العنوان إلغاء الدينار العراقي يؤدي إلى: توتر حاد في العلاقات الأردنية العراقية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1993
مشاهدات 6
نشر في العدد 1050
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 18-مايو-1993
· القرار العراقي جاء بعد شهر
واحد من تأكيد وزير المالية العراقي للأردنيين بأن العملة لن تتغير
المجتمع -
عمان
(خاص)
تشهد العلاقات الأردنية العراقية توترًا حادًا فى أعقاب صدور قرار مجلس
الثورة العراقي الذي يحمل الرقم ۷۹ والقاضي بإلغاء العملة النقدية
فئة ٢٥ دينارًا التي يحتفظ المواطنون الأردنيون بكميات كبيرة منها، وإغلاق الحدود
العراقية الأردنية لمدة ستة أيام منعًا لتهريب أية كميات من تلك العملة عبر الحدود
خلال الفترة التي حددها العراق لتبديل العملة الملغاة بالعملة البديلة
داخل العراق.
وقد أصاب القرار العراقي الجديد
سوق الصرف الأردني بهزة عنيفة أثارت مشاعر الخوف
والإحباط في صفوف عشرات آلاف
المواطنين الأردنيين، بسبب الخسائر المالية الفادحة التي لحقت بهم جراء القرار
العراقي الأخير.
فقد تجمهر آلاف الأردنيين الغاضبين في العاصمة الأردنية عمان فى أسواق
الأوراق النقدية وهم فى حالة ذهول تام بعد فقدان مدخراتهم بالعملة العراقية التي
باع عدد كبير منهم مصاغات زوجاتهم من أجل شرائها، وأصيب العديد من المواطنين
الأردنيين المتضررين من القرار العراقي بنوبات قلبية وحالات إغماء ونقل العشرات
منهم إلى المستشفيات بعد سماعهم للقرار الذي أوصل العديدين منهم إلى حالة الإفلاس،
ووصل الأمر ببعض المواطنين الغاضبين إلى إشعال السجائر بالعملة الملغاة تعبيرًا عن
مشاعر الغضب والاستياء، وعلى مدى ثلاثة أيام حفلت الصحافة الأردنية بالعديد من
الصور التي تعبر عن حجم حالة الإحباط والذهول التي أصابت الأردنيين المتضررين من
الإجراء العراقي.
ومما ضاعف من حالة الغضب والاستياء لدى المواطنين الأردنيين أن هذا
القرار قد جاء بعد شهر فقط من
تأكيدات وزير المالية العراقي للتجار الأردنيين أثناء
زيارته للأردن عدم وجود نية
لتغيير العملة العراقية أو إحداث تغييرات عليها، وهو ما
اعتبره الأردنيون
تصريحات مضللة.
ويذكر أن عددًا كبيًرا من المواطنيين المسحوقين قد
تضرروا بشكل بالغ من هذا
القرار، حيث إن عشرات الآلاف من المواطنين الأردنيين قد
أقبلوا على شراء العملة على أمل
تحسن سعر صرف الدينار العراقي، إلا أن أكثر
الفئات تضررًا من القرار
العراقي كانت فئة تجار المواد الغذائية والسلع الأساسية الذين
كان لهم الدور الرئيسي في تزويد
السوق العراقية بالسلع التموينية والأدوية، وقد فند
هؤلاء التجار المزاعم العراقية
بأن العملة العراقية الموجودة خارج العراق قد خرجت
بطرق غير مشروعة، وقالوا إنهم
كانوا يستلمون تلك العملة ويدخلونها إلى السوق
الأردنية في إطار شرعي لتسديد أثمان
السلع الغذائية التي كانوا
يستوردونها لصالح العراق.
ومن جانب آخر فقد أدى إغلاق الحدود
العراقية الأردنية ونشر مئات الجنود العراقيين لمراقبة الحدود إلى توقف تدفق النفط
العراقي إلى الأردن، ورغم الاتصالات التي جرت على أعلى المستويات بين المسؤولين
العراقيين والأردنيين من أجل استثناء صهاريج النفط من قرار
إغلاق الحدود فقد أصر المسؤولون
العراقيون على أن يشمل القرار تلك الصهاريج أيضًا وهو ما دفع وزير الطاقة الأردني
للتأكيد على أن لدى الأردن احتياطي نفط يكفيه خلال مدة إغلاق الحدود.
ويذكر أن الأردن يستورد حوالي ٨٠% من النفط الخام من العراق.
ردود الفعل على
القرار
تضاربت ردود الفعل
على القرار العراقي بشكل واضح، ولكن يمكن تقسيم ردود الفعل تلك إلى الأقسام
التالية :
أولًا: رد الفعل الشعبي
وتميز بالاستياء والغضب، حيث أعرب المواطنون الأردنيون عن فجيعتهم بهذا
القرار المفاجئ الذي يرون أنه أثر على الشعب الأردني بأغلب فئاته، واستنكروا قيام
العراق باتخاذ هذا الإجراء فى ضوء الروابط بين الشعبين العراقي والأردني، وتساءلوا عن سبب إغلاق
العراق لحدوده مع الأردن مع أن ملايين الدنانير العراقية كانت تخرج من
العراق بموجب أذونات رسمية
مقابل شحن المواد الغذائية والطبية التي يحتاجها العراق.
وقد أعرب الاقتصادي الأردني فخري البلبيسي عن دهشته إزاء القرار العراقي
وقال إن هذه الخطوة المفاجئة غير المألوفة وغير الصائبة قد أهدرت حقوق أعداد كبيرة
من المواطنين.
أما الخبير المصرفي الأردني مفلح عقل فقال «إن الأردن لا يستحق المعاقبة على هذا النحو»، كما طرح عشرات المواطنين الأردنيين تساؤلًا مفاده:
«هل هذا هو جزاء وقوفنا إلى جانب
العراق وتحملنا للنتائج الوخيمة نتيجة ذلك الموقف؟»، وما يتفق عليه الجميع في الأردن أن الخطوة العراقية المتسرعة سيكون لها
تأثير كبير على تعاطف الشعب الأردني مع العراق، وهو ما دفع العديد من حملة الأقلام
المؤيدين للعراق لشن حملة للدفاع عن الموقف العراقي الأخير
وإيجاد المبررات له.
ثانيًا :
رد الفعل الرسمي
وقد تميز الموقف الأردني الرسمي بالهدوء والتحفظ وعدم الرغبة في تأزيم
الأوضاع، فقد حاول محافظ البنك
المركزي الأردني تهدئة المشاعر الغاضبة للمواطنين الغاضبين ووعد بإجراء الاتصالات
مع المسؤولين العراقيين من أجل إيجاد مخرج للموقف المتأزم، ولكنه عاد بعد ذلك للإشارة
إلى أن تلك الجهود لم تسفر عن أي تقدم حيث
إن العراق أصر على ما يبدو على
عدم النظر في أية استثناءات، فقد أكد محافظ البنك المركزي العراقي أن القرار
العراقي هو من أعمال السيادة وأن الأموال المهربة إلى الخارج تلحق الضرر بالاقتصاد
العراقي وتؤثر بشكل سلبي على قيمة الدينار العراقي، أما السفارة العراقية فى عمان
فقد رفضت التعليق على القرار العراقي واعتبرته قرارًا وطنيًا يهدف إلى حماية الشعب
العراقي وإلى وضع حد لمسألة المضاربة على الدينار العراقي في السوق الأردنية.
وقد رفض محافظ البنك المركزي الأردني حتى الآن إعطاء أية أرقام حول الخسائر
الفادحة التي أصابت السوق
الأردني بسبب القرار، ولكن بعض المصادر أشارت إلى أن الساحة الأردنية هي المتضرر
الأول من القرار العراقي، وأن الخسائر الأردنية تتراوح ما بين 150 - 300 مليون دولار، ويذكر أن ما يزيد عن 30 ألف مواطن عراقي يقيمون في عمان سيتضررون كذلك من القرار حيث إنهم لا
يملكون سوى العملة العراقية.
ثالثًا :
موقف الصحافة الأردنية
تحولت الأقلام
الصحفية الأردنية خلال الأيام التي تلت إعلان القرار إلى أقلام
عراقية تدافع بكل قوتها عن
الخطوة العراقية وتهاجم أي طرف يحاول التعبير عن غضبه
من القرار.
فقد هاجم الكاتب
الصحفي سمير القطامي المواطنين الأردنيين الذين أغضبهم القرار وقال إن هؤلاء
المضاربين الغاضبين لا يمثلون الشعب الأردني بل هم فئة من الأنانيين وبائعي
الشعارات، كما هاجم الوكالات والإذاعات الأجنبية وصحف «البترودولار» التي اتهمها بالنفخ في كير الحقد والاستعداء ضد العراق.
أما الكاتب الاقتصادي الأردني المعروف فهد الفانك فقد دافع عن القرار
العراقي وقال إنه لا يستهدف الأردن وإنما يستهدف المضاربين في دول الخليج الذين
قال إنهم يمتلكون 90% من العملة العراقية الملغاة.
واتهم الفانك الأردنيين الذين احتفظوا بالعملة العراقية بالمغفلين
والمقامرين الذين كانوا يريدون كسب المال دون أن يفعلوا شيئًا، وعارض قيام
المسؤولين الأردنيين بمحاولة التوصل إلى حل لمشكلة المتضررين، وقال إن على الذين
أصيبوا بانهيارات عصبية الاعتماد على المسكنات من الصيدلية
وليس من البنك المركزي.
واتهم الكاتب الصحفي أحمد الدباس الأردنيين المتضررين بأنهم فئة دفعها الطمع وحب المال والمقامرة إلى
المضاربة بالعملة العراقية وقال إن عليهم أن يتحملوا مسؤولية
ما صنعوا بوعي أو بجهل، وأضاف
أنه لا يجوز بحال من الأحوال تقرير ما يرمي إليه الأعداء والعملاء من زرع بذور
الشك وإساءة للعلاقة الأردنية العراقية المتينة.
وحذر الكاتب الصحفي حمادة فراعنة من استخدام الخطوة العراقية الأخيرة سلاحًا
بأيدي أعداء العراق والأردن من مجموعتي كامب ديفيد وحفر الباطن، ودعا لتفويت
الفرصة على الذين فرحوا بالقرار العراقي ويشربون نخب إقفال الحدود بين البلدين
وتوقف صهاريج النفط مؤقتًا عن نقل البترول العراقي للأردن.
وتساءل الكاتب الصحفي سلامة عكور: هل انهيار العملة العراقية فرصة لكي يستثمرها الأشقاء العرب في الأردن وفي
غير الأردن من أجل تحقيق بعض الكسب؟ وقال إن الإجراء العراقي لا يرمي إلى إلحاق
الضرر ولو بأردني واحد من الذين احتفظوا بالعملة العراقية.
رابعًا:
القوى والأحزاب الأردنية:
امتنعت جميع القوى والأحزاب الأردنية، التي تعودت على إصدار البيانات حول
مختلف التطورات بغض النظر عن أهميتها، عن التعليق على الإجراء العراقي الأخير
ووجدت نفسها في موقف حرج جدًا فهي لا تستطيع انتقاد الخطوة العراقية نظرًا
لمواقفها المؤيدة للعراق خلال احتلاله
للكويت وفى الوقت نفسه لا تستطيع توجيه اللوم للمواطنين الغاضبين لما سيكون
لذلك من أثر سلبي على الموقف
الشعبي منها نظرًا لاتساع قاعدة المتضررين، ولذلك فقد آثرت جميع تلك القوى
والأحزاب الصمت وعدم الخوض في هذه القضية.
دوافع القرار
العراقي
هناك اختلاف في تفسير الدوافع التي وقفت وراء القرار العراقي، ففي الوقت
الذي يرى فيه بعض المراقبين أن خلفيات القرار اقتصادية بحتة فرضتها الأوضاع الاقتصادية
المنهارة يرى البعض أن القرار ربما حمل بعض المدلولات السياسية خاصة وأن السلطات
العراقية تدرك أن الأردنيين هم الأكثر تضررًا من تطبيق القرار، وقد ربط بعض
المراقبين بين الإجراء العراقي وبين تصريحات أدلى بها الملك الأردني قبل
أسبوع من صدور القرار العراقي لوكالة
رويتر لكان قد تنحى المصلحة الشعب.
ولكن ما يتفق عليه جميع المراقبين أن العلاقات بين البلدين ليست كما كانت
عليه أيام الأزمة وأنها شهدت فتورًا واضحًا منذ فترة ليست قصيرة..
فقد بدأ المسؤولون الأردنيون
منذ فترة بانتقاد الأوضاع داخل العراق والمطالبة بإجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية
هناك كما لوحظ تراجع واضح فى عدد الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين بشكل
ملفت للأنظار إضافة لتشديد السلطات الأردنية من رقابتها على حركة التنقل بين
البلدين تطبيقًا للحصار المفروض على العراق من قبل الأمم المتحدة.
ويعتقد أن التغير الملاحظ في طبيعة العلاقة بين البلدين ربما يرجع إلى الضغوط
على الأردن بسبب موقفه فى أزمة الخليج وإلى تضرر مصالحه بشكل كبير جراء ذلك
الموقف، لذلك لا يستبعد أن تشهد
العلاقة بين البلدين مزيدًا من الفتور فى المستقبل ربما يساهم فيه الإجراء العراقي
الأخير الذي لا شك أنه سيفقد العراق تعاطف الكثير من الأردنيين الذين يرون أن العراق قد
خذلهم ولم يقدر وقوفهم إلى جانبه وقت الشدة.