العنوان هل ينبغي المرور بالتجربة الإيرانية لنتعظ؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
مشاهدات 12
نشر في العدد 412
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
بغض النظر عما قد تتمخض عنه الأحداث الإيرانية الأخيرة من أوضاع قد يكون أحلاهما مر لمستقبل المنطقة الأمني والعقائدي.. بغض النظر عن ذلك فإنه يهمنا الإشارة إلى ما قد تعنيه التجربة الإيرانية وما تحمله من إنذارات لنا حتى لا نخوض نفس التجربة التي قد يحسن المتربصون بنا استغلالها لمصالح الأعداء.
مميزات التجربة الإيرانية
إن أهم ما يميز التجربة الإيرانية التي أدت إلى تطور الأحداث هذا التطور الخطير الذي تمخض عنه آلاف القتلى والجرحى والكثير من الخسائر المادية ما يلي:
* افتقار الخط السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنتهجه الإدارة إلى التوافق مع متطلبات الشعب وطموحاته.
* فعلى الصعيد الاجتماعي مثلًا نجد أن الخط الذي اتبعته الإدارة في فرض السفور على النساء ونزع الحجاب، والتساهل في مواجهة الفساد الخلقي، وعدم الضرب بيد من حديد على من يشيعون الفساد، لم يكن ليتوافق مع متطلبات الشعب الإيراني المحافظ. وقد بدا واضحًا أن المعارضة الدينية اعتمدت في الآونة الأخيرة كثيرًا على الضرب على هذا الوتر مما يدل فعلًا على عدم التوافق الموجود.
* وعلى الصعيد الاقتصادي أيضًا نجد أن الخط الذي اتبعته الإدارة الاقتصادية لم يكن موفقًا كثيرًا في تحقيق الاستفادة الاقتصادية الكاملة من وجود الثروة النفطية وغيرها من الثروات، كرفع المستوى المعيشي للفرد الإيراني، أو الحد من تركيز الثروات، أو إقامة المشاريع الصناعية المنتجة كتخطيط سليم للمستقبل.
كل ذلك تم في غياب الحرية الواعية المعتمدة على الإرشاد الفكري والإعلامي السليم للشعب، مما أعطى الفرصة لمثيري الشغب ومحرضي الشعوب على استغلال هذه الأوضاع لصالحهم وکسب تأييد الشارع الإيراني.
التدخل الأجنبي.. خطورة
- ثاني مميزات التجربة الإيرانية أنها لم تدرك إدراكًا كاملًا خطر التغلغل الأجنبي بأي صورة من صوره الثقافية أو السياسية أو العسكرية، فمما تناقلته الدوائر الصحفية بشيء من الثقة أنه يوجد ٣٤ ألف أمريكي يعيشون في إيران، يعمل قسم كبير منهم كمستشارين في الجيش الإيراني مما يعكس لنا صورة عن مدى الفرصة المباحة للأمريكان للتدخل في الشئون الإيرانية والتأثير عليها سلبًا أو إيجابًا.
ولعل تصريح أحد قادة المعارضة الصحفي الذي بين فيه أن أمريكا لم تغير سياستها تجاه شعب إيران حتى الآن، وما دامت تستمر في هذه السياسة فإن موقفي يظل ثابتًا ولن يتغير في مواجهتها هو الآخر -الدستور، العدد ٣٩٤- هو تعبير مباشر عن خطورة التساهل في تقدير خطر التغلغل الأجنبي.
أما هذه الخطورة فمنشؤها أن هذه الدول الأجنبية تحركها مصالحها السياسية والاقتصادية؛ وبالتالي فإنه لا يترتب عليها حسب هذه القاعدة أي التزام معين في مواقفها تجاه الدول الأخرى، فهي تهندس تحركاتها على أساس المبدأ الاقتصادي المشهور: أكبر كمية من الربح مع أقل تكلفة في الإنتاج. وهي في سبيل تحقيق ما ترنو إليه قد تسعى ودون تحفظ إلى تحويل البلاد إلى ساحة للقتال يتقاتل بها أبناء الوطن الواحد تحت شعارات وأيدلوجيات مختلفة تحقق مصالح الدول الأجنبية. وهي بلا شك قد تستفيد كثيرًا من التناقضات والأخطاء الموجودة في البلاد.
تجربة مريرة وموعظة حسنة
كما أشرنا في مقدمة تعليقنا فإن در استنا للتجربة الإيرانية المريرة إنما للاستفادة منها لنتجنب خوض نفس التجربة؛ فمما لا شك فيه أن كثيرًا من المخلصين في عالمنا العربي والإسلامي يسعون لتجنب هذا المصير الخطير، ولا سبيل لنا لتحقيق ما نصبو إليه إلا إذا حرصنا على:
- عدم تجاهل المطالب الشعبية.
- عدم انتهاج خط سياسي واجتماعي واقتصادي مناهض لطموحات شعوبنا وآمالها.
- إشاعة جو من الحرية الإيجابية المدروسة المعتمدة على الإرشاد الفكري والإعلامي السليم.
- عدم تجاهل مقومات الشعوب العقيدية والتاريخية.
- عدم استغلال ثروات أرضنا وحرمان شعوبنا من الاستفادة منها.
- عدم تجاهل خطورة التغلغل الأجنبي الفكري أو السياسي أو الاقتصادي.
كل ذلك حتى نتيح لأنفسنا فرصة ذهبية:
- نفوت فيها على الحاقدين وأصحاب الولاءات الخارجية الفرصة، فلا يستطيعون تسيير الأحداث حسب مصالحهم.
- ونحقق فيها تقاربًا أكثر بين الحكام والمحكومين يرضي الشعب ويحقق له طموحاته، ويلبي متطلباته، ويعطي الحكام فرصة أكبر ليقودوا البلاد قيادة سليمة بعيدًا عن الأخطاء المفضية دومًا إلى الفوضى والاضطراب.
وختامًا نسأل: هل ينبغي لنا المرور بالتجربة الإيرانية لنتعظ؟ أم هل سنكون قادرين على الاستفادة دون المرور بتلك التجربة المريرة.
نرجو ذلك.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل