; نظرية المؤامرة وخسارة الذات | مجلة المجتمع

العنوان نظرية المؤامرة وخسارة الذات

الكاتب خضير جعفر

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

مشاهدات 18

نشر في العدد 1373

نشر في الصفحة 66

الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

لا نعدم أن يكون ثمة تآمر على الآخرين، ولا ندعي أن الأرض خالية من المتآمرين، ولكن الذي يهمنا قوله هنا أن يعمد الفاشلون على أي صعيد للجوء إلى كهوف البؤس المظلمة مسيجين ذواتهم بحصون الإسقاط خلف جدران نظرية المؤامرة عبر إلقاء مسؤولية فشلهم على الآخر،  وإن كان بريئًا وتعليق كل ملفات أخطائهم على ذمة العدو ونصب علامات سوء التقدير ورداءة التدبير على مشجب التآمر الموهوم، وبالتالي تحميل الآخر مسؤولية التردي وإلقاء اللوم عليه.

وسواء افترضنا وجود مؤامرة فعلًا أم لا، فإن الكفء المؤهل للنجاح هو من يحسب لكل شيء حسابه، ويتعامل مع معطيات الواقع ومستجدات المستقبل بأسوأ الاحتمالات كي لا تصدمه الصعاب ولا تعيقه المشكلات، بل ولا توقف حركة كدحه المؤامرات لو قدر لها أن تقع أو تكون، أما من يتوهم أن دروب سعيه مفروشة بالورود ومفعمة بأريجها وبالرياحين، فهو مجانب المواقع، مخطئ متجاهل الأصول الصواب ومبادئ الحساب وألفباء القوانين والأسباب، وعلى افتراض أن يكون هناك تآمر ومتآمرون حالوا دون تحقيق الأهداف، فإن هذا لا يعفي من المسؤولية من ألغي احتمال وقوعها فانساق وراء سراب الوهم ليجد نفسه يومًا ما في نهايات أنفاق الإحباط والإخفاق حائرًا لا يلوي على شيء ،عاجزًا عن إدراك الواقع ومواجهة تداعيات العمل المنجز أو المزمع إنجازه، وبالتالي لا يملك ما يبرر له خطاه أو يبريء لنا ساحته من الإخفاق والفشل، إذ إن المؤهل الكفء هو ذلك الذي يبلغ الهدف رغم التآمر، راغمًا أنوف المتآمرين إن وجدوا، وإلا فإن اختلاق الأعداء والمتآمرين لا يقلل من خطر الفشل وتبعات الإخفاق، كما أن خلق الأعداء والمتآمرين من خلال سوء الأداء وحالات الاستعداء هو الآخر شر وبيل لا يحصد صاحبه غير المتاعب والعناء، وإن الواقعية والتعاطي الموضوعي والتفكير السليم والخطة المدروسة هي ركائز مطلوبة لتأسيس النجاح، وآليات لا مناص منها على طريق استكمال مستلزمات العمل المنتج، وإن الاستعداد لمواجهة المشكلات والمؤامرات ضمانة أكيدة لتحقيق الأهداف وبلوغها.

أما الاستجابة اللاواعية أو المتلوية لحالات الإحباط ومن ثم القفز من خلالها على حريم الآخرين، وحرماتهم واتهامهم وإلقاء المسؤولية على عواتقهم، حتى لو كانوا متآمرين فعلًا إنما هي مبررات واهية لتغطية الفشل الذي يحاول التنصل منه، إن لم تكن فشلًا آخر. 

ولو قدر للفاشلين أن يملأؤا الآفاق صراخًا ونواحًا وتهمًا لمن سواهم فلن يغيروا من معادلات الأمر الواقع شيئًا، وسيظل الفشل هو الفشل، سواء أكان سببه الخواء والإعياء وسوء الأداء أو المتآمرون الأعداء فالنتيجة واحدة.

ونخشى أن تكون نظرية المؤامرة التي يتبنى مقولاتها المحبطون أفرادًا كانوا أو جماعات أو حكومات مسعى إسقاطيًا فاقدًا للمصداقية، ويحاول أصحابه التنصل من تبعات الفشل، ورميها في سلة الآخرين أو الهروب من الواقع، وعذاب الضمير والجلد الذاتي الذي تمارسه النفس اللوامة والقذف بها خارج دائرة الذات من خلال اتهام الآخرين بها أعداء كانوا أو من حسادًا أو نقادًا، إذ المهم لديهم ضرورة التخلص من كل أدلة الإثبات التي تدين الذات حتى ولو برميها على حائط جار بريء، ومن ثم تنظيم حملة إعلام مبرمجة ضده لتكريس ما التهمة وتغييب الحقيقة وطمس معالمها وآثارها لا من خلال التطبيل والتضليل ونشر الأباطيل دفاعًا عن الذات وتجنبًا لدفع الاستحقاقات، وإن تطلب ذلك استخدام كافة الأسلحة و المشروعة منها والممنوعة، ويتناسب طردي مع حالة الفشل سعة وعمقًا لتتسع تبعًا لذلك دائرة المتهمين وتطول لائحة الاتهام، ومن ثم صدور لا أحكام الإدانة الجاهزة والتجريم المسبق بحق المتآمرين.

إن افتعال نظرية المؤامرة عمل لا أخلاقي مدان بالقوة نفسها التي تدان بها المؤامرة نفسها أيًا كان الذي وراءها لأنها لا تنبع إلا عن ذات مريضة وعقلية معقدة عاجزة عن التحلي بفضيلة الاعتراف بالخطأ، ومن ثم هي بعض إفرازات سيكولوجية عصبية المزاج يعوز أهلها الثقة بالنفس والإيمان بالقيم فيفقد أصحابها أخلاق الشجعان ليمارسوا الاحتماء في كهوف الانكفاء وأخاديد الانزواء عن الواقع ليطلقوا من هناك قذائف القذف وحمم الاتهام على مخالفيهم إبراءً للذمة من تبعات الفشل والصاقها بالآخرين.

والمثير للدهشة هنا نزوع بعض الإسلاميين إلى منطق المؤامرة حينما يفشلون وتحبط مشاريعهم فيلوذون خلف متاريس نظرية المؤامرة متهمين آخرين بالتآمر عليهم والكيد لهم، والوقوف بوجههم، وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد، وإنما يمارسون سلطة متعسفة ما أنزل الله بها من آيات حينما يلوون رقبة النصوص ويقهرون مفاهيمها لتأتي موائمة لمصلحة الذات، ومن ثم يوظفونها ضد الآخر بعد إصدار فتاوى التفسيق والضلال بحقه لكي تستحل حرمته من دون حرج وما دام الأمر لا يكلف الفاشلين إلا صيغًا للفتوى وعبارات منتقاة، فإن ضحايا نظرية المؤامرة خلق كثير والويل لمن تشملهم لعنة «الكهنة» الفاشلين.

من يلجأ إلى مثل هذه الأساليب والمناهج التبريرية، سوف يخسر نفسه بعد أن خسر فرص النجاح، فتصبح عندئذ خسارة الذات أكبر من خسارة المواقع والطموحات. 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل