العنوان نحو إصلاح جذري.. في جامعة الكويت «الحلقة السادسة»
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1971
مشاهدات 24
نشر في العدد 64
نشر في الصفحة 10
الثلاثاء 15-يونيو-1971
نحو إصلاح جذري.. في جامعة الكويت «الحلقة السادسة»
المخطط الرهيب لإقصاء.. الإسلام عن مناهج الدراسة في الجامعة
كلية الحقوق والشريعة لا تخرج متخصصين في الشريعة
حصر الدراسات الإسلامية في قسم منزو في كلية الحقوق!!
التمهيد لإلغاء مقرر الثقافة الإسلامية بالتدريج
· في الحلقات الخمس الماضية تناولت «المجتمع» في دراستها عن جامعة الكويت، نظام الجامعة الأساسي وسلطات الإدارة، واقترحت استقلال القسم في الإدارة والمال والبحث العلمي.
وتفتيت السلطات المركزية وتوزيعها بحيث تتفتح كل الكفاءات وتنشط دون عوائق، فكان ذلك موضوع الحلقة الأولى.
· وفي الحلقة الثانية تناولت «المجتمع» طريقة اختيار الأساتذة، ونظام ترقياتهم، واقترحت أن يتم اختيار الأساتذة بالطريقة السليمة المتعارف عليها عالميًا في الإعلان والتقييم المحايد واختيار الأفضل، كما اقترحت في نظام الترقيات أن يرقى الأستاذ على أساس من إنتاجه العلمي كمًا ونوعًا في جو من تكافؤ الفرص الذي لا يشوبه تدخل عوامل أخرى لترفع أستاذًا يجب -بالعدل -أن يبقى حيث هو، وتؤخر أستاذًا من حقه -بمقياس العلم والعدل -أن يتقدم ويرقى.
· وفي الحلقة الثالثة تناولت «المجتمع» المناهج الدراسية، ونظم الامتحانات في جامعة الكويت، وأثبتت أن المناهج في الجامعة صورة ممسوخة من مناهج بعض الجامعات العربية الأخرى التي هي بدورها مسخ سابق لنظم أوربية بالية لفظتها نفس الجامعات التي وضعتها منذ سنين، وأثبتت «المجتمع» أن نظام الامتحانات في جامعة الكويت هو كذلك نظام مستورد وفاشل، لأنه يقوم أساسًا على عدم الثقة بالأستاذ.
واقترحت «المجتمع» تطوير المناهج بما يتلاءم واحتياجات العصر وإلغاء نظام الامتحانات بشكله الحالي واستبداله بنظام أنفع وأرشد يقوم على الثقة بالأستاذ، وتقدير حكمه على طلابه وعلى التفاهم بين الأستاذ والطالب في جو من الود والثقة والاحترام والعطف
· وفي الحلقة الرابعة تناولت «المجتمع» مشكلات البحث العلمي في جامعة الكويت، وخلصت إلى أن سياسة ابتعاث المبرزين من الخريجين إلى الجامعات الغربية ليواصلوا دراساتهم في تخصصات لها أقسام قائمة في جامعة الكويت هو في حد ذاته محاولة لقتل البحث العلمي في هذه الأقسام وحكم على المبتعثين بالضياع وإهدار لجهود المئات من الشباب الكويتي المتفتح الذي في إمكانه أن يساهم مساهمة فعالة في إرساء قواعد البحث العلمي في هذه الجامعة الناشئة.
· وفي الحلقة الخامسة تناولت «المجتمع» مشكلات مستوى الطلاب ونظام القبول ومستوى الخريجين وخلصت إلى أن عوامل عديدة مجتمعة لخصتها في حلقات سابقة أدت في النهاية إلى ضعف مستوى الخريجين بصفة عامة دون أن تتحرك الجامعة لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
· وفي هذه الحلقة تتناول «المجتمع» روح النظام في جامعة الكويت بعد أن فرغت من استعراض مادته وهيكله ويرى القارئ في هذه الحلقة كيف أن روح النظام في جامعة الكويت قد نأى بعيدًا عن الخط الإسلامي فكان نتاجه جامعة كأي جامعة أخرى في العالم العربي نشأت غريبة عن المجتمع وعقائده وتقاليده، ولا ريب أن فساد الروح يستتبع حتمًا فساد النظام كله.
أهمية العقيدة بالنسبة للفرد المسلم بصفة عامة وبالنسبة للمسلم المثقف بصفة خاصة.
إن العقيدة الإسلامية بالنسبة للفرد المسلم هي كل حياته، يعيش فيها، ويحيا من أجلها، ويموت في سبيلها، ويتمنى أن يلقى الله عليها، لأنها هي الحق المنزل من الله خالق الإنسان وموجد الوجود والذي سيحاسب كلا بما قدمت يداه.
وعلى ذلك فالعقيدة بالنسبة للمسلم هي الحق المطلق وكل ما عداها من فكر إنساني ارتقى أو انحط عظم أو تصاغر هي محاولات بشرية -بكل ما للبشر من قصور وعجز وعدم كمال -لتفسير ظواهر معينة في هذه الدنيا قد يصاحبها التوفيق فتدرك بعضًا من جوانب السنن الكونية التي يسير الله هذا الكون على أساسها، فيستفيد بها في حياته اليومية وفي تسخير بعض مظاهر الطبيعة لخدمته.
ويستفيد بها أيضًا في التعرف على خالقه فيزيد من إيمانه به، ويقوى رابطته بربه، وما أجمل أن يسعى الإنسان في هذه الدنيا وهو يعبد الله كأنه يراه، فبدون هذا المعنى يتحول الإنسان إلى كتلة من الأنانية المتحركة لا يفكر إلا في ذاته ولا ينطلق إلا لمصلحته ولا يعنيه في هذه الدنيا سواه.
ومن هنا كان البناء الأساسي للطبقة المثقفة في المجتمع الإسلامي بصفة خاصة مستمدًا من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فكان الطفل يحفظ القرآن منذ الصغر حتى يتم حفظه في سن مبكرة فيصون بذلك عقيدته ويؤسس على قاعدة متينة لغته، ثم ينطلق من بعد ذلك للدراسات المختلفة المتشعبة التخصصات في مختلف مجالات الحياة، وكان نتاج هذه التربية أفرادًا مسلمين فهموا عقيدتهم ودرسوا جوانب من هذه الدنيا فبرزوا فيها بروزًا أذهل كل متخصص تبعهم على نفس الخط بعد مئات السنين، وما أمثال ابن سينا والبيروني وابن رشد والفارابي وابن خلدون والكندي وجابر بن حيان وابن الهيثم وغيرهم إلا صورة من صور هذه الحصيلة الهائلة للتربية الإسلامية الأصيلة التي تربي النفس البشرية لتنطلق في تصوراتها ونظراتها للإنسان والكون والحياة من منطلق إسلامي أصيل يقوم أساسًا على الإيمان بالله.
فلم يكن في تصور المسلم في وقت من الأوقات أن العلم منفصل عن الإيمان ولا أن الدين منفصل عن الحياة، بل كان ثمة تلازم بين هذا وذاك، ولم يعرف الإسلام في عصوره المختلفة أن هناك علمًا دينيًا وآخر غير متصل بالدين، فالقرآن الكريم ينطق في أكثر من مقام حاثا الناس على التدبر في هذا الكون والتأمل في جنباته والاستفادة من كل ما وضع الله فيه من خيرات وطاقات وقوى، كما علمنا القرآن الكريم أن في ذلك استشعارًا لعظمة الله وتسليمًا بقدرته.
ولم يكن ذلك في عصور الإسلام المتقدمة وحدها بل شهدت الدنيا بأسرها حتى سنوات قريبة معاهد علمية كالجامعات الإسلامية بالأندلس وشمال أفريقيا كجامعة الأزهر بمصر وجامعة القرويين بالمغرب وجامعة الزيتونة في تونس سارت على نفس النهج وسلكت في تنشئة طلابها مسلكًا إسلاميًا أصيلًا فربتهم على العقيدة الإسلامية وعلمتهم مختلف التخصصات في مجالات المعرفة الإنسانية من طب وهندسة ورياضيات وكيمياء وجغرافيا وتاريخ وغير ذلك مما سبقت فيه كل جامعات العالم المعاصرة وخرجت رجالًا تفخر بهم أي أمة وتعتز.
علماء الغرب يعترفون بفضل الحضارة العربية والعرب يتجاهلونها
وليس بمستغرب إذن أن يعترف علماء الغرب بتأثير الحضارة الإسلامية التي انبثقت من جامعات الأندلس على الغرب كله حتى أصبحت حضارة عالمية هي في الحقيقة أساس الحضارة الغربية القائمة فمن الترجمات الأوربية لتراث العالم الإسلامي انبثقت حركة الأحياء الأوربية في القرن الرابع عشر وما تلاه وانبثقت كذلك الحركة العلمية الحديثة وأساسها الطريقة التجريبية.
وفي ذلك يقول «بريفولت» مؤلف كتاب «بناء الإنسانية» لقد كان العلم أهم ما جاءت به الحضارة العربية على العالم الحديث، ولم يكن العلم وحده هو الذي أعاد إلى أوربا الحياة، بل أن مؤثرات أخرى كثيرة من مؤثرات الحضارة الإسلامية بعثت باكورة أشعتها إلى الحياة الأوربية، فإنه على الرغم من أنه ليس ثمة ناحية واحدة من نواحي الازدهار الأوربي إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة، فإن هذه المؤثرات توجد أوضح ما تكون وأهم ما تكون في نشأة تلك الطاقة، التي تكون ما للعالم الحديث من قوة متمايزة ثابتة، وفي المصدر القوي لازدهاره أي في العلوم الطبيعية، وروح البحث العلمي.
ويستطرد فيقول: «إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس فيما قدموه إلينا من كشوف مدهشة لنظريات مبتكرة بل يدين هذا العلم إلى الثقافة العربية بأكثر من ذلك، إنه يدين لها بوجوده نفسه».
الاستعمار الصليبي يحارب من أجل أن يقصي الشاب المسلم عن دينه
ولكن حينما أصاب الأمة الإسلامية من الضعف ما أصابها ومن التمزق ما عرضها لغزو الغازين واحتلال الطامعين، وجد المستعمرون الغزاة أن القوة الصلبة التي تقف في وجه مطامعهم في الأمة الإسلامية هي الإسلام ولا شيء سواه، فخططوا لإبعاد الأمة الإسلامية عن دينها في مكر وخبث ودهاء، وسلكوا في سبيل ذلك كل السبل، واستخدموا كل الوسائل، ولكن كان أخطر وسائلهم إبعاد طبقة المثقفين المسلمين عن إسلامهم، وكان ذلك بفرض نظام التعليم الغربي -المادي الخالي من الروح- على أبناء المسلمين، وما محاولات دنلوب «مستشار التعليم البريطاني في مصر في مطلع الاحتلال» إلا إحدى صور الصراع ضد الإسلام.
لقد أفلح الاستعمار في إقامة مؤسسات تعليمية عصرية في مختلف أجزاء الوطن الإسلامي سياستها الأصلية إبعاد الإسلام عن مناهجها، وتخريج طبقة من المثقفين المسلمين الذين لا يفهمون عن دينهم ولا عن عقيدتهم ما يمكنهم من العيش بها والذود عن حياضها، ولا يجيدون لغتهم الأصلية بل يتفاخرون بالتشدق بالرطانة الأجنبية، وكانوا يبتعثونهم بعد تخرجهم مباشرة إلى بلدان أوربا المختلفة حيث يتعهدهم هناك متخصصون لإكمال عملية التغريب التي تعرضوا لها، فيعود الواحد منهم باسم عربي مسلم وتفكير غربي مسمم يتنازعه انفصال في الشخصية يهز من كيانه ويفت في عقيدته ويشغله عن التفكير إلا في ذاته وفي ما تعلمه من الغرب، وبمثل هذه الشخصيات المهزوزة والعقليات الممسوخة سيطر الاستعمار على مقدرات الأمة الإسلامية ووجهها كيفما شاء.
إنشاء الجامعات العلمانية بأيدي المستعمرين خطة مسمومة
وعلى ذلك لم يكن إنشاء الجامعة المصرية وما بعدها من جامعات في العالم العربي إلا ترسية لقواعد الخطة وإحكامًا لتنفيذها ووسيلة من وسائل الطعن في الصميم الذي تعرضت له مؤسسات إسلامية راسخة كجامعة الأزهر وغيرها.
ولقد كان قيام مثل هذه المؤسسات العلمية التي بنيت على أساس غير إسلامي في ظل من الاستعمار أمرًا يمكن تبريره، ولكن الذي لا يمكن تبريره الآن هو الاستمرار الآن في نفس الخط بعد رحيل الاستعمار عن ديارنا؟!
ففي الوقت الذي تتحرك فيه كل الأمم نافضة عن نفسها غبار الذل ومطلقة روحها من آثار الاستعمار في محاولة لإعادة بناء نفسها على أساس من حضارتها وتراثها، فإننا نجد جامعة الكويت تؤسس بنيانها على غرار جامعات سابقة لها في العالم العربي، فتقصي الإسلام وتبعد دراسته بشكل واضح وبدون سبب منطقي مقبول، فنجد الدراسات الإسلامية في جامعة الكويت -التي حرصت الحكومة حين إنشائها أن يكون لها طابع إسلامي واضح -مهملة منزوية لا تحظى بنصيب معقول من الوقت أو الأساتذة أو المراجع أو حتى الاهتمام رغم صرخات الأساتذة المتكررة وتوصياتهم العديدة إلى إدارة الجامعة التي لم تلق -حتى الآن- أذنًا صاغية.
الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت مشتتة بين كليتي الحقوق والآداب
في الوقت الذي نجد فيه عصابة الصهاينة في فلسطين المحتلة تخطط لتعليم أبنائها على أساس من تعاليمها الدينية لتبني شبابًا عقائديًا تزيده العقيدة قوة وصلابة، نجد جامعتنا الفتية بالكويت تقتفي أثر الجامعات العربية الأخرى في إقصاء الإسلام عن مناهجها وحصره في زاوية ضيقة من زواياها.
فعندما أنشئت الجامعة العبرية في القدس المحتلة كان أول معهد أسس بها هو «معهد الدراسات اليهودية» وهو يمثل الآن أكبر مدرسة في العالم لهذه الدراسات، ولم يكتف المستعمرون اليهود بذلك بل نصوا على إقامة معاهد مناظرة في أربع جامعات مختلفة بفلسطين المحتلة وفي ستة معاهد عليا بها، كما نصوا أيضًا على أن تكون الدراسات المختلفة في الجامعات والمعاهد اليهودية باللغة العبرية وهي لغة لا يجيدها إلا نسبة ضئيلة من اليهود الوافدين إليها، هذا باستثناء كلية الطب في « هاداسا » التي لا زالت الدراسة فيها باللغة الإنكليزية أما في جامعة الكويت فإن الدراسات الإسلامية قد حصرت في قسم واحد أطلق عليه اسم «قسم الشريعة والدراسات الإسلامية» وألحق بكلية الحقوق والشريعة وهي كلية الطابع الغالب فيها الدراسات القانونية الوضعية، ولا تحظى دراسة الشريعة الإسلامية فيها إلا بالنذر اليسير الذي لا يمكن أن يخرج متخصصًا فيها، وفي هذا المقام لا يسعنا إلا أن نورد نص المذكرة التي قدمها رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت إلى إدارة الجامعة بتاريخ 7 / 4 / 1971 م ومنها يسشف مقدار الأسى الذي يعتمل في نفوس أساتذة الشريعة الإسلامية من إقصاء هذه الدراسات عن مسرح الجامعة.
نص المذكرة التي رفعها قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت إلى عمادة كلية الحقوق والشريعة
السيد الأستاذ الدكتور عميد كلية الحقوق والشريعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – وبعد؛
فقد بحث القسم خطة الدراسة في الكلية، وبعد المناقشة رأى أن هذه الخطة في مواد الشريعة الإسلامية قسم الليسانس لا تحتاج إلى تعديل ما دامت هذه الكلية كلية حقوق.
وعلى هذا يرى أن هذه الخطة لا تؤهل للحصول على درجة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية، وإنما تكفي مقدمة لدراسة «دبلوم» في الشريعة الإسلامية يكون تمهيدًا للحصول على الدكتوراة في القانون، وهو ما تجري عليه الجامعات العربية.
ويقترح القسم إنشاء شعبة خاصة في الليسانس تتوسع في دراسة الشريعة الإسلامية، لتخريج متخصصين ومؤهلين للحصول على درجة الدكتوراة فيها.
فاذا لم يتيسر إنشاء هذه الشعبة من الفرقة الأولى، يقترح القسم أن تكون الدراسة موحدة في الفرقتين الأولى والثانية، ثم يتخصص الطالب في الفرقتين الثالثة والرابعة في الشريعة أو في القانون، ويمنح الخريج «الليسانس» في الشريعة أو «الليسانس» في القانون، وحينئذ يكون للمتخصصين في الشريعة الحق في دراسة «دبلومي» الشريعة والحصول على الدكتوراة في «الشريعة الإسلامية».
وتفضلوا بقبول فائق التقدير وعظيم الاحترام.
التدرج في إلغاء مادة الثقافة الإسلامية من الدراسة في جامعة الكويت
حرصًا من دولة الكويت المسلمة على تنشئة أبنائها على الفطرة الإسلامية السليمة، وتدارك الخطأ الذي وقعت فيه جامعات عربية شقيقة نصت لائحة الجامعة على أن تشمل الخطة الدراسية محاضرات في الثقافة الإسلامية في جميع الكليات والشعب وكانت هذه المادة مادة نجاح ورسوب. وعلى الرغم من أن المقرر في الثقافة الإسلامية كان يعطى في محاضرة واحدة فقط في الأسبوع طوال السنوات من الأولى إلى الثالثة، إلا أن هذه المحاضرات قد أفادت فائدة كبرى وأعطت لشباب هذه الأمة المسلم الطيب فرصة يروي منها بعض ظمئه بالتزود من دينه.
ولكن أخذت جامعة الكويت -من بعد السنة الأولى -في تقليص مادة الثقافة الإسلامية بشكل ملحوظ.
فقد عدلت الخطة وحذفت مادة الثقافة الإسلامية من كلية الحقوق والشريعة ومن شعبة اللغة العربية والدراسات الإسلامية وقصرت على محاضرة واحدة أسبوعية في الفرقة الأولى ومحاضرتين في الفرقة الثانية، وحور المنهج بحيث لم يعد مقصورًا على الموضوعات الإسلامية الرئيسية في العقيدة والشريعة مما تشتد إليه حاجة الطالب الجامعي، بل وسع المنهج ليشمل الفلسفة والتصوف والتاريخ والحضارة وغيرها بصورة أساسية - مما جعل المادة أوسع من الوقت المخصص لها، وأزهد الطلاب فيها، وقد زاد الطين بلة عدم جعل مادة الثقافة الإسلامية مادة نجاح ورسوب مما أوحى إلى الطلاب بعدم أهميتها وأغراهم بالتخلف عن حضور محاضراتها واستخفافهم بقدرها، ويكفي أن نورد هنا مقتطفات مما جاء في التقرير السنوي الذي رفعه رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت إلى مدير الجامعة بهذا الصدد.
مقتطفات من التقرير السنوي لقسم الشريعة والدراسات الإسلامية
السيد الأستاذ الدكتور مدير جامعة الكويت
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته – وبعد؛
فبناء على طلبكم الخاص بالتقرير السنوي أضع أمام سيادتكم الأمور التالية:
أولًا -النشاط العلمي والثقافي في القسم:
قام أعضاء هيئة التدريس بتأليف كتب ومذكرات، وكتابة بحوث ومقالات علمية في المواد التي يقومون بتدريسها وفي غيرها، كما شاركوا في المحاضرات العامة والندوات الصحفية والإذاعية المسموعة والمرئية على الوجه المبين في الكشف المرفق.
ثانيًا -تطوير الخطة:
أ- خطة كلية الحقوق والشريعة:
انتهى رأي القسم بعد الاطلاع على تقارير الأساتذة الزائرين في العامين الماضي والحالي إلى اقتراح تعديل هذه الخطة على الوجه الموضح في الكتاب المرفق والذي أرسل بتاريخ 7 / 4 / 1971، إلى السيد الأستاذ عميد الكلية.
وهذا الاقتراح -في جملته محل إجماع تام من جميع الأساتذة الزائرين ومن جميع أعضاء هيئة التدريس، رغبة منهم في دراسة الفقه الإسلامي دراسة علمية وعملية متطورة، بحيث يخرج الأساتذة بعد فترة زمنية قريبة وكافية مؤلفات وبحوثًا فردية وجماعية شاملة لجميع فروع القانون العام والخاص وما يتصل بهما من زاوية الفكر الإسلامي، وصالحة للتقنين والتطبيق في العصر الحاضر، وهو ما تتطلع إليه في صدق وإخلاص دولة الكويت حكومة وشعبًا، وقد نص عليه دستورها.
وجامعة الكويت أهل لذلك العمل الذي سيكون على رأس أمجادها ومفاخرها، والقسم قادر عليه قدرة تامة إذا ما لقي التأييد والتعضيد والتعزيز ولم توجد أمامه عقبات.
ب- خطة شعبة الدراسات الإسلامية:
حرصت حكومة الكويت حين إنشاء الجامعة على أن يكون لها طابع إسلامي واضح، وكان من مظاهر ذلك إنشاء شعبة للغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم والتربية، تتشعب من الفرقة الثالثة إلى تخصصين «تخصص لغة عربية، تخصص دراسات إسلامية».
وقبل أن تبدأ الدراسة في الفرقة الثالثة، أدمجت الجامعة هذين التخصصين ووحدت الدراسة في هذه الشعبة دون غيرها من الشعب الأخرى المماثلة.
ومع أن هذا الإدماج كان على حساب مواد الدراسات الإسلامية بدأت اقتراحات قسم اللغة العربية تتوالى بتعديل الخطة وحذف المواد الإسلامية أو تقليل عدد محاضراتها إلى حد يجعلها مواد تكميلية للغة العربية وغير كافية لتخريج دارس إسلامي في جامعة، وتم ذلك كله في جو غير عادي.
وفي نهاية الأمر لم نجد أمامنا إلا اقتراح إنشاء شعبة خاصة بالدراسات الإسلامية من الفرقة الأولى بجوار أختها شعبة اللغة العربية وغيرها من الشعب التي أنشئت لكل مادة من المواد، وبحيث تكون المواد الإسلامية أصيلة في شعبتها ومكملة في شعبة اللغة العربية، ويكون الأمر على العكس في شعبة اللغة العربية، وهو ما جرت عليه الخطة في شعب أخرى.
وقد استجابت الجامعة أخيرًا إلى هذه الاقتراح، ووافقت على خطة الدراسة لشعبة اللغة العربية وآدابها وأجلت النظر في خطة شعبة الدراسات الإسلامية، إلى أن تنتهي اللجنة التي كونها مجلس الأقسام العلمية من الأستاذ الدكتور رئيس قسم الفلسفة ومني من مراجعة هذه الخطة على ضوء المناقشات التي جرت فيه وقد تمت هذه المراجعة في نهاية العام الماضي.
ولدى الجامعة الآن خطتان لهذه الشعبة، إحداهما مقترحة من القسم بعد استشارة بعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعة من المتصلين بالدراسات الإسلامية، والخطة المقدمة من الأستاذ الدكتور رئيس قسم الفلسفة وقد مضى على ذلك عام.
لذلك لم أجد محلًا لتقديم اقتراحات خاصة بهذا الشأن إلى أن تبت الجامعة في مصير هذه الدراسات الإسلامية التي أعلم أن بعض الطلاب من العالم الإسلامي قد جذبهم إلى جامعة الكويت عنوانها، ولا أدري ما انتهى إليه أمرهم.
وقد يكون من المصلحة حين إنشاء هذه الشعبة، أن ينشأ معها قسم للدراسات الإسلامية يشرف عليها ويضم أساتذتها وحدهم.
ثالثًا- مادة الثقافة الإسلامية:
أ- الخطة والمنهج :
اشتملت الخطة الدراسية الأولى للجامعة على محاضرة في الفرقة الأولى، ومحاضرة في الفرقة الثانية، ومحاضرة في الفرقة الثالثة، لمادة الثقافة الإسلامية في جميع الكليات والشعب، وكانت هذه المادة مادة نجاح ورسوب سنوي في شعبة اللغة العربية والدراسات الإسلامية وحدها ثم عدلت الخطة وحذفت مادة الثقافة الإسلامية من كلية الحقوق والشريعة ومن شعبة اللغة العربية والدراسات الإسلامية اكتفاء بالدراسات الإسلامية الأخرى وقصر تدريس الثقافة على محاضرة في الفرقة الأولى ومحاضرتين في الفرقة الثانية في باقي الكليات والشعب.
وكان المنهج -في أول الأمر مقصورًا على الموضوعات الإسلامية الرئيسية للثقافة الإسلامية في العقيدة والشريعة وغيرها مما تشتد إليه حاجة الطالب الجامعي في هذه المرحلة ويتسع له الوقت.
ثم رأت الجامعة توسيع المنهج بحيث يشمل الفلسفة والتصوف والتاريخ والحضارة وغيرها بصورة أساسية، وأصبحت المادة - بهذه الصورة - أوسع من الوقت المخصص لها، وسببًا لمتاعب كثيرة في تبعيتها وطريقة تدريسها وامتحاناتها، وقد بدأت الدراسة في موضوعات الفلسفة والتاريخ والتصوف بعد بدء العام الجامعي بمدة كبيرة وجمع لها الطلاب في مجموعات كبرى، لم يؤخذ لها غياب، فضلًا عما عرفه الطلاب عن المحتوى العلمي لمادة الثقافة الإسلامية التي وكلت الجامعة إلى قسم اللغة العربية تدريسها للطلاب الذين لا يجيدون العربية ويحملون بعدها نفس شهادتهم الجامعية، التي يشترط في الحصول عليها دراسة الثقافة الإسلامية في مستوى جامعي، مما أوحى إلى الطلاب عدم أهمية هذه المادة وكثر تساؤلهم عن دراسة بعض موضوعاتها، وبخاصة طلاب شعبة الفلسفة وشعبة التاريخ، الذين يقارنون وضعهم بوضع طلاب كلية الحقوق والشريعة وشعبة اللغة العربية وآدابها.
وكل ذلك -فيما أرى -لا يحقق الغرض العظيم من اشتمال الخطة على هذه المادة، وهو ربط الطلاب بالفكر والتراث الإسلامي، وجذبهم إلى ميدانه علمًا وسلوكًا.
ب- مشروع الكتاب:
كان في أيدي الطلاب كتاب «الإسلام عقيدة وشريعة» كمرجع لهم في بعض الموضوعات ثم بدأ الأساتذة الذين يقومون بتدريس المادة لأول مرة في كتابة مذكرات في الموضوعات التي يدرسونها، ثم أخذوا يعيدون النظر فيما كتبوا -كما هو الشأن في الكتابات الجامعية- على ضوء التجربة وحاجة الطلاب واتساع الوقت ثم رأت الجامعة في شهر مارس سنة 1970 تشكيل لجنة لتأليف كتاب شامل للمنهج الجديد، على أن تقدم أصوله في يونيو 1970، فاعتذرت عن عدم تحمل مسئولية هذا العمل في هذا الوقت القصير، ثم اقترحت لجنة تشكيل اللجنة - بعد مناقشات مجلس الأقسام العلمية والتفاهم مع سيادتكم من الأساتذة الذين قبلوا الاشتراك فيها، رأت اللجنة أن الوقت لا يكفي لإتمام عملها فأعطت مهلة إلى شهر سبتمبر 1970، وقدم أعضاء القسم الذين اشتركوا في اللجنة أصول كتاباتهم لطبعها في الموعد المقرر ثم بدأت أجزاء الكتاب تخرج على فترات متباعدة، وإلى الآن لم يتم طبع جميع الكتاب، مع أن الجزء الأكبر الباقي هو الخاص بالشريعة.
وقد لاحظ أعضاء القسم الذين اشتركوا في الكتابة أن موضوعاتهم قد أخرجت بعد تغيير في مضمونها وأسلوبها، بحيث لا يرضى أصحابها عن نسبتها إليهم، كما لم تلتزم الأسس التي اتفق عليها في تأليف هذا الكتاب من ناحية الكمية أو الكيفية.
ولعل من المفيد المقارنة بين ما جاء في هذا الكتاب وما جاء في غيره من الكتب الإسلامية المعاصرة في بعض الموضوعات
رابعًا- حالة المعيدين:
لا يوجد في القسم إلا معيد واحد يشارك مشاركة أساسية في إلقاء المحاضرات وقاعات البحث.
وقد بين القسم وجهة نظره في اختيار المعيدين من الخريجين الكويتيين في الخطاب الذي أرسل لسيادتكم.
وتتلخص في أن من يختار معيدًا في القسم تمهيدًا لأن يكون مدرسًا فأستاذًا للفقه الإسلامي وأصوله ينبغي أن يكون دارسًا دراسة شرعية أعمق وأشمل، على الوجه الذي اقترح في تعديل الخطة.
ومما يتصل بهذا أنه قد يكون من المصلحة ندب بعض القضاة الكويتيين المتخصصين في الشريعة الإسلامية -وبعضهم يعد رسائل للدكتوراة فيها -ابتداء من العام الجامعي القادم للمشاركة في قاعات البحث، جذبًا لهم إلى العمل بجامعة الكويت، وربطًا بين الفقه النظري والفقه التطبيقي، وهو ما جرى عليه العمل في بعض الجامعات العربية.
خامسًا- المكتبة الإسلامية:
ظهر لسيادتكم منذ أكثر من عامين قلة المراجع الإسلامية في المكتبة، فوضحت في هذه المناسبة ندرة بعض هذه المراجع الأصلية التي لم تعد دور النشر تقبل على نشرها، اكتفاء بالكتب الحديثة المربحة، وأن الحصول على هذه المراجع يحتاج إلى شرائها من المكتبات الخاصة لبعض العلماء ومن مكتبات تخصصت في هذا النوع من الكتب في أماكن خاصة، فرأيتم إعطائي شيكًا بمبلغ ألف دينار أنفقها في شراء هذه المراجع بمعرفتي أثناء الإجازة الصيفية، فشكرت واعتذرت ابتعادًا عن التصرفات المالية التي لا أرغب القيام بها صغرت أو كبرت، ثم انتهى الأمر بالكتابة إلى السفارة الكويتية في القاهرة لشراء هذه المراجع من مكتبة المرحوم الشيخ محمد الزفزاف وكيل كلية دار العلوم سابقًا ومن غيرها، على أن تعاونها لجنة من القسم تقتصر مهمتها على الناحية الفنية دون المالية، ومع توالي المتابعة لم يتم شراء هذه المراجع التي لا توجد في المكتبة بصورة كافية مع شدة الحاجة إليها، تسهيلًا للبحث وتأصيلً وتكميلًا له، وستبدأ الدراسات العليا في العام الجامعي القادم، ولا يستغني عن هذه المراجع أستاذ ولا طالب.
ولعل الجامعة تتجه -من الآن- إلى إحياء هذا التراث وتحقيقه ونشره، وهو جزء من رسالتها.
هذا وقد ربطت -في إيجاز بين الماضي والحاضر والمستقبل، في هذه الموضوعات الخاصة بالقسم، والتي طلب التقرير عنها، وبينت ما انتهى إليه أمر العلوم الإسلامية، وأنها أصبحت -وحدها ودون غيرها من فروع العلوم والآداب التي أنشئت كلياتها -معلقة أو مكملة أو تابعة أو أدنى من ذلك، حتى تكون الصورة واضحة أمام الجامعة وأمام الزملاء الأفاضل الذين سيتابعون أداء الرسالة، وبعضهم لم يعاصر بعض هذه الأمور، وبخاصة أن إعارتي إلى جامعة الكويت تنتهي بنهاية العام الجامعي الحالي أعود بعدها إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة.
أعانكم الله على أداء رسالتكم التي وقفتم حياتكم عليها، وشد أزركم بالمخلصين الصادقين الذين يخلصون المشورة، ولو اختلفت وجهات النظر في إطار المصلحة.
من هذا الاستعراض الموجز يتضح بجلاء أن الدراسات الإسلامية في جامعة الكويت -البلد المسلم- قد أقصيت من مناهج الدراسة فيها بشكل واضح ومتعمد في وقت حرصت فيه الدولة على تنشئة الطلاب تنشئة إسلامية أصيلة، ولذا فلم نجد مستغربًا عند المسؤولين عن الجامعة أن تعرض أمور العلوم المختلفة في أغلب الأحيان من زاوية علمانية مادية بحتة أبعد ما تكون عن الإسلام، ونرى الطلاب حيارى بين نشأتهم الإسلامية الأصيلة وما يتردد على مسامعهم من الأفكار المستوردة والمفاهيم الغريبة.
ونحن هنا نطالب المسؤولين عن الجامعة بإعادة النظر في جميع مناهجها ومراجعة تفاصيل الأخطاء التي وقعت فيها والبدء بصياغتها من جديد على أسس من العقيدة الإسلامية، حتى لا تتردى هذه الجامعة فيما تردت فيه جامعات أخرى في أكثر من مكان، كان حصيلتها شباب ضائع تائه متمرد على تقاليده ومجتمعه وعقيدته وهيهات أن ننتظر من مثل هذا الشباب بناء أمته والحفاظ على حضارتها.
رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت يكتب لمدير الجامعة:
«وبينت ما انتهى إليه أمر العلوم الإسلامية، وأنها أصبحت -وحدها ودون غيرها من فروع العلوم والآداب التي أنشئت كلياتها- معلقة أو مكملة أو تابعة أو أدنى من ذلك.. »
«والمجتمع» مماثلة للطبع وردنا من وزارة الإعلام رد جامعة الكويت على بعض ما نشر عنها في العدد الماضي، و«المجتمع» ترحب بمثل هذا الحوار وستنشره في العدد القادم إن شاء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل