العنوان وسائل الإعلام بين الظل والتبعية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 10-يوليو-1979
مشاهدات 18
نشر في العدد 453
نشر في الصفحة 36
الثلاثاء 10-يوليو-1979
من وراء وكالات الأنباء العالمية؟
كيف يعالج الإعلام قضايا الإسلام والمسلمين؟
لماذا هذا الحقد الإعلامي على المسلمين؟
أين أصالة الإعلام المحلي؟
لماذا تختلف صحيفتان في ترجمة مقال واحد؟ وعلام يدل هذا؟ ما موقف المسلم من وسائل الإعلام؟
تضخم الإعلام اليوم تضخيمًا رهيبًا حتى غدا اسمه من سمات هذا العصر التي تفرد بها عن غيره من العصور.
وصار للإعلام أشكال، وأنواع عدة من، وكالات، وتلفاز، وإذاعة، وصحف، ومجلات، وغير ذلك.
وأمام هذا التوسع الإعلامي يتوقع الإنسان ألا يبقى هناك سر خفي مهما كان صغيرًا إلا ويمكن للإعلام أن يعرفه للناس على كل جزء من سطح الأرض، من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، الأمر الذي جعل الإعلام ذا سيطرة سرطانية عالمية واسعة، يسيطر على عقول الناس ويلعب بعواطفهم ونفوسهم وأهوائهم، ويوجههم حيث شاء حقًا أو باطلًا.
إن هذه الحقيقة الخطيرة لم تغب عن نظر أعداء المسلمين في الغرب أو الشرق، لذلك سيطروا على وكالات الإعلام سيطرة كاملة رهيبة، وأولوها عنايتهم كلها، وصيروها أداة طيعة لتنفيذ مخططاتهم ومصالحهم.
1- فلا تلقي الأضواء إلا على ما يخدم مصالحهم.
2- وتعتم تعتيمًا رهيبًا على ما يضر مصالحهم وينفع غيرهم.
3- ولم تتورع وكالات الأنباء من قلب الحقائق رأسًا على عقب، فجعلت الحق باطلًا والباطل حقًا، والمجرم نزيهًا والنزيه مجرمًا.
وهكذا عتمت وكالات الأنباء على استشهاد عشرات الألوف من المسلمين قتلوا على أيدي الصليبيين وغيرهم في تشاد وأوغندا والهند وكشمير.
وهكذا ضخمت وكالات الأنباء وذيولها وقوع اثنين من الأوربيين في الأسر عند ثوار أريتيريا، أو كيفية معاملة عيدي أمين الرئيس الأوغندي للأوربيين في بلاده.
وأما بالنسبة إلى قلب الحقائق فنرى هذا واضحًا جليًّا في أحداث عملية كلية المدفعية الأخيرة في حلب:
1- إذ أُلصقت هذه العملية بالإخوان المسلمين على الرغم من تبرئهم الصريح منها ببيانات واضحة كل الوضوح، وعلى الرغم من أن طبيعة دعوتهم التربوية الواضحة وكتبهم ورسائلهم من أول نشأتهم إلى الآن تكذب إلحاق عملية المدفعية بهم.
2- كما أُلصقت العملية بشباب كان بعضه معتقلًا قبل العملية بأسابيع في معتقلات الدولة، ولا يعقل أن يكونوا هؤلاء قد فروا من المعتقل لينفذوا العملية ثم يعودوا إلى المعتقل ثانية.
كما أن بعض المتهمين كانوا قد هربوا من البلاد بعد أن طلبتهم أجهزة الدولة قبل تلك العملية بزمن بعيد.
3- وكذلك اعترفت الدولة نفسها أن قائد العملية ضابط بعثي عقائدي برتبة نقيب في الجيش السوري، ويدرس التوجيه السياسي والحزبي في كلية المدفعية. وهذا مركز لا يحتله إلا ضابط موثوق به كل الثقة الأمر الذي يرجع الرأي القائل: إن هذه العملية عسكرية بحتة قام بها عسكريون بعثيون من السنيين ضد التسلط النصيري الذي فاق الحد في الحزب والجيش وغير ذلك حتى صار أكبر ضابط في الجيش السوري لا يستطيع أن يأمر جنديًا نصيريًّا بأي أمر، ومن يتجرأ على ذلك فنهايته التسريح أو الاعتقال.
4- وفضلًا عن ذلك كله، فلم تسفر نتيجة التحقيقات عن أي دليل أن الإخوان المسلمين وراء هذه العملية التي هي ليست إلا رد فعل طبيعي ضد تسلط فئة نصيرية قليلة على الشعب كله ومقدراته وثرواته.
الأصل والظل:
وما قلناه بالنسبة إلى وكالات الأنباء العالمية ينطبق تمامًا، ومع الأسف على كثير جدًا من الإذاعات والصحف والمجلات في العالم الإسلامي والتي لم يتركها أعداء الإسلام بعيدة عن متناول أيديهم، وإنما أحاطوا بها وتسللوا إليها بطريق أو بآخر في جميع الدول الإسلامية تقريبًا.
وبدأوا عملية توجيه فكري مركز وغسيل مخ، قذرة بعيدًا عما يتطلبه العمل الصحفي من نزاهة وضمير وحياد. وهكذا صار أكثر الإعلام المحلي في الدول الإسلامية تبعًا ذليلًا وظلًا حقيرًا لوكالات الأنباء العالمية أولًا، ولأعداء المسلمين ثانيًا، يردد كالببغاء ما يطلب منه أن يقوله ترديدًا حاقدًا خبيثًا.
الظل أسوأ من الأصل:
لم تقف وسائل الإعلام التابعة عند هذا المستوى الببغائي وإنما تجاوزته تعبيرًا عما في نفسها من حقد على الإسلام والمسلمين، إلى تغيير بعض التقارير السياسية أثناء ترجمتها، ثم حذف بعض فقراتها إذا كانت ضد أسيادها، وبعد ذلك تكتب وبخط كبير واضح اسم المصدر الذي ترجمت عنه، دليلًا على نزاهتها المزيفة.
وهذا نراه واضحًا فيما نقلته أكثر الصحف والمجلات والإذاعات عن عملية مدرسة المدفعية وعن الوضع الحالي في سورية.
وإليكم أيها السادة القراء نموذجًا على ذلك وهو ما نقلته صحيفتان محليتان في يوم واحد (1يوليو 1979م) مترجمًا عن مصدر واحد هو «فايننشال تايمز» كما ورد تمامًا:
وبمقارن بسيطة بين الترجمتين نرى:
أولًا:
أ- وصفت الأولى حكم الأسد بأنه حقق الاستقرار والتقدم.
ب- بينما وصفته الثانية بأنه حقق استقرارًا نسبيًا.
ثانيًا:
أ- وصفت الأولى استمرار سياسة الأسد في لبنان ببعد النظر وعظم التجلد.
ب- بينما وصفته الثانية بأنه دليل سلبية.
ثالثًا: ترجمت الثانية فقرة عن الطائفة، وأن وزير الإعلام السوري أحمد إسكندر قد سئل عن طائفته التي ينتمي إليها وهي النصيرية، وأن الأسد نصيري أيضًا، وكيف أن طائفة النصيرية قد تقدمت بصورة هائلة خلال العقدين الماضيين، وقد تم توضيح ذلك بالأرقام في كتاب جديد بعنوان (الصراع من أجل السلطة في سورية) لنيقولاس فان دام؛ الموظف في الخارجية الهولندية، وهذا لم تترجمه الأولى.
رابعًا:
أ- ترجمت الثانية أن تغطية هذا التضخم النصيري من قبل الأسد -إذ لا يوجد في الوزارة السورية سوى وزيرين من النصيرية- لم يمنع نشوء كراهية من السُنيّين في الحياة التجارية والعسكرية، وأنه على الرغم من أن العديد من المناصب العليا قد أوكلت إلى السُنيّين، فإن قيادة القواعد العسكرية الرئيسة ظلت بأيدي النصيرية، وأن القيادة القطرية للحزب يسيطر عليها النصيريون.
ب- وهذا لم تترجمه الصحيفة الأولى أيضًا، بينما وصفت حكم الأسد بالتوازن.
خامسًا: ذكرت الصحيفة الثانية كيف أن الأسد يستعين بالسيطرة والحزم على أجهزة أمن الدولة وبولاء (رفعت أسد) له. وهذا لم تترجمه الصحيفة الأولى.
سادسًا: ذكرت الصحيفة الثانية أن المعركة الجوية بين اليهود والسوريين تدل على عدم جدوى أي صراع واسع النطاق من وجهة نظر دمشق، وهذا لم تذكره الصحيفة الأولى.
سابعًا: ذكرت الصحيفة الثانية علاقة النظام السوري بالولايات المتحدة فقالت: إنه ما لم تكبح الولايات المتحدة جماح إسرائيل فإنها -أي إسرائيل- تبدو مصممة على إذلال الجيش السوري، سواء عن طريق السيطرة الجوية على أجواء لبنان، أو عن طريق قصف مواقع الفلسطينيين، وهذا لم تذكره الصحيفة الأولى.
ثامنًا: ذكرت الصحيفة الأولى أن سورية في زمن الأسد تسير على طريق الازدهار والاستقرار وهذا لم تذكره الصحيفة الثانية.
علام تدل هذه الفروق؟
بعد هذه المقارنة السريعة بين ترجمتين لتقرير سياسي واحد في صحيفتين، يبدو بوضوح كيف أن الصحيفة الأولى تلوي عنق الترجمة وتقطع أوصالها حتى يأتي التحليل السياسي في صالح الجهة التي تتعاطف معها أو تعمل لحسابها.
هذا، وإننا لم نناقش صحة معلومات تقرير «الفايننشال تايمز» نفسه، إلا أنه من الضرورة بمكان أن نذكر ما قالته «الإيكونوميست» حول علاقة الإخوان المسلمين بعملية كلية المدفعية، وهذا ما سبق وأشرنا إليه تقريبًا، ليكون ردًا أو شبه رد على «الفايننشال تايمز». تقول «الإيكونوميست»: «عندما تواجه أي حكومة عربية متاعب سواء في المغرب أو السودان أو مصر أو سورية -كما هو الآن-، فإنها توجه التهمة إلى الإخوان المسلمين، ولكن الوضع في سورية ليس مثل الأردن أو السودان، فالإخوان المسلمون فلم يكن لهم طيلة عدة سنوات سوى فئة قليلة في سورية. ولا تفتقر سورية لمسلمين آخرين للإعراب بواسطة العنف عن الكراهية لدى الأكثرية السُنية ... ويبدو أنه ما لم يتخلَ النظام السوري عن لونه النصيري الواضح فإن حملة العنف ضده قد تزداد».
وأخيرًا:
نرى من الواجب على الإخوة القراء أن يقرأوا كل الأخبار والتقارير السياسية، ولكن لا ينبغي أن يصدقوها جميعًا، وألا يقعوا أسرى لأضاليلها وأكاذيبها، وأن يميزوا بين الصحيح والزائف، وأن يعرفوا بوضوح من وراء هذه الأخبار والتقارير السياسية؟ هل من السلامة بمكان أن يبقى هؤلاء الصحفيون -صحفيو الظل والتبعية- يبثون سموم أقلامهم في فكر المسلم وهم يختلفون معه في كل شيء دينًا وعقيدة وفكرًا وتقاليدًا وأصالة؟؟!!
إن هذا الواقع يحتاج منا نحن المسلمين إلى وعي وتدبر.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل