; فقه القوة والعنف والإرهاب | مجلة المجتمع

العنوان فقه القوة والعنف والإرهاب

الكاتب د. فتحي يكن

تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

مشاهدات 11

نشر في العدد 1171

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 17-أكتوبر-1995

هناك اختلاف كبير في النظرة إلى الإرهاب  وفي تحديد مواصفاته ومدلولاته وظواهره وشرعيته وقانونيته.

ويصل الأمر في الاختلاف هذا إلى درجة انعدام الوزن في المواقف والأحكام، فبين من يعتبر من يدافع عن نفسه، وماله وعرضه وأرضه، وحقوقه الإنسانية، والشخصية إرهابيًّا وبين من يضع مرتكبي المجازر ومبيدي الشعوب، ومرتكبي جرائم القتل الجماعي كالذي جرى قديمًا في فيتنام واليابان هيروشيما ونيكازاكي وغيرهما، والذي يجري حديثًا في البوسنة والهرسك، وفلسطين، والشيشان خارج دائرة الإرهاب.. وإلى هذا يشير الشاعر:

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر         وقتل شعب آمن قضية فيها نظر

من هنا كان لا بد من تحديد تعريف للإرهاب ولأصنافه، وأنواعه، وأسبابه وخلفياته؛ إذ الإرهاب ليس نمطًا واحدًا، وليس ظاهرة ذات مواصفات واحدة تستوجب حكما شرعيًّا واحدًا، أو حكمًا قانونيًّا واحدًا.

تعريف الإرهاب: إن الإرهاب هو العمل الذي يقوم به فرد، أو مجموعة أفراد أو دولة من شأنه أن ينشر الرعب والخوف لدى فريق آخر فردًا كان أو جماعة أو دولة، سواء حصل من جراء ذلك اعتداء على الأرواح أو الأموال أو الأعراض، أم لم يحصل، إذ مجرد حدوث حالة من الرعب والخوف لدى الغير يعتبر إرهابًا.

فإشهار سلاح في وجه إنسان بقصد أو بدون قصد، يقع ضمن دائرة إرهابه وإخافته ولو لم ينجم عن ذلك إيذاء بدني، إذن إن الإيذاء النفسي قد حصل وهذا كاف، وقد يؤدي الإيذاء النفسي من خلال (الصدمة والمفاجأة) إلى وقوع حالة وفاة، أو جنون، أو تصرف غير عاقل، وهذا الفعل البسيط نهى عنه الإسلام من خلال قوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يروعن مسلمًا».

والقيام باعتداء من شخص على آخر سواء استُعمل في هذا الاعتداء سلاح أم لم يستعمل، وأدى إلى وقوع إيذاء ما في جسده أو ماله، أو عرضه، يعتبر إرهابًا والفاعل في هذه الحالة يعتبر مجرمًا، ويعاقب بحسب نوع وحجم جريمته، أما المعتدى عليه فله الحق الكامل في الدفاع عن نفسه وماله وعرضه، ولو أدى ذلك إلى إيذاء المعتدي لينجو من عدوانه وإيذائه، وفعله هذا جائز في الشريعة والقانون وفي حالة موت المعتدى عليه فيعتبر شهيدًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون نفسه فهو شهيد».

الإرهاب أو استعمال العنف وأسبابه

فهناك الجرائم ذات الأغراض الشخصية كالنزاع الشخصي الذي يؤدي إلى القتل، أو السرقة، أو الاعتداء على العرض، أو ما شابه ذلك، ونحن في دراستنا هذه لسنا بصدد هذا الصنف من الإرهاب أو الجرائم، وليس هناك من خلاف على تحريمها.

وهنالك جرائم ذات أغراض سياسية، من جهات أو فئات أهلية، ومن جهات رسمية محلية كانت أو إقليمية أو دولية، وهذا محور بحثنا ودراستنا واجتهادنا نظرًا لأهمية وخطورة هذا الموضوع، ونظرًا لتفاوت الاجتهاد فيه، وبخاصة لما يسببه ذلك من ظلم اجتماعي وسياسي، وعدلي وأمني، إضافة إلى الظلم الذي قد يقع على الفكر والمعتقد والخلفية الأيديولوجية التي قد يسببها الفعل الإرهابي بحق وبدون حق.

الأول: العنف وفقه نشر الدعوة الإسلامية

إن الفقه الشرعي الأصيل في إطار دعوة الناس إلى الإسلام هو الفقه المبني على الفقهين القرآني والنبوي وليس في الفقهين بحسب علمي -وفوق كل ذي علم عليم- نص واحد يجيز -تصريحًا أو تلميحًا- استعمال القوة والعنف في نطاق نشر الدعوة الإسلامية.

فالأصل في حمل الدعوة إلى الناس وتبيانها لهم، ودعوتهم إليها هو اللين والحكمة والرفق، بل تحمل الأذى في سبيل ذلك، فكيف بالإيذاء.

فمن هذه القواعد القرآنية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء107). ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125)، ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (طه: 44)، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159). ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (الغاشية: 21، 22). ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (256)، ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس: 99)، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (طه: 132)، فكيف مع الآخرين؟

ومن القواعد النبوية: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، «من قال هلك الناس فهو أهلكهم، إن المنبت لا أرضًا قطع. ولا ظهرًا أبقى»، «سيروا على سير أضعفكم».

والداعية كالطبيب، وليس كالقاضي أو الجلاد!!

فالداعية وظيفته تشبه وظيفة الطبيب الذي يسهر على راحة مريضه، والذي يعالجه برفق وصبر، والذي ينصح له، ولا يبخل عليه بالإرشاد ليبل من مرضه، والطبيب لا يلجأ إلى إجراء الجراحة إلا عندما يستنفد كل أسباب العلاج، أو يكون المرض قد وصل إلى حالة خطيرة لا ينفع معها علاج، عندها يلجأ الطبيب إلى الجراحة، ليستنقذ مريضه من الخطر الأكبر، وهذا استثناء في المعالجة وليس أصلا وقاعدة؛ إذ القاعدة النبوية أن آخر الدواء لكي.

فالداعية ليس قاضيًا وظيفته إصدار الأحكام على الآخرين بتسفيههم، أو تكفيرهم، أو ترهيبهم أو تهدیدهم، أو إهدار دمهم...

إن الداعية حين يقوم بهذا، ويمارس هذا لا يمكن أن يكون داعية وفق أحكام الإسلام ومبادئه، وإنما وفق هواه ومزاجه، ويكون مخالفًا لقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: 36).

وليتذكر هؤلاء وليراجعوا دينهم وإيمانهم وهم يقرءون قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جنت به».

ثم إن على هؤلاء أن لا ينسوا القاعدة الذهبية التي تقرر أن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح.

الثاني: العنف وفقه الترغيب والترهيب

وقد يفهم البعض أن الترهيب هنا اللجوء إلى اعتماد وسائل حسية وممارستها مع الآخرين لسوقهم إلى الإسلام، وإرغامهم على ذلك إرغامًا، مع أن الخطاب هنا مقصده الترغيب في الجنة، والترهيب من النار يوم القيامة (راجع التفاسير).

ولم يذكر التاريخ حادثة واحدة أرغم المسلمون فيها غيرهم على الإسلام، أو أذوهم لأنهم لم يقتنعوا بالإسلام، حتى في الجهاد، وفي ظل وجود دولة إسلامية، وحاكم مسلم فلا يكون اللجوء إلى الحرب والقتال إلا في حالة رد عدوان على المسلمين، أو مصادرة دولة ما حرية التعبير والدعوة، فيكون استعمال القوة عندئذ لرفع الظلم، وضمان حرية الشعب في التعرف على الإسلام، وفي اتخاذ الموقف الذي يريد بعد ذلك طوعًا لا كرهًا.

الثالث: العنف وفقه الحسبة

وقد يجد البعض في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان.

وهذا الحديث واضح الدلالة على أن تغيير المنكر مناط بالاستطاعة، وعدم جلب مفسدة وتعدد درجات التكليف يفيد عدم العنت والمشقة، ويفيد التيسير لا التعسير.

فقد تكون الجهة الناهية عن المنكر جاهلة وغير محيطة بأبعاد هذا المنكر، غير مدركة للمخاطر التي يمكن أن يتسببها قيامها بذلك، بل غير مدركة للوسائل الكفيلة بإزالته، بل غير ممتلكة لها، وتكون النتيجة تهييج المنكر واستفحاله بدل إزالته والقضاء عليه، وعلى سبيل المثال كما يحدث للمريض بالالتهاب الذي يعطى مضادات حيوية غير متكافئة مع الالتهاب وغير فاعلة أو قادرة على إخماده حيث تكون النتيجة معكوسة، وتؤدي إلى تفاقم المرض واستعصائه.

ثم إن الحالة الإسلامية اليوم ليست مدعوة لإزالة منكرات صغيرة في ظل أوضاع وأنظمة ونظم وقوانين منكرة.

والدعوة الحكيمة هي تلك التي تعمد إلى التغيير على أساس بناء المجتمع - كل المجتمع بناء سليمًا.

فالمجتمع الذي فسدت عقيدته، وفسدت تشاريعه وقوانينه، لا تنفع معه إصلاحات فرعية وجزئية وجانبيه، إنه لا بد من إعادة بنائه، ومن خلال الأسس والقواعد وليس من خلال الفروع والثمرات.

إن تحطيم متجر لبيع الخمور -مثلا- لا يحل مشكلة ما دامت القوانين تسمح بذلك، وإن تفجير ناد ليلي لا يحل مشكلة ما دامت القوانين مجيزة لذلك، وإن الإقدام على قتل عاهرة لا يوقف العهر... وهكذا.

إن منكرات المجتمعات كثيرة ومتعددة ومتوالدة، ولا يمكن أن تحصى وأن تقمع ما دامت مبرراتها القانونية وقواعدها التشريعية الوضعية قائمة، ووقف السلعة الفاسدة إنما يكون من خلال وقف المصنع الذي يصنعها ويروج لها ويوزعها.

من هنا كانت السنة الربانية الكونية في التغيير تعتمد على تغيير الأساس لا الذي ترتب عليه وتوالد منه.

وهذا لا يعني قعود الدعاة عن نهي الناس عن الموبقات والمنكرات - صغرت أم كبرت- إنما يعني ضرورة الأخذ بكل الأسباب التي تؤدي بالمعروف إلى الانتشار والانتصار، وبالمنكر إلى الانحسار والانهيار.

إن الانشغال بفروع المنكر من شأنه أن يشغل الدعاة عن الانشغال بأصوله ومنابعه وإلى أن يستدرجوا إلى معارك جانبيه تستنزف جهودهم وتحبط أعمالهم، وتوقف مسيرتهم، وتجهض مشروعهم.

لكم انهارت فئات وحركات وعفا عليها الزمن كانت محسوبة على الإسلام، بسبب انشغالها بجزئيات البدع والمفاسد، وبسبب اعتمادها على مواجهتها بالقوة؛ الأمر الذي استدرجها إلى مقاتلها في غفلة منها، وأعطى عدوها مبررًا لتصفيتها، والتخلص منها فاعتبروا يا أولي الألباب.

إنه لا بد من التفريق بين فقه الحسبة في دار الإسلام، وفقه الحسبة في دار الحرب وبين بلد يحكم بالإسلام، وبالتالي تقوم الحسبة فيه على أحكام الشريعة الإسلامية، وبين بلد يحكم بنظام وضعي، إن وجد فيه نظام حسبة قائمًا يقوم على منطوق القوانين الوضعية.

إن من فقه المرحلة، وفقه الحسبة في بلد كهذا أن تعمد الحركة الإسلامية فيه إلى استصدار تشريعات وقوانين من شأنها الحد من المفاسد المختلفة، وأخرى من شأنها ترشيد السياسات الإعلامية والتربوية وغيرها.

إن توجهًا كهذا من شأنه أن يحقق نسبة كبيرة من الإصلاح لا يمكن أن تحققها سياسة تحطيم مئات من متاجر الخمر، ودور السينما، ودور البغاء، وإن تحقق، ناهيك عما يمكن أن يجر ذلك على الحركة وأبنائها من مهالك من غير طائل.

الرابع : العنف وفقه التغيير والوصول إلى السلطة

الأصل في التغيير أن يكون من خلال تغيير النفوس من خلال التربية وتغيير النصوص؛ فالتربية التي لا تعتمد على نصوص تربوية وقانونية وتشريعية وإعلامية، ولا تسعى للوصول إليها وإلى تحقيقها في واقع حياة المجتمع تكون كالنصوص التي لا تأخذ طريقها ويجري تطبيقها في واقع حياة الناس.

فالأخلاق والقيم التي لا يحترمها النظام والدستور والقانون، ولا يحميها قد تتراجع وتنهار، وكذلك النظام والدستور والقانون يمكن أن يكون عاجزًا عن تحقيق هذا الهدف، والقيام بهذا الدور، إذا لم يتهيأ له أكفاؤه ورجاله وأدواته ومشاريعه وظروفه، ولو كان يرفع راية إسلامية.

ويخطئ من يظن أن مجرد وصول حركة إسلامية ما إلى الحكم في بلد ما، يعني أسلمة شعب هذا البلد، واختفاء مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، والأمنية، وبخاصة إن كان وصول هذه الحركة وصولاً فجائيًّا غير متدرج وبدون استعداد، ومن غير جهوزية وقدرة على تقديم حلول المشكلات الناس المتفاقمة.

إن مرحلة الإقدام على استعمال القوة في التغيير الإسلامي -إن كان لا بد منها ولا مفر- هي مرحلة متأخرة تكون في نهاية الاستعداد وإفراغ كل جهد فيه، والأخذ بكل الأسباب وبذل المستطاع في توفيرها وحيازتها.

إن التغيير الإسلامي، وإقامة حكم الإسلام لا يجوز أن تقوم به فئة ما، مهما كان عدد أفرادها إن لم تكن قد بلغت أعلى مستويات الاستعداد، ويكون الناس على أحسن درجات ومستويات التفاعل معها والقبول لها، وتكون الظروف المحيطة مساعدة على تحقيق هذه النقلة وبأقل الخسائر، عندها - وعندها فقط- يجوز لها أن تفاضل بين الإقدام أو التريث.

إن بلوغ الحكم الإسلامي لا يكون من خلال قفزة في الهواء، وإلقاء العباد والبلاد في المجهول، كما لا يكون من خلال عبث العابثين وجهل الجاهلين ومراهقة المراهقين، حيث تكون الهلكة والتهلكة التي حذرنا الله تعالى منها في محكم تنزيله حيث قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة: 195).

إن بعض الحركات الإسلامية في هذا الزمن وفي بعض البلاد سمحت لنفسها، أن تتجاوز كل السنن الكونية والمعادلات البشرية، بل أبسط القواعد والأصول من أجل الوصول إلى السلطة بالغًا ما بلغ الثمن، ولو كان الثمن هلاكها وهلاك الشعب وانهيار البلد!!

إن منحى كهذا -وباسم الإسلام- لا يخدم بالنتيجة الإسلام، وإنما يخدم المتربصين المصطادين بالماء العكر، والذين يلعبون على المتناقضات الموجودة والمصطنعة منهم وفي مقدمة هؤلاء النظام الدولي الأحادي والمشروع الصهيوني.

لقد وصل الهوس ببعض المستعجلين لبلوغ السلطة باسم الإسلام حدًّا غير معقول، ولا مقبول، لقد استحل هؤلاء دماء بعضهم البعض ضمن الشريحة الواحدة، فضلاً عن المسلمين وغير المسلمين ممن لا ذنب لهم، وبذلك أقحموا أنفسهم وشعوبهم في فتن عمياء، صماء بكماء، جعلت الحليم حيرانا، وجعلت بأس المسلمين بينهم، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام الدول الكبرى ومشاريعها وسياساتها ومطامعها، وأمام أجهزة استخباراتها الهادفة إلى إحكام السيطرة على العالم الإسلامي، ومن خلال مبررات ومسوغات مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف وبدعوى ترسيخ الأمن والدفاع عن حقوق الإنسان، والحفاظ على الحرية والديمقراطية في حين أن الإرهاب مطلوب في مواجهة أعداء الأمة ومواجهة مؤامراتها ومشاريعها أولًا، وهو واجب شرعي مأجور غير مأزور، وهو مناط قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾(الأنفال: 60).

مطلوب من الساحة الإسلامية أن تكون في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي مواجهة حروب الإبادة التي يتعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك، والشيشان، وفلسطين والعديد من الدول الإسلامية، والتي يديرها النظام الدولي، ويدبرها ويغذيها، وفي وقت تستنزف فيها طاقات المسلمين وأموالهم وثرواتهم في صراعات داخلية، ومجازر دموية لا تبقي ولا تذر، وفي وقت تدفع فيه الأنظمة إلى سياسات القمع والإرهاب والإبادة دون أن توفر حتى المعتدلين، كما تستدرج فيه الحركات الإسلامية إلى نفس الموقف والتصرف في حين يغيب عن الطرفين أنهما وقعا في الفخ المنصوب وحققا الهدف المطلوب.

صحيح أن هنالك أنظمة مرتبطة بشكل أو بآخر ولسبب أو آخر بعجلة قوى الاستكبار العالمي، إنما الصحيح كذلك.

إن معظم الحركات التي اعتمدت القوة العسكرية والعنف، أدت إلى رسوخ هذه الأنظمة لا إلى زعزعتها وإسقاطها، وحتى القليل الذي وصل منها إلى الحكم، ومع أن وصول هذا القليل إلى الحكم لم يكن من خلال مغامرة صبيانية، وإنما نتيجة إعداد ضارب في عمق التاريخ، ومن خلال تجارب مريرة فإن هذا القليل يعاني الأمرين من المشاكل على الصعيدين الداخلي والخارجي، فكيف بحركات ذات عمر قصير، وتجربة محدودة، وإعداد خجول تريد أن تقفز إلى صهوة الجواد من غير سابقة تدريب على الفروسية وامتطاء الجياد.

ختامًا أستصرخ العقول والقلوب على امتداد العالم الإسلامي، أستصرخ الأنظمة، كما أستصرخ التنظيمات والفئات والحركات، وأدعوها إلى وقفة مراجعة مع الشرع والعقل والضمير قبل فوات الأوان وسوء المصير، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق: 37).

 

الرابط المختصر :