; من أحسن القصص.. الجزء الثاني | مجلة المجتمع

العنوان من أحسن القصص.. الجزء الثاني

الكاتب عبد الرحمن جميعان

تاريخ النشر الثلاثاء 04-مارس-1980

مشاهدات 16

نشر في العدد 472

نشر في الصفحة 39

الثلاثاء 04-مارس-1980

• السورة ترسم خطوط الدعوة الأساسية.

• على الدعاة الهجوم على الجاهلية وتمزيقها.

• التربية على الاستعلاء تضمن ثبات الداعية.

• العمل الصالح كفيل بأخذ العنصر من الأعداء.

• الدعوة ليست مكانًا للربح والخسارة.

• الدعوة ليست مطية حتى يركبها أصحاب الأهواء والأعراض الدنيوية.

• انتبهوا أيها الدعاة إلى أنفسكم.

• أجهدوا في العمل فإن المستقبل لهذا الدين.

الداعية يجب أن يكون واعيًا ... مخططًا ... قياديًّا

الإسلام منهج مستقل لا يمكن أن يصطلح مع الجاهلية.

الاستعلاء بالإيمان هو المطلوب، وليس استعلاء الكلام الخطب

 

ثالثًا: التسلسل في الحديث والتلطف مع المدعوين:

وخط ثالث تخطه السورة للدعاة، وهو معرفة أسلوب التبشير للإسلام، فالداعية في إلقاء قوله يحتاج إلى قوة بيان، وإفصاح لسان، ويحتاج كذلك إلى معرفة تسلسل أفكاره، ليسير مع المدعو خطوة خطوة، ويحتاج إلى اللطف وحسن المعاملة، لأنه يتعامل مع أناس من البشر، وليسوا ملائكة ولا حجرًا.

فيوسف (عليه السلام) في أثناء تناوله للحديث مع السجينين ما يدلك في كلامه على (لطف مدخله إلى النفوس كياسته وتنقله في الحديث في رفق لطيف)([1]) بدأه ببث الثقة فيما يملك من علم أوهبه الله تعالى به ثم باتخاذه لهما صاحبين صديقين، وفي هذا ما يدل على مراعاة نفسيتهما في قوله ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾ (يوسف: 39) ... وفي قوله ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (يوسف: 37) ... فلقد كان السجين (على دين القوم ولكنه لا يواجههما بشخصيهما، إنما يواجه القوم عامة، كيلا يحرجهما ولا ينفرهما)([2]) ممَّا يدلك على حكمته وكياسته، وحسن مدخله إلى النفوس ولطفه مع الناس، هذه الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل داعية، فكم من داعية مخلص في دعوته متحمس لها عامل على إشعالها، خسر مدعويه وأنصاره، لأنه لم يحسن لطف الكلام، ولم ينتبه إلى أهمية التسلسل في الحديث، ولم يحرص على اللطف وحسن العشرة، فأدَّى به جفاؤه وعيوب منطقه إلى أن يخسر أعوانه وأتباعه، فلننتبه إلى تلك الصفات، فإن القرآن يُعلِّمنا إياها؛ حتى لا نخسر الدعوة وأنصارها.

 

أساسان في الدعوة:

و«يوسف عليه السلام» أوضح للدعاة أساسين، لا يمكن الاستغناء عنهما: 

الأول: تبيان معالم الإسلام الحق 

• فالمسلم مأمور بالانطلاق بالإسلام والدعوة إليه، ولكنه لا يستطيع ذلك إلا إذا ارتكز على قاعدة صحيحة في تصوره للإسلام وعقيدته وحقائقه، ولذلك وجب على الدعاة أن يدعو إلى الإسلام ويبينوه كما هو وأن (يجهروا بالحقائق الأساسية في هذا الدين وألا يخفوا منها شيئًا وألا يؤجلوا منها شيئًا وفي مقدمة هذه الحقائق إنه لا ألوهية ولا ربوبية إلا لله)([3]) تعالى وحده حتى يكون الإسلام واضحًا ومفهومًا لدى الناس، لا تميع فيه ولا تسيب، ذلك ما استخلصناه من إعلان يوسف هذه الحقائق عندما قال ﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ (يوسف: 37).

والآية ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ (يوسف: 37) وفي بيانه لملة التوحيد الواحدة ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي ...﴾ (يوسف: 38).

وفي نفيه للشرك بالله ﴿مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (يوسف: 38) وفي تبيانه في إثباته أن الكون بيد الله وحده فهو المتصرف فيه وحده ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (يوسف: 40) فلقد أوضح يوسف عليه السلام معالم الدين الأساسية والبديهية وهي:

أولًا: الإيمان بالله وحده دون سواه.

ثانيًا: نبذ الشرك والشركاء عن الله في الألوهية والربوبية في الشرائع والشعائر.

ثالثًا: قصر العبودية على الله وحده.

رابعًا: أن دين الأنبياء هو الدين القيم الصحيح لا دين سواه.

خامسًا: تبيان الإيمان باليوم الآخر.

سادسًا: المفاصلة مع أعداء الله.

هذه هي القواعد الأساسية التي يجب أن يراعيها الدعاة في دعوتهم، وألا يتجاوزونها لأنها هي قضايا الدين الأساسية.

الثاني: الهجوم على الجاهلية وتفنيد باطلها وعدم مجاراتها في أي أمر:

الإسلام منهج مستقل بذاته وبتصوراته وبتعاليمه، ولذلك فهو لا يصطلح ولا يمكن أن يصطلح مع الجاهلية، ولا يرضى بأن يكون واقع نصفه إسلام ونصفه جاهلية، بل يريد أن يسود الإسلام وحده في جميع أنحاء الأرض ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (يوسف: 104) ... ولذلك كان على الدعاة أن يعملوا على (إقصاء الجاهلية من قيادة البشرية، وتولي هذه القيادة على منهج الإسلام الخاص، المستقل الملامح، الأصيل الخصائص)([4]) ولا يكون ذلك إلا بأن يعرف الدعاة الجاهلية حق معرفة، حتى يستطيعوا أن يقلعوا جذورها من الأرض ويهاجموها، ولا ينتظروا حتى تهاجمهم، ويفندوا باطلها دون خوف أو رعب منها.

استعلاء الدعاة:

رسم يوسف – عليه السلام – صورة لكل داعية وأوصله إلى مرتبة لا يجوز للدعاة التخلي عنها أو التنازل، هذه المرتبة هي مرتبة الاستعلاء.

الاستعلاء في نفس الداعية (إزاء كل شيء، وكل وضع، وكل قيمة، وكل أحد، الاستعلاء بالإيمان وقيمه على كل القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان) ([5]) كما وصف الشاعر استعلاء الداعية في قوله:

مشى يحدوه منهجه الإلهي *** أبي في عقيدته يباهي (6)

استعلاء بالإيمان فحسب، هذا الاستعلاء بالإيمان الذي لا (يتهاوى أمام قوة باغية، ولا عرف اجتماعي ولا تشريع باطل) ([7])، هو الاستعلاء المطلوب وليس استعلاء الكلام والخطب.

وهكذا كان سيدنا «يوسف» – عليه السلام – استعلى على ملذات الدنيا وشهواتها، وهو لا يزال شابًّا صغيرًا، لأن روحه التي بين جنبيه كانت أعظم من الشهوات، وإيمانه أغلى من الدنيا، لذلك كان استعلاؤه وتساميه على الشهوات؛ مع أن هذه الشهوات تجعل المتهافتين على الدنيا عُبادًا لها ولكنه:

تسامى في الحياة عن الدنايا *** وكم سجدت لها بعض الجباه (8)

لذلك آثر السجن والبلاء على اللذة والشهوات، وآثر الباقية على الفانية، فنصره الله ومكَّنه، وجعله على خزائن النصر بإيمانه وعمله الصالح. 

ولنا في موقفه – عليه السلام – عبرة وعظة لدعاة اليوم، فإن الدعاة اليوم يتشدقون بالنصر والرفعة والتمكين، ويريدون النصر من الله، وما دروا أن النصر مرهون بالعمل الصالح، كما وصَّى الصحابي الجليل أبو الدرداء – رضي الله عنه – أصحابه المجاهدين وناداهم: (أيها الناس عمل صالح قبل الغزو، فإنما تقاتلون بأعمالكم)([9]).

لا نقاتل إلا بالعمل الصالح المترتب على الإيمان، فمن أراد النصر من الله فليُطهِّر نفسه من الشقاق والنفاق، وليسمو بروحه إلى الملأ الأعلى، وليتعالى على حطام الدنيا، لأن الدنيا مصرع الرجال.

فما أحرى بالدعاة اليوم أن يقفوا لتنقية صفوفهم، وتوحيد كلمتهم، واعتصامهم بالله، ونبذ خلافاتهم، حتى ينتصروا على أهل الجاهلية، ويُعيدوا الإسلام إلى ربوع الأرض.

قيادة في الحق:

وحري بداعية اليوم أن يقف ليتملى ببصيرة موقف يوسف – عليه السلام – في طلبه إمارة خزائن مصر، وليستقي العبرة منه ليستيقن أن (المكان الطبيعي المعتاد للداعية هو مكان القيادة والتصدر؛ لا التبعية والانقياد)([10]) ليستطيع التأثير على أهل الضلال، ويقود أهل الحق، لذلك كله كان على الداعية السعي لنيل المراكز الهامة لخدمة الدعوة، والتي تعين على نشر الإسلام، باختيار الأنصار، تلك مسالة هامة ينبغي للدعاة المسارعة لسد هذه الثغرات في جسد الدعوة، وتسلم أماكن الصدارة والقيادة، ولكن لهذه الملاحظة سلبية قد تفقد الدعوة كثيرًا من دعاتها، إذا لم تتدارك الموقف ... 

1- طلب المركز والحرص عليه لمأرب شخصي

فالداعية عندما يطلب المركز والمنصب؛ عليه أن يطلبه لله وحده، لتبليغ الدعوة إلى الناس، ولسهولة وصولها، ولا يطلب لنفسه؛ «يوسف» – عليه السلام – عندما طلب جعله على خزائن الأرض، لم يطلب هذا الأمر لنفسه أو لتحقيق مآرب شخصية لذاته، ولكنه طلبه كان لله وحده، لأن مهمته هي (إطعام شعب كامل وشعوب كذلك متجاورة طوال سبع سنين، لا زرع فيها ولا ضرع، فليس هذا غنمًا يطلبه يوسف لنفسه … إنما هو تبعة ثقيلة يهرب منها الرجال …) ([11]).

فالدعوة عليها أن تنتبه إلى هذه المسألة، حتى لا يرتقي على حسابها أصحاب المآرب الشخصية، وحتى لا تكون سلمًا يرتقي عليه كل من يريد الوصول، فتجد الدعوة تربيه وتنشئه، وتجعله رجلًا حتى إذا كبر وتعلم أعطى الدعوة ظهره، وتعذَّر بأوهى الأعذار، وما أصدق كلام سفيان الثوري، عندما سأل عن سبب حزنه فقال: (صرنا متجرًا لأبناء الدنيا، يلزمنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضيًا أو عاملًا أو قهرمان …) ([12]).

فلا تصبح الدعوة متجرًا يتاجر بها أصحاب الأهواء، بل تكون مدرسة يتربى بها الدعاة، وإنما يكون التدارك بالتربية الطويلة التربية على الزهد في هذه الحياة الدنيا، والزهد في المناصب والإمارة، والتربية على الجندية الحقة، والإخلاص للدعوة، فهكذا تسلم الدعوة من كل صاحب هوى أو محب رئاسة.

2- الغرور:

ومسألة أخرى هي أن ننتبه إلى أن (الشهادات والدرجات العلمية والألقاب الجامعية والمناصب المرموقة تعتبر من أوسع مداخل الشيطان إلى النفس البشرية لأنها مجلبة للشهرة ملفتة للأنظار ...) ([13]) فقد يصيب الداعية من جرَّاء هذه المراكز العجب، ويتسلل إليه الغرور، فيكتفي ويقتنع بمنصبه، ويجحد الدعوة وأهلها، لذلك كله كان لزامًا على الدعوة ألا ترتفع إلى المراكز الحساسة، إلا ذو صلاح وتقوى، حتى تستطيع إنتاج الثمرة.

تخطيط وذكاء لا سذاجة وارتجال:

والدعوة اليوم تكمن حاجتها في رجال التخطيط يضعون الخطوط العامة لدعوة الإسلام، ولا تريد دعاة بسطاء سذج لا يدرون عمل يومهم.

ويوسف – عليه السلام – كان ذكيًا مخططًا، ولم يكن ساذجًا غبيًا، فهو أراد أن يأخذ له أخاه فاحتال حيلة شرعية، لا تخالف أصول الدين، ودبرها واستطاع بها أخذ أخيه.

فالداعية اليوم ينبغي أن يكون واعيًا مخططًا ومنفذًا، لا يترك الأرضيين يسبقونه إلى الهدف، وهو راكد في صومعته لا يحرك ساكنًا، ولا يدري ما يقال حوله.

فالدعوة اليوم تحتاج إلى الشجاع الذكي الذي ينفذ الأمر، ويُخطِّط لهذا التنفيذ.

المستقبل للإسلام:

والمتتبع لخط السورة وملابسات النزول ليدرك أن سورة يوسف – عليه السلام – تعطي الثقة للمؤمنين في مكة بأن الإسلام سوف ينتصر، فيوسف – عليه السلام – بصبره وجهاده أصبح ملكًا بعد أن ألقي في الجب، ثم أصبح مملوكًا … إلخ، فهكذا الدعاة عندما يصبرون يظفرون … ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: 90).

وبعد: 

تلك كانت خواطر من قصة داعية عاش دعوته وأعطاها نفسه، فكان الفتى المستعلي بإيمانه، وكان الملك المتواضع بملكه، وكان المظلوم الذي يعفو عند المقدرة، وبتلك الصفات تدوم النعم نعمة العلم والملك، وتلك كانت وصية أبو جعفر المنصور لابنه عندما قال له:

(أي بني استدم النعمة بالشكر والمقدرة بالعفو والطاعة بالتألف والنصر بالتواضع والرحمة للناس) ([14])وما أعظمها من وصية للداعية ... شكر على النعم وعفو عند المقدرة، وطاعة بتأليف الأرواح، ونصر بالتواضع، ثم رحمة للناس ... 

والقرآن الكريم مليء بالمواقف التي تعظ الدعاة وتعلمهم وترشدهم، وذلك كان مثالًا واحدًا من القرآن، وكثير من العظات من سورة يوسف لم أقف عليها، وكثيرة كنوز القرآن ولكن أين السندباد؟

كن أنت هذا السندباد أيها الداعية، الذي يغوص في أعماق الكتاب ليستخرج الدرر والجواهر واللآلئ ... فنحن اليوم أشد ما نكون حاجة إلى مَنْ يُقرِّبنا من كتاب ربنا ويعلمنا إياه علمًا وترجمة وسلوكًا.

و«خيركم من تعلم القرآن وعلمه».

فانطلق أيها الداعية بكتاب ربك، وأرشد الحيارى والضالين، واهدهم بهدي الله وكن كالداعية الشاعر الذي قال: 

رحلت إلى قومي لأدعو جلهم *** إلى أمر حزم أحكمته الجوامع

سأدعوهم جهدي إلى البر والتقى *** وأمر العلا ما شايعتني الأصابع( 1)

وما ألذها من رحلة إن فقهها الداعية فهي «رحلة داعية» في الدعوة بكتاب الله … 

([1]) الظلال 4/721.

([2]) الظلال 4/722.

([3]) الظلال 5/105.

([4]) المعالم/ 151

([5]) المعالم/163.

([6]) حنين إلى الفجر/39.

([7]) المعالم/164.

([8]) حنين إلى الفجر/39.

([9]) البخاري 4/24 وعيون الأخبار 1/107.

([10]) المجتمع عدد رياض المؤمنين/5 لمحمد أحمد الراشد.

([11]) الظلال 5/11.

([12]) الإحياء 1/57.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

من يصلح للإرشاد؟

نشر في العدد 71

20

الثلاثاء 03-أغسطس-1971

وجاءت سكرة الموت

نشر في العدد 400

20

الثلاثاء 20-يونيو-1978

التعليق الأسبوعي (321)

نشر في العدد 321

13

الثلاثاء 19-أكتوبر-1976