العنوان إلى المتحرشين بحجاب المرأة: هذا سلوك اليهود، فهل أنتم منتهون؟
الكاتب محمد عبدالقادر محمد
تاريخ النشر الثلاثاء 31-مايو-1983
مشاهدات 16
نشر في العدد 623
نشر في الصفحة 42
الثلاثاء 31-مايو-1983
ما كان المسلمون يفهمون من الحجاب إلا ستر الوجه، ولعل السلف
الصالح من هذه الأمة في خير القرون، لما نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا
يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ ( الأحزاب: 59) لم يفهموا من
الآية إلا ستر الوجه، وأطلقوا على هذه الآية: آية الحجاب، فصار الحجاب مساويًا ستر
الوجه.
وإلا فما معنى الحجاب إن لم يكن هذا؟ وكيف كانت نساء المؤمنين
قبل نزول هذه الآية؟ هل كن كاسيات عاريات؟ أم هل كن كاشفات الصدور والنحور
والسواعد والشعور حتى نزلت هذه الآية، فكفتهن عن ذلك؟
وهل يظن بأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهن أمهات المؤمنين
-رضوان الله عليهن- أن يكن بهذه المثابة، في الكشف والابتذال؛ حتى نزلت آية الحجاب
فيهن وفي جميع المؤمنات؟
حاشا
لله أن يكن في هذا المستوى من الهبوط، وليس هذا هو المستوى الذي كان سيدنا عمر-
رضي الله تعالى عنه- يراهن فيه، فيقول مشيرًا على النبي -صلوات الله وسلامه عليه:
يا رسول الله! احجب نساءك، حتى نزلت آية الحجاب، كما ثبت في الصحاح.
ثم ما
هذا الإجماع العملي التطبيقي على الحجاب بهذا المعنى في السلف والخلف في خير
القرون؛ حيث كان المسلمون في عزة وقوة وبأس وعزم وسلطان في الحكم، إلى أسوأ
القرون؛ حيث صاروا إلى ضعف وهوان، وفرقة وتشتيت، وانهيار الخلافة والسلطان.
فتحنا أعيننا، قبل أكثر من نصف قرن على دنيا الإسلام، في مصر
والشام، والعراق وتطوان، ونجد واليمن، والهند، والأفغان، وإیران، فرأينا أمهاتنا
وأخواتنا، وعماتنا وخالاتنا متحجبات، ساترات وجوههن.
وما عهدنا بالسفور، إلا بعد صيحة قاسم أمين- لا أمنه الله يوم
الفزع الأكبر- بتمزيق الحجاب؛ إذ كان هذا أول خطوة لمسابقة النهضة الأوروبية -في
حد زعمه- وتطوير المجتمع المصري، وما درى أن هذا السفور كان هو الدعوة إلى
الانحدار الخلقي، والفساد الاجتماعي، ومجانبة الفضيلة، والارتكاس في مهاوي
الرذيلة، والتعسف في لوثات الجنس؛ فسمعنا أن الجامع الأزهر لما كان جامعًا، وقبل
أن يمسخ إلى جامعة، هب بعلمائه الأعلام، فقال كلمة الحق، وأعلن تمسك الأمة المصرية
المسلمة بحجابها الصائن لأسرتها ومجتمعها، وأفتى بكفر قاسم؛ لإنكاره الحجاب
المشروع المعروف من الدين بالضرورة.
ذلك «قاسم» الذي دعا إلى السفور مدنية وحضارة، وتقدمًا ورقيًّا،
فما لهؤلاء المسلمين؟ شيوخ وعلماء دين تلفهم دعوته، وتأخذهم صيحته، وهم يتلون كتاب
الله ويدرسون السنة، ويسيرون في أرض المسلمين الغابرين، ويقرأون تاريخهم المجيد،
فيدعون بدعوة قاسم، لكن باسم الدين والشرع! فأي دين هذا الذي يدعون إليه؟! وأي شرع
هذا الذي يستوصون به الناس؟!
لهم ولغيرهم، باسم الحرية الخاطئة المزورة المنحرفة عن جادة
الهدى أن يدعوا إلى السفور؛ إرضاء لصيحات الغرب والشرق في وجه الإسلام، الذي
يقلقهم ويخيفهم، رغم ضعف المسلمين وتخلفهم الذريع المطلق.
ولكن ليس لهم ولا لغيرهم ولا لأحد من أهل العلم ولا من العامة
أن يغير شرع الله، أو يكتم الحق، أو يلبس على الناس دينهم، فالحق قديم، وهو أحق أن
يتبع.
وإلى الذين لا يعلمون، ويحبون أن يعلموا أقوال السلف الصالح
العدل من هذه الأمة في آية الحجاب، أنقل هذه النصوص، وهي الأصل النظري للتطبيق
الإسلامي العملي في الحجاب عبر القرون؛ وستعجب المتمسكين بالحجاب؛ لأنها دينهم،
وسيتنكر لها المبتدعون لفقدهم ذاتيتهم، واعترافهم بضعفهم دينيًّا أمام سراب الكفر
الخادع:
1- النص الأول: لشيخ المفسرين، وأستاذ المؤرخين، الإمام المجتهد
«ابن جرير الطبري»، صاحب التفسير المشهور، والتاريخ المعروف؛ وهو الذي لا يمتري في
إمامته وأسبقيته أحد؛ وتفسير بالسند والرواية، فيروي بسنده إلى ابن سيرين، قال:
سألت عبيدة السلماني عن هذه الآية: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّۚ﴾
(الأحزاب: 59)، فرفع ملحفة كانت عليه، فتقنع بها، وغطى رأسه كله، حتى بلغ
الحاجبين، وغطى وجهه، وأخرج عينه اليسرى من شقه الأيسر.
2- النص الثاني: عن أبي حيان، صاحب البحر المحيط في التفسير،
وشهرته مطبقة الآفاق، وهو من أهل الأندلس الفردوس المفقود، الذي علم أوروبا وأثر
في نهضتها؛ نقل عن ابن عباس قال: تلوي الجلباب فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على
الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر، ومعظم الوجه.
ثم
ينقل رواية أخرى عن السدي، ويعلق بقوله: كذا عادة أهل الأندلس، لا يظهرون من
المرأة إلا عينها الواحدة
فتحصل من رواية ابن عباس والسدي أن المرأة لا تظهر من وجهها إلا
عينيها.
3- والنص الثالث عن ابن الجوزي، وهو من شيوخ العلماء، والأئمة
المبرزين المصنفين، قال في تفسير قوله تعالى: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن
جَلَابِيبِهِنَّۚ﴾ (الأحزاب: 59)، أي يغطين وجوههن.
4-
وهذا تفسير الجلالين: المحلي والسيوطي، وهما غنيان عن التعريف، وتفسيرهما من أصح
التفاسير وأخصرها، وحاز القبول في العامة والخاصة، جاء في تفسير هذه الآية:
الجلباب: الملاءة تشتمل بها المرأة، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن
إلا عينًا واحدة.
وما البرقع الذي كانت تسدله النسوة كثيرًا في مصر، قبل ثورتها
إلا اختصارًا للمقصود من إدناء الجلابيب، وما نزال نرى نسوة هنا وهناك يضعن
البراقع، ويلتزمنها، فهل هذا من شؤون العادات، أم هو من خصال هذا الدين؟!
إن الوجه مجمع المحاسن، فكيف يكشف ويغطى الساعد، والشعر، والساق
والمعصم؟ إذ أمر الشرع بستر الوجه في خير القرون، فهل يبيحه في قرون الفساد وشيوع
الفسق وميوعة الجنسين؟
وهناك نصوص فقهية تشير إلى وجوب ستر الوجه عند عامة الفقهاء، في
مناسبة الحديث عن ستر العورة في الصلاة.
1- فالحنفية مثلًا، يصرحون بأن وجه المرأة
ويديها وقدميها، ليست بعورة؛ لكنها تؤمر بستر الوجه؛ خوف الفتنة.
وعبارة الدر المختار: «وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين
رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة».
وعلق عليه خاتمة المحققين ابن عابدين بقوله: أي تنهى عنه، وإن
لم يكن عورة، وقال: «تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة؛ لأنه مع
الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة».
ونص
الحصكفي من الحنفية، في باب حد القذف، على أن للزوج أن يعزر زوجته إذا كشفت وجهها
لغير قريبها المحرم منها، فاعتبر كشف الوجه لغير المحارم معصية؛ لأن التعزير عقوبة
غير مقدرة.
2- والمالكية مشهور مذهبهم وجوب ستر المرأة وجهها، مع أنهم صرحوا
بأن جميع جسدها عورة، واستثنوا الوجه والكفين، فأجازوا النظر إليهما، بشرطين
أولهما: ألا يخشى بالنظر إليهما فتنة. والآخر: أن يكون النظر
بغير قصد لذة. فإذا انتفى الشرطان أو أحدهما حرم النظر، وعندئذ:
1- فمشهور المذهب -كما يقول الدسوقي نقلًا عن ابن مرزوق:
يجب عليها ستر وجهها ويديها.
2- ويرى آخرون -كما ينقل المواق عن عياض- أن على الرجل غض بصره،
ولا يجب عليها ستر الوجه والكفين.
3- وفرق بعضهم بين الجميلة، فيجب عليها الستر، وبين غيرها
فيستحب. والمذهب
هو الأول.
4- والشافعية، نصوا كالمالكية على أن عورة المرأة، ما سوى الوجه
والكفين، وفسروا بهما قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا
ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور: 31).
قال شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري- رحمه الله تعالى: «وإنما
لم يكونا عورة؛ لأن الحاجة تدعو إلى إبرازهما».
ومع ذلك، فقد صرح المعلقون على قول شيخ الإسلام بأن هذه عورتها
في الصلاة.
قال الشيخ سليمان الجمل: «وأما عند الرجال الأجانب فجميع البدن».
5- والحنابلة قرروا أن المرأة كلها عورة، حتى ظفرها وشعرها، إلا
الوجه، ولهم في الكفين روايتان. وهذا عندهم أيضًا في الصلاة، فقد نقل صاحب الإنصاف
من الحنابلة، وهو المعتمد في تحقيق المذهب، وترجيح الأقوال عن الزركشي أنه قال:
أطلق الإمام أحمد القول بأن جميعها عورة، وهو محمول على ما عدا الوجه، أو على غير
الصلاة.
وقال بعض الحنابلة الوجه عورة، وإنما كشف في الصلاة للحاجة.
قال
المرداوي في إنصافه؛ قال الشيخ تقي الدين- أي ابن تيمية رضي الله تعالى عنه:
«والتحقيق إنه- يعني الوجه- ليس بعورة في الصلاة، وهو عورة في باب النظر، إذا لم
يجز النظر إليه». وإذن، فشيخ الإسلام -رحمه
الله تعالى- فصل في الموضوع، وقرر أن الوجه ليس بعورة في الصلاة، فهذا عنده مجمل
قول من قال: إن الوجه ليس بعورة، لكنه خارج الصلاة لا يحل النظر إليه، وليس بعد
هذا القول الفصل خلاف لأحد؛ لأنه حسم وتوجيه وتحقيق للمقام، وتوفيق سديد بين من
يرى عورة الوجه، وبين من لا يرى عورته.
ولهذا جاء تلميذه شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- وقرر
في كتابه القيم «إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» ما حققه أستاذه شیخ الإسلام من
قبله بأن قول الفقهاء: «إن وجه المرأة ليس بعورة، خاص بالصلاة، أما خارج الصلاة
فالمرأة كلها عورة».
واستشهد بقول إمام أهل السنة الإمام أحمد -رضي الله تعالى عنه:
«المرأة كلها عورة حتى أظافرها»؛ حتى قول المفسرين من السلف، وقول الفقهاء الذين
يعتد بأقوالهم.
ولا بأس من أن نضيف إلى هذا أن التحرش بحجاب المرأة المسلمة،
بدأ به اليهود في عهد مبكر، في أول الإسلام، وفي عاصمة المسلمين الأولى، وفي عصر
النبي- صلى الله عليه وسلم- فهذا شيخ الكاتبين في السيرة النبوية ابن هشام، يذكر
أن سبب غزوة بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت ببضاعة لها، فباعتها بسوق بني
قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها، فأبت؛ فعمد الصائغ
إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوءتها، فضحكوا عليها فصاحت،
فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهوديًّا، وشدت اليهود على المسلم
فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، ووقعت الحرب
بينهم وبين بني قينقاع، وحاصرهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة ليلة؛ حتى
نزلوا على حكمه.
وفيهم نزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: 51).
فمن هنا نفهم الصلة بين اليهود وبين دعاة السفور، وبين البسطاء
من أهل العلم، الذين تردوا في كمين اليهود الخبيث الماكر، كما تردى من قبلهم بعض
أهل العلم، فنقلوا الإسرائيليات في كتب التفاسير، وحسبوا أنها حق، وهي مشحونة
بالإفك المبين، تمزج السم بالدسم.
أما قبل، فهذه قصة الحجاب في الإسلام كما فهمها السلف، علمًا
وتطبيقًا على مر الأجيال في تاريخ المسلمين في عصوره المزدهرة والمتأخرة.
وأما بعد: فهذا شرع الله وهذا دينه، وهذا هديه في نظافة المجتمع
المسلم، وصون المرأة المسلمة، وقد حقق هذا الهدي الطهر والعفة في المجتمعات
الإسلامية لما استمسكت بالحجاب على أنه شريعة ودين، وسد الذريعة إلى المساس بحرمة
المحصنات المؤمنات.
ولا نغلو إذا قلنا: إن من أهم أسباب الفساد والهبوط والتخلف
والميوعة في المجتمع المسلم هو السفور ونزع الحجاب.
فليتق الله أهل العلم والمعلمون والمتعلمون، وليكفوا عن طريق
الغي اليهودي، الذي انتهى بأمتنا إلى واد سحيق من الإثم، ومستنقع موبوء من لوثات
الجسد.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي
الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19)، وصدق الله العظيم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل