; وقفة مع آية: ألهَاكم التكاثر حتى زرتم المقابر | مجلة المجتمع

العنوان وقفة مع آية: ألهَاكم التكاثر حتى زرتم المقابر

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 14-سبتمبر-1976

مشاهدات 29

نشر في العدد 317

نشر في الصفحة 33

الثلاثاء 14-سبتمبر-1976

(سوره التكاثر: 1)

إن النفس البشرية فطرت على أشياء تميل إليها وترغبها، ثم يأتي دور العقيدة في صقل هذه الرغبات والأهواء، فتجعلها وفق تصور إسلامي رباني كما أراده الله خالق هذه النفس العالم بدقائقها ومشاعرها.

ولنستعرض هذه الآية لنرى كيف أن العقيدة تصقل النفوس والقلوب وتهديها إلى الصراط المستقيم، فيقول الله- تبارك وتعالى-: ألهاكم التكاثر- وأصل اللهو الغفلة ثم خاصة العرف على أنه الشاغل الذي يسر المرء وهو قريب من اللعب- والناس عمومًا تتباهى وتتكاثر فيما بينها في كل شيء في الولد والمنصب والمسكن والجاه.

ولهذه الآية سبب في نزولها هو أن بني عبد مناف وبني سهم أخذوا يتباهون في عدد سادة القوم وعليتهم فقالوا: نحن أكثر عددًا فكثرهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم: لقد أهلكنا البغي في الجاهلية فلنعد الأحياء والأموات فذهبوا إلى المقابر وعدوا الأموات فأكثرهم بنو سهم.

فهم دخلوا المقابر ليتباهوا ويتكاثروا فيما بينهم ولم يتعظوا بالموت وبمن سبقهم من موتاهم، فعلاً كما قال سيد قطب رحمه الله- أيها السائرون المخمورون أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه. أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر... استيقظوا وأنظروا فقد- ألهاكم التكاثر.. حتى زرتم المقابر..

فشغل أهل الدنيا التكاثر والتباهي عن الله- جل وعلا- وعن الدار الآخرة، فإذا كان أبو هريرة- رضي الله عنه- يقول للصحابة الكرام- ما صدقتكم أنفسكم أنكم تأملون ما لا تبلغون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتبنون ما لا تسكنون- فماذا كان سيقول لو رأى المسلمين اليوم بحالهم هذه تلهيهم آمال طويلة، ومؤونة كثيرة، وقصور كبيرة ولكن الله- تبارك وتعالى- ينهانا ويحذرنا عن التباهي والتباري في هذه الأشياء الزائلة فيقول- سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (المنافقون:9)، ويؤكد الله- عز وجل- ذلك في آية أخرى حين يقول- عز من قائل-: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ (النور:37)،  نعم ليس من صفات المؤمنين اللهو والغفلة والانشغال في الأموال والأولاد والقصور ونسيان ذكر الله- تبارك وتعالى- وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وعادة ما تكون الحياة الدنيا لهوًا وغفلة تلهي صاحبها عن ذكر الله والخوف منه، وما قصة ثعلبة في عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببعيدة كان كلما كثرت أمواله قل خوفه من الله- جل وعلا- ولذلك نجد أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوتنا العظيم عزف عن التكاثر عندما عرض عليه المشركون أن يزوجوه خير بناتهم أو يملكوه عليهم أو يعطوه من المال ما يغنيه حتى الموت، ولم تلهه الأموال والجاه والمنصب عن ذكر الله والسير في الدعوة فقال جملته المشهورة «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه» وتبعه بذلك الكثير من الصالحين والدعاة في السابق والحاضر. 

كيف لا يتركها الرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم- والصالحون من بعده وقد جعلها الله- سبحانه وتعالى- من صفات الكافرين حيث يقول- جل وعلا-: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (الحجر:3)، نعم سوف يعلمون عاقبة اللاهين الغافلين عن ذكر الله وعن الدار الآخرة وغرتهم الحياة الدنيا ومتاعها الزائف.

الرابط المختصر :