العنوان إلى.. منكري الغيب
الكاتب الأستاذ عبد البديع صقر
تاريخ النشر الثلاثاء 07-مايو-1974
مشاهدات 37
نشر في العدد 199
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 07-مايو-1974
على أثر ما تردد على ألسنة بعض حملة «الدرجات العلمية» في الندوات العامة من إنكار للغيب الذي يؤمن به المسلمون والمؤمنون، نرى واجبًا علينا أن نوضح قضية الغيب كما يتصورها أهل الإيمان، ولماذا ينكرها الآخرون؟
وأما أهل الإيمان، فيعتقدون يقينا بالأمور التالية:
١- أن الله موجود- وهذا من الغيب-؛ لأن الله لا تدركه الأبصار ولا الحواس الأخرى.
وأعداء الغيب ينكرون وجود الله- تعالى- بالضرورة؛ لأنهم بإنكارهم العام لكل غيب لم يستثنوا وجود الله، وهم بالتالي يناقضون أنفسهم في إعلانهم شهادة أن لا إله إلا الله، إن كانوا من المسلمين أو من النصارى أو من اليهود.
أما إن كانوا من الشيوعيين أو المجوس وسائر المشركين، فهذا يتمشى مع «الأيدولوجية» التي يبشرون بها.
۲ - ويعتقد المؤمنون بأن سلطان الله قائم على كل الموجودات في الأرض والعوالم الأخرى، وأنه الخالق والآمر الوحيد، وكل المخلوقات عبيد وأن النصر والهزيمة والغنى والفقر ترجع في النهاية إلى إرادة الله.
لكن هذا الاعتقاد النظري لا يمنعهم من الممارسة العملية الواجبة للجهاد وطلب العلم والثروة وعمارة الأرض، حيث أخفى الله عنهم علمه وأمرهم بالأخذ بالأسباب فهو إيمان يحل مشكلة الوجود وإدارة الوجود ولا يعطل أحدًا عن الابتكار والعمل.
- وأعداء الغيب وسائر المشركين یرون «مع دارون وأمثاله «أن الله لم يخلق شيئًا- وأن المادة وجدت هكذا وكونت نفسها بالتدريج من عفونات وطحالب، ثم تحولت إلى أسماك ثم إلى حيوانات.. إلخ وأن الإنسان، وهو أرقى الحيوانات أصبح يسود هذا الكون وعليه أن يسيره بحرية كاملة، فلا مسؤولية ولا قيامة ولا ثواب ولا عقاب إلا ما يشعر به الإنسان المصلح أو «الثائر» من راحة الضمير عندما يخدم «الدولة» وما يشعر به الإنسان المهمل أو «عميل الاستعمار «من تأنيب الضمير عندما يعمل على إضعاف« الدولة» ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ أي: يخمنون ويفترضون .
٣ - ويتفرع على إيمان المؤمنين بالغيب، الإيمان بأن لله ملائكة ينفذون أمره وأنه أرسل رسلا يعلمون الناس بتعاليمه - وأنزل عليهم كتبا فيها هدايته لهم وأنه سيبعث الناس بعد الموت ليحاسبهم على مدى تطبيقهم لهذه التعاليم فيدخل المحسنين جنته ويدخل المسيئين النار.
ويرى المؤمنون في هذا الترتيب والتسلل منطقا معقولا وميزانا عادلا وتفسيرا مقبولا لسر الحياة الهائل
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾؟!
- وأعداء الغيب الحديثون يرفضون كل ما تقدم ويرون أن مسألة وجود الله ورسالات الأنبياء والكتب السماوية، خرافة اخترعها الأغنياء؛ ليضحكوا بها على الفقراء ويقنعوهم بالرضى بالقضاء النازل عليهم ويسكتون على ظلم الأغنياء واستغلالهم لجهودهم، ولذلك جاهروا بنظرية ثورة الفقراء على الأغنياء؛ لاسترداد حقوق العاملين وإقامة دولة في كل مكان تتناول الاختصاصات التي كان المؤمنون يرونها لله وبعد قليل تصبح دولة واحدة تحكم العالمين، ولا زالوا منذ قرابة سبعين عامًا يعملون لهذا الحكم الأسطوري!
وليس من أهداف هذا المقال أن يناقش أعداء الغيب ممن يتسمون بالمسلمين فيما يرددونه نقلًا عن كبار المشركين، وليس من أهدافه أن يتلو عليهم آيات عزيزة لا يؤمنون بها، فنحن نجل كلام الله أن نضعه في غير موضعه ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ وإنما نحب أن نقول- لهؤلاء وللمسلمين- شيئًا آخر:
- لقد كان هذا الخلاف قائمًا منذ القدم، ومع كافة الديانات السابقة على الإسلام وقد حكى الله أقوال هذا الفريق بتفصيل ورد عليها بتفصيل مكتوب ثابت منذ مئات السنين فالموضوع إذن قديم - وليس تطورا جديدا من نتاج الفكر الحديث لكنها جاهلية تمد قرون الاستشعار ثم تزحف كلما وجدت فرصة وتحت أی ستار.
- وأصحاب هذه الأفكار يستغلون الألقاب العلمية التي يحملونها والناس تعرف كيف حصلوا على هذه الدرجات ومن أين؟ لكن المؤمن بالله لا ينخدع بلقب ولا بمنصب ولا بملك ولا بقهر؛ لأن ارتباطه بخالق الأرض والسماء يجعل تبعيته لله مباشرة وتصبح القاعدة عنده أن «الله أكبر» وأن الأكرم هو الأتقى لله والعكس صحيح.
- ويعرف عامة الناس اليوم- فضلًا عن علمائهم- أن سلامة تمثيل الأمة تقضي بحق الأغلبية في أن تقول رأيها، وتحدد طريقة حياتها وأن كل استبداد أو تضليل لا يلبث أن يزول بعد قليل.. ولما كانت غالبية الأمة العربية والإسلامية من المؤمنين الفاهمين، فتصبح هذه الأصوات المنكرة خافتة ضئيلة بل هي صدى لصيحات خارجية ضاعت في قبل في الهواء، وابتلى الناس بها في الحقبة الأخيرة ثم ضاعت هباء.
- أما إذا كان الباعث على نشر هذه الأفكار المسمومة هو الحرص على كسب المعركة مع العدو فاعلموا يا أعداء الإيمان أن فلسفتكم هذه كانت أول أسباب النكبة - بل النكبات المتعاقبة- وما حوربنا بسلاح قط أمضى من هذا الفكر الخبيث، ولكننا سننفضه وسيرى الله منا موقفًا غير الذي صنعه الملحدون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل