; المجتمع التربوي- العدد 1038 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي- العدد 1038

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1993

مشاهدات 13

نشر في العدد 1038

نشر في الصفحة 46

الثلاثاء 16-فبراير-1993

وقفة تربوية

«من صفات المخلص»

جاء في ترجمة الإمام القدوة سفيان الثوري رضي الله عنه أنه «جاءه قوم يطلبون العلم على يديه فقال له أحدهم: يا إمام إن الناس يأتون لك من المشرق والمغرب فينفرون منك لحدة في طبعك فرد عليه الإمام إذن هم حمقى مثلك إذ يتركون ما ينفعهم لسوء خلقي».

إنه لا ينكر ولا يتنصل من طبع فيه ذكرته كتب التراجم وهو الحدة والغضب، ولكنه يلفت نظر السائل إلى قضية أهم من قضية حدة طبع العالم وهي نية المتلقي، إذ إن المخلص في عمله والذي لا يبتغي إلا وجه الله تعالى في كل ما يقوم به مبتغيًا الوصول إلى الغاية لا يهمه بعض الصفات السلبية في المربِّي مادام يأخذ منه علمًا صافيًا بلا تكدير ومثل هذا مثل ذلك الذي تعود الحضور لإحدى حلقات العلم فلما أخطأ في حقه أحد الحاضرين ترك طلب العلم من أجل ذلك. إن طالب العلم الحق والداعية المتجرد لا ينظر إلى نفسه وما تشتهي، فيفضل ما تشتهي وتريد على مراد الله إنما يهون عنده كل شيء في سبيل رضا ريه الجليل وقديما قال الإمام الجيلاني لتلميذه لا تبتهج بلمعان الذهب حتى يفتن في النار، وخشونة بعض المربين والدعاة ابتغاء تربية أتباعهم لا تقارن بحرارة النار التي أخرجت الذهب البراق! فهل نعِي ما قال سفيان لمن أراد طلب العلم على يديه؟!

أبو بلال

بين العاطفة والموضوعية 

ماهر صالح الحافظ

ما هي العاطفة؟ نسمع كثيرًا ونقرأ هذا المصطلح إما مفردًا أو مضافًا فهل العاطفة هي الحب؟ كما يظن كثير من الناس أم أنها أوسع من ذلك؟! 

يعرف علماء النفس العاطفة فيقولون «هي الاستعداد النفسي للميل والانتماء والحلم - وإلى الجاذبية الفطرية» ...

وإذا حللنا العاطفة نجدها تشمل عنصرين أساسيين وهما الحب والكراهية وفي الحقيقة إن كثيرا من الناس يقصرون العاطفة على الحب فقط فنجدهم يقولون: هذا إنسان عاطفي إذا أحب إنسانًا آخر أو تعلق بفكرة معينة في حين أن العاطفة أوسع من ذلك بكثير فهي تشمل الحب والكراهية.

ونحن إذ نقول إنه من العاطفة أن يحب إنسان آخر أو أن يتعلق بفكرة معينة لا تنفي معنى الحب ولكن الذي نقصده الحب والتعلق اللذيْن يعميان البصيرة ويخفيان العيوب والمثالب ويظهران المحاسن والإيجابيات فقط.

ولنضرب مثلًا على العاطفة بالمفهوم الذي حددناه: فهذا أستاذ في الجامعة ولسوء فهم أو خلاف مع أحد الطلاب في غير الحقل الأكاديمي نجد هذا الأستاذ وجد من مكانه كمدرس أو أستاذ وسيلة للانتقام من هذا الطالب من خلال درجات الاختبارات ويتضح ذلك أكثر حين تصحيحه للأسئلة.

فنحن نقول عن هذا الأستاذ أنه عاطفي حين يتصرف هذا التصرف الذي يحكم فيه عاطفته وانفعالاته. لا الحق الذي يجب أن يصدر منه أستاذ لطالبه، فيجب ألَّا تختلط علينا الأوراق فالبغض والتنافر شيء والقاعدة الأكاديمية والاختبارات التحصيلية شيء آخر فلا تؤثر انعكاسات الأول على الثاني.

ويجب أن تعامل كل موقف على حِدَة.

والموضوعية هي التجرد المطلق للحق والمعايير الثابتة التي لا تؤثر فيها المواقف والانفعالات.

فحين يتضح الحق يجب أن ألغي العاطفة التي قد تغيير من هذا الحق إلى سواه فلنضرب مثلًا يوضح لنا هذه المسألة هذا هو الصحابي سعد بن أبي وقاص حينما عرض عليه الإسلام لم يحكم عاطفته حينما عرف الحق.

رغم أن العاطفة تنازعه متمثلة في أمه وفي عقيدته.. وألغي ذلك كله وتجرد للحق الذي أمن به واعتقد أنه الحق فعلا لذلك لا نستغرب أن يقول لأمه والله لو كان لك ألف نفس فخرجت واحدة تلو الأخرى ماردني ذلك عن ديني.

ومن هذا كله يتضح لنا الأمرين بوضوح والبعد بينهما فنجد أن البعد بينهما بقدر القرب بينهما لذا وجب على أصحاب الدعوات أن يربوا متبوعيهم على الموضوعية لا العاطفة العمياء الهوجاء التي لا تبقي ولا تذر فيفرزون لمجتمعاتنا الإسلامية نماذج بمجرد ما يرى أحدهم خطأ لا تخلو منه طبيعة إنسانية فيحكمون عليه وعلى انتمائه من خلال هذا الخطأ الذي قد يسع الخلاف فيه الجميع.

والحقيقة: أن سبب خلافنا في كثير من القضايا مردُّه إلى فقدنا لهذه القضية فنحن بحاجة ماسة إلى فقه هذا الأمر في حياتنا الدعوية وحتى الدنيوية لكي نصبح أناسًا معتدلين فلا إفراط ولا تفريط 

 

حوار بين نضارتين

النظارة السوداء: الناس يا عزيزتي ليس فيهم خير أبدًا.

النظارة البيضاء: ما السبب....

السوداء: أنا أراهم هكذا.

ما من منكر إلا فعلوا ولا من معصية إلا وارتكبوها.

البيضاء: أنا الاحظ عليك كثرة الكلام وقلة العمل

السوداء: وهل تنكرين كلامي

البيضاء: أنا لا أنكر، وكذلك لا أوكد.

فالناس فيهم خير كثير 

والمشكلة في نظري أن رايات الشر رفعت فتبعتها الناس

السوداء: ما تقصدين؟!

البيضاء: أقصد انه لو رفع الناس رايات الخير لتجمع الناس تحتها. 

السوداء: هل تعتقدين ذلك؟

 البيضاء.. نعم فما من مشروع خيري أو عمل إسلامي إلا وتحمس له الناس وعملوا له فلو كثرت الرايات لكثر أهل الخير.

السوداء: بدأت أقتنع بكلامك. 

البيضاء: نعم ولهذا فإن الناس جبلوا على التقليد فهم كأسراب القَطَا... 

السوداء: والله إن أفكارك جميلة...

 وكلامك أجمل.. البيضاء ولهذا أنصحك بأن تغيِّري لونك حتى ترين الأشياء على حقيقتها، ثم تعرفين كيف تفكرين...

جاسم المطوع

الصدقة تدفع البلاء

أم محمد امرأة تسكن في منطقة مشرف ومربية فاضلة تعمل ناظرة ثانوية في منطقة الأحمدي التعليمية. 

طرق باب منزلها فإذا بزوجها وإذا بأطفالها يلعبون في فناء المنزل فأدخلتهم إلى داخل المنزل وهي تأمرهم بمذاكرة ومراجعة دروسهم، وما أن أغلقت الباب الداخلي إلا وصوت مجلجل تهتز له الجدران وإذا بسيارة «جيب» قد استغرقت بفناء المنزل كانت مسرعة وانحرفت عن الطريق واصطدمت بجدار المنزل واستطرقت بفنائه فلم تصدق أم محمد عينيها مما ترى فقد كان أبناؤها قبل لحظات يلعبون في نفس مكان السيارة وإذا بزوجها يبادرها فيقول: أتدرين بماذا دفع عنا البلاء؟! بالصدقة فقد أوصلت لتوي الصدقات التي جمعتموها في المنزل.

الشيخ أحمد السبيعي

إشراقيات

البداية والنهاية

إن كل عمل يعمله الإنسان له بداية ونهاية في هذه الدنيا وأنت أيها الإنسان لك بداية ونهاية في هذه الدنيا أيضًا وبدايتك عند قدفك في بطن أمك وتكونك، ونهايتك عند قذفك في بطن الأرض وتحللك.

وما بين هذه البداية وهذه النهاية بدايات ونهايات وكما قال سيد قطب رحمه الله «من صحت بدايته صحت نهايته».

وإن مما يحز في النفس ويثير فيها الهم والحزن عندما تعلم أن بداية عملها الذي عملته ليس صحيحًا ويا ليت أنها عرفت ذلك في بداية العمل لكان سهلًا ولكن شدته على النفس عندما تعلم خطأه في وسط المشوار وحينما تتعلق العواطف بهذا الخطأ جاهلة به أو عارفة، فإنه ستزداد المسألة تعقيدًا في تصحيحها لأن العواطف تُعمي بصائر العقول.

وقد يسأل سائل: ما السبيل إلى تصحيح هذا العمل؟

فأقول له: أولًا: الرجوع إلى الله وكتابه والاستعانة بالله سبحانه وتعالى 

ثانيًا: السؤال والاستفسار ممن لهم علم بأمور مشاكلك وعملك.

ثم بعد ذلك تبدأ بالتصحيح ولا تيأس عندما تواجهك صعوبة فإنه عند إعادتك لبناية عملك الذي تحطم فإنه سيكون أصعب بكثير من بدايتك لعمله أول مرة.

وأدعو الله دائمًا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286﴾ (البقرة: ٢٨٦)

ماهر التمار

الإحساء – الهفوف 

قطوف تربوية حول قصة التائب كعب رضي الله عنه

المربي الواعي.. صمام أمان 

د. حمدي عبد الحفيظ شعيب- السعودية – القصيم- بريدة

عندما جاءت رسالة محمد «صلى الله عليه وسلم» كانت فرقانا بين تصورات وتصورات وبين رؤى ورؤى كذلك بين موازين وموازين، إذ كانت رحلة هذا المنهج لتلقين هذا الكائن البشري تلك الحقائق عميقة وطويلة الأمد، وكانت أيضًا ثقيلة الجهد لتنفيذ تلك النقطة في حياة البشر. 

وعلم المسلم من أول خطواته مع هذا المنهج الفريد أنه عالي القدر عنده سبحانه وفي نفس الوقت ثقيل المسؤولية أمامه جل وعلا لأن هذا المنهج لا يتحقق في دنيا البشر إلا بجهدهم ومن النقطة التي يبدءون السير منها ولتحقيق هذا الدين في الأرض لابد من توفر ثلاثة مرتكزات رئيسية هي: المنهج والقيادة والجنود «فإنه غني عن البيان أن أي جماعة تريد أن تحقق هدفًا لابد أن يكون لها منهج واضح وقوم يعملون في حدود هذا المنهج وأن يكون لهم قيادة» بين القيادة والجندية مشهور ٨ .

كذلك تلقن الإنسان مفاهيم أخرى لا تقل أهمية عن المفهوم السابق وهو ارتباط الحقيقة الإنسانية بالحقيقة الكونية لأن هذا الوجود -شاملًا الإنسان -يتبع إلهًا واحدًا يسيره ومنه يتلقى الموازين وإليه يتحاكم وأمامه سيسأل في نهاية رحلته مع هذا المنهج على هذه البسيطة.

وفي حركته بهذا المنهج علم أن دور القيادة في المجموعة التي تتحرك لتحقيق هذا المنهج في الأرض يرتبط بالظاهرة الكونية التي تتلخص في «دوران بعض الخلق في فلك خلف آخر مصطفى وأقوى منه بحيث يكون هذا الأقوى مركزًا للدوران ومحورًا أو بؤرة تتجمع حولها مخلوقات أخرى ويكون مؤهلًا لأسر الأضعف وربطه به ومنعه من التفلت والاختيار ففي بناء الكون لوحظ أنه يتكون من لبِنَاتٍ واللبنة الواحدة تتكون من نجمة ضخمة قوية تكون بؤرة أو مركزًا تتجمع حولها نجوم كثيرة أضعف منها على شكل مجرة وأطلقوا على هذه المجموعة اسم العنقود النجمي وتقل كثافة النجوم المتجمعة كلما بعدت عن المركز ثم تتلوه عناقيد أخرى مماثلة من جميع الجهات كذلك في بناء الذرة المكونة لأي عنصر حيث نجد أن النواة تتكون من بروتون واحد ويدور حوله عدد متغاير من الإلكترونات حسب نوع العنصر «صناعة الحياة - الراشد / ١-٤ بتصرف»

ومن هنا يتضح خطورة دور القيادة في الحركة الدعوية بهذا المنهج الفريد وخطورة علاقتها بالأفراد على قوة المجموعة بل على وجودها «فالقائد جزء من الدعوة ولا دعوة بغير قيادة وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب فأولى لهم طاعة وقول معروف ولها حق الوالد بالرابطة القلبية والأستاذ بالإفادة العلمية والشيخ بالتربية الروحية.. «مجموعة الرسائل التعاليم: الإمام البنا ٣٦٤»

والقيادة هي محور العمل وترمومتر البذل والنشاط لأنها مصدر التوجيه ومصدر الإشعاع العاطفي بين الأفراد «فهي قلب العمل وأداة الانسجام والتناغم وطريق المناقلة وحزام الربط فوق أنها الرمز العاطفي الذي يملأ الحاجات النفسية للعاملين وركن الاستناد الذي يسند المتعب ظهره إليه» «صناعة الحياة: الراشد ١١٥»

ولعل أبرز دور للقائد داخل المجموعة هو التفقد حيث إنه جزء خطير من مسؤولية القائد والمربي عمومًا فيجب ألا يغيب نظره عن أفراد مجموعته في لحظة من اللحظات لأنه إذا غفل فإن عدوه إبليس ومنافسه على أصحابه لا يغفل عنهم وإليك هذه التجربة بل المعركة التي رأي فيها هذا اللعين الثغرة التي نفذ إلى الصف منها ولعب لعبته مع أحد الجنود الأطهار ففي أثناء الاستعداد لغزوة «تبوك» حكى الحبيب كعب «رضوان الله عليه عن هذه القاصمة قائلًا: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلي الله عليه وسلم في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا واستقبل عددًا كثيرًا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ - يريد بذلك الديوان قال كعب: رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفي به ما لم ينزل فيه وحي من الله «متفق عليه» فتأمل هذا الموقف الذي شعر به هذا الصحابي الجليل فالعدد كثير وليس هناك كتاب وشعور بأنه ليس هناك من يلاحظ تغيبه على الرغم من الخوف من نزول الوحي ولكن كان وجود المربي الواعي المتفقد هو العاصمة التي قال عنها كعب رضى الله عنه ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم ما فعل كعب بن مالك؟ «متفق عليه» فبرز في هذا الموقف دوره «صلى الله عليه وسلم» كمثال فذ للقائد الواعي الذي افتقد أحد جنوده وهو بين جيش ضخم يبلغ قوامه ثلاثين ألف «وكان أيضًا مثالًا للعربي النابِه في هذا الموقف»

«جاسم المطوع مقال بالمجتمع»

 بل في تلك الغزوة لم يكن كعب «رضى الله عنه» فقط هو الذي افتقده الحبيب المحبوب «صلى الله عليه وسلم» حيث حكى عن ذلك كعب «رضوان الله عليه» قائلًا: فبينما هو على ذلك رأي رجلًا مبيضًا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فإذا هو أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع من التمر حين لمزه المنافقون.. «متفق عليه» أي أن هذا القائد البصير «صلوات الله عليه وسلامه» كانت عينه على كل جنوده ويده على كل الثغور التي قد يؤتي الصف من قبلها فأتعب عدوه إبليس اللعين ولم يستطع أن يفوز إلا بهنات في هذا الصف المتماسك المحاط بعناية الله عز وجل ثم بعين هذا المربي العظيم «صلى الله عليه وسلم» المتفقدة.

والنظرة التفقدية للقائد لا تقف عند میدان المعركة فحسب بل تمتد إلى الميادين الحياتية والاجتماعية الأخرى للأفراد فبعد أن زوج الحبيب «صلى الله عليه وسلم» جليبيبا الأنصاري من إحدى بنات بني الحارث بن الخزرج «رضي الله عنهم» دعا لزوجهِ دعاء طيبًا: «اللهم صب عليها الخير صبًّا صبًّا ولا تجعل عيشها كدًّا كدًّا» افتقده في مغزى له قال: هل تفقدون من أحد قالوا نفقد فلانًا ونفقد فلانًا ونفقد فلانًا ثم قال: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا ونفقد فلانًا. ثم قال: هل تفقدون من أحد قالوا: لا. قال: لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه في القتلى فنظروا فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فقال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» هذا منِّي وأنا منه، أقتل سبعة ثم قتلوه؟ هذا مني وأنا منه أقتل سبعة ثم قتلوه؟ هذا مني وأنا منه فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه ثم حفروا له، وماله سرير إلا ساعدي رسول الله «صلى الله عليه وسلم» حتى وضعه في قبره، قال ثابت: فما في الأنصار أيم أنفق منها «صفوة الصفوة ابن الجوزي ۳۱۰/۱ ۳۱۱» وقصته صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله «رضي الله عنه» وسؤاله عن زواجه فأعلمه أنه قد تزوج ثيبا، قال له صلى الله عليه وسلم مداعبًا: فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك أو قال تضاحكها وتضاحكك: «متفق عليه»

وكم من مرة أعاد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أحد المجاهدين من ميدان المعركة لظروف اجتماعية أسرية ورفع عنه الحرج.

وفي سير المربين والقادة على مر التاريخ الدعوي يبرز هذا السلوك في شخصيتهم فهذا نبي الله سليمان «عليه السلام» لم يشغله مركبه العظيم من الجن والإنسان والطير أن يفتقد الهدهد ويسأل عن سبب تخلفه عن الحضور قائلًا:﴿مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤىِٕبِینَ ﴾ (النمل: 20)

وفي قصة الغلام مع الراهب فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب «رواه مسلم» يبرز دور المربي الذي يتفقد أحوال تلميذه، ويرفع الكلفة حتى يسمع شكواه المتكررة يوميًّا والتي قد تؤثر على سیرهِ. 

وفي قصة يوسف مع أبيه يعقوب «عليهما السلام» واختيار يوسف لأبيه ليحكي له رؤياه دلالة - كما يحكي أحد الأساتذة المربين على العلاقة المفروضة بين الوالد وولده وما يلزم ذلك من تفقد ورعاية ونصح ترى ما هي النتيجة التي كان من المتوقع حدوثها - والله أعلم - وأثر ذلك على مسيرة يوسف الدعوية لو لم يسمع هذه النصيحة: ﴿قَقَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)﴾ (يوسف: ٥)

وفي المسيرة الدعوية الحديثة لانعدم لآلئ تربوية حيث حكى الأستاذ البنا رحمه الله «حتى وصل القطار إلى السويس ونزلت من القطار فوجدت الإخوان متجمعين في انتظاري فعانقتهم، ولاحظت أن واحدًا منهم كان يقف وحده بعيدًا فقربت منه فرأيت على وجهه أثر الحزن فتركت الإخوان وانتحيت به جانبًا وسألته عما يحزنه، وتمضي القصة فيحكي له عن مشكلة أسرية تحزنه وهي مرض زوجته العصبي الخطير فيذهب معه فورًا ويساعده في علاجها» «أحداث صنعت التاريخ: محمود عبد الحليم ۱۸۷/۱»

وهذه السمات القيادية أيها الأخ الحبيب.. لعمر الله إنها ليست سلوكيات متكلفة ولكنها صفات وواجبات حقت على من أراد أن يسير سيرهم.

ولكل في مسيرة الإسلام التجديدية دور فإن أردت فعليك بسنتهم وارفع لواءك سائرًا مفتخرًا.

«أولئك آبائي فجئني بمثلهم.. إذا جمعتنا يا جرير المجامع»

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

رغيف يهزم السهام!

نشر في العدد 2173

34

الثلاثاء 01-نوفمبر-2022

في ظلال شهر الصوم

نشر في العدد 82

32

الثلاثاء 19-أكتوبر-1971

الأسرة (العدد 475)

نشر في العدد 475

23

الثلاثاء 25-مارس-1980