; المجتمع التربوي (1053) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1053)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 15-يونيو-1993

مشاهدات 18

نشر في العدد 1053

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 15-يونيو-1993

وقفة تربوية

حدث في الطائرة (1)

في رحلة على متن إحدى الطائرات المملوكة لدولة من "دول الخليج" جلست خلف شاب وشابة من عديمي الإحساس بالآخرين، ومن المنفتحين على الآخر، كما يقولون، ودونما مراعاة «على الأقل» لمظهري ومظهر شقيقتي الخارجي، والذي يبدو فيه التدين، راحا في قهقهات مستمرة وكلام غزلي بذيء.. ثم أخذا غطاء وغطيا جسديهما فيه إلى رأسيهما، ثم أسند كل منهما رأسه للآخر وراحا في غرام عميق، غلت الدماء في عروقي، بل وغلى كل شيء في جسدي، وثارت في رأسي وذاكرتي كل أحاديث الإنكار، ومصير الساكتين عن المنكر، وبعد أن تجمعت كل هذه الأحاسيس والدلائل والغيرة المشتعلة، دفعتني همتي لكي أبدأ بالإنكار، ولكنني توقفت سائلًا نفسي عدة أسئلة:

أي نوع من الإنكار أريد أن أنكر؟

نفسي: طبعًا الإنكار بالقلب.. أليس هذ الإنكار يعتبر درجة مشروعة من درجات الإنكار التي ذكرت بالحديث.

قلت لها: ولكنها الدرجة الأخيرة ولا ننتقل إليها إلا إذا عجزنا أو حال حائل دون الدرجة الأولى والثانية.

نفسي: إنك إن انتقلت إلى الدرجة الأولى أو الثانية أي باليد أو باللسان فإنك ستجمع الناس عليك وستبدو أمام الجميع أنك متطرف وإرهابي، وتتدخل بشؤون غيرك.. وبهذا ستسيء لنفسك ولدعوتك.

قلت لها: ولكن درجة الإنكار بالقلب وأنا أرى أمام عيني حرمات الله تنتهك، وأنا قادر على استعمال إحدى الأوليين جريمة، بل وتعتبر جبنًا، وإيثارًا للسلامة، وقعودًا عن أداء واجب تستطيع القيام به دون حائل أو ترتب مضرة وما المضرة التي تتحدثين عنها إلا ظنية وليست يقينية، ثم لماذا تتحدثين عن الإنكار باللسان على أنه يجلب المضرة التي وصفتيها، وكأنه لا توجد «حكمة» أمرنا بها ديننا، تحول دون هذه المضرة التي توقعتيها عند استخدام الدرجة الثانية في الإنكار بإذن الله.

أبو بلال

التحذير من الربا

وبيان شيء من حكم تحريمه

الشيخ: عقيل عبد الرحمن محمد العقيل

أستاذ العلوم الشرعية بثانوية اليرموك بالرياض – السعودية

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونشكره ولا نكفره ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أيها الإخوة القراء الكرام: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أما بعد:

فقد بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة فقام بما كلف به خير قيام فما من خير إلا بينه وحث الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه فترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

ألا وإن مما حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم: الرِّبا بكافة أشكاله وصوره وأنذرنا إنذارًا شديدًا وخوفنا منه ومن مغبة الوقوع فيه كثيرًا.

وقبل أن نتحدث عن الحكمة من تحريم الربا جدير بنا أن نُعَرِّفَ الربا ونذكر جانبًا من أدله تحريمه من الكتاب والسنة فنقول مستعينين بالله سبحانه وتعالى:

الربا في اللغة: الزيادة ومنه قول الحق تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

 (فصلت: 39)([1])أي علت وارتفعت.

وأما في الاصطلاح الشرعي: فهو زيادة في شيء مخصوص، ولقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة على تحريم الربا تحريمًا قطعيًّا بما لا يدع مجالًا لمشكك أو مرتاب فلقد صوَّر الله سبحانه المرابين بصورة بشعة ترتعد منها الفرائص ويهتز لها بدن الإنسان إنها صورة حالهم يوم يقومون من قبورهم كالمجانين يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 275)([2])قال جمهور المفسرين - رحمهم الله تعالى - إن المرابي يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتًا عند أهل المحشر([3])

ولقد ذكر الله – سبحانه - سبب بعثه على هذه الحالة المزرية بقوله - تعالى- : ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ ﴾ فكيف يساوون بين ما أباحه الله من البيع وما حرمه من الربا فلما لم يفرقوا بين البيع والربا استحقوا هذه العقوبة الشنيعة والله رحيم بعباده فمن أقلع عن القول بحل الربا وعن المراباة فعفو الله ورحمته واسعة، لكن من تمادى بأكل الربا وتعاطيه والقول بحلِّه فقد عرض نفسه للوعيد الشديد يقول تعالى في آخر الآية السابقة: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (البقرة: 275)([4])

ثم إنه سبحانه وتعالى قد أخبر عن محق بركة هذا الربا وأبدل الناس خيرًا منه ألا وهي الصدقات قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ (البقرة: 276)([5])

ومحق الربا: ذهاب بركته في الدنيا وإن كان كثيرًا فلا يبقى في يد صاحبه وإرباء

الصدقات أي زيادة المال الذي أخرجت منه الصدقات([6])

بل إن هناك أخي الكريم ما هو أشد وأغلظ مما سبق فقد آذن الله المرابي بالحرب منه سبحانه ومن رسوله إن لم يتب ويرجع عن هذا المسلك المشين قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ (البقرة: 278,279)([7])

ولقد عد "الرسول" - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا في السبع الموبقات فعن "أبي هريرة" - رضي الله عنه - عن "النبي" - صلى الله عليه وسلم - قال «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هن؟ قال الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (رواه البخاري ومسلم)..

واعلم أخي الكريم أن إثم الربا لا يقتصر على متعاطيه فحسب بل كل من له مشاركة في العملية الربوية فلقد قال- صلى الله عليه وسلم-: «لعن الله أكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه» (متفق عليه).

وبعد عزيزي القارئ: فقد رأيت ما في تعاطي الربا بكافة صورِهِ وأشكاله من الوعيد الشديد من لدن الشرع وإنه كبيرة من كبائر الذنوب فحرِي بك البعد عنه والحذر من مغبة الوقوع فيه ولعلنا في السطور الآتية نسلِّط الضوء على جانب من حكم تحريم الربا فنقول إن الشرع حكيم لا يحرِّم شيئًا إلا لما يترتب على الوقوع فيه من أضرار ومفاسد والربا من جنس ذلك فلقد حرَّمه الشرع الحكيم لما انطوى عليه من أضرار نشير إلى طرف منها.

أولًا: إن الربا يورث العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، فالشخص الذي تؤخذ منه 

الزيادة الربوية سيحقد على الآخذ ويبغضه لأنه يرى أنه أخذها بغير وجه حق وهذا يقضي على روح الأخوَّة بين المسلمين بعضهم مع بعض فالله يريد منا أن نكون إخوة متحابين فيما بيننا، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات: 10).

ثانيًا: إن في تعاطي الربا قضاء على روح التعاون بين جماعات المسلمين وأفرادهم فالله سبحانه وتعالى قد أمر المؤمنين بالتعاون في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة: 2) و"الرسول" - صلى الله عليه وسلم - شبَّه المؤمنين بالجسد الواحد وهو دليل التواد والتعاون والتراحم يقول - صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ولا شك أخي المستمع أن الربا ينافي التعاون والتكاتف والتراحم لأنه قائم على المصالح الشخصية لفرد أو أفراد دون سواهم.

ثالثًا: إن الإسلام - أخي الكريم - يغرس في صدور أبنائه حب الإيثار ونبذ الأنانية فالله سبحانه وتعالى امتدح المؤمنين بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 9)([8])وفي الربا قتل لهذه المبادئ النبيلة وتفتيت لها.

رابعًا: ينشأ أخي الكريم عن العملية الربوية تكدس الأموال بيد طبقة معينة من الناس دون غيرهم - فهذه الطبقة هي التي تكسب دائمًا ومن غير جهد أو عمل وغيرها يكد ويكدح يفني عمره في ذلك ليسد ديونه لتلك الطبقة والإسلام يأبي تكدس الأموال في يد فئة من الناس وهم الأغنياء - انظر إلى قول الحق جل جلاله: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: 7)([9])

خامسًا: إن الإسلام حين شرع العمل وندب الأمة إليه كان يريد من العامل أن يعمل للدنيا والآخرة فالدنيا مزرعة الآخرة يقول تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 77)([10]) بينما الربا لا يراد منه أخي القارئ، سوى المكاسب الدنيوية والحطام الفاني فلا يفكر متعاطيه إلا بالدنيا وما له في الآخرة من خلاق.

وأما الأثر السادس من آثاره السيئة أن في عمل المرء وجده إبراز لمهاراته وقدراته العقلية وهذا داع إلى الاختراع والابتكار وشحذ الذهن فترقى الأمة وتأخذ مكانها بين الأمم وهذا ما لا يهدف إليه الربا ولا يحققه إذ هو قائم على كسب المال دون أدنى جهد أو عمل.

سابعًا: أن الله سبحانه وتعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل مهما كان المبرر لذلك قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 188)([11]) وما الربا أخي الكريم إلا أكل لأموال الناس بالباطل لأنه سلب لها بغير وجه مشروع.

وثامن هذه المحاذير أخي في الله أن الإسلام يوجِّه أبناءه إلى استثمار أموالهم في أوجه المكاسب المشروعة الشريفة الخالية من الخديعة والتحايل كالزراعة والصناعة والتجارة المتمشية وفق مراد الشارع وهذا ما لا ترمي إليه العملية الربوية القائمة على جمع المال بغض النظر عن طريقه.

تاسعًا: إن الربا لون من ألوان الظلم ومسلك من مسالكه وهو بغي واعتداء على الأفراد والجماعات والله ينهانا عن البغي ويقول: ﴿فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (يونس: 23).

و"الرسول"- صلى الله عليه وسلم - يحذرنا من الظلم ويخبرنا بأنه ظلمات يوم القيامة يقول- صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».. الحديث.

وعاشر هذه الأخطار الربوية: إن العملية الربوية قائمة على أساس حرية المرء بماله حرية مطلقة فله تنميته بأي وجه كان مشروعًا أو غير مشروع وهذا يصل بنا في النهاية إلى نظام يقضي على الإنسانية جميعًا لمصلحة فرد أو أفراد.

هذه أخي الكريم جوانب يسيرة من حكم تحريم الربا وما ذكرناه هنا فهو فيض من غيض فآثاره السيئة كثيرة ومخاطرُهُ جسيمة فحرِي بكل مسلم الحذر من الربا وسد الطرق الموصلة إليه والبحث عن سبل الكسب الحلال وهي كثيرة جدًّا جدًّا ولله الحمد والمنة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق: 2).

نسأل الله أن يغنينا وإياكم بحلاله عن حرامه وبطاعته عن معصيته وبفضله عمن سواء إنه ولي ذلك والقادر عليه و- صلي الله على نبينا "محمد" وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

الغيبة

بقلم: شيخة بنت عبد الله الهاشل – منطقة الإحساء – السعودية

تعريفها: هي آفة خطيرة من آفات اللسان، عرفها "النبي"- صلى الله عليه وسلم - قائلًا:

«أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت

 إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» (رواه مسلم) و«البهتان» هو الكذب والافتراء، وهو أعظم من «الغيبة».

أمثلة من الغيبة

من أمثلة الغيبة ما ذكره فضيلة الشيخ عبد الله الجار الله «أثابه الله»:

  1. قد تكون الغيبة في جسم الإنسان بأن يقال هذا شخص أعمى، أو أحول، أو أعور، أو طويل أو قصير، أو أسود، أو أصلع.
  2. وقد تكون الغيبة في نسب الإنسان: بأن يقال له: هذا بخاري، أو حضري، أو هندي، أو عبد، أو خسيس.. إلخ.
  3. وتكون في المهنة كأن يقال: فراش، أو فراشة، أو حلاق، أو قصاب..
  4. وتكون في خلق الإنسان: بأن يقال هذا سيء الخلق، أو بخيل، أو جبان.
  5. وقد تكون الغيبة بالأمور الشرعية: بأن يقال له: سارق، أو كذاب، أو شارب خمر، أو خائن، أو ظالم، أو لا زكي، أو يسب والديه.
  6. وتكون الغيبة أيضًا في الأمور الدنيوية، كأن يقال له: هو قليل الأدب، متهاون بالناس أو هو كثير الكلام «هذرة» أو قدر.. إلخ.

من أنواع الغيبة

الغيبة وما أدراكم ما الغيبة! لا تقتصر على «الكلام» باللسان، وإنما تشمل كل حركة، أو إشارة، أو إيماءة، أو تمثيل، أو تعريض، أو همزة، أو لمزة، أو كتابة، أو أي شيء داخل في معناها.

الاشتراك في الغيبة

لا شك أن الإصغاء إلى «المغتاب» على سبيل التعجب والرضا بما يقول، يزيد في نشاط المغتاب ويشجعه، وفيه تصديق له، وإذا صدق السامع المغتاب ورضي بقوله.. فقد شاركه في الغيبة، وكان يجب عليه أن يزجر المغتاب ويدافع عن عرض أخيه في غيبته.

وفي الحديث «من ذبَّ عن عِرض أخيه بالغيب كان حقًا على الله أن يعتقه من النار». (أخرجه أحمد)

ما يجوز للمغتاب

  1. التظلم: بأن يذكر للقاضي ما حدث بينه وبين من ظلمه من اعتداء.
  2. الألقاب التي لا يعرف الشخص إلا بها، وربما تكون اسم شخص أو اسم عائلته.
  3. في حالة تغيير المنكر لمن عنده استعداد لتغييره كان يكون سكيرًا فيذكر هذا لولي أمره أو لغيره.. من أجل إصلاحه.
  4. تحذير المسلم من الوقوع في الآثام إذا وجد أنه يتردد على فاسق، إذ يتحتم عليه نصحه وتحذيره وذكر مخازي من سيجتمع معه ويدخل في هذا من يسأل عن شخص يصاهره.

اقضوا على الغيبة بذكر الله والحث عليه

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (الأحزاب: 41,42)، وقال سبحانه: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة: 152).

وقال جل شأنه لنبيه، «زكريا» «عليه السلام» بعد أن طلب من الله أن يجعل له آية قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ﴾ (آل عمران: 41).

وقد سأل «موسى» عليه السلام ربه أن يجعل له وزيرًا من أهله ليعينه على الذكر والتسبيح..

فقال تعالى حكاية عن موسى: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي  وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي  كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ (طه: 29,30,31,32,33,34,35) و«القلب» يطمئن بذكر الله وينشرح كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).

وروى أبو الدرداء «رضي الله عنه» أن "النبي"- صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والوَرِق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ذكر الله» (أخرجه الترمذي)

حكم الغيبة

«الغيبة» من القبائح الاجتماعية التي لا تليق بالمسلم فهي محرمة بالإجماع لأنها من كبائر الذنوب، وفيها قطع لأواصر المحبة والأخوَّة وبذر للعداوة وقد شبه الله تعالى المغتاب بذلك الذي يأكل لحم أخيه ميتًا إذ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12) أرأيتم هذه الصورة البشعة المنفرة ؟

وروى جابر «رضي الله عنه» قائلًا: هاجت ريح منتنة على عهد "رسول الله" فقال صلى الله عليه وسلم «إن ناسًا من المنافقين قد اغتابوا أناسًا من المسلمين فلذلك هاجت هذه الريح المنتنة». (رواه أحمد)

(وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن أنس) «رضي الله عنهم» قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم! فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».

ولما زني ماعز وجاء معترفًا بجريمته يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهره من الذنب بإقامة الحد عليه، ورجم حتى مات.. سمع "النبي"- صلى الله عليه وسلم - رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجِمَ رَجْمَ الكلب، ثم سار "النبي" - صلى الله عليه وسلم - حتى مرَّ بجيفة حمار، فقال أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالا: غفر الله لك يا رسول الله: وهل يؤكل هذا؟!! قال - صلى الله عليه وسلم - «فما نلتما من أخيكما آنفًا أشد.. منه! والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها».

هذا والله أعلم
 

  1. سورة فصلت، الآية رقم: 39.
  2. سورة البقرة، الآية رقم: 275.

(3)  فتح القدير للشوكاني ص 295.

(4) سورة البقرة، الآية رقم: 275.

(5) سورة البقرة، الآية رقم: 276.

(6) فتح القدير للشوكاني ص 296.

(7) سورة البقرة، الأيات رقم: 278,279.

(8) سورة الحشر، الآية رقم: 9.

(9) سورة الحشر، الآية رقم: 7.

(10) سورة القصص، الآية رقم: 77.

(11) سورة البقرة، الآية رقم: 188.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

ركن الأسرة - العدد 9

نشر في العدد 9

37

الثلاثاء 12-مايو-1970

أصول الجرح والتعديل

نشر في العدد 131

17

الثلاثاء 26-ديسمبر-1972

آداب المجالسة

نشر في العدد 1350

21

الثلاثاء 18-مايو-1999