; إصلاح جامعة الدول العربية.. يحتاج لحلول جذرية | مجلة المجتمع

العنوان إصلاح جامعة الدول العربية.. يحتاج لحلول جذرية

الكاتب نبيل شبيب

تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004

مشاهدات 16

نشر في العدد 1590

نشر في الصفحة 24

السبت 28-فبراير-2004

 يلفت النظر فارق «التسمية» بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، وتظهر دلالاته على أرض الواقع العملي، فالاتحاد الأوروبي منظمة إقليمية، لا تنقطع فيها الجهود المشتركة والانفرادية لتطوير سياساتها، وتعديل قوانينها وتنمية علاقاتها البينية لتكون المنظمة متجانسة فعالة، رغم الفوارق اللغوية والقومية وأعباء التاريخ الثقيلة، وتناقض المصالح القطرية.. وجامعة الدول العربية – وليس الجامعة العربية أو الاتحاد العربي- لم تشهد عبر عشرات السنين الماضية على  إنشائها، جهودًا حقيقية لتنسيق سياسات دولها على المدى المتوسط والبعيد، فضلًا عن توحيد تلك السياسات، كما لا يتوقف تعديل قوانينها القطرية ولكن بما يزيد التباعد ويقيم مزيدًا من الحواجز في وجه التقارب والتجانس.

جوهر الإصلاح المطلوب

 والحديث عن إصلاح جامعة الدول العربية قديم متجدد، ولكن يبقى فارغ المضمون، ما دامت خطوات الإصلاح الفعلية بعيدة عن جوهر المشكلة، أو عندما تبدو وكأنها من قبيل الحملة الدعائية لتجميل صورة مشوهة، والتغطية على واقع مؤلم، ويرفع هذا العنوان هذه الأيام مجددًا وكأنه أتي تحت ضغط تفاقم الأخطار الخارجية ووصول نتائجها إلى أكثر من «قطعة» من الجسد العربي الممزق، وقد تتكرر بذلك محاولات سابقة معروفة منذ قمة الخرطوم للعلمة نتائج ما أسموه «نكسة» 1967م، أو قمة فاس عام 1982م لجمع الدول العربية على طريق كامب ديفيد باتجاه مدريد أو قمة القاهرة عام 2001م لامتصاص الغضب فيما أسموه «الشارع العربي»، تهوينًا من شأنه ومن شأن تأثير الانتفاضة الفلسطينية على الشعوب، وقد كان التلاقي العربي في كل مرة ظاهريًا، لا يمس جوهر أسباب التمزق القائم، ولا يتجاوز حدود بيان سياسي بعبارات إنشائية ينتهي مفعولها بانتهاء إعلانها عبر وسائل الإعلام لامتصاص الغضب المتزايد على المستوى الشعبي عامًا بعد عام.. وعقدًا بعد عقد.

هل يوجد في محاولة الإصلاح الجديدة لجامعة الدول العربية ما يسمح بالأمل في ألا يتكرر الإخفاق مجددًا، وألا تضاف حقنة غضب شعبي جديدة؟ 

إننا لا نواجه في جامعة الدول العربية مشكلة واحدة متعددة الوجوه بدءًا بالبنية الهيكلية مرورًا بنظام التصويت وانتهاءً بالتمويل، بل نواجه مشكلات مزمنة قائمة منذ تأسيس الجامعة، هي بحد ذاتها مشكلات الدول الأعضاء فيها التي ارتفع عددها من 6 إلى 22 دولة.

ولئن وجدت معالم مشتركة بين الدول العربية فمما يثير الأسى أنها على الصعيد السلبي، ففي معظمها - بدرجات متفاوتة- احتكار صناعة القرارات المصيرية وكبت الحريات، واضطهاد المعارضة، بل نجد في كثير منها ترسيخ لغة المحاكمات الصورية والاعتقالات العشوائية مكان الأمن والحوار والتعددية، هذا فضلًا عن الإخفاق في حمل المسؤولية الملقاة على عائق الحكومات عادة في ميادين البحث العلمي، والبناء الاقتصادي، والاكتفاء الذاتي على صعيد الضرورات المعيشية من ماء وغذاء ودواء.

الإرادة الشعبية المغيّبة

إن الفصام النكد القائم بين غالبية الحكومات والشعوب يأتي في مقدمة أسباب العجز عن تطوير، كل دولة على حدة داخليًا، وعلى مستوى التقارب والتعاون مع الدول الأخرى عربيًا، فضلًا عن أن تكون لهذه الدول منفردة ومجتمعة كلمة مسموعة، ليس على المستوى الدولي العام، ولكن حتى على صعيد القضايا الأساسية في المنطقة العربية التي باتت تتصرف بها القوى الدولية المهيمنة دون مجرد الاستشارة مع أنظمة الحكم القائمة. 

من أراد أن يصلح جامعة الدول العربية  إصلاحًا حقيقيًا، فلا بد أن يبدأ الإصلاح على مستوى العلاقة بين الحكام والشعوب، وبين التيارات القائمة داخل كل دولة على حدة، مع رفع المصلحة المشتركة فوق المطامع الأنانية الذاتية غير المشروعة.

ومن المستحيل تحقيق أمن عربي مشترك ما دام الأمن للمواطن الفرد مفتقدًا في معظم البلدان العربية، سواء عن طريق فرض حالة الطوارئ المزمنة أو عن طريق فرض أنظمة تختلف بمضامينها كثيرًا عما بات يصنع باسم حالة الطوارئ.

لن تكون جامعة الدول العربي منظمة إقليمية لدول ذات سيادة وإرادة سياسية على المستوى العالمي، ما لم تكن السيادة للشعب في كل دولة على حدة، وما لم ترتفع هذه الدول بنفسها إلى مستوى مسؤولياتها التاريخية الراهنة الكبرى لتكون «دولًا» بمعنى الكلمة، من خلال تبديل الدساتير الشاذة بدساتير معتبرة، والقوانين الجائرة بقوانين عادلة، وأجهزة الحكم الاستبدادية وهياكلها المصطنعة بأجهزة حكم تقوم على الانتخابات والاستفتاءات الحرة النزيهة وعلى أساس فصل السلطات وتعدد الاتجاهات وتداول السلطة وفق إرادة الشعوب، وضمان سيادة القضاء واستقلاله وحريات الفرد وحقوقه.

 وباستطاعة الدول العربية بدء الإصلاح بالبنية الأساسية للعلاقات البينية، لا سيما في المجالات التي لا تعتبر الخلافات السياسية عقبة حقيقية في وجه تنفيذها، بدءًا بتوحيد أنظمة التعليم والتربية بعيدًا عن حملة التشكيك الغوغائية فيما نستمده من مقومات وجوده العقدي والحضاري، مرورًا بخطوط المواصلات وفتح الحدود، وانتهاءً بمضاعفة حجم التبادل التجاري والتنسيق بين المشاريع الزراعية والاقتصادية لتحقيق اكتفاء ذاتي عربي بدلًا من ترك كل دولة بمفردها ضحية الارتباط بهذه القوة الدولية أو تلك، على مستوى احتياجاتها الذاتية. 

إن الإصلاح المفروض لم يعد يحتم الانتظار، فليس بعد التمزق العربي المشهود مزيد، ولا بعد الفتك الجاري بالجسد العربي ما يسمح لأحد من المسؤولين بالتمادي في السياسات الخرقاء، التي أدت لأن تكون البلاد العربية جميعًا ضحية لأخطار ماثلة أو عرضة لأخطار قادمة، ومن يرصد الغليان المتصاعد على المستوى الشعبي دون التهوين من شأنه وتجاهل مفعوله يدرك أن الوقت قد فات أو يوشك أن يفوت نهائيًا.

الرابط المختصر :