العنوان «أمينة محسب». زوجة رفضت الطلاق من زوجها المعتقل
الكاتب مريم السيد هنداوي
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008
مشاهدات 15
نشر في العدد 1800
نشر في الصفحة 40
السبت 03-مايو-2008
- قالت: لئن مت وأنا في عصمة رجل صالح أوذي في سبيل الله خير لي من الدنيا وما فيها
- لم تشعر بناتها يومًا أن أباهم غائب ولم تكن تدري متى يخرج؟
- رزقهما الله بثلاث بنات فأحسنت تربيتهن طمعًا في الجنة
لقد جمعت جماعة الإخوان المسلمين بين جنباتها شتى الأطياف والأمزجة، ومختلف الثقافات، فترى الطبيب والمحامي والقاضي، وترى الأستاذ الجامعي والأمي لا يختلفان على مبدأ ولا غاية، فقد جمعتهم فكرة واحدة، ومنهج واحد، وغاية واحدة.
وضرب الإخوان المسلمون أروع الأمثلة في الصبر والثبات على تحمل الصعاب من أجل هذه المبادئ، وتحملوا في سبيلها الكثير، غير أنهم وجدوا من النعم الربانية ما يعوضهم عن هذه السنوات العجاف التي مرت في حياتهم.
«أمينة محسب»، زوجة «الحاج سعد الجزار»، أحد الذين لم ينالوا أية فرصة للتعليم، وبالرغم من ذلك كانت مربية عملية لأقرانها وأخواتها في محيط دعوتها، وحجزت لنفسها مكانًا وسط الذين ربوا، وأصبحوا نموذجًا طيبًا للتربية العملية.
نشأتها
في أسرة متوسطة الحال، ولأب كان يمتلك مركبًا يعمل به في نقل البضاعة في نهر النيل ولدت هذه الطفلة في 9 يناير ١٩٣٣م، في حي «طرة البلد» الحي المجاور لحي «المعادي» الراقي، ولم تكن الوحيدة لهذا الأب المكافح، بل كان لها أختان أخريان، عمل الأب والأم على تربيتهن تربية طيبة، غير أن ضيق ذات اليد منعه من إلحاقهن بالتعليم، لكنهن تربين على حفظ كتاب الله والتربية المستقيمة.
زواج مبارك
عم البشر منزلهم عندما سارع ابن عمتهم بطلب الزواج من إحدى البنات، وكانت أختها الكبرى، وكان هذا الزوج محل إعجاب الجميع؛ لأدبه وحسن خلقه ورجولته وتحمله المسؤولية فقد كان يعمل نجارًا، هذا الزوج هو «سعد زكى محمود الجزار»: من مواليد طرة، في ١٢ أبريل ١٩٢٥م، ولد في أسرة كان الوالد فيها من محبي «مصطفى كامل» و «محمد فريد» وبعد عام ۱۹۳۹م التحق بسلاح الإشارة، وعمل في ورشة، وظل في هذه المهنة حتى كبرت سنه وتركها، انضم للإخوان المسلمين عام ١٩٤٢م بشعبة المعادي ثم تعاون مع إخوانه في تكوين شعبة في طرة البلد، وانضم لجوالتها، ثم التحق بالنظام الخاص وكان في كثير من الأحيان حارسًا للمركز العام، ثم أصبح نائبًا لشعبة «طرة» ومسؤولًا عن النظام الخاص فيها، حيث دخله على يد المهندس «السيد فايز عبد المطلب»، وكان ممن وكل له جمع المال أثناء حرب فلسطين، وفي ٣٠ أكتوبر ١٩٥٤م اعتقل أثناء سيره في حي «الموسكي» وذهبوا به إلى سجن مصر، ثم إلى مجلس قيادة الثورة وكان التعذيب شديدًا، وكان قائمًا على التعذيب بعض ضباط الثورة أمثال: علي صبري، والدسوقي الششتاوي، وعلى شفيق، ومحمد عبد الرحمن نصير، ثم ذهبوا به إلى القلعة، وحكم عليه بعشر سنوات قضى تسعًا منها في سجن الواحات وعامًا قضاه في «سجن أسيوط» قبل الخروج عام ١٩٦٤م.
أعيد اعتقاله في 11/8/1965م وذهبوا به إلى «سجن القلعة»، ثم رحل إلى معتقل طرة حتى خرج في 28/11/1970م.
عم البشر داخل البيت وتم زفاف أختها لزوجها «سعد الجزار» عام ١٩٤٥م غير أنه لم يكد يمر عامان ونصف حتى توفاها الله، فسارع -كما يقول- إلى طلب الزواج من أختها «أمينة» وهي التي كان يريد الارتباط بها منذ البداية، غير أن العرف كان لا يسمح بزواج الصغرى قبل الكبرى، وتم الزفاف في عام ١٩٤٨م، ورزقهما الله ثلاث بنات أحسنت تربيتهن طمعًا في حديث رسول الله ﷺ: «مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتِ فَأَدْبَهُنَّ وَزَوْجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الجنَّة» (سنن أبي داود 13/359)، فقد ولدت لهما «وداد» في ٣ مارس ١٩٥٢م، و «سمية»، في ٢٥ أبريل ١٩٥٥م، بعد اعتقال والدها -و «أسماء» في ٢٣ يوليو ١٩٦٥م. ومن المواقف التربوية أنه بعد خروجه من المعتقل «عام ۱۹۷۱م» أخذ يسرف في الإنفاق على زوجته وبناته، وعندما سئل، قال: لعلي أعوضهن بعضًا من الحرمان الذي لاقينه، حيث كانوا يعتمدون على ملابس خالتهن وأقربائهن(1).
بين صفوف المؤمنات
تعرف الزوج على دعوة الإخوان عام ١٩٣٤م، وأصبح جنديًا فعالًا للدعوة منذ عام ١٩٤٢م، وعندما تزوج من زوجته كانت تعرف أنه من جماعة الإخوان المسلمين، ولم تمانع في ذلك، ولم تتردد في الارتباط به لكونه نموذجًا صالحًا لهذه الدعوة في أخلاقه، ولم تشأ أن تحرم نفسها من هذا الخير سواء بالانضمام إلى دعوة الإخوان أو العمل من أجل دينها ودعوتها بأية وسيلة يرضاها الله، غير أنها ارتضت أن تكون جنديًا في دعوة الإخوان المسلمين -رغم أميتها- وشاركت زوجها في المواقف الصعبة التي مرت بها الدعوة، فعندما قام البوليس السياسي -عام ١٩٤٨م، بعد حل الجماعة- بتفتيش بيتها، وهي لا تزال عروسًا لم تأبه بما يحدث، بل ضربت مثالًا طيبًا في الثبات عندما اعتقل عم الزوج الأستاذ: «يوسف محمود الجزار» من بيتها وبقي في السجن عامين فكانت نعم الراعية لأهل بيته .
كما كانت تتعقد في بيتها اللقاءات المتعددة من بينها لقاء مكتب الشعبة وأسرة زوجها التربوية ولقاءات النظام الخاص، فكانت تقوم على رعايتهم وخدمتهم وتقول: «لعل الله يغفر لي بخدمتي لهؤلاء الصالحين» (2).
بين محنة زوجها ومحنتها
المحن سنة من سنن الله في الكون ليمحص بها المؤمنين، ولا تفرق المحنة بين عالم وأمي: بل إن القلب الذي يحمله كل إنسان بما فيه من إيمان مصدر الثبات في وقت المحن.
ولقد اختطف زوجها من بين أحضانها وأحضان ابنتها الصغيرة، وذهب -وجاءت الصغيرة سمية فلم تجده- فما جزعت لكنها بقلبها المملوء بالإيمان احتسبت كل ذلك عند الله العلي القدير، وبالرغم من غياب الزوج إلا أنها لم تشعر بناتها يومًا أنه غائب -بالرغم من كونها لا تدري متى يخرج في ظل حكم عبد الناصر- لكنها وعت حديث رسول الله ﷺ: فأحسنت تربية بناتها وأخذت تجاهد فيهن، كما أنها لم تنس الزوج الغائب، فكانت تتكبد المشاق لزيارته في الواحات والتي كانت تقطع الطريق في يومين ذهابًا ومثلهما إيابًا، وبالرغم من انقطاع مورد الرزق عنهم، حيث كان الزوج يتكسب من مهنة النجارة إلا أنها استطاعت أن تمر من هذه المحنة بحنكتها، ولم تشعر الزوج أثناء الزيارة والتي تمت بعد ثماني سنوات أنهن يحتجن شيئًا بل ذهبت وهي محملة بالخيرات له ولإخوانه: لكنها كانت تشكو لزوجها منعهم لها من زيارته فتلطف بها، وحكى لها موقفًا طريفًا ليسري عنها فقد كان من عادته أن يضع قدمًا فوق الأخرى، ويأخذ راحته في الجلسة، وكان يقول لهم: «إخواني نحن سنقضي عشر سنوات مع بعضنا، فلا أستطيع أن أجلس مؤدبًا فضحكوا وقالوا: خذ راحتك، غير أنه كان يستحيي من واحد أن يجلس أمامه هكذا، وهو الأستاذ «عمر التلمساني»، فعندما كان يدخل عليهم الخيمة كان يهب واقفًا.
وبعدما عادت من زيارته لم يساورها الشك في المنهج الذي سار عليه زوجها بل ازدادت تعلقًا وحبًا وتصميمًا على السير قدمًا في دعوة الله، فأخذت تربي بناتها على منهج أبيهن وترسم لهن الواجب المنوط بهن في مثل هذه الظروف، كما أنها أحسنت إلى أم زوجها -التي عز عليها فراقه وماتت دون أن تراه وهو في السجن- وكانت تقوم بمراسلة زوجها في «الواحات» وتطلب منه أن يرسل صورته لبناته فكان يرسلها مصحوبة بالشيكولاتة.
لقد تركت تربية أمها لها أثرًا فيها، حيث كانت والدتها إحدى الأخوات، وكانت تصطحبها قبل الزواج وبعد الزواج من سعد لسماع درس الأخ «محمود سعيد» فتركت فيها أثرًا عظيمًا للصبر على هذه المحن، ومن المواقف العظيمة التي تسجلها لها صفحات التاريخ موقفها عندما انقطع عن زوجها خطاباتها لمدة ثمانية شهور فظن أنها قد ضجرت من الوضع، كما ظن أنها تريد الانفصال عنه؛ لأنها لا ترى مصيره، فسارع وأرسل لها يخيرها في الانفصال وأنه لا حرج عليها في ذلك فردت عليه ردًا شديدًا أعاد للأذهان صور نساء الصحابة، فقالت له: «لا تفكر في هذا الموضوع ولا تتسرع في إصدار حكم، فإذا لم أقف معك كزوجة وقفت معك كأخت» فكانت هذه الكلمات بردًا وسلامًا على قلبه وعاملًا قويًا في عدم تأييده لعبد الناصر.
ومن مواقفها التي تعرضت لها -كما تعرضت لها كل أخت من الأخوات- أنه كان لها بعض الأقارب في المباحث فأخذ يستدعيها ويخبرها أنه لا رجاء في خروج سعد خاصة أن «عبد الناصر» أصدر قرارًا باعتقال كل من تنتهي مدة حبسه، ولم يكن ذلك الألم فحسب بل اجتمع عليها أقاربها يخبرونها: بأنك ما زلت صغيرة والحياة أمامك فاطلبي الطلاق من سعد، ولا حرج عليك فكان ردها صاعقة عليهم حينما قالت لهم: «لئن مت وأنا على ذلك في عصمة رجل صالح أوذي في سبيل الله خير لي من الدنيا وما فيها».
غير أن الله خيب رجاءهم وخرج الزوج بعد قضاء عشر سنوات في ٣٠ أكتوبر ١٩٦٤م لينعم مع زوجته وأولاده بالحياة ويرزقهما الله بالبنت الثالثة، غير أن الأقدار كانت تخبئ لها الكثير فلم يكد يمر عام على خروج زوجها حتى أصدر عبد الناصر قرارًا باعتقال كل من سبق اعتقاله دون جريرة، واقتحمت المباحث العامة منزله المتواضع في ١١ أغسطس ١٩٦٥م واختطفته إلى «سجن القلعة» حيث التعذيب الرهيب، غير أن المفاجأة الكبرى هي اعتقالها أيضًا بعد زوجها بقليل. ففي ٦ سبتمبر ١٩٦٥م وجدت رجال المباحث يطرقون أبوابها بشدة فاحتضنت بناتها فقاموا بكسر الباب، وانتزعوها من وسط بناتها بالقوة إلى مصير مجهول وتهمة غامضة، وذهبت وقلبها يتفطر حزنًا على بناتها اللاتي تركتهن دون راعِ فالوالد معتقل، والأم ها هي قد اعتقلت وأم الزوج ماتت، فرفعت أكف الضراعة إلى الله أن يحفظ بناتها، واستجاب الله دعاءها.
