموقع الَّذي يمكن أن تحتله في خارطة العالم السياسية في إطار ما يجري لترتيب صياغتها الجديدة في الوقت الحاضر. 

 

 

 

موسكو والأطلسي.. حدود الخلاف

بون: المجتمع

ما الَّذي بقي لموسكو من إمكانات للتأثير على القرارات الغربية العسكرية والسياسية، حتى تلك الَّتي تبدل الأوضاع القائمة على مقربة من الحدود الروسية نفسها.. وماذا عن الترسانة النووية الروسية الَّتي ما تزال كافية من؛ حيث حجم طاقة التفجير فيها لتدمير الأرض أكثر من مرة.. ما قيمتها الحقيقية إذا كانت الحكومة الروسية عاجزة منذ سنوات عن مجرد صرف مرتبات الجنود والضباط في المواعيد الاعتيادية، فضلًا عن تخصيص ما يجب تخصيصه من نفقات مالية لصيانة المُعِدَّات العسكرية وتجديد ما تقادم منها؟ ولكن صح أن موسكو لا تستطع التصرف دوليًا بسبب اختناقها ماليًا وعجزها عسكريًا، فعلام لم تنقطع المحاولات الغربية أثناء قصف صربيا لتأكيد استحالة الاستغناء عن مشاركة موسكو بالذات عند التوصل إلى حل ما للنزاع المسلح مع صربيا بدعوى الدفاع عن كوسوفا؟.

بوريس يلتسين يؤكد أن موسكو «لا تستطيع التخلي عن يوغوسلافيا».. ولكن سرعان ما يستدرك فيبين المقصود ويقول إن حكومته تبذل ما في وسعها لتحريك عجلة المفاوضات من جديد في مجلس دوما النواب أصبح الشيوعيون والقوميون وكذلك المعتدلون كتعبير أشاعه الغرب لوصف أنصار نظمه الاقتصادية والسياسية - يزايدون على بعضهم بعضًا في طرح التصريحات الساخنة بصدد نصرة الأشقاء السلافيين الأورثوذكس في - صربيا، ولكن رئيس مجلس بلدية موسكو والمرشح لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، يوري لوشكوف، يقول ببساطة إن الكرملين لا يملك وسائل ما سوى الوسائل الدبلوماسية الممارسة بعض التأثير على ما يجري في البلقان!

 ومن وراء دخان المعارك الحقيقية في البلقان والكلامية في موسكو يبدو للمرء أن منطقة البلقان كانت على الدوام منطقة تابعة لموسكو وينتزعها الغرب الآن.. وليس هذا صحيحًا فالبلقان لم تكن «منطقة نفوذ» روسية في أي وقت من الأوقات اثناء الحرب الباردة بالذات والصداقة الروسية - الصربية لم تنزل - على رغم الروابط الارثوذوكسية الوطيدة - إلى ساحة الأحداث كعامل من العوامل السياسية والأمنية في أوروبا، إلا بعد انحسار شبح الحرب الباردة بسنوات، وعلى وجه التحديد بعد اندلاع حرب البلقان، وارتكاب الصرب ما ارتكبوه من جرائم في البوسنة والهرسك، ففي البداية كانت المؤتمرات الأوروبية الأولى تنعقد المواجهة الأزمة آنذاك دون مشاركة روسية.. ولكن ظهرت المماطلة الأمريكية على امتداد ثلاثة أعوام، عندما طرحت واشنطن شعار استقلالية أوروبا في مواجهة أزماتها، وهي تطبقه واقعياً في صيغة الامتناع عن وضع إمكانات الأطلسي العسكرية الضرورية في أيدي الأوروبيين إذا أرادوا التدخل العسكري فعلاً، فالشرط الأمريكي معروف وهو القيادة العسكرية الأمريكية لأي تحرك أطلسي، مع اقتران ذلك بنفاذ الإرادة السياسية الأمريكية في مواجهة الأزمة، ولا عبرة هنا في حقيقة كونها أزمة أوروبية على الأرض الأوروبية، وحقيقة انطوائها على أخطار تهدد مستقبل القارة الأوروبية.

 آنذاك دخلت موسكو ميدان البلقان.. فعبر أسلوب المماطلة الأمريكية، كانت واشنطن وراء الخطوة الحاسمة لنقل نزاعات البلقان من الساحة الأوروبية في مؤتمر لاهاي إلى الساحة الدَوْلِية في مؤتمر لندن، ثم إلى مجلس الأمن الدَوْلِي ، فإلى ما سمي مجموعة الاتصال الدَوْلِية. وبتعبير آخر كانت واشنطن من وراء فتح الثغرة الأولى والحاسمة لعودة موسكو إلى حلبة المشاركة في اتخاذ القرار بشأن الأوضاع الأمنية والسياسية وسط أوروبا، بعد أن أخرجتها من هذه الساحة بصورة كاملة في السنوات الأولى عقب سقوط الشيوعية.

 ولكن واشنطن تريد أن يكون هذا الوجود الروسي منضبطًا، لا يتجاوز حدود تحقيق مهمة معينة لصالح التصورات الأمريكية، فإلى جانب دور الهيمنة الروسية وسط آسيا بما يمنع التحرر الحقيقي للمناطق الإسلامية هناك تأتي المهمة المطلوبة من موسكو وهي أن تكون عبر احتكارها للإرث النووي السوفييتي، وعبر أوضاعها الداخلية وتحركاتها البلقانية مصدرًا من مصادر «الخطر» في الشرق للتأثير على الأوروبيين بمعنى «تخويفهم» من تطورات مستقبلية ما، وبالتالي تجديد ما سبق أن فقدوه بسقوط الشيوعية من الشعور بالحاجة إلى استمرار الارتباط بالأمريكيين أمنيًا، فعلى قدر الاقتناع بضرورة ذلك الارتباط تستمر عرقلة تميز الأوروبيين الأمني والسياسي الخارجي والَّذي اكتسبت مسيرته دفعة قوية نتيجة سقوط الشيوعية، ثم تعثرت بصورة ملحوظة في غمرة أحداث البلقان. 

 

الدور الروسي مطلوب أمريكيًا.. وبالتالي أطلسيًا في إطار محدد.. ولا ريب في أن الاتحاد الروسي لا يملك في الوقت الحاضر - القدرات العسكرية أو الاقتصادية أو المالية من الأصل للدخول في مواجهة حقيقية مع حلف شمال الأطلسي بزعامته الأمريكية، وهو يندفع في انتزاع أسباب صناعة القرار الأمني عالميًا. بمعنى انتزاع «حق مزعوم» للتدخل العسكري في أنحاء العالم وليس في البلقان أو في أوروبا فقط، ودون العودة إلى هيئة ما من الهيئات الدَوْلِية المعتبرة.

حاجة واشنطن لموسكو

وفي المقابل فإن واشنطن لا تريد أن تصل العلاقات مع موسكو إلى مستوى القطيعة - فبغض النظر عن أن المواجهة المباشرة غير مطلوبة ولا هي ممكنة من جانب موسكو فإن واشنطن تعلم أن باستطاعة موسكو أن تلعب. أدوارًا أخرى في الساحة الدَوْلِية، بدءًا - بتصدير السلاح المتطور إلى دول تتمرد على - المساعي المتواصلة لترسيخ الهيمنة الأمريكية عالمياً، وانتهاء بمحاولات تجديد ظهور قطب - «أسيوي» يساهم في منع تحقيق الحلم - الأمريكي بالزعامة الانفرادية العالمية.

وبين حدود القدرات الذاتية الروسية وأبعاد التصورات الأمريكية عن الدور المطلوب من روسيا أمنيًا، يدور محتوى التصريحات الصادرة عن الجانبين أثناء الحرب في البلقان، ولهذا لم تمنع هذه الحرب الفعلية ولا الحرب الكلامية في العاصمة الروسية - استمرار الاتصالات الجارية للحصول على مزيد من القروض بعشرات المليارات من صندوق النقد الدَوْلِي ، والبحث عن اتفاقيات جديدة لإعادة جدولة عشرات المليارات السابقة الَّتي عجزت موسكو عن تسديدها حتى الآن. بل يمكن رصد ما يتجاوز ذلك أيضًا - فالتصريحات المتوالية عن مخاطر حرب عالمية. ثالثة.. وعن توجيه الصواريخ النووية إلى - عواصم غربية وعن نفي ذلك مجددًا.. وكذلك. عن تحالف سلافي أورثوذكسي ضد حلف والدور الروسي مطلوب أمريكيًا وبالتالي أطلسيًا ولكن في إطار محدود ومنضبط وفق التصورات الأمريكية لماذا فتحت واشنطن الثغرة الأولى لعودة موسكو إلى المشاركة في اتخاذ القرار بشأن وسط أوروبا وما أهمية الدور الروسي لأمريكا في وسط آسيا؟ شمال الأطلسي.. وعن الواجب القومي المقاومة حصار روسيا أطلسيًا.. جميع ذلك ومزيد عليه كان يتردد ذكره بالفعل أمام عدسات التصوير الإعلامية في موسكو.. ولكن في فيينا على مقربة من ساحة القتال في البلقان كان المفاوضون الروس الغربيون يستكملون بكل هدوء وضع المحاور الرئيسة لصياغة جديدة لاتفاقية الحد من انتشار القوات التقليدية في أوروبا، وكانت من أهم الاتفاقيات المعقودة بمشاركة ثلاثين دولة لإنهاء الحرب الباردة، وتضمنت تحديد عدد القوات ونوعيات الأسلحة المسموح بها في كل منطقة من المناطق، وجاءت الآن الصياغة الجديدة تلبية الطلب روسي مطروح بإلحاح منذ حرب الشيشان برفع نسبة القوات الروسية ومستويات تسلحها في منطقة القوقاز. 

ليست المسألة المطروحة في الواقع مسألة مدى جدية التهديدات الروسية أو عدم جديتها. ولا حقيقة قدرات موسكو أو عجزها، إنما هي مسألة البحث العملي، عن نقاط التلاقي ونقاط الافتراق بين الدول الغربية والاتحاد الروسي على تحديد معالم خارطة أمنية جديدة في أوروبا بعد الحرب الباردة، ويعلم الجانبان أنها لا يمكن أن تقوم إلا بما يعكس الخلل الواقعي القائم في موازين القوى العسكرية والاقتصادية، مثلما كانت الخارطة الأمنية في الحرب الباردة تعكس واقع ما ساد من توازن القوى على أرضية الرعب النووي المتبادل.

التحالف الأوروبي

ولهذا فعندما طرح الاتحاد الأوروبي أثناء القصف مشروع «التحالف من أجل البلقان» كأساس للتفاهم بعد الحرب.. كان الحرص واضحًا على إبراز أهمية الدور الروسي كذلك فإن القصف لم ينقطع بعد، وتشريد المسلمين الألبان عن كوسوفا لم ينقطع أيضًا. عندما انطلقت التصريحات الأمريكية قبيل اجتماع أولبرايت وإفانوف لتتحدث عن «تحسين» شروط التفاهم مع بلجراد حول وجودها العسكري في كوسوفا بعد أن كانت مفاوضات رامبوييه تدور حول اقتصار ذلك الوجود على أربعة آلاف شخص من الشرطة وحرس الحدود، وبتسلح «أمني» محدود.

وتواترت الدلائل على أن المساعي الراهنة تستهدف إيجاد أرضية للمفاوضات ولحل وسط يؤكد دور موسكو على وجه التخصيص، وقَدْ يتحول الموقف الروسي «الكلامي» إلى ذريعة التبرير حرص شمال الأطلسي على عدم الإنزال قوات برية في كوسوفا، مع طرح ذلك كمدخل للتجاوب مع موسكو ودور وساطة ما تقوم به مع بلجراد.. ومن المرجح إلى حد بعيد أن يكون ذلك على حساب أهل كوسوفا على وجه التخصيص ليس من خلال تثبيت سيادة الاحتلال الصربي لها، بل ومن خلال المشاركة الغربية والروسية في ضمانات تحول دون تجديد قدرة جيش تحرير كوسوفا على مواجهة ذلك الاحتلال والعمل من أجل الاستقلال.

مهمة القوات الدَوْلِية

والواقع أن الخطط العسكرية الأطلسية قد تجنبت من البداية تركيز الضربات بصورة تمنع القوات الصربية من التصرف، كما تشاء في كوسوفا بالذات، وكانت القوات الأطلسية على حدود مقدونيا والبانيا قد أسهمت منذ زمن طويل، وليس في ظل الغارات الأخيرة فقط، إسهامًا مباشرًا ورئيسًا في. منع وصول السلاح إلى جيش تحرير كوسوفا، ولتن تم الاتفاق على نشر قوات دولية ما في كوسوفا فمن المؤكد أن مهمتها الأولى ستشمل «نزع سلاح المقاتلين» وليس الحيلولة دون السيطرة الأمنية الصربية.. وستكون هذه الأرضية على الأرجح هي المدخل الرئيس إلى التفاهم الأطلسي - الروسي على حل للنزاع بما يرضي بلجراد، وبالتالي تسقط الغايات الإنسانية المعلنة رسميًا من جانب حلف شمال الأطلسي وزعامته الأمريكية لصالح أهل كوسوفا المنكوبين، ولصالح وضع حد للسيطرة الدموية الصربية على أرضهم، ولا يبقى من أهداف المعركة الأطلسية في البلقان سوى تدمير طاقات عسكرية صربية متمردة على المخططات الأطلسية التوسعية شرقًا. وهذا جنبًا إلى جنب مع الإبقاء على الدور الصربي إلى جانب الدور الكرواتي للهيمنة على مستقبل منطقة البلقان، دون مشاركة فعالة من جانب النسبة الكبرى من سكان المنطقة المسلمين. 

ثلاثة أحداث خطيرة تضع اتفاق «دايتون» في مهب الريح: بريتشكو مدينة موحدة.. إقالة رئيس كيان صرب البوسنة.. محاولة اغتيال نائب وزير كرواتي

هل يفتح الصرب والكروات جبهة جديدة في البوسنة للفت الأنظار عن كوسونا؟

مع بداية عامه الرابع يمر اتفاق دايتون للسلام بالبوسنة والهرسك بعاصفة من الأحداث الَّتي تعرضه للاهتزاز، بل ربما للانهيار، فقد شهدت الأيَّام القليلة الماضية ثلاثة أحداث ساخنة هي قرار لجنة التحكيم الدَوْلِية بخصوص مدينة بريتشكو الاستراتيجية شمال شرق البوسنة، والقاضي بجعلها مدينة موحدة تحكمها الأطراف الثلاثة بالبوسنة وتتبع للدولة البوسنية الموحدة بين الصرب والمسلمين والكروات، ثم قرار المندوب السامي كارلوس وستندورب القاضي بإقالة نيكولا بوبلاشين رئيس جمهورية الكيان الصربي داخل البوسنة والهرسك، والحادث الثالث هو محاولة الاغتيال الَّتي تعرض لها يوزو ليوتار «الكرواتي» نائب وزير الداخلية بالفيدرالية، خلال ركوبه سيارته التابعة للداخلية وهو متوجه إلى مقر عمله بوسط العاصمة سراييفو.

وقَدْ سارعت القيادة السياسية الكروات البوسنة ممثلة في ممثلهم بالمجلس الرئاسي للدولة انته يالافيتش باتهام صريح ومحدد القيادة المسلمين بالبوسنة والهرسك بتدبير الحادث على رغم عدم مرور عدة ساعات على حدوثه وعلى رغم

تصريحات المسؤولين الدَوْلِيين بالبوسنة بعدم التسرع بتوجيه الاتهام لجهة معينة قبل الوصول للحقيقة، إذن فما موقع هذا الاتهام من الحقيقة؟؟ تصريحات بعض المسؤولين عن التحقيق في الحادث قالت إن هناك عدة ملابسات يجري بحثها بالتعاون بين المخابرات البوسنية ومكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي الذي استدعاه المسلمون للمشاركة في التحقيق، فقد وقع الحادث بعد زرع قنبلة موقوتة في الجانب الأيمن من السيارة، أي أمام الكرسي الَّذي يجلس عليه نائب الوزير مباشرة بحيث تكون إصابته محققة في حين لا يلحق بباقي ركاب السيارة إلا الطفيف من الأذى، وقَدْ كان معه السائق وصديق له وهوتاجر كرواتي من مافيا التجارة الكرواتية الَّتي تسيطر تقريبًا على سوق البوسنة، كما أن هذ الصديق معروف بأنه من المخابرات الكرواتية، وقَدْ كان يحمل معه حقيبة في يده لم يعرف أحد ما بداخلها، وأختفى بعد الحادث مباشرة وظهر بعد ذلك في القسم الكرواتي من مدينة موستار مما أنقذه من التحقيق على أيدي المسلمين، كما أن السائق الَّذي ذهب إلى المستشفى بإصابة طفيفة ما لبث أن خرج منها إلى موستار مباشرة...!! وقَدْ خرجوا جميعًا من السيارة فارين مسرعين دون النظر إلى صديقهم وحالته أو محاولة إنقاذه حتى تم نقله للمستشفى!! 

وأفادت أجهزة الأمن البوسنية أن السيارة تعود لوزراء الداخلية ويجب حسب القانون أن تبيت في كراجات الوزارة، إلا أنها هذه الليلة لم تكن هناك، كما أن مسؤولية السائق ألا ينزل من السيارة للحظة واحدة أثناء تحركات نائب الوزير مهما طال غيابه وثبت من متابعة أجهزة الأمن أن السائق ترك السيارة ٧٠ دقيقة كاملة قبل الحادث بيوم واحد أثناء احتفال بالسفارة المجرية بسراييفو.

وإذا نظرنا للخطاب السياسي لكروات البوسنة حاليًا نجدهم يرفعون شعار ثلاثة كيانات الثلاثة شعوب أي أنهم يطالبون بكيان منفصل عن البوسنة مثل صرب البوسنة، ويحل الاتحاد الفيدرالي بينهم وبين المسلمين، وهذا بالطبع بدعم كامل من كرواتيا المجاورة ورئيسها توجمان الَّذي لا يترك مناسبة إلا ويستغلها في محاولة تقسيم البوسنة بين الصرب والكروات. وهذا هو حلمه القديم الَّذي لم يتخل عنه برغم توقيعه على اتفاق دايتون كما أن تصرفات المسؤولين الكروات داخل الاتحاد الفيدرالي تتناغم مع خطابهم السياسي مما دفع المفوض السامي إلى تهديد أنته يالافيتش ممثل الكروات في مجلس الرئاسة بأن عليه الدور في الإقالة بعد رئيس الكيان الصربي في البوسنة وذلك لأن تصرفاته مع تصريحاته تتناقض مع روح ونصوص اتفاق دايتون، وإذا نظرنا إلى المطالب الَّتي طالب بها التجمع الديمقراطي الكرواتي الحزب الممثل للكروات، والَّتي صدرت في الغد من وقوع الحادث دون انتظار انتهاء التحقيق نجدها تدعو إلى أستقالة أدهم بيتشاكتشيتش رئيس وزراء الفيدرالية ومحمد جيليتش وزير الداخلية وعصمت داهيتش وزير داخلية كانتون سراييفو وأنيس حالجيتش وزير داخلية كانتون ترافنيك، وكان أهم هذه المطالب طرد العرب وسحب جنسياتهم، والنظر في وضع العرب الَّذين يقيمون بطريقة رسمية «للعمل أو الدراسة»، وتضييق الخناق عليهم، زاعمين أنهم وراء كل المشكلات الَّتي تمر بها البوسنة، وقَدْ حرص الكروات عند ذكر العرب على تسميتهم بالمجاهدين العرب لعلمهم أن ذكر المجاهدين في القضية هو بمثابة وقود الاشتعال والإثارة من وجهة نظرهم، كل هذا يؤكد بعد نظر الرئيس علي عزت ممثل المسلمين في مجلس الرئاسة الَّذي خرج بتصريح ينفي الاتهام الكرواتي بأن المسلمين وقيادتهم السياسية وراء الحادث وأشار إلى أصحاب المصلحة وراء والَّذين حاولوا مباشرة استغلال الحادث، وكأنهم كانوا يعرفون به قبل وقوعه، ورتبوا وقدروا المكاسب الَّتي يريدونها من ورائه، والجدير بالذكر حسب قول بعض المسؤولين المسلمين أن الضحية يوزو ليوتار هو ممن يعارضون فكرة ثلاثة كيانات الثلاثة شعوب شعار الكروات في هذه الأيَّام داخل البوسنة، ولعل الأيَّام القادمة تحمل داخلها الحقائق الَّتي باتت أكيدة وواضحة في نفوس الكثيرين داخل البوسنة.

بريتشكو 

ونعود إلى قرار مدينة بريتشكو، وهي مدينة استراتيجية تقع في الشمال الشرقي للبوسنة وتتحكم في الممر الَّذي يربط الكيان الصربي داخل البوسنة بالجزء الشرقي مع الجزء الشمالي الغربي وبدونها يصبح الكيان وكانه جزان منفصلان، ولذلك كانت أهميتها والَّتي دفعت الصرب لاحتلالها في بداية الحرب عام ۹۲ على رغم أغلبيتها المسلمة واستبسالهم في الدفاع عنها خلال سنوات الحرب الثلاث، فقد حاول المسلمون السيطرة عليها عدة مرات ولم تفلح محاولاتهم، كما أنها تعتبر ميناء تجاريًا مهمًا لوقوعها على نهر السافا، ولذلك يهتم بها الكروات الَّذين يسيطرون على الموانئ التجارية وعلى أغلب الحدود البرية للبوسنة مما سمح بتكوين مافيا كرواتية ضخمة للتجارة بالبوسنة، فإنك تستطيع شراء كافة السلع بكل أنواعها من المدن الَّتي يسيطر عليها الكروات داخل البوسنة بأقل حوالي ٣٠-٥٠ من مثيلتها لدى المسلمين بسبب تهريبها من نقاط الحدود الَّتي يسيطرون عليها دون دفع رسوم وجمارك وضرائب عليها، ولهذا فإن ميناء بريتشكو على نهر السافا مهم لهم حتى تتواصل سيطرتهم على الاقتصاد البوسني وتحويل البوسنة إلى مزرعة كرواتية تعمل لحسابهم، ولهذا فإن قرار المحكمين الدَوْلِيين لم يرق للصرب، بالطبع كما لم يرق للكروات أيضًا. 

وقَدْ كان الكروات يريدون بقاء مدينة بريتشكو مع الصرب أفضل من وقوعها مع المسلمين الَّذين يشاركونهم أتحادًا فيدراليًا، أما الجانب البشناقي المسلم فعلى رغم أن القرار جعل لبريتشكو وضعاً خاصاً فلم يلحقها بالكيان الصربي ولا بالاتحاد الفيدرالي بين المسلمين والكروات، وجعلها مدينة موحدة للقوميات الثلاث وتحت التبعية المباشرة للدولة الأم، فإنه وعلى رغم أن القرار لم يعطها للمسلمين كما كان الوضع قبل العام ٩٢ إلا أنهم أكثر الطوائف سعادة بالقرار، فهو يخلع عن بريتشكو السيطرة الصربية الكاملة كما أنه يكرس فكرة البوسنة الموحدة الَّتي يسعى إليها المسلمون، كما أنها تسمح لهم بالتواجد على الممر الحيوي الَّذي يربط طرفي الكيان الصربي، وكذلك يربط بين البوسنة وجمهورية الصرب أو يوغسلافيا الجديدة المجاورة ويعتبر المسلمون أنفسهم في تحد حقيقي من خلال الوضع الجديد في بريتشكو لكي ينجحوا في إثبات فكرتهم الَّتي قاتلوا من أجلها وهي بقاء البوسنة دولة موحدة حتى وإن كانت ذات عرقيات مختلفة.

 

إقالة رئيس كيان صرب البوسنة

ونصل إلى هذا القرار الجريء للمفوض السامي كارلوس وستندورب والَّذي يظهر مدى قوة هذا الجهاز الدَوْلِي والَّذي تحميه القوات sfor التابعة لحلف شمال الأطلسي.

 فالمعروف أن الَّذين يسعون لتقسيم البوسنة هم الصرب والكروات في حين أن المسلمين يسعون لبوسنة موحدة يعيش فيها جميع أبنائها على رغم اختلاف أعراقهم، والمعروف أيضًا أن وستندورب لم ينفذ حتى الآن أهم بنود الاتفاق وهو عودة اللاجئين والمهاجرين المسلمين إلى ديارهم لدى الصرب أو لدى الكروات في حين أن المسلمين هم الجهة الوحيدة الخاضعة للضغوط الدائمة لتنفيذ هذا البند فقد أعادوا الصرب والكروات إلى ديارهم دون معاملة مماثلة لدى الطرف الآخر حتى الآن.

 ولكن قرار ويستندورب جاء في وقته المجابهة محاولات الصرب والكروات معًا لتقويض اتفاق دايتون والعودة لتقسيم البوسنة وإثبات فشل التجربة.

ونيكولا بوبلاشين رئيس الكيان الصربي هو أحد المتشددين المقربين من رادوفان كارجيتش زعيم صرب البوسنة السابق، أثناء الحرب والمتهم كمجرم حرب وما زال هاربًا حتى الآن، فهو يمثل أفكاره وتوجهاته بعد أن أزاح الرئيسة السابقة بيليانا بلافشيتش، والَّتي كانت مقربة من الغرب. كما أن القرار جاء في وقته أيضاً لأنه يتزامن مع قرار بريتشكو فأصبح الصرب يواجهون لطمتين قويتين مرة واحدة مما أفقدهم التوازن.

وبرغم ما أبداء الصرب من اعتراض على قرار إقالة رئيسهم ممثلًا في رفض برلمانهم للقرار، إلا أنهم كلفوا نائب رئيس الكيان بمتابعة مهام رئيسه حتى تحل القضية الَّتي لا يمكن للممثل المجتمع الدَوْلِي التراجع عنها، خاصة أن قوات الناتو ما زالت ترابط في البوسنة بكل ربوعها وصوتها هو الأعلى حتى الآن، فهل ينجح اتفاق دايتون للسلام بالبوسنة والهرسك على الصمود بعد هذا؟ وهل ينجح المسلمون في تفويت الفرصة على الكروات والصرب وإثبات نجاح فكرتهم ببقاء البوسنة موحدة، هذا هو التحدي.

الرابط المختصر :