العنوان «دافوس شرم الشيخ»
الكاتب محمد جمال عرفة
تاريخ النشر السبت 03-يونيو-2006
مشاهدات 36
نشر في العدد 1704
نشر في الصفحة 24
السبت 03-يونيو-2006
وحّد المواقف لاستبعاد الإسلاميين من العملية «الديمقراطية»!
واشنطن أعطت «الضوء الأخضر» بإبطاء خطوات الإصلاحات
الأمريكيون اقتنعوا بوجهة النظر المصرية بتحجيم الإصلاحات.. وإبعاد التيارات الإسلامية وإقرار الكونجرس للمعونة دون نقصان.. يصبان في هذا الاتجاه.
رئيس وزراء مصر أكد سعي الحكومة لمنع الإخوان المسلمين مستقبلًا من تكرار تشکیل كتلة برلمانية.
مثلما جرت العادة أن تتحول مؤتمرات دافوس العالمية إلى مؤتمرات سياسية لا اقتصادية، باعتبار أن حل النزاعات السياسية أمر مهم لتسيير عجلة الاقتصاد والاستثمار، فقد تغلبت السياسة بقوة على الاقتصاد في مؤتمر دافوس الأخير الذي أنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية ليتحول المؤتمر إلى مناقشة قضايا السلام والتطور الديمقراطي ومشاكل صعود أسهم الإسلاميين سياسيًا فضلًا عن الحوار العربي الأوروبي.
والجديد في دافوس شرم الشيخ هذا العام، أن الشهادات والتصريحات والمؤشرات العامة الصادرة عن العديد من المسؤولين السياسيين، خصوصًا المصريين والأمريكيين كانت تشير ضمنًا إلى أنه تم التصديق على إبعاد الإسلاميين من العملية السياسية، وأن هناك ضوءًا أمريكيًا أخضر بإبطاء خطوات الإصلاحات العربية لحين التوصل لحل لمشكلة صعود الإسلاميين على سُلّم هذه الإصلاحات.
ولأن قضايا الإسلاميين، وضمنها مسألة فوز حماس بالحكم ورفضها الاعتراف بالكيان الصهيوني، فضلًا عن التوتر في العراق، والنووي الإيراني، كلها أمور يمكن أن تؤثر على حركة الاستثمارات الأجنبية في المنطقة ذات الأهمية النفطية والاستراتيجية، فقد كان من الطبيعي أن تتطرق العديد من جلسات النقاش الجانبية لبحث هذه الأمور ورسم معالم لكيفية التغلب على مثل هذه المشكلات حتى طفت على المناقشات الاقتصادية والصفقات التي تمت في هدوء، وتم تخصيص عدد كبير من الجلسات لمناقشة قضايا سياسية، وحتى الندوات الاقتصادية المباشرة لم تخل هي الأخرى من السياسة.
الإسلاميون والمؤتمر
كان من الواضح منذ بداية المؤتمر أن «بعبع» الإسلاميين هو العنصر الأكثر إزعاجًا لغالبية المشاركين سواء كان على مستوى الحكومات أو الدول الأجنبية أو الوفد الصهيوني الضخم الذي حضر المؤتمر وضم وزراء ورجال أعمال ووفودًا شبابية، ولم تخل مناقشة القضايا الإقليمية خصوصًا فلسطين والعراق، ولا قضايا الإصلاح العربي -لاسيما في مصر- من مناقشة ذات المشكلة.
وإذا كانت هذه القرعة قد ظهرت منذ افتتاح المؤتمر في كلمة الرئيس المصري مبارك الذي تحدث عن تدرج الإصلاح، وربط ضمنًا بين صعود أسهم الإسلاميين وبين «الفوضى»، ثم ظهرت أكثر في تصريحات رئيس وزراء مصر عن سعي الحكومة لمنع الإخوان المسلمين مستقبلًا من تكرار تشكيل كتلة برلمانية، وتأكيده أن مصر «علمانية» فقد أستمرت هذه الفزعة مسيطرة على مناقشات المؤتمر السياسية والاقتصادية بشأن فلسطين والعراق وتنشيط الاستثمار!
أيضًا لم تخل تصريحات المسؤولين الصهاينة والأمريكان من التفزيع والتخويف من خطر حكومة حماس الإسلامية، ومن إظهار القلق من «الأصوليين الإسلاميين» حينما عبروا عن قلق بلادهم من نمو نشاط الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية في مصر والشرق الأوسط، وظهر هذا الموقف بصورة أكثر وضوحًا حينما لم تعلق واشنطن على قول مصادر رسمية إن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعرب عن ذلك القلق لرئيس الوزراء المصري أحمد نظيف أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن.
وفي هذا السياق أيضًا بدا واضحًا أن اللقاءات التي جرت بين الحكومة المصرية ووفد من أعضاء الكونجرس من أعضاء لجان المساعدات الخارجية استهدفت بحث فكرة تخفيض المعونة الأمريكية لمصر، وأنها انتهت لاقتناع هؤلاء المسؤولين بوجهة النظر المصرية الرسمية -بعد وجهة نظر إدارة بوش- بأهمية المصالح المتبادلة بين الطرفين والاقتناع -بالتالي- بوجهة النظر المصرية بشأن تحجيم الإصلاحات أو ترشيدها وإبعاد التيارات الدينية عنها بدليل إقرار الكونجرس لاحقًا للمعونة كما هي دون نقصان بسبب أهمية مصر كـ «حليف قوي للولايات المتحدة»..
وقد سعى بعض رجال الأعمال للسير في ركاب التحذير من هذه الفزعة، منهم رجل الأعمال القبطي المصري نجيب ساويرس أحد اشهر أثرياء الشرق الأوسط في موسوعة «فوربس» الذي أستفاض في الحديث عن حركة حماس الإرهابية، فانبرى له عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية ليذكره هو والجميع بالإرهاب الذي يمارسه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين والذي وصل ذروته أخيرًا بخنقهم اقتصاديا، مما يهدد بمأساة إنسانية في الأراضي الفلسطينية، ونالت كلمات عمرو موسى تصفيق الحاضرين.
ويبدو أن هذا التوجه الغريب الرامي الحرمان وإقصاء التيار الإسلامي في الدول العربية والإسلامية عن اللعبة السياسية، دفع بعض المسؤولين في دول إسلامية متقدمة للتحذير من هذا الخطأ، فرئيس وزراء ماليزيا عبد الله بدوي طالب «بألا يقتصر الحوار على الخارج فقط وإنما يتعين أن يبدأ أولًا بالداخل، بحيث لا يتم تهميش أي مجموعة أو فئة ويتم دعوة للجميع حتى الذين لا يطلبونه، وأن يكفل الاحترام المتبادل للمشاركين فيه».
كما حدر رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا من إقصاء حماس وحصارها والضغط عليها، لأنها منتخبة من قبل الشعب الفلسطيني، وأعتبر أن السعي في مثل هذه المخططات الغربية التي تستهدف خنق الفلسطينيين اقتصاديا وعقابهم على قيامهم بحق الانتخاب الحر سيؤدي ضمنًا لانتشار الكراهية بين الفلسطينيين عمومًا وتنتج عنه أخطار أكبر.
بين الشرق والغرب
أيضًا شهدت مناقشات المؤتمر مناوشات سياسية بين الشرق والغرب عمومًا، وبين مسؤولين عرب ومسؤولين أمريكان خصوصًا. إذ شهدت كواليس المؤتمر مناوشات كلامية بين بعض المسؤولين العرب والأمريكان حول الحصار الغربي على الفلسطينيين وتأثيره على «كراهية» الفلسطينيين للغرب وتحولهم للعنف ضد محاصريهم، كما شهدت أشكالًا من التوبيخ من مسؤولين عرب المسؤولين أوروبيين بسبب أزمات الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول محمد ﷺ، في ظل غياب رئيس الوزراء الدانماركي المتعمد؛ خشية توبيخه ومطالبته بالاعتذار.
كما شهدت الكواليس حضورًا قويًا من جانب شخصيات سياسية وصناعية إسرائيلية ووفد شبابي إسرائيلي قبل إنه يسعى لخلق قنوات اتصال وفتح آفاق التواصل بين العرب والإسرائيليين.
وكانت جلسة الحوار بين الأمين العام الجامعة الدول العربية عمرو موسى ومساعد وزيرة الخارجية الأمريكي روبرت زوليك على هامش المنتدى الاقتصادي بشرم الشيخ أشبه بمناظرة ساخنة حول سياسة الولايات المتحدة بالمنطقة، والازدواجية التي تتعامل بها مع الملفات الفلسطينية والعراقية والإيرانية، وصفها صحفيون حضروا المقابلة بأنها صفعة للموقف الأمريكي!.
فقد قال موسي في الجلسة: إنه آن الأوان لكي تعيد أمريكا النظر في سياستها تجاه الفلسطينيين؛ خاصة وأن الأغلبية تعلم أن صنع السلام مازال في يد الولايات المتحدة؛ إلا أن انحيازها المستمر للجانب الإسرائيلي على حساب الشعب الفلسطيني يحول دون تحقيق السلام العادل والشامل.
وعندما قال زوليك إن هناك تطورات إيجابية في العراق -لدرجة أن بعض الدول «يقصد العربية» ربما تحسد العراقيين الآن-! رد عمرو موسى قائلًا بأنه لم يقابل أحدًا يحسد العراقيين على حالهم، وأن النزاعات الطائفية لم تظهر بين الطوائف والعرقيات في العراق إلا بعد التدخل الأمريكي، وأن هناك «قوى شيطانية» تعمل على استمرار هذه النزاعات.
وكانت الطرفة الكبرى حينما تساءل موسى عن عدم تعامل الولايات المتحدة مع الملف النووي الإسرائيلي بنفس معايير تعاملها مع الملف النووي الإيراني، ورد زوليك بغرابة قائلًا إنه لا يعلم شيئًا عن وجود ملف نووي إسرائيلي لأنه غير معلن مما أثار سخرية الحاضرين الذين ضحكوا بشدة وصفقوا وهمهموا استنكارا، كأن أمريكا آخر من يعلم بالبرنامج النووي الصهيوني!
وحظيت قضية التوتر المتصاعد بين الغرب والعالم الإسلامي بمناقشات واسعة، وبرر مسؤولون غربيون الأزمة بأن المنطقة العربية غير مفهومة من دول عدة في العالم الغربي، وهذا ما سبب المشكلة، مما يدفع إلى ضرورة إيجاد آلية للتوصل لتفاهم متبادل في دافوس، ولكن هذا لم يمنع موسى من القول إن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت فعلًا ظاهرة الصدام بين الحضارات، وأن الصدام قائم بين الأجنحة المتطرفة على الجانبين.
دافوس شرم الشيخ قرب -بالتالي- بين المواقف الغربية والصهيونية المتخوفة من صعود أسهم الإسلاميين في المنطقة العربية، وتأثيرهم على مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية هناك، وبين مواقف الأنظمة العربية الرافضة لأي إصلاح يأتي بالتيارات الإسلامية للحكم أو يقربها من المؤسسات التشريعية.
والجديد الذي يمكن رصده أن المؤتمر يكاد أن يكون قد صدق على استبعاد وإقصاء الإسلاميين من أي عملية سياسية مستقبلية، ووضع العراقيل المختلفة، لمنعهم مستقبلًا من تحقيق أي فوز كبير في أي انتخابات مقبلة!.