العنوان المجتمع التربوي.. عدد 1177
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
مشاهدات 8
نشر في العدد 1177
نشر في الصفحة 58
الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
الأعوان الصالحون.. طريق المسلم للتغيير (2 من 2)
وقفة مع مشقات الطريق
بقلم: حجازي إبراهيم (●)
ولك أن تتأمل في بيعة أبو الهيثم التيّهان، والعباس بن عبادة بن نضلة، وموقف أسعد بن زرارة لتلمح من خلالها إدراكهم التام لأعباء الطريق ومشقات العمل مع رسول الله لرفع لواء التوحيد، تأمل هذه الكلمات:
«وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة، وقتل خياركم، وتعضكم السيوف» و «إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود»، و«إن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه، على نهكة الأموال، وقتل الأشراف، فخذوه».
إن بنود هذه البيعة تأخذ في النفس البشرية مسارًا جديدًا يختلف عن سابقه، وإن كان ينبني عليه وينبعث منه، بمعنى أنه لا يتحقق بدونه، إنه كالأساس الدفين في الأرض لقصر شامخ، فالإيمان العميق بعقيدته الخالصة، وعبادته الصحيحة، والخُلق المتين، الأساس الذي تستكمل من خلاله خصائص المجاهدين لنصرة دين الله، أو إن شئت فقل ما اصطلحنا عليه «الأعوان الصالحون».
إنه لابد لمن يجاهدون في سبيل الله من تلك الخصائص:
1- السمع والطاعة في النشاط والكسل.
2- النفقة في العسر واليسر.
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- القيام بنصرة الله بلا خوف من لومة اللائمين أو تثبيط القاعدين.
5- الذود عن دين الله وهدي رسول الله كما نذود عن أنفسنا وأرواحنا وأبنائنا.
يا لها من صفات وخصائص كل واحدة منها تحتاج إلى وقفات، ووقفات لكن القلب
حين يشرق بالإيمان، فإنه يقطع تلك المراحل، ويرتقي إلى تلك الدرجات بشوق وحنين تستعذب معه المشقات والتضحيات، ويسترخص معه الغالي والثمين، فإذا بالمسلم مضحيًا في سبيل الله بماله، ومجاهدًا بنفسه، وهو في تضحياته وجهاده يشم رائحة الجنة، فيزداد بذله وتضحياته، ويلقي بنفسه تحت ظلال السيوف قائلًا: «وآها إني لأجد ريح الجنة»، يقينًا منه بقول رسول الله «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف».
وكأني بتلك الكلمات القوية تصيح بنا قائلة: «يا من ترغبون في حمل هذا الدين، والذود عنه، وتبليغه للعالمين، عليكم أن تعلموا أن الدنيا بكل طوائفها ومذاهبها سترميكم عن قوس واحدة، فلنوطن النفس على القتال في سبيل الله والتضحية بالأموال والأولاد.. وقتل الخيار بالتعليق على أعواد المشانق.. أو تحت سياط الجلد والتعذيب.
والمتأمل في الساحة العالمية الآن يرى كيف أن أهل الأرض قاطبة لم يجتمعوا إلا على الكيد للإسلام وأهله.
فهل آن لكل مسلم مخلص أن يفيق وينبذ كل خلاف، ويرفض كل تفرق، ويعمل على رأب الصدع، وجمع الشمل، حتى يتمكن من مواجهة أهل الباطل الذين أصبح الولاء بينهم باديًا ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.
(●) من علماء الأزهر.
شروط النهضة
وقد أدرك تلك المعاني دعاة الإسلام في العصر الحديث، وعلى رأسهم الإمام حسن البنا فقال: «إن تكون الأمم، وتربية الشعوب وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ، تحتاج من الأمة التي تحاول هذا، أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل، إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه، والمساومة عليه والخديعة بغيره، على هذه الأركان الأولية التي هي من خصوص النفوس وحدها، وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تُبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة، وتتكون الشعوب الفتية، وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنًا طويلًا.
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربع أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه، فهو شعب عابث مسكين، لا يصل إلى خير ولا يحقق أملًا، وحسبه أن يعيش في جو من الأحلام والظنون والأوهام: ﴿وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [ يونس: 36]
هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسُنته في خلقه ولن تجد لسُنة الله تبديلًا:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: 11)
وتحت عنوان «العقبات في طريقنا» يقول: «أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات أما الآن فلازلتم مجهولين، ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد.
سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين، من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم.
وسيتذرع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال، وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات، وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم. ومعتدين بأموالهم ونفوذهم ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة: 32) وستدخلون بذلك ولاشك في دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2) ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين» (2).
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ {العنكبوت:69}
الهوامش
1- الرسائل: رسالة إلى أي شيء ندعو الناس - ص 54.
2- الرسائل: رسالة بين الأمس واليوم - ص ١٦٣.
مهمة الدعاة.. هداية الخلق إلى نور الحق
بقلم: محمد أبو سيدو
مهمة الدعاة مهمة دينية، أخلاقية، اجتماعية، إنسانية، تربوية، وهم سفراء الإسلام في كل مكان، يراعون شؤون المسلمين، ويشرفون على تربيتهم، ويسددون خطاهم، ويفتحون عيونهم على ما يجهلون، ويرفعون مستواهم العلمي والثقافي والأخلاقي.
لقد كان النبي هاديًا، ومعلمًا، ومربيًا، ومؤدبًا، كان يُعلّم الناس كيف يأكلون ويشربون، وكيف يجلسون، وكيف يتحدثون، وسار الخلفاء الراشدون على أَثَرِه، والدعاةُ في أيامنا هذه هم الطليعة المباركة، وعلى عواتقهم تقع المسؤولية في تربية الأجيال.
والنصيحة لا تقتصر على الدعاة، فهي واجب شرعي يفرض على المكلفين رجالًا ونساء، والمسلم يشعر دائمًا أنه حارس على هذا الدين فلا يُؤتَيَنْ الإسلام من قَبلِه، ولا يقوم بعمل يشوه الصورة الجميلة للدين الحنيف.
آداب النصيحة
وعلى الناصح أن يكون عاملًا بما ينصح به حتى لا يكون ممن قال الله فيهم ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (سورة البقرة: ٤٤).
وعلى الداعية أن يلتزم بأسلوب النبّوة في نصيحته من نصح أخاه سرًا زانه، ومن نصحه جهرًا فقد شانه، إذا كنت آمرًا بالمعروف فأمر بمعروف وصدق الشاعر حيث يقول:
تغمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيتَ أمري
فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
وصدق الله القائل: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (سورة النحل: 125).
والموعظة الحسنةَ تشمل كثيرًا من القضايا: أهمها أن يتحلى الناصح بالصبر، وأن يحتسب ذلك عند الله، وأن يكون صادقًا مع النفس فما خرج من القلب وصل إلى القلب، وما خرج من اللسان لا يتجاوز الأذان، وفي وصية لقمان لابنه ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. (لقمان: 17)
ومن واجب الداعي إلى الله أن يكون رحيمًا رقيقًا، لينًا هينًا، بشوشًا، سمحًا، حليمًا لا يضيق صدره من ردود الفعل إذا صادف الجاهل والضعيف والمعاند، بل عليه أن يحمل هموم الناس ولا يتعبهم بهمه، وكما يقول الشاعر:
إذا شَكَوْا أصغيت ملء عواطفي
وإذا شكوتُ فالضياع المحدق
موقف إبراهيم من أبيه
والقرآن الكريم يذكر لنا سيرة الأنبياء لنجد المعين على فهم هذه الأمور، فهذا إبراهيم -عليه السلام- حين تقرأ موقفه من أبيه تشعر بالفرق العظيم بين موقف الابن المؤمن الصابر الودود المشفق، الذي يريد الخير والسلام لأبيه وقومه، وموقف الأب القاسي الضال الجامد، وموقف القوم المماثل لموقف الأب.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا(43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا(45)﴾ (سورة مريم)
هذا هو الابن الذي يحمل في طياته الشفقة والحجة، والعلم والإيمان، والخوف على أبيه أن يمسه العذاب، ويخاطب أباه بالنداء الجميل «يا أبتِ» ليثير في نفسه مشاعر الحنان، والأبوّة، والعطف، ويذكره بأواصر القربي، إنه يعبر عن مشاعر الود والرحمة والشفقة، بالإضافة إلى الحجة والدهاء، ولقد أرسل الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام - إلى فرعون وخاطبهما بقوله: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ (سورة طه: ٤٤)، وفرعون هو فرعون الطاغية الظالم المستبد الذي اتخذ نفسه إلهًا، ومع ذلك فإن الله يأمر كليمه موسى أن يقول له قولًا لينًا لعله يتعظ أو يعتبر.
ولقد أرسل الله عز وجل محمدًا خاتم الأنبياء برسالة الحق إلى كل البشر، فكان أسوة تُتّبع، وقدوة تُحتذى، اجتمعت فيه مكارم الأخلاق، وأحسن الشمائل والصفات، كان لينًا رقيقًا يعفو عمن أساء إليه، ويصل من قطعه، ويحمل الكلّ ويُعين على نوائب الدهر، يقول له رب العزة: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (سورة الحجر: 88).
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: 215)
إننا بحاجة إلى دعاة لا قضاة ينظرون بعين الرحمة والشفقة إلى الضالين، وأن لا ينسوا أن الجماهير المسلمة تعيش تحت مظلة من الجاهلية الحديثة مكرهون على شعارات لا يؤمنون بها.
إننا بحاجة إلى أطباء رحماء يكفكفون الدموع عن العيون الحزينة، بحاجة إلى من يضمد الجراح، لا إلى من يضع الملح على الجراح، بحاجة إلى الواحة المورقة في هذه الصحراء، وفي حاجة إلى تحبيب الناس لدينهم «أحبكم إلى الله من حبب الله إلى عباده».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل