العنوان إدارة الصراع وفقه المقاومة
الكاتب د. علي محمد الصلابي
تاريخ النشر السبت 24-يناير-2009
مشاهدات 9
نشر في العدد 1836
نشر في الصفحة 34
السبت 24-يناير-2009
امتلاكنا لأسلحة الردع بمختلف أنواعها يحقق لنا وضعا استراتيجيا وعسكريا مميزاً ومكانة سياسية يهابها الخصوم الطامعون والأعداء المتربصون
على قيادات الأمة وشعوبها الاهتمام بالتعبئة المعنوية.. وأن تجعل الإسلام عقيدة وهوية ومرجعية لدولنا وجيوشنا
أسباب النصر تتهيأ عندما يحدث التكامل والانسجام بين الحكام والعلماء والشعوب
«فلسطين» هي قضية المسلمين والأحرار في العالم أجمع ممن جبلوا على مقارعة الظلم والاستعمار وأعوانه وخدمه وليس الأمر. كما يظن الكثيرون . نزاعا وصراعا بين الصهاينة الغاصبين وحركة «حماس» المجاهدة؛ بل الصراع هنا بين المشاريع المتضادة في العقائد والأخلاق والقيم.. وسيستمر تفوق الأعداء علينا، والتحكم في مقدراتنا، وسلب إرادتنا وإمكاناتنا ما لم نضع أيدينا على فقه إدارة الصراع، وعناصر القوة وأسباب النصر، وعوامل التمكين وسبل هزيمة المحتل.
إن الطريق لتحرير فلسطين، ورفع المعاناة عن شعبها، والخروج من المجازر الوحشية التي تقام للفلسطينيين بين كل حين وآخر يحتاج منا إلى الأخذ بالأسباب الآتية، والتمكن منها ولو طال الزمن:
أولا : البحث عن القيادة الحكيمة
وهي المستوعبة لثقافة عصرها والمتمسكة بدينها، والمتصفة وجوبا بالصفات والأخلاق الحميدة التي لا بد منها ؛ كالعلم والشجاعة والحزم وبعد النظر، والقدرة على التخطيط والإدارة والتنظيم، وتفجير الطاقات وتوجيهها والمطلعة على حقيقة أعدائها وحقيقة قوتهم وعوامل ضعفهم.
ويتفق الناس على أهليتهم للاقتداء بهم والتأسي بأخلاقهم ومواقفهم.. لا يوالون أعداء الأمة مستوعبين لفقه المصالح والمفاسد، ومتمكنين من أصول وموازين السياسة الشرعية، يوسدون الأمر إلى أهله ولا يعملون على تصفية الطاقات وأصحاب الإمكانات؛ بل يحرصون عليهم وينزلونهم منازلهم.
ثانياً : قوانين الجغرافية العسكرية
هناك قوانين جغرافية خضعت لها هذه الأمة في تحرير بيت المقدس، ولا يمكن للشعب الفلسطيني وحده التصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من «أمريكا»، و«أوروبا» وإنما يكون ذلك من خلال الوحدة السياسية والفكرية والعقدية والعسكرية والثقافية بين «مصر»، و«الشام»، و«العراق»، والأمة من خلفهم، ولتحقيق هذا المقصد نحتاج إلى جهد عظيم من العلماء والمفكرين والساسة والأدباء والشعراء، ورجال الأموال المخلصين لأمتهم.. فالقائد «صلاح الدين الأيوبي» لم يستطع تحرير بيت المقدس إلا بعد أن فهم واستوعب واستفاد من قوانين الجغرافية العسكرية للأرض، وقد سبق العمل على هذا المنوال والاستفادة منه وتسخيره عقودا من الزمن امتدت من عهد «نظام الملك» الوزير الكبير في دولة السلاجقة، وأتت تلك الجهود ثمارها بعد ما يقرب من مائة سنة.
ثالثاً : إعداد الجيش القوي المجاهد:
وخصوصاً في «مصر»، و«الشام» و«تركيا»، و«العراق»، وأن يكون هذا الجيش قد امتلك ناصية أفضل الأسلحة المتطورة في عصرنا الكيميائي منها والنووي، لنتمكن من إرساء قاعدة الردع، وأن نتحرك وفق قوانين المغالبة المكافئة لما عند خصومنا، وتجعلنا نتبوأ المكانة المرموقة اللائقة بين الأمم... وأن يحسب العدو ألف حساب وحساب قبل التفكير في مجرد الاعتداء علينا، فالإسلام دين يدعو إلى العزة والرفعة، ولا يرضى لأتباعه الذل والصغار والهوان.
ولقد حثنا ديننا على التسلح بما نستطيعه لنتمكن من مواجهة الضغوط، وأن نستوعب المتغيرات المحيطة بنا حتى يستطيع المسلمون حماية وتحرير أوطانهم من أخطار الغزو الخارجي، واختراقات الصف الداخلي الأمر الذي ينطبق على المشهد الدامي اليوم مع المحتلين الغاصبين من اليهود، والغزاة من الأمريكان والصليبيين.
إننا اليوم نرى الطيران الصهيوني يستبيح «غزة»، ويقذفها بالصواريخ والحمم والقنابل فتدمر البيوت والمساجد على أهلها وتقتل الشيوخ والنساء والأطفال والجرحى بالآلاف.. وأمة المليار لا تستطيع أن تصنع صاروخاً لإيقاف هذه الغارات الظالمة الأئمة.
وهناك شعوب إسلامية عدة تدمر وتباد وتعاني من هذا الإجرام الدولي، ولا ناصر ولا معين إلا الله سبحانه، ثم سعينا الدؤوب للحصول على صواريخ تسقط هذه الطائرات الفاجرة الظالمة التي لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
فعلى العلماء والمفكرين والمثقفين تقع المسؤولية بأن يضيفوا لخطاب الممانعة والمقاومة تقرير حقنا في الحصول على الأسلحة الرادعة، وحث أصحاب القدرات والإمكانات من مهندسين ومخترعين لإيجاد هذه التقنية المهمة في صراعنا .. فامتلاكنا الأسلحة الردع بمختلف أشكالها وأنواعها يحقق لنا وضعاً استراتيجيا وعسكرياً مميزاً، ومكانة سياسية يهابها الخصوم والأعداء المتربصون الطامعون.
رابعاً: إحياء روح الجهاد في الأمة:
على زعماء الأمة وشعوبها أن تهتم بالتعبئة المعنوية؛ فتجعل الإسلام عقيدة وهوية ومرجعية لدولنا وجيوشنا، وتهتم بفقه الجهاد والحث عليه والترغيب فيه، وشحن النفوس بمقارعة ومقاومة العدو.. والعقيدة القتالية هي زاد وعدة كل جيش مقاتل، فلا ينتصر جيش بدون معنويات.
ولهذا، على الزعماء والعلماء والمفكرين أن يسعوا إلى زيادة هذه القوة ورفعها، وأن يكون الخطاب الإيماني العقدي مقدما على غيره في هذه المصادمات مع المشاريع الغازية... ففي معركة «عين جالوت» نادي «سيف الدين قطر» بأعلى صوته «وا إسلاماه!»، فاجتمع له شتات الجيش بفئاته المختلفة؛ ذلك أن هذا النداء العقدي أجج في نفوس القادة والجنود كل إمكانيات المقاتل المؤمن، وجعله يقدم نفسه طائعاً ملبياً مضحياً فدائياً باسلا .. وعلى هذا النداء قاتل الجيش قتال رجل واحد فانتصروا على أكبر قوة في تلك الحقبة.
خامساً : عبقرية التخطيط
فالمعارك الفاصلة في تاريخ الأمم والشعوب تحتاج إلى قادة من طراز خاص لهم القدرة على التخطيط والتنفيذ ومعرفة قوانين الحروب والمبادئ المهمة التي تقوم بدورها في بلوغ النصر وتحقيقه .. مما يتطلب وضوح الرؤية والأهداف الإستراتيجية وتجميع وحشد الجيوش على الاتجاهات الصحيحة لحسم المعركة، والضغط على الأعداء نفسيا ومعنويا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وتحقيق الضربات المفاجئة للخصوم، والسرعة الفائقة في الأعمال القتالية، والقدرة على جمع المعلومات من خلال مؤسسة استخبارات أمنية قوية تخترق صفوف الخصوم والأعداء وتحمي السياج الداخلي للشعوب والدول؛ بحيث تشل وتعرقل حركة الطابور الخامس.
سادساً : بعد النظر السياسي:
بالحرص على وحدة الصف الداخلي وفتح مجالس الشورى في المجالات المتعددة لأهل الاختصاص، وتقديم رؤية مشتركة في كيفية المقاومة وجمع الكلمة على منازلة العدو والتصدي للغزاة، وتحرير البلدان المحتلة، ومعالجة مشكلات الشعوب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحرص على الانسجام بين القيادات وشعوبها ... والعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال القيادة الرشيدة المؤمنة، والدعم الشعبي غير المحدود، واستيعاب الطاقات من خلال المؤسسات الأهلية والشعبية والحكومية والعمل على تحييد واستيعاب بعض الخصوم وإيجاد التحالفات الدولية والإقليمية واجتناب فتح أكثر من جبهة قتال في آن واحد واستيعاب فقه المصالح والموازنات، ودفع المفاسد والترجيحات وفك الاشتباك بين السياسة الشرعية والمسائل العقدية، وجعل جميع الخيارات مفتوحة كالخيار العسكري أو السياسي أو الاقتصادي.
سابعاً : تفعيل دور العلماء:
إن تاريخ أمتنا يسلط الضوء على حقيقة مهمة أصيلة؛ تتمثل في التنبيه على أهمية دور العلماء في إحياء حركات المقاومة، وتنشيط الجهود لنهوض وبناء الشعوب والدول..
ففقهاء النهوض في الأمة(وهم ليسوا كالفقهاء التقليديين) لهم دور خاص؛ يتميز بخوضهم وتعرضهم المسائل الشأن العام وتحملهم المسؤوليات البيان والتوجيه، والتعبئة والتحريض، وتقديم نماذج البذل والتضحية والعطاء والفداء.
وقد كان الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام أنموذجا رائعا لهذا الصنف من فقهاء النهوض، وكان قريبا محبا له سيف الدين قطر بطل «عين جالوت»، وقائدها المظفر ... وقد تأثر «قطز» بتوجيهات الإمام «العز» والتزم أمره، واستفاد من عزيمته في الحق وقوته في الدين واستعلائه بالإيمان؛ فأخذ بفتواه الشهيرة المتعلقة بمصادر التمويل اللازم الإعداد ما يلزم للحرب والمواجهة، ومتى يجوز أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداء.
وهكذا، تتهيأ أسباب النصر عندما يحدث التكامل والانسجام بين الحكام والعلماء فتقوى جبهة المقاومة، وتنهض حركة التحرير وتتحقق آمال الأمة بدفع شرور الأعداء.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
معادلة جديدة مقترحة للعمل الفلسطيني.. ضرورة الاحتفاظ بالرؤية الواضحة في أصعب الظروف
نشر في العدد 189
18
الثلاثاء 26-فبراير-1974