الجرائم فادحة.. والعمد مسجل.. والاعتداءات موثقة..
أبعاد المواجهة القانونية للصهاينة بعد محرقة غزة

-
ما ارتكبه الكيان الصهيوني في غزة يُخرجه تماما من دائرة السلوك الإنساني.. ويُلغي
عضويته في المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة
-
على الوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراء تحقيق في استخدام الجيش الصهيوني
اليورانيوم الكامل والمنضب ضد المدنيين في قطاع غزة
-
القانون يتيح مواجهة الكيان الصهيوني في المنظمات الدولية ثم تعقب المجرمين
الصهاينة كأفراد أمام القضاء الدولي والوطني
-
جيش الاحتلال أطلق ذخائر وقذائف يتم استخدامها لأول مرة حصل عليها من 16 دولة
أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة!
-
الصهاينة تلاعبوا بقضية السلام لصالح مشروعهم «الاستخرابي» وارتكبوا العديد من
المجازر في فلسطين ولبنان
-
عشرات المنظمات الأهلية الأوروبية لم تحتمل مشاهد المجازر.. فأطلقت حملات قضائية
ضد الصهاينة في اتجاهات عدة
-
أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا عرقلت إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي.. لمنح
الصهاينة الفرصة كاملة لمزيد من القتل والتدمير!
تُعد محرقة غزة
تتويجًا لمخطط أعد المشهد لهذا العدوان، ولذلك يجب أن نميز في تاريخ الكيان الصهيوني في فلسطين والمنطقة بين حوادث إحراق غزة وما بعدها، وهو ما يؤدي إلى
تحليل الظروف السابقة على أعمال الإبادة في قطاع غزة، ثم التركيز على معالجة جرائم
الصهاينة في القطاع بشكل قانوني محدد، على ضوء الأفعال الصهيونية ومصادر التكييف
القانوني لهذه الأفعال، ثم الساحات القضائية المفتوحة لمحاكمة المجرمين الصهاينة،
بصرف النظر عن أثر هذه الأحداث على أي سلام محتمل أو موهوم مع الكيان الصهيوني.
خلال الفترة من
27 ديسمبر 2008م حتى 18 يناير 2009م، شن الجيش الصهيوني حملة عسكرية سمّاها عملية
«الرصاص المصبوب» على قطاع غزة، وكانت المعلومات عن هذه الحملة قد تسربت رسميًّا
من داخل الكيان الصهيوني، تزامنًا مع «هدنة» أو «تهدئة» بين حكومة الكيان، وحركة
المقاومة الإسلامية «حماس» لمدة ستة أشهر، تمتنع فيها «حماس» عن إطلاق الصواريخ
صوب المدن والتجمعات السكانية الصهيونية مقابل إيقاف توغل قوات الاحتلال وهجماتها
المتفرقة على قطاع غزة، ورفع الحصار عن القطاع، وفتح جميع المعابر بما في ذلك
«معبر رفح» وهو التزام على مصر التي رتبت اتفاق التهدئة.
السلطات
الصهيونية وهي تعد لحملتها العدوانية، أعلنت «غزة» إقليمًا معاديًا، كما أعربت عن
عزمها على اقتلاع «حماس» من «غزة»، في الوقت الذي تصاعدت فيه تصريحات رسمية مصرية
بأن مصر لا تطيق بقاء «إمارة إسلامية» على حدودها واستمرار تكريس الانفصال بين
«غزة»، و«رام الله» «الضفة الغربية».. والتقت التصريحات الصهيونية والمصرية مع
تصريحات «محمود عباس» «أبو مازن» عند الحرص على توحيد الأراضي الفلسطينية تحت
السلطة الفلسطينية.
وخلال التهدئة
لم يلتزم الصهاينة بما تم الاتفاق عليه، وازداد الحصار، وقاومت السلطات الصهيونية
والمصرية محاولات كسره، في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس المصري أنه لن يسمح بتجويع
الشعب الفلسطيني، ورغم ذلك ظلت المعابر مغلقة وفشلت محاولات فتحها!
واستمرت
الاعتداءات الصهيونية وصارت التهدئة التزامًا على المقاومة وحدها.. وعندما انتهى
أمد التهدئة صباح 19 ديسمبر 2008م، كانت السلطات الصهيونية قد أعلنت الحملة
العسكرية ودربت قواتها على عملية «الرصاص المصبوب»، وتحركت دبلوماسيًّا مع أطراف
دولية كثيرة للتمهيد لهذه العملية، وهي تنتظر نهاية التهدئة من طرف الفصائل؛ لأن
الجانب الصهيوني لم ينفذ شيئًا، من متطلبات التهدئة حتى إعلان العمل بخطة اجتياح
«غزة».
وخلال الأيام
الستة التالية على إنهاء الهدنة انطلقت تصريحات وزير الخارجية المصري «أحمد أبو
الغيط» تطالب الفصائل بتجديد التهدئة؛ حتى لا تضع نفسها أمام الطوفان وهو يعلم أن
الطرف الصهيوني لا يلتزم بها.. وفي ديسمبر قامت وزيرة الخارجية الصهيونية «تسيبي
ليفني» بزيارة إلى «القاهرة» وأعلنت بعد لقائها الرئيس المصري ووزير خارجيته -
الذي لم يحضر هذا «اللقاء السري» - أعلنت أن الكيان الصهيوني سيسعى إلى تغيير
قواعد اللعبة في قطاع غزة، وهو ما فهم على أنه عملية عسكرية كبرى لإنهاء حكم
«حماس» في القطاع.
عدوان شامل
بدأ العدوان
الصهيوني بشكل كاسح وشامل من الجو والبحر يوم 2008م، وبعد أسبوع بدأت العملية
البرية، وقد استخدم خلال العدوان كميات هائلة من المتفجرات والصواريخ وقنابل
الفوسفور الأبيض، وشاركت المدفعية مع القصف من البوارج البحرية، وتم تدمير جميع
المباني الرسمية للحكومة ومبنى المجلس التشريعي ولوحظ أن التدمير والقتل قد شابه
الرغبة الأكيدة في الدمار والقتل، فتم إحراق شوارع غزة، وهدم منازلها، وتدمير
المزارع وتخريب موانئ الصيد والشواطئ.
وفي تلك الأثناء
فتح معبر رفح للأطباء والمواد الطبية والإسعاف والأدوية في الوقت الذي عانى فيه
سكان غزة أمام هذه النيران الهائلة القتل والجرح والرعب والضياع وذلك عقب أكثر من
ثلاثة أعوام من الحصار والإغلاق التام.
أما المآسي التي
عانتها غزة فقد تحدثت عنها المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة التي نالها
من الدمار المتعدد والمتعمد الكثير حتى خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة
«بان كي مون» للكيان الصهيوني يرجوها تفادي مقرات الأمم المتحدة وتنفيذ قرار مجلس
الأمن رقم (1860)!!
مواقف داعمة
خلال العدوان
الذي استمر أكثر من ثلاثة أسابيع وقف العالم كله يساند الصهاينة ويؤكد حقهم في
الدفاع عن النفس بصرف النظر عن إحراق غزة وصرخات السكان وفظائع القصف الصهيوني
وأعلن عدد من زعماء أوروبا (وأبرزهم رئيس وزراء بريطانيا جوردون، بروان والمستشارة
الألمانية أنجيلا ميركل) أن من حق الكيان الصهيوني الدفاع عن نفسه.
وتواترت تقارير
عن استخدام جيش الاحتلال لذخائر وأسلحة يتم تجربتها لأول مرة على أجساد السكان حصل
عليها من 16 دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي عطلت مع فرنسا
وبريطانيا، وألمانيا صدور أي قرار من مجلس الأمن حتى يتيح الفرصة كاملة أمام
الصهاينة لقتل المزيد من السكان وإلحاق المزيد من الدمار.
وعلى الجانب
الآخر بدت مصر وكأنها تسعى إلى عرقلة أية محاولة عربية لعقد قمة تناقش وضع «غزة»،
واتخذت موقفًا معاديًا من دولة قطر التي استضافت قمة لديها حضرت فيها المقاومة..
وهكذا أثبتت محرقة غزة اطمئنان الكيان الصهيوني للدعم الأمريكي المطلق عسكريًّا
وسياسيًّا واقتصاديًّا، كما ضمن من خلال «واشنطن» سكوت الموقف العربي الرسمي رغم
غليان الشوارع العربية التي تحدت الحظر الحكومي على التظاهر، كما ضمن أن السلطة
الفلسطينية ومصر تدينان «حماس» وليس الكيان الصهيوني، وتؤثران بذلك في الخطاب
السياسي والإعلامي العربي، ولكن موقفهما كان معزولًا.
بدائل مختلفة
ويهمنا في هذا
الصدد التركيز على البدائل المختلفة لمعاقبة المجرمين الصهاينة وهذا الطريق أقل
تكلفة من الناحية السياسية، كما أن هذا الطريق يمكن أن يشكل رادعًا للسلطات
الصهيونية في المستقبل، وهي تدرك جيدًا أن الحماية الأمريكية تمتد أيضًا إلى
الوسائل القانونية والقضائية، كما تدرك أن الإبادة هي الأسلوب التقليدي لإزاحة
الفلسطينيين للحلول محلهم أو قمعهم، غير أن الإعلام هذه المرة أربك الحسابات
الصهيونية رغم حظرها للإعلام في غزة.
وأخيرًا فإن هذا
الطريق يمكن أن يكون إحدى وسائل تحقيق الحوار الوطني الفلسطيني من حيث إن الضحايا
فلسطينيون بغض النظر عن التقارير السلبية عن نوايا السلطة ومواقفها السرية من
عملية غزة.
المواجهة القانونية
أثبت العدوان
على «غزة» أن الصهاينة يقفون وجهًا لوجه ضد المجتمع الدولي والضمير الإنساني، وهذا
هو السبب في أن عشرات المنظمات الأهلية الأوروبية لم تتحمل فظاعة ما حدث في غزة
فانطلقت حملتها القضائية ضد الكيان الصهيوني في كل الاتجاهات.. فالجرائم فادحة،
والعمد مسجل، والأحداث موثقة، وحالة غزة خير شاهد ودليل لا يقبل العكس أو الإهدار،
بسبب ما نال من القيمة الأخلاقية لجيش وكيان يزعم أنه عضو في أسرة الأمم
المتمدينة، اللهم إلا إذا كان هذا هو السلوك المتحضر بالمعايير الحديثة!
المواجهة
القانونية تتضمن مواجهة الكيان الصهيوني في المنظمات الدولية، ثم تعقب المجرمين
الصهاينة كأفراد أمام القضاء الدولي والوطني.. وتنطلق هذه المواجهة من أربعة أسس.
أولًا: إن
«إسرائيل» تلاعبت بقضية السلام لصالح مشروعها الصهيوني، ولم تتوقف عن ارتكاب
المجازر في فلسطين ولبنان.
ثانيًا: إن ما
فعله الكيان الصهيوني تمامًا في «غزة» يخرجه من عداد السلوك الإنساني؛ مما يضع
علامة استفهام حول أهليته للبقاء كعضو في عموم المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة.
ثالثًا: إن من
نتائج الحرب العالمية الثانية استحداث «مبادئ نورمبرج» واتفاقية الأمم المتحدة
لمنع إبادة الجنس البشري، وصياغة معاهدات جنيف الأربع عام 1949م، وذلك كله في غضون
ثلاث سنوات، ثم صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كانت لمحرقة اليهود
المزعومة في ألمانيا «هولوكوست» اليد الطولى في إقراره وانطلاقه كأساس تاريخي
للقانون الجنائي الدولي.
والفارق بين
«هولوكوست» ألمانيا ومحرقة غزة أن ضحايا الأولى هم الذين ارتكبوا الثانية، وفي
الأولى انتصر المنتصرون للضحايا، أما في الثانية فلا يزال الضحايا هم الطرف
الضعيف.. ولكن المنظمات الإنسانية تصر على إجراء تحقيق دولي مستقل في الجرائم
الصهيونية، معتمدة على ثلاثة أنواع من الأدلة:
أولها: عينات
الذخائر والقذائف المستخدمة، خاصة الفوسفور الأبيض.
وثانيها: نوعيات
الإصابات.
وثالثها: تقارير
الأطباء المعالجين للإصابات خاصة وأن القوات الصهيونية تعمدت أيضًا قصف مقار الأمم
المتحدة.
رابعًا: إن
الكيان الصهيوني لا يزال محتلًا لقطاع غزة ولا معنى لإعلان غزة من جانب الكيان
بأنها إقليم معاد؛ لأن غرض الإعلان هو اعتقاد سلطات الاحتلال بأن ذلك يخولها الحق
في مهاجمة القطاع في كل وقت، خاصة بعد الحديث عن قطاع غزة كإقليم منشق أو متمرد
يقود انقلابًا عسكريًّا على السلطة الفلسطينية، كما يزعم رئيسها محمود عباس
والسلطات المصرية.
المواجهة في المنظمات الدولية
المواجهة
الفعالة للكيان الصهيوني يجب أن تكون في الجمعية العامة للأمم المتحدة والمؤتمر
العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، فضلًا عن العمل مع دول عدم الانحياز على طرد
«إسرائيل» من الوكالات المتخصصة ومقاطعتها في المؤتمرات الدولية، وعزلها تمامًا في
الإطار الدولي، خاصة في المنظمات الدولية غير الحكومية.. وفي هذا السياق يمكن
السعي في اتخاذ الإجراءات التالية:
في الجمعية
العامة للأمم المتحدة:
المطالبة بعقد
جلسة طارئة للجمعية العامة للنظر في القضايا الأربع الآتية:
- مراجعة موقف
الكيان الصهيوني من ميثاق الأمم المتحدة، ومجمل القرارات الصادرة عن الجمعية
العامة، ومجلس الأمن، والوكالات المتخصصة، وبشكل خاص تقارير اللجان الخاصة بحقوق
الإنسان وتقارير المبعوثين الخاصين للأمين العام ومراقبة حقوق الإنسان في المنطقة.
- عقد مؤتمر
دولي لمراجعة مدى جدية الصهاينة في قبول السلام؛ لوضع حد نهائي للمشروع الصهيوني.
- تشكيل محكمة
جنائية خاصة بفلسطين تحال إليها كل الجرائم الصهيونية التي ارتكبت ضد الشعب
الفلسطيني منذ عام 1948م حتى الآن، ورفض تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بشأن
الجدار العازل الذي يشكل جريمة مستمرة.
- مراجعة مدى
التزام «إسرائيل» بشروط قبولها عضوًا بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة مدى
التوافق بين سلوكها النازي الإجرامي، وشرط الدولة المحبة للسلام، وطلب رأي استشاري
من محكمة العدل الدولية حول هذه النقطة.
في اللجنة
الدولية للصليب الأحمر: تطلب الدول العربية ودول العالم الثالث انعقاد المؤتمر
العام للجنة للنظر في الانتهاكات الصهيونية الخطيرة في أحكام «اتفاقيات جنيف»،
و«بروتوكولاتها الإضافية»، وبيان التزامات الدول الأطراف تجاه العمل ضد الكيان
الصهيوني.
عقد اجتماع
لمنظمة الصحة العالمية، للنظر فيما ارتكبته السلطات الصهيونية من تهديد لصحة الشعب الفلسطيني من خلال الحصار، ومنع الدواء وتدمير المستشفيات وإحراق المرضى وغيرها من
صور الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال خلال محرقة غزة وقبلها.
اجتماع المؤتمر
العام لمنظمة اليونسكو للنظر في الجرائم الصهيونية ضد المنشآت المدنية والثقافية،
ودور العبادة والأماكن الأثرية والمدارس وتعطيل العملية التعليمية، وإشاعة ثقافة
البؤس وانقطاع الرجاء في أي سلام حقيقي.
دعوة الأمين
العام للأمم المتحدة «بان كي مون» لرفع دعوى ضد السلطات الصهيونية أمام محكمة
العدل الدولية بسبب تدميرها لمقر «الأونروا» وتدمير مخازنها وتعطيل مهمتها عمدًا،
وامتهان المنظمة الدولية عندما قصفت المقر الرئيس للأونروا خلال زيارة «بان كي
مون» للكيان الصهيوني، رغم اعتذارها عن ضرب مدرسة «الفاخورة» التابعة للأونروا
قبلها بساعات وذلك كشكل من أشكال الإبادة، واحتقار المجتمع الدولي.
ونضيف إلى ما سبق، المسعى العربي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمطالبتها بإجراء تحقيق بشأن استخدام الجيش الصهيوني اليورانيوم المنضّب والكامل ضد المدنيين في قطاع غزة.. وما دامت قمة الكويت قد التزمت بالعمل لتعقب الجرائم الصهيونية فيجب على الجامعة العربية أن تعمل حثيثًا في هذا الاتجاه، مع ضرورة توحيد الجهود والتنسