العنوان وقفة موضوعية مع البرمجة اللغوية العصبية «NLP»
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004
مشاهدات 21
نشر في العدد 1590
نشر في الصفحة 31
السبت 28-فبراير-2004
وقفة موضوعية مع البرمجة اللغوية العصبية «NLP»
تفتقر إلى المنهج العلمي ولا تلقى ترحيبًا في الأوساط العلمية في معظم دول العالم.
مفوضية العلوم الاجتماعية والسلوكية الأمريكية: ليس هناك شواهد علمية على فاعلية تأثيرها على الآخرين.
"روبرت كارول" أستاذ الفلسفة والتفكير كل الأدلة العلمية تؤكد أن ادعاءات الـ NLP غير صحيحة.
دورات التدريب عليها تتواصل وكأنها حقائق ثابتة ليس في واقع العامة فقط، وإنما في وسط أساتذة الجامعات، ومن المؤسف أن تنادي المفتونات بها من التربويات بوضعها في برامج التعليم.
ظهر في المجتمع المسلم من جراء البرمجة وأخواتها من ينادي بالسفر خارج الجسد OBE، ومن يزعم أنه أعتمر وهو في فراشه.
ثمة أمر خطير نتج عن هذا الوافد الغريب بسبب كثرة اختلاط الرجال بالنساء، فطبيعة المعالجة النفسية والاجتماعية تتطلب ألفة واندماجات ومصارحات أدت في حالات كثيرة إلى مفاسد لا ينكرها إلا مكابر.
خطوة أولى في طريق دورات الطاقة ثم تتبعها استشفاءات شركية بخصائص مزعومة للأحجار والأشكال الهندسية والأهرام ورياضات استمداد الطاقة الكونية «الإلهية» المزعومة.
بعد أن تألفها النفوس، وتأخذ منها نهمتها تكون النهاية مروعة كما حدث للفلاسفة القدامى.
إن سلسلة المحاضرات والدورات التي تحذر من «الفكر العقدي الوافد»، وتبين منهجية التعامل معه تتحدث عن الوافدات الفكرية عمومًا وتطبيقاتها في الصحة والرياضة من منظور علمي وعقائدي واجتماعي والحديث فيها أصالة عما يسمى بـ «الطاقة»، وتطبيقاتها، ويتبعه حديث موجز عن دورات البرمجة اللغوية العصبية «NLP»، ودورات المشي على النار، إذ العلاقة بين هذه الوافدات وثيقة، والمظلة التي تظلها واحدة، وإقبال الناس عليها جميعها بدوافع متشابهة، والنتيجة الخطرة التي تنتظر السائرين في طريقها متقاربة.
والبرمجة اللغوية العصبية على ما بدا حتى الآن -بعد دراسة وتقص- ليست من الفكر الذي أصله عقدي كما في الماكر وبيوتيك والريكي والتشي كونغ وسائر تطبيقات الطاقة، إلا أنها البوابة لكل هذه الأفكار من وجه، ومن وجه آخر فقد داخلتها في بعض تطبيقاتها لوثات مختلفة من معتقدات الشرق، ثم إنها تقود في مستوياتها المتقدمة ما بعد مستوى المدرب إلى مزيج من الشعوذة والسحر فيما يسمى بالهونا والشامانية التي هي معتقدات الوثنية الجديدة في الغرب،
وفيما يلي وقفة موضوعية مع البرمجة اللغوية العصبية تحددها ثلاثة محاور:
الأول: يتضمن وقفة مع المنهج العلمي.
والثاني: وقفة مع الآثار الاجتماعية.
والثالث: يشكل وقفة من منظور العقيدة الإسلامية.
أولًا- وقفة مع المنهج العلمي Scientific Method
ويقصد بالمنهج العلمي تلك الإجراءات التي أجمع العلماء على استخدامها عبر العصور لتكوين تشكيل أو تمثيل صحيح لما يجري من وقائع وظواهر في العالم. وحيث إن القناعات الشخصية والقناعات الجماعية تؤثر على انطباعاتنا، وعلى تفسيرنا أو ترجمتنا للظواهر الطبيعية، فإن استخدام إجراءات معيارية قياسية منهجية يهدف للتقليل من هذا التأثير عند تطوير نظرية ما.
ومن المعلوم أن مراحل المنهج العلمي في الدراسات الكونية والإنسانية والاجتماعية تبدأ بالمشاهدات والملاحظات للظواهر، ثم تصاغ على أساسها الفرضيات، ثم إذا ثبتت بتجارب صحيحة وكانت لنتائجها مصداقية إحصائية تصبح نظرية، وإلا رفضت الفرضية أو عدلت، ثم تمر النظرية أيضًا بتجارب، وتختبر نتائجها لتكون حقيقة أو تقف عند حدود النظرية أو تلغي والمنهج العلمي يؤكد وجود الأخطاء الإحصائية عند ذكر النتائج واعتمادها، وهذه يمكن توقعها أو قياسها، ومن ثم تضاف للنتيجة ويتم تعديلها كما ينبه على الأخطاء النابعة من الرغبة الشخصية، أو تأثير النتيجة المأمولة Wishfull thinking حيث يفضل الباحث نتيجة على أخرى و«الزلل التراجعي» Regressive fallacy الذي يكون مجرد ربط من الباحث بين الملاحظة وشيء مقترن بها دون أن يكون بينهما علاقة سوى الاقتران، أما أسوأ الأخطاء على الإطلاق أن تكون الاختبارات عاجزة عن إثبات الفرضية، ويدعي الباحث إثبات الفرضية بها، ويغض الطرف عن نتائج الاختبارات التي لا تتناسب مع الفرضية التي يرغب في إثباتها، كما أنه من الأخطاء الكبيرة عدم إجراء التجارب (عدم وضع الفرضية تحت الاختبار) وبالتالي الخروج بنظرية من المشاهدات اعتمادًا على المنطق البسيط والإحساس العام (الانطباع).
وليست الوقفة مع المنهج العلمي في تقويم هذه الوافدات من قبيل التكلف والتعسف كما يدعي الوافدات من قبيل التكلف والتعسف كما البعض فالإسلام يدعونا إلى المنهجية العلمية بدعواته المتنوعة للتأمل والتفكر والعلم والتعقل والتذكر، وقد وضع العلماء المسلمون أصول المنهج العلمي الصحيحة سواء فيما يتعلق بالنقل أو العقل؛ إذ لم تكن الدعاوى تقبل لمجرد التدليل عليها بنصوص الوحيين أو أدلة العقل دون تحقيق وتدقيق، فالتحقيق إثبات المسألة بدليلها، والتدقيق فحص وجه الدلالة من الدليل ومدى مناسبته للمسألة «الدعوى» وكان شعارهم إذا كنت ناقلًا فالصبحة «توثيق النص» أو مدعيًا فالدليل، وكانوا روادًا في التمييز بين الحقائق والدعاوى، وأخذ الحق ورد. الباطل مهما مزج بينهما المبطلون ولبسوا ...
وبالنظر للبرمجة اللغوية العصبية في ضوء هذه الوقفة مع المنهج العلمي نجدها تفتقر إليه في عمومها وأغلب تفصيلاتها، وربما لهذا لم تلق ترحيبًا في الأوساط العلمية في معظم دول العالم،. وتفصيل نقدها من الناحية العلمية يمكن تلخيصه فيما يلي:
- كثير من المشاهدات التي بنيت عليها فرضيات الـ NLP ليس لها مصداقية إحصائية تجعلها فرضيات مقبولة علميًا.
- تعامل الفرضيات وتطبق، ويدرب عليها الناس على أنها حقائق رغم أنها لا ترقى لمستوى النظرية.
- نظرياتها مقتبسة من مراقبة بعض الظواهر على المرضى النفسيين الذين يبحثون عن العلاج، ثم عممت على الأصحاء الذين يبحثون عن التميز.
- أكثر روادها من القادرين على دفع رسومها:
- الباحثين عن الحلول السريعة Quik fix بدلًا عن العمل Hard work.
وأنا هنا أقدم تقييمين اتبعا منهجًا علميًا في نقد البرمجة، الأول هو التقويم المقدم للجيش الأمريكي من الأكاديميات القومية،. ففي عام ١٩٨٧م بعد انتشار دورات تطوير القدرات رغب الجيش الأمريكي في تحري الأمر، فقام معهد بحوث الجيش الأمريكي The US Army Research Institute بتمويل أبحاث تحت مظلة «تحسين الأداء البشري»، على أن تقوم بها الأكاديميات القومية US National Academies التي تتكون من كل من الأكاديميات القومية للعلوم والهندسة والطب والبحث العلمي، وتعتبر هذه الأكاديميات بمثابة مستشارة الأمة الأمريكية، وقد تكونت من هذه الأكاديميات مفوضية العلوم الاجتماعية والسلوكية والتعليم، ثم تم تكوين فريق علمي كان اختيار أعضائه على أساس ضمان كفاءات خاصة، وضمان توازن مناسب، وعهد المجموعات مختلفة بمراجعة البحوث حسب الإجراءات المعتمدة لدى أكاديميات البحوث الأربع.
وقد قدم الفريق ثلاثة تقارير:
الأول في عام ١٩٨٨م، الثاني في عام ١٩٩١م، الثالث في عام ١٩٩٤م.
التقرير الأول طرح تقويمًا للعديد من الموضوعات والنظريات والتقنيات، منها: البرمجة اللغوية العصبية الذي ذكر عنها ما نصه: «أن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الادعاء بأن الـ NLP إستراتيجية فعالة للتأثير على الآخرين، وليس هناك تقويم للـ NLP كنموذج لداء الخبير«
أستمر البحث والتحري في مجال «تحسين الأداء البشري»، وبعد ثلاث سنوات يشيد التقرير الثاني بنتائج التقرير الأول والقرارات التي أتخذها الجيش الأمريكي بخصوص عدد من التقنيات السلبية ومنها الـ NLP حيث أوصى بإيقاف بعضها، وتهميش بعضها، ومنع انتشار البعض الآخر.
وبعد ثلاث سنوات أخرى أكتفى التقرير الثالث – نصًا – في موضوع البرمجة اللغوية العصبية بما قدم في التقريرين الأول والثاني.
والثاني: صاحبه الدكتور «روبرت كارول» أستاذ الفلسفة والتفكير الناقد بكلية ساكر منتوا الذي قال:. «رغم أني لا أشك أن أعدادًا من الناس قد استفادوا من جلسات الـ NLP، إلا أن هناك العديد من الافتراضات الخاطئة أو الافتراضات التي عليها تساؤلات حول القاعدة التي بنيت عليها الـ NLP فقناعاتهم عن اللاوعي والتنويم والتأثير على الناس بمخاطبة عقولهم شبه الواعية- لا أساس له، كل الأدلة العلمية الموجودة عن هذه الأشياء تظهر أن ادعاءات الـ NLP غير صحيحة، فبرغم تراجع الجيش الأمريكي عنها بعد تجربتها وعدم إيمان كثير من الشركات بها، وعدم الاعتراف بها كعلم في الجامعات، ولا كعلاج في المستشفيات- يقبل عليها جماهير المفتونين من المسلمين «راجع في ذلك مقالة منشورة في مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر ۲۹ سبتمبر ١٩٨٦م في مقالة بعنوان المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين»
فهذه هي شهادة بعض أهلها فيها، وهذه نتائج تحريات جهات من أفضل الجهات العلمية، وفي بلد من أبرز البلاد تقدمًا في منهجيات البحث والتحري، وصدق ابن القيم عندما قال معلقًا متعجبًا بعد ذكره للأحاديث والآثار المحذرة من التشوف لما في كتب أهل الكتاب من أدبيات أو فوائد وأخلاقيات فقال: «فكيف لو رأي اشتغال الناس يزيد أفكارهم وزبالة انهائهم أذهانهم عن القرآن والحديث، ووالله ما أشد العجب، وما أعظم الخطب، ولكنها سنة كونية في هذه الأمة، فها هي تقتات فتات موائد اللئام ليس في البرمجة وحسب، بل في كل ما يتبقى، ويثبت عزوف عقلاء الغرب عنه فقد اعتمدت مقررات الرياضيات الحديثة للتدريس في المدارس الابتدائية في بداية السبعينيات الميلادية بعد أن ألغت الدول الإسكندنافية تدريسها في الستينيات الميلادية، وها نحن نفتح المدارس العالمية القائمة على التعليم المختلط، في حين خطب الرئيس الأمريكي أمته محذرًا من عواقب التعليم المختلط، واعدًا بالدعم للمدارس التي تتبنى الفصل بين الجنسين. !!
ومن العجيب أنه على الرغم من عدم ثبوت فرضيات الـ NLP إلا أنها تعقد الدورات للتدريب عليها، وكأنها حقائق ثابتة بتجارب مستفيضة وليس في واقع العامة فقط، وإنما في واقع أساتذة الجامعات، والدعاة ومن المضحك المبكي أن تنادي المفتونات من التربويات بتقريرها مقررًا في التعليم، واعتبارها بندًا مهمًا في بنود تقييم الكفاءة! مما أعتقد أنه لم يكن يخطر لمؤلفيها أنفسهم على بال.
ثانيًا: - وقفة مع الآثار الاجتماعية «NLP»
أشاع انتشار الدورات في البلاد فوضى عارمة، كما صرح بذلك كثير من التربويين والمسؤولين الذين يبذلون جهودًا حثيثة لإيقاف هذه الفوضى فقد سربت الـ NLP إلى أيدي عامة الناس، ومنهم طلبة دون سن النضج، بعض تقنيات التنويم والعلاج بالإيحاء وغيره من الأدوات الخاصة بالأطباء والمرشدين النفسانيين الذين يؤهلون تأهيلًا علميًا وافيًا قبل أن يعتمدوا كمرشدين أو أطباء نفسانيين من الجهات الرقابية المسؤولة، وقد تحول نتيجة لانتشارها السريع عدد من المرضى النفسانيين بعد عدد من الدورات إلى مرشدين نفسيين واجتماعيين، وهم الذين كانوا ومازالوا فاشلين في دراستهم، ومنهم فاشلون في حياتهم الأسرية والوظيفية، إلا أنهم حققوا نجاحًا منقطع النظير في التدريب والمعالجة بتقنيات الـ NLP، كما أن كثيرًا منهم في الطريق إلى تحقيق ثروة هائلة؛ حيث تنتشر دوراتهم دون أن يتكلفوا هم مسؤوليات إنشاء المؤسسة أو المركز، ويكثر الإقبال على معالجاتهم بعيدًا عن العيادات المرخصة.؟!
ومن وجه آخر فإن لـ NLP نظامًا تسويقيًا متميزًا يعتمد على التسويق متعدد المستويات، وهو أسلوب متميز ناجح لبيع الدورات التدريبية إلا أنه يجب أن يكون واضحًا أن حقيقة ما تبيعه الـ NLP للمتلهفين على دوراتها هو الوهم، «ا الأمل» بالصحة للمريض، والوهم « الأمل» بالتميز للأصحاء، وقد يكون هذا نافعًا للبعض يمنحهم قدرة على التفاؤل، ومن ثم العمل إلا أنه يجب أن تكون حقيقة المبيع واضحة، وإلا كان بيع غرر، وتبقى نقطة أخيرة في هذه الوقفة الاجتماعية فثمة أمر خطير نتج عن هذا الوافد الغريب «البرمجة اللغوية العصبية» في مجتمعنا وهو أثر أخلاقي نتج عن كثرة اختلاط الرجال بالنساء، وإن كان بفاصل مكاني حيث طبيعة التدريب ومادته تتطلب التواصل ودوام التفقد، وطبيعة المعالجة النفسية والاجتماعية تتطلب الفة ألفة واندماجًا ومصارحات أدت في حالات كثيرة إلى مفاسد لا ينكرها إلا مكابر.
كما أن تدريباتها التي بنيت على مرضى، ثم أطردت على الأصحاء قد تسبب على المدى البعيد وربما القريب إغراق مرضى في أحلام اليقظة في أوساط الناضجين لا المراهقين فقط، كما أنها أشاعت جوًا يساعد على الجرأة في ممارسة استرخاءات جماعية وفردية إن ثبت لها فائدة فهي لا ينبغي أن تكون إلا في الخلوات، كما أنها نشرت بدعوتها لا لترديد عبارات القوة والقدرة وتعليقها في الغرف، جوًا من الذاتية والتعالي لا يقبل إلا من مرضى، ولكم أن تتأملوا هذه المواقف التدريبية لتحكموا بأنفسكم يقف «المدرب الذي يظهر عبر الشاشة حافي القدمين، يسير كهيئة الحصان، طالبًا من المتدربات مشرفات تربويات ومديرات مدارس ووكيلات ومعلمات- أن يضعن الأحذية، ويمارسن التدريب وهن يرددن أنا قوية،.. أنا قوية،.. متخيلات أنفسهن في قوة الحصان ورشاقته» وفي دورة أخرى يظهر «المدرب على الشاشة وهو راكع رافعًا يديه إلى الأعلى كأنهما جناحان يرفرف بهما طالبًا من جمهور المشرفات والمعلمات أن يفعلن ذلك، فإذا بهن جميعًا راكعات يرفرفن بأيديهن إلى الأعلى متخيلات أنفسهن في خفة الحمامة، تاركات همومهن وضغوط العمل خلفهن محلقات في عالم من أحلام اليقظة قد يصلح لمعالجة المرضى النفسانيين لا لأهل التربية والتعليم» وفي ثالثة يطلب من الجميع أن يسترخوا وهم يتخيلون أجسادهم نافورة تخرج مشكلاتهم من داخل أنفسهم إلى الخارج، وما هي إلا نصف ساعة حتى تنتهي المشكلات!.
ولولا أن المقام يضيق عن ذكر المزيد لذكرت مقتطفات أخرى تجعل الحليم حيران مما يجري تحت شعار التدريب ورفع الكفاءات، ومما يقدم من مسوخ العلم.
وقد ظهر في المجتمع المسلم من جراء البرمجة وأخواتها من ينادي بالسفر خارج الجسد OBE، ومن يزعم أنه أعتمر وهو في فراشه، مما جعل أحد الأطباء النفسانيين يقول إننا ربما نسمع في القريب أن مرض إنفصام الشخصية، حالة مثالية، ويتصدى للتدريب عليها أهلها الذين هم المرضى وهم الأطباء، ولا نعلم ماذا تخبئ الأيام إن لم يتدارك المسؤولون هذا الأمر الخطير، ويتفطن الأبعاد المفتونون.
ثالثًا: - وقفة مع البرمجة اللغوية العصبية من منظور شرعي عقائدي:
فمن المعلوم الثابت عقلًا ونقلًا أنه كما قال ابن تيمية: «من شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعام حاجته أستغنى عن طعام أخر حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكرامة وتجشم، وربما ضره أكله أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه»، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به بقدر ما أعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع : فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه ويكمل إسلامه، وإن لم يكن من شر وراء البرمجة اللغوية العصبية إلا الاستعاضة بغير المشروع عن المشروع لكفاها شرًا، فإننا - والله- بخير ما فتئنا نعالج بأدوية الكتاب والسنة أدواء أبداننا، مع جواز التداوي بالأسباب الدنيوية شرط أن تكون أسبابًا حقيقية، ولا تكون مما حرم علينا.
ويظل العلاج الأوحد لأرواحنا وفكرنا ما كان من الكتاب والسنة فما زلنا نوقظ بهديهما قلوبنا، ونفعل بهما طاقاتنا وطاقات من نربي، وما زلنا نغترف من معينهما الصافي وصفات التآلف والتواصل والقدرة على التأثير وغيره، مستهدين بسير السلف، مستروحين عظيم الأجر في الإتباع، وثمة أمر آخر خطير وهو أن رواد هذا العلم الغربيين - إن صح تسميته علمًا- هم دعاة الوثنية الجديدة (الهونا الشامانية)
التي تدعو أولًا إلى تفعيل القوى الكامنة عن طريق الإيحاء والتنويم لتمام القدرة على التغيير من خلال التعامل مع اللاوعي، وتنتهي بالاستعانة بأرواح الأسلاف -بزعمهم- والسحر وتأثيرات الأفلاك، وإن كان ذلك ربما يسمى قوى النفس والقوى الكونية عند المدربين من غير المسلمين الذين ليس لهم أثارة من علم النبوات الصحيح عن العوالم الغيبية، وليس لهم محجة بيضاء ينطلقون منها.
فالبرمجة اللغوية هي الخطوة الأولى في طريق دورات الطاقة وما يتبعها من استشفاءات شركية بخصائص مزعومة للأحجار والأشكال الهندسية والأهرام ورياضات استمداد الطاقة الكونية الإلهية، المزعومة، ومن ثم فإن سلم بعض الداخلين في البرمجة من أثارها آثارها السلبية على الفكر والمعتقد فقد فتحوا الطريق لغيرهم ممن سيتبع خطاهم إلى طريق لا يعلم منتهاه إلا الله، وصدق ابن عباس -رضي الله عنهما- إذ قال: «من أخذ رأيًا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة رسول الله لم يدر على ما هو منته إذا لقى الله» وحيثما تغيب المنهجية العلمية، ويضعف التقدير لكنوز النقل تتفشى السطحية وتظهر التبعية، ويكثر الدجل، ولقد رأينا في هذه الدورات عجبًا فهذا يخلل دورته التدريبية بما أسماه «إشراقات» أولها في مهارة الاستفادة من أشعة لا إله إلا الله، والثانية في مهارة استغلال طاقة الأسماء الحسنى! وآخر يزعم أنه يعلم ويدرب على تلك المهارة في الحفظ مثل التي كانت عند الإمام الشافعي ويخرج من دورات القراءة الضوئية قادرين على حفظ القرآن في ثلاثة أيام.!
وفي الختام فإن من له أدنى بصيرة ليرى بكل وضوح واقع الإسفاف الفكري والضرر النفسي والاجتماعي، ناهيك عن المتعلقات العقدية المتنوعة باختلاف المدارس والمدربين فيقف ملتاعًا مرتاعًا من العواقب الوخيمة التي تنتظر السائرين في هذا الطريق، الذي رواده في الغرب سحرة ومشعوذون راحوا يقتحمون عالم الغيب بعقولهم القاصرة، وبإعانة شياطينهم، ثم راحوا يروجون لما وصلوا له من كشوف بمعارف سقيمة، ظانين أن ما حصلوه من قوى إنه إنما هو من عند أنفسهم وباكتشاف قدراتهم الكامنة، شأنهم في ذلك شأن باطنية الفلاسفة الذين قال عنه شيخ الإسلام: «باطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس.. وأنتهى قولهم إلى وحد الوجود فإنهم دخلوا من هذا الباب حتى خرجوا من كل عقل ودين»
ومن هنا فإنني أذكر العقلاء من هذه الأمة أننا نعيش فتنًا كقطع الليل المظلم، تجعل الحليم حيران مما يتطلب تحريًا دقيقًا بعيدًا عن تدليس المفتونين بهذه الوافدات، ولو كانوا أهل صلاح ودعوة أو صمتًا منجيًا من بين يدي الله -عز وجل- فالطريق وعرة خطرة، أولها مستويات أربعة للبرمجة اللغوية و العصبية قد لا يظهر فيها ذلك الأمر الخطير «خصوصًا إذا كان المدرب حريصًا على أسلمتها» ولكن بعد أن تألفها النفوس وتأخذ منها نهمتها تكون النهاية مروعة، فقد تكون خروجًا من كل عقل ودين كما حدث للفلاسفة القدامى أو بعضهم عبر مستويات دورات الهونا والشامانية التدريبية، ومما ينبغي التنبه له أن هذه الأفكار الوافدة لا يظهر خطرها منذ البداية كسائر البدع، قال أحد السلف: لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفورت وفررت منه، ولكن يحدثك بأحاديث السنة في بدو بدء مجلسه، ثم يدخل عليك ببدعته فلعلها تلزم قلبك. ، فمتى تخرج من قلبك؟..
ثم إن تقنيات هذه الأفكار مدروسة بعناية كسائر تقنيات «النيو إيج».. العصر الجديد، - الذين و يشكلون طائفة ذات أثر ودين جديد في الغرب لا يهتم أصحابه بما يوجد أو يتبقى في أذهان لأتباعهم من أفكار الديانات السماوية وغيرها، إنما يهتمون بما يضاف إليه من أفكار حيث يثقون أن منهجهم الجديد والزمن كفيلان بترسيخ المفاهيم الجديدة وتلاشي المفاهيم القديمة.
وقد اختلفت أقوال بعض أهل العلم بشأن البرمجة اللغوية العصبية ما بين تحريم وجواز بينما توقف الكثيرون، ومن المعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا بد من تصور كامل لا تصور مجتزأ، ومن المعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ لذا أدعو أهل العلم إلى دراسة متأنية في ضوء أبواب سد الذرائع وأحكام التعامل مع السحرة،
ووجوب تحرير الولاء والبراء، وحكم العلم الذي سيؤخذ مختلطًا، بمسألة استحضار الأرواح والسحر، وهي عند المدرب الكافر «إيقاظ قوى النفس وتفعيل الطاقات الكامنة» وغيرها من المسائل والأصول التي نود أن يراجع القائلون بجوازها ما أبدوه من رأي خشية أن يزل عالم.
بزلة وللعلم فإن رسوم دورة إعداد المدربين عام ۲۰۰۳م للشخص الواحد (٣٥) ألف ريال «قرابة عشرة الاف آلاف دولار» للمدرب الأمريكي في مصر، و (٢٠) ألف ريال للمدرب البريطاني في الخليج يدفعها إخواننا وأخواتنا عن طواعية لرؤوس الحرب على الإسلام، فيما هم يعلقون منشورات الدعوة لمقاطعة البيبسي؛
لذا أوجهها دعوة في الختام لا بد من التوقف للتبصر والتأمل في حقائق هذه الوافدات التي تتنزيا بزي العلم، وتتشح بوشاح النفع والفائدة، فقد كان الوقوف منهجًا متبعًا عند أخيار الأمة - رضوان الله عليهم - على امتداد التاريخ وبخاصة عندما تشتد المحن، وتدلهم الفتن وتختلط الأمور،
ويشتبه الحق بالباطل عندها تشتد الحاجة إلى الوقوف.. لطلب العون من الله، ولاستبصار حقائق الأمور، وتبين طريق الحق واللسان يلهج داعيًا بقلب مخبت متضرع: «اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه». ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ (سورة آل عمران: 8) «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك«
أما أن تهزم نفسياتنا، وتتزعزع ثقتنا بمنهجنا، وننظر بتشوف إلى عدونا: مستلهمين نهجه، متتبعين خطاه، مقلدين سلوكه فهذه والله الهزيمة، وهذه هي المصيبة، كيف أرتفع الأقزام إلى مقام القدوة، فأصبح المهتدون يتسابقون للاقتداء بالمغضوب عليهم والضالين، فالتفكير على الطريقة المادية النفعية، والتغذية على الطريقة الماكروبيوتيكية.
ولا بد فيها من وصفة «الميزو» الذهبية، والتأمل والتفكر على الطريقة البوذية لا بد منها لتحقيق الأخوة الإنسانية، والصحة واللياقة على الطريقة الطاوية وفلسفات الشنتوية.
والتفاؤل والإيجابية على طريقة أهل البرمجة اللغوية لا بد منها لتكوني قادرة وقوية، عجبًا ألم يأتنا بها الحبيب ﷺ بيضاء نقية، .. فلنعش حياتنا على هدي الإسلام، ممتنين للملك العلام، مقتفين خطى خير الأنام، مستغنين بنعمة الله علينا بإكمال الدين وتمام النعمة عن فتات موائد اللئام.
ومن هنا فإنني أوجز رأيي في البرمجة اللغوية العصبية في جملة واحدة هي لا لـNLP ونعم للإرشاد النفسي الاجتماعي، الصحيح، وأؤكد أنه رأي ارتأيته بعيدًا عن إطلاق أحكام شرعية بالجواز أو الحرمة، فللفتوى أهلها، وإنما هو رأي مبني على دراسة مستفيضة لأصول هذا الفن ونهاياته.