; إفريقيا: مَحرقة الهوتو والتوتسي بين بورندي وزائير | مجلة المجتمع

العنوان إفريقيا: مَحرقة الهوتو والتوتسي بين بورندي وزائير

الكاتب شعبان عبد الرحمن

تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

مشاهدات 707

نشر في العدد 1226

نشر في الصفحة 40

الثلاثاء 19-نوفمبر-1996

المحرقة البشرية الدائرة على الحدود بين زائير وبورندي تصيب الرأس بالدوار، وتنقل المتابع إلى عالم آخر غير عالمنا... من خلال الاهتمام الضئيل للإعلام العالمي. 

صحيح أن العالم صار يشهد مذابح يومية بسبب العرق والدين، ولكن المذابح الدائرة في منطقة البحيرات الكبرى شرقي إفريقيا «بورندي -ورواندا- وزائير» يشيب لها الولدان، فإذا كنا نسمع عن المذابح في البوسنة، وضحايا الحرب في أفغانستان بالآلاف، فإن المذابح هناك تبدأ بمئات الآلاف، وإن كان النازحون تتصاعد أعدادهم إلى مئات الآلاف، فإن أعداد النازحين في هذه المنطقة تبدأ من النصف مليون فصاعدًا، إن الحرب في هذه المنطقة تحصد الناس حصيدًا دون ترك لحظة واحدة لالتقاط الأنفاس، فالناس هناك إما في حالة هرولة إلى المجهول حاملين ما استطاعوا اختطافه من أمتعتهم وأولادهم، أو في حالة افتراش الأرض انتظارًا للإنقاذ، أو جثث متراصة بعضها إلى جوار بعض بعد أن قضت نحبها.

السبب هو العرقية والقبلية البغيضة والدكتاتورية التي تسوس بالحديد والنار، والأحداث الحالية المتفجرة بين رواندا وزائير تمثل واحدة من حلقات هذا الصراع الذي لا تلوح له نهاية.

على مستوى القبلية.. ابتليت هذه المنطقة «شرق إفريقيا» بقبيلتي التوتسي والهوتو وكل منهما لا يجد رسالة في الحياة أقدس من إفناء الآخر، وتشكل هاتان القبيلتان للأسف شعوب المنطقة كلها، حيث يمثل الهوتو ٨٤% والتوتسي ١٤%، ومنذ استقلال دول المنطقة «رواندا -بورندي- زائير» قبل ثلاثين عامًا والبقاء فيها للأقوى إذ وقعت في دوامة جهنمية من الحرب راح ضحيتها الملايين.

ففي رواندا استولى الهوتو على السلطة عام ١٩٥٩ بحكم أنهم الأغلبية، وقاموا على الفور بطرد عشرات الآلاف من التوتسي، لكن التوتسي ظلوا يمسكون بزمام السلطة في بورندي عن طريق الانقلابات والقمع والمذابح الوحشية ضد الأغلبية «الهوتو»، وتدهورت الأمور بمرور السنين حتى أصبحت قوات التوتسي «الأقلية» هي المسيطرة على الجيش في بورندي، لكن في رواندا ظلت الحكومة في أيدي الهوتو التي سلحت أبناءها جيدًا، وهكذا ظلت القبيلتان تعيشان حالة من التعبئة العسكرية والشحن العدواني والاستعداد لإبادة الآخر وكان يتخلل ذلك احتكاكات بين الطرفين كان يتعدى إلى قتال يدوم أيامًا أو أسابيع، لكن في عام ١٩٩٤ خرج الصراع بين الطرفين عن أي مألوف، حيث وقعت أشد المجازر البشرية بشاعة في رواندا راح ضحيتها أكثر من مليون شخص من قبيلة التوتسي على أيدي المسلحين الهوتو، وكان من بين الضحايا معتدلين من الهوتو لا يرون مبررًا لهذه الحرب. 

والنزاع بين الهوتو «الأغلبية» والتوتسي «الأقلية» في رواندا وبورندي أدى إلى هجرات متتالية من قبل التوتسي إلى زائير ذلك البلد المجاور، وكان من أشهر المهاجرين التوتسي الـ «بانيا مولينج» وهم في الأصل رعاة استقروا جنوب مدينة «كيفو» الزائيرية» منذ قرنين، بينما استقر مهاجرون توتسي آخرون شمالًا، ويقدر عدد المهاجرين في جنوب كيفو بـ ٤٠٠ ألف وهم مسلحون تسليحًا جيدًا منذ عام ١٩٦١، ولذلك لم يجدوا صعوبة في التحول إلى مقاتلين ضد الحكومة الزائيرية. 

وبينما الأيام تمرُّ كانت المنطقة تشهد تحولات واضطرابات، كانت تضع الحكومة والجيش في أيدي الهوتو تارة، وفي أيدي التوتسي تارة، حتى أصبحت حكومتا رواندا وبورندي من التوتسي وهما حكومتان من العسكريين الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار، وفي نفس الوقت يمارسون حملات مطاردة ضد الهوتو الذين فروا إلى زائير. 

العلاقات بين زائير من جهة ورواندا بالذات ومعها بورندي كانت تسير من سيئ إلى أسوأ حتى تفجرت في الآونة الأخيرة إلى الحرب المسلحة عندما ظهر التوتسي الـ «بانيا مولينج» كجيش مسلح يحارب حكومة وجيش الرئيس موبوتو سيسي سيكو بدعوى الاحتجاج على قرار البرلمان الزائيري الصادر في عام ۱۹۸۱ والذي ألغى قانونًا صدر في عام ۱۹۷۳ بأحقية جميع التوتسي المنحدرين من أصل رواندي في الجنسية الزائيرية. 

وقد أبدى جيش المهاجرين التوتسي مهارة فائقة وقدرة كبيرة في القتال، حيث تمكن من السيطرة على مدينتين إستراتيجيتين في شرق زائير تقعان على الحدود مع رواندا، وقد خلفت هذه الحرب الأخيرة نصف مليون لاجئ من الهوتو الذين فروا من مخيماتهم في شرق زائير إلى المجهول! 

ويسعى متمردو التوتسي في زائير إلى انتزاع شرق زائير تمامًا وضمها إلى رواندا وبورندي لإقامة دولة كبرى للتوتسي.. 

ولم تحاول الحكومات المتعاقبة في المنطقة «بوروندي أو رواندا أو زائير» أن تضع من البرامج الاجتماعية والسياسية التي تقضي هذا الصراع العرقي القبلي وإنما كل الشواهد تؤكد أن تلك الحكومات تغذي هذه النعرات وتقويها حتى تظل الشعوب في حالة اقتتال بين طوائفها، وهو ما يجعلها في حالة خوار وضعف مستمرين وذلك في حد ذاته يمكن للحكومات الدكتاتورية القائمة في تلك الدول من الاستمرار في الحكم ويخلصها من أي معارضة تعوق استمراريتها، أن حكومتي رواندا وبورندي يسيطر عليها العسكريون ولا تسمحان بأي لون من حرية الرأي والديمقراطية بل تمارسان ألوانًا من القمع في ظل الحرب العرقية الطاحنة، بينما حكومة زائير تبدو مستقرة إذ يجلس الرئيس موبوتو سيسي سيكو على رأس السلطة فيها منذ عام ١٩٦٥، إلا أنه يمارس نفس الدور من الدكتاتورية والتحكم في ثروات ومقادير البلاد، ويجيد هذا الرجل -المدعوم من أمريكا والموجود حاليًا في باريس في فترة نقاهة من عملية جراحية- اللعب على كل الأوتار في زائير حتى أصبح يمثل دور المفسد والمنقذ للبلاد في آن واحد، فهو يذكي نار المشاكل في الداخل حتى تتفجر، كما يغذي الاقتتال العِرقي حتى يهلك الناس، ثم يتدخل للإنقاذ، وقد قام هذا الرجل بنهب الدولة تمامًا لمصالحه الخاصة، وقد حول قريته التي ولد فيها «غبادوليت» بعد أن كانت خرابة حوَّلها إلى مدينة فخمة من الرخام الخالص.

وهكذا تطبق القبيلة التي تزداد نارها اشتعالًا والدكتاتورية التي يمارسها الحكام العسكريون على أنفاس شعوب منطقة شرق إفريقيا ولا ندري هل تجهز عليها؟.. أم تجد هذه الشعوب مخرجًا تتنفس فيه الصعداء.

ويبقى السؤال: كيف يعيش المسلمون هناك وسط هذه المحرقة؟ سؤال نجيب عنه في العدد القادم إن شاء الله .

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

خبر وتعليق

نشر في العدد 8

31

الثلاثاء 05-مايو-1970

لقاءات المجتمع

نشر في العدد 61

20

الثلاثاء 25-مايو-1971

النشاط الإسرائيلي في أفريقيا!

نشر في العدد 64

27

الثلاثاء 15-يونيو-1971