سيقت إلى سجن القناطر لتعيش أيامًا صعابًا مع كثير من أخواتها أمثال الحاجة «نعيمة خطاب»، و «آمال العشماوي». و «فاطمة عبد الهادي» وغيرهن الكثيرات من الحرائر، وكانت تهمتها -كما اعترف علي عشماوي- أنها كانت تذهب مع زوجها لبيت «عشيري عبد السلام»، غير أنه تبين للمباحث بعد ستة أشهر أن سعد الجزار وزوجته اللذين كانا يزوران «عشيري» لم يكونا «سعد الجزار والحاجة أمينة»، بل كانا الأخ سعد عمار وزوجته، وكان يعمل جزارًا، فالتبس على «علي عشماوي» الأمر، غير أن قدر الله كان قد نفذ، واعتقلت بعد ولادة ابنتها أسماء بأربعة وأربعين يومًا، وعندما جاءت المباحث لتأخذها أرادت والدتها أن تستبقي البنت معها، فقالت لها: «اتركيها معي لعلها تخفف عني التعذيب بعض الشيء».
وفي سجن القناطر اجتمعت عليها الهموم، هم الزوج المعتقل، والتي لا تعرف عنه شيئًا وما يحدث له، وهم أولادها الصغار في الخارج، وهم اعتقالها، وهم طفلتها التي تحتاج إلى حسن رعاية، ولا يتوافر ذلك في سجون عبد الناصر، غير أنها تذكرت ربها فأيقنت أنها على حق وأن الله لن يخيب رجاءها، وجاء الفرج عندما وجدت بعض الرعاية هي وطفلتها من أخواتها المعتقلات معها، كما اعتنت بها إدارة السجن هي وطفلتها بعض الشيء خاصة بعد وفاة إحدى الأخوات، والتي كانت من الصعيد، وبالرغم من أن عبد الناصر قد اعتقل ما يقرب من مائتي أخت من أخوات القاهرة والأقاليم إلا أنهن شعرن فيما بينهن بالحب والألفة، وفوتن الفرصة التي كان ينشدها عبد الناصر من اعتقالهن في الزنزانات الضيقة محاولًا إجبارهن على التبرؤ من الدعوة ورجالها وأزواجهن الثابتين على مبادئهم، غير أن ذلك لم يفلح وانطبق عليهم ما قاله الزجال سعد سرور:
الإخوان المسلمون يضربون أروع الأمثلة في الصبر والثبات علة تحمل الصعاب
محلاها والله الزنزانة
مزنوقة ولكن سايعانا
والقعدة فيها عجبانا
وقلوبنا سعيدة وفرحانة
النومة على الأبراش حلوة
وبقينا مع الله في خلوة
وكتاب الله أجمل سلوى
وآياته تنور دنيانا
كما انطبق عليهم قوله:
إخواني إخواني
دول أهلي وخلاني
أفديهم بعنيه
وحياتي ووجداني
القلب بيهواهم
مش ممكن يسلاهم
وإن غابوا عن عيني
بيحن لذكراهم
حبّوني وحبّتهم
يا حلاوة عشرتهم
أنصرهم وأحميهم
وأحفظهم في غيبتهم
الشوكة اللي تصيبهم
تتعبني وتتعبهم
والعهد اللي في قلبي
متوصل بقلوبهم (3).
وجاء الفرج بعد طول انتظار ففي أواخر فبراير ١٩٦٦م جاءها الإفراج فخرجت وما كادت تصدق أنها خرجت، خرجت وقلبها يتفطر حزنًا لفراق الأحبة التي تعرفت عليهن، وتربت على أيديهن داخل المعتقل، غير أنها ما كادت تستقر وما كاد عهد عبد الناصر ينقضي حتى هلت نسائم الحرية على كل الإخوان، فتم الإفراج عن زوجها وكثير من إخوانه في ۲۸ نوفمبر ۱۹۷۰م، ليهنئا معًا بطاعة ربهما.
نحو الهدف
ما كادت تهنأ بخروج زوجها حتى تذكرت أخواتها اللاتي كن معها في سجن القناطر فأخذت تطرق أبوابهن لتطمئن عليهن، فزارت منزل الشهيد «سيد قطب» وغيره من منازل الأخوات، وفي إطار ذلك انشغل الزوج بالورشة التي افتتحها ليعول أسرته منها وسرعان ما فتح الله عليه وأصبح من المشهورين في صنعته حتى أخذ يطلبه الناس بالاسم، وزاد الرزق.
ومن المواقف التي تذكر لها أيضًا أنه عندما كان يأتي زوجها ليخلد للراحة وقت الظهيرة كانت تجلس على نصف السلم حتى لا يصعد إليه أحد فيزعجه.
ومن مواقفها التربوية أيضًا، أنها قالت لزوجها يومًا: «أريد أن أسرق منك فلوسًا»، فقال لها: «المفتاح معك خذي ما تريدين، لكن اعملي حساب الصنايعية»، فكانت تأخذ المال وتذهب به إلى البريد وتضعه فيه حتى إذا اكتمل الألف جنيه أخذته ووضعته في «بنك فيصل»، حتى كان عام ۱۹۸۲م، عندما احتاج زوجها لسيارة، فقالت له: لا تحمل الهم، كم تريد؟ قال لها: ألفي جنيه، فقالت له: في الصباح سيكون المبلغ عندك. وفي الصباح ذهبت إلى البنك، وسحبت منه المبلغ، وسلمته لزوجها فأعجب من تصرفها، غير أنه كتب السيارة باسمها عرفانًا منه بجميلها، وفي يوم من الأيام أعلنت الشركة أن على الحاجزين أن يتجهوا ومعهم باقي المبلغ للاستلام، وكان الباقي ثلاثة آلاف جنيه، فقالت له: لا تحمل الهم، وجاءت له بالمبلغ، كما اشترت له بعض الكماليات للسيارة.
وليس ذلك فحسب، بل كانت تستخدم «وأبور جاز» فقال لها: أشتري لك بوتاجازًا؟ فقالت له وفر المال للورشة، وها نحن نعيش لا ينقصنا شيء.
وكان الزوج دائمًا ما يسرح بذهنه فقالت له ذات يوم: أتريد الولد؟ تزوج ولن ألومك يومًا فهذا حقك، فقال لها: صبرت معي كثيرًا: أفلا أصبر عليك من أجل الله.
غير أن حياتها لم تمر دون تكدير، فقد كانت مباحث أمن الدولة دائمًا ما تطرق بابها للسؤال عن زوجها ونشاطه وسط الإخوان، وظلت هي وزوجها رهن إشارة الدعوة توجههما كيفما شاءت.
وعندما ذهبنا إليهما وجدنا بيتهما متواضعًا ينم عما فيه من تواضع ونظام، وتجد حوائطه مزينة بالآيات القرآنية أو أركان البيعة، وقد احتفظا بصور الإمام الشهيد «حسن البنا»، كما تجد منهما حلو الحديث -رغم كبر سنهما- إلا أنهما لا يشعرانك أنك غريب عنهما بل تشعر أنك واحد من أسرتهما (٤).
وكان آخر مرة قبل أن يمرضا مرضًا شديدًا، ذهب الزوج لزيارة أحد المجاهدين العظام الذين شاركوا في حرب فلسطين عام ١٩٤٨م، وحرب القناة عام ١٩٥١م وصاحب عملية نسف القطار الحربي الإنجليزي المشهورة ألا وهو «الأستاذ عبد الرحمن البنان»، والتقى هناك رفيق عمره في السجن الحربي «الأستاذ محمد مهدي عاكف» -المرشد العام الحالي ورفقاءهما العظام، وسعدت الزوجة بهذه اللقاءات التي أعادت لها حيويتها (٥).
جزاها الله خير الجزاء على ما قدمت طوال عمرها في سبيل دعوتها.
الهوامش
(1،2) حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الحاج سعد الجزار، يوم 10/9/2007م
(3)سعد سرور کامل: خواطر مسجون، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، ١٩٨٥م.
(٤) حوار مع الحاج سعد الجزار.
(٥) مذكرات الأستاذ عبد الرحمن البنان، إعداد: عبده مصطفى دسوقي، «تحت الطبع».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل