العنوان فتاوي المجتمع (العدد 1800)
الكاتب د. مسعود صبري
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008
مشاهدات 13
نشر في العدد 1800
نشر في الصفحة 50
السبت 03-مايو-2008
وثيقة الطفل المصري في ميزان الشرع
نسب الطفل لأمه حرام وشكواه لوالديه أمام القضاء إفساد للأسرة
اشتملت تعديلات وثيقة الطفل الصادرة من الأمم المتحدة على عدد من الأمور التي يجب أن تبدو فيها الرؤية الشرعية واضحة، وخاصة أن عددًا من تلك القوانين لها آثار سلبية وتصادمية مع الأحكام الشرعية، فضلًا عن آثارها السلبية على المجتمع المسلم، والذي تسعى فيه ضمن عدد من الوثائق الدولية إلى طمس الهوية الإسلامية في مجتمعاتنا، نحو عولمة العالم الإسلامي ومحاولة تغريبه.
ولكن الأغرب ليس الدعوة إلى مبادئ تخالف الشريعة الإسلامية، إنما موافقة مجلس الشورى المصري من حيث المبدأ على مشروع قانون بتعديل أحكام قانون الطفل «رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦م» بكل بنوده، بحيث تم تغيير بعض الفقرات فيه، تتعلق بتجريم ختان الإناث، ورفع سن الزواج للجنسين إلى ١٨ سنة، حتى تكون هناك مساواة بينهما في سن الزواج وإلا بطل العقد، مع اشتراط توقيع الكشف الطبي للمقبلين على الزواج، وجواز أن ينسب الابن لأمه، وحق الطفل أن يتقدم بالشكوى للجهات المختصة إذا تعرض للعنف والإيذاء من والديه أو من يقوم على رعايته.
وكان المجلس القومي للطفولة والأمومة قد أصدر مسودة مشروع تعديل قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦ لتعديل أكثر من ٦٠ مادة.
وهذا لا يعني أن كل ما جاء في الوثيقة يناقض الشريعة، فغالب النصوص فيها تتوافق مع أحكام الفقه، وتتماشى مع روح التشريع والحفاظ على الأطفال وحقوقهم، وخاصة فيما يتعلق بتحسين المعيشة ورعاية المعاقين وغير ذلك، ولكن لا يمنع هذا من التنبيه على أمور من الخطأ إقرارها شرعًا.
لا يجوز نسب الولد لأمه:
التعديلات والنصوص الجديدة كان بعضها محل رفض من الفقهاء المعاصرين، وخاصة ما يتعلق بحق المرأة في نسب ولدها إليها، وقبل عدد من الفقهاء التعديلات الأخرى ورفضها آخرون.
فيرى الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم عدم جواز إثبات المرأة ابنها نسبًا لها، وأن يسجل في السجلات الرسمية بأن البنوة مرتبطة بالزواج الشرعي، والعلاقة غير الشرعية لا تثبت بها بنوة، وذلك حتى نسد الطريق أمام الانحرافات في العلاقات بين الرجل والمرأة، فقد يكون الولد من الزني، وإقرار حق المرأة في إثبات ولدها هو تقليد «غربي» غريب عن شريعتنا ومجتمعنا.
وعلاج حقوق اللقطاء لا يكون بمثل هذا القانون، وإنما بمحاربة الرذيلة، وتيسير سبل الزواج المشروع حتى يظل المجتمع الإسلامي بصبغته.
ويرفض الدكتور محمد كمال إمام إثبات الأم لولدها؛ لأن الطفل المولود خارج إطار عقد الزوجية ينسب لأمه من خلال الولادة الطبيعية قولًا واحدًا، وتظل المشكلة في نسبته إلى أبيه، فلا يثبت له النسب لأبيه إلا إذا أقر الأب دون الإشارة إلى أنه دون علاقة غير شرعية.
ويرى الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر حرمة نسب الولد لغير الزوج، حتى لو عرف والده، مستندًا لقول رسول الله ﷺ: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، فإن لم يقر الزوج به فلا خلاف بين الفقهاء في حرمة نسبه إليه، وإنما وقع الخلاف في الزاني الذي أقر بابنه من امرأة زنى بها، وهي غير متزوجة، فحرمه الجمهور وأباحه بعض التابعين، ثم ابن القيم وغيره، وهو ما اختاره الدكتور محمد رأفت عثمان، وأنه يمكن الأخذ به بشرط أن يثبت بالتحاليل العلمية أنه منه وليس من غيره.
واعتبر الدكتور عبد الله سمك عميد كلية الدعوة سابقًا أن نسب الطفل لأمه تحت أي ظرف من الظروف مخالف للقرآن، فلا يجوز.
رأي ضعيف لا يلتفت إليه
ولم يخرج عن هذا التحريم الصريح إلا الدكتور إسماعيل الدفتار الذي رأى جواز نسب الولد لأمه، واستند إلى أن بعض الصحابة نسبوا لأمهاتهم كالزبير بن صفية وهو رأي ضعيف جدًا، مخالف لإجماع الأمة، وأنه ليس هناك عدد من الصحابة تسموا بأسماء أمهاتهم، ومن تسمى منهم كان سبب تسميه باسم أمه في الجاهلية لعدم معرفة أبيه، وقد صح عن النبي ﷺ: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم».
أما تحديد سن الزواج، فقد اختلف فيه الفقهاء، فقبله البعض كإجراء تنظيمي وهو يوكل لولي الأمر، وإليه ذهب الدكتور محمد الدسوقي والدكتور إسماعيل الدفتار، والدكتور سعد الدين الهلالي، ورأوا أن هذا من الأمور التنظيمية التي يدخل في باب المصالح المرسلة والتي تخضع لرأي ولي الأمر، وهو أيضًا رأي فضيلة مفتي مصر الدكتور علي جمعة.
ويرى الموافقون على تحديد سن الزواج أن هذا لا يعني تحريم الزواج وإنما يعني منع توثيقه فقط.
وخالفهم بعض الفقهاء رافضين تحديد سن الزواج، لما قد يدعو إلى الفاحشة وانتشار الزواج العرفي بين الشباب والفتيات، مع رفضهم وجوب الكشف الطبي قبل الزواج، وإلا بطل العقد، ومن هؤلاء الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا، والدكتور عبد الله سمك، والشيخ أحمد عثمان من علماء الأزهر، والدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ بجامعة الأزهر.
ورأى هؤلاء أن النصوص الشرعية تدعو للزواج ممن كان على خلق دون تحديد سن أو كشف طبي، لقول النبي ﷺ: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فجاء الحديث بهذا العموم دون اشتراط سن أو كشف طبي.
شكوى الطفل والديه
وحول حق الطفل في رفع دعوى ضد والديه إن شعر بالإساءة أو العنف، رأي عدد من الفقهاء المعارضين لتلك البنود، وعلى رأسهم الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس اللجنة الفقهية بمجمع البحوث الفقهية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق أن هذا بند مبهم، وهو يجر إلى فساد، فضلًا عن مخالفته لنصوص الشرع التي تبيح للوالدين تأديب أولادهم شريطة ألا يلحقوا بهم أذى كبيرًا، والتأديب حق شرعي للوالدين تجاه أبنائهم.
وحول تجريم ختان الإناث رأي الدكتور عبد الفتاح الشيخ أنه لا يجوز تجريم الوالدين أو الطبيب في ختان الإناث إذ هو أمر مقرر شرعًا، فكيف يجرم فعل هو من شريعة الإسلام؟
من فتاوى الرسول ﷺ
•سأل رجل رسول الله ﷺ عن حدود العورة، فقال: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال له النبي ﷺ: «احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك». قال: قلت: یا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ فقال: «إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها». قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: «الله أحق أن يستحيا منه» «أخرجه أهل السنن».
•وأسلمت امرأة على عهده ﷺ فتزوجت، فجاء زوجها فقال: يا رسول الله، إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي، فانتزعها رسول الله ﷺ من زوجها الآخر، وردها إلى الأول «أخرجه أحمد وابن حبان».
الخطبة بين الرفض والقبول
الإجابة للدكتور عجيل النشمي من موقعه:
www.dr_nashmi.com
•متى يجوز للأب أن يرفض المتقدم للزواج من ابنته؟ وما الأسباب التي يجوز أن يتعلل بها الأب عند رفضه للشاب المتقدم، الشرعي منها وغير الشرعي؟
-الأمر في قبول الخاطب شأن المخطوبة أولًا: فلها أن ترفض ولو قبله الوالدان، ولو كان صاحب دين وخلق، إذا لم تقبله شكلًا مثلًا، أو لأي سبب، ودور الأبوين النصيحة لها، وتخير الكفء المناسب وهو صاحب الدين والخلق والسمعة الحسنة، وكذلك الأمور الأخرى المكملة من الحسب والوظيفة والمستوى المعيشي والاجتماعي المناسب للمرأة. وليس للأب أن يرد صاحب الدين: لأنه ليس من القبيلة مثلًا، ومع هذا لابد من أن نأخذ العادات والتقاليد في الاعتبار.
وإذا تكرر رد الخاطب لغير الدين وخشيت المرأة على نفسها فلها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليزوجها: لعضل الولي وتعنته. وأنصع دليل على أن أمر الخطبة بيد المرأة قصة بريرة -رضي الله عنها- فقد ورد في الصحيح أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له: مغيث -كأني أنظر إليه- يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي ﷺ للعباس: «يا عباس! ألا تعجب من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا؟»، فقال النبي ﷺ: «لو راجعته فإنه أبو ولدك؟» قالت: يا رسول الله! أتأمرني؟ فقال: «أنا أشفع»، فقالت: فلا حاجة لي فيه. «أخرجه البخاري»
فانظر كيف أن النبي ﷺ لم يأمر بريرة علي القبول وترك الأمر لها. فهي قد ردت شفاعة النبي ﷺ. ولم يعنفها لأن ذلك من حقوقها. والله أعلم.
من أعلام المفتي الشيخ بكري الصدفي
مولده ونشأته: ولد -رحمه الله- بــ «صدفًا» بمحافظة أسيوط، وشب في أسرة كريمة مشهورة بالتقوى والصلاح والعلم، فكان أبوه الشيخ «محمد عاشور الصدفي» من خيرة رجال العلم المشهود لهم بسعة العلم والاطلاع، فتأثر فضيلة الشيخ البكري بأبيه، وأخذ عنه الكثير من علمه وفضله، وبعد أن حفظ القرآن الكريم وأتقن تجويده، التحق بالأزهر الشريف، واستمر يدرس حتى نال الشهادة العالمية من الدرجة الأولى سنة ١٣٨٩هـ.
مناصبه: كلف بالتدريس في الأزهر من الشيخ «محمد المهدى العباسي» شيخ الأزهر وقتها، بالإضافة إلى حلقات الدروس التي كان يلقيها على تلاميذه في منزله المجاور للجامع الأزهر، ثم عين موظفًا بالقضاء، وتدرج بالمناصب القضائية.
وفي ۱۸ رمضان سنة ١٣٢٣ هـ عين مفتيًا للديار المصرية بعد الإمام محمد عبده، واستمر يشغل هذا المنصب حتى ٤ صفر سنة ١٣٣٣هـ، أصدر خلالها(۱۱۸۰) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء.
مؤلفاته: نظرًا لانشغاله بالتدريس والقضاء فلم يترك إلا العديد من الأبحاث التي لم تنشر حتى الآن.
وفاته: توفي في شهر مارس سنة ۱۹۱۹م.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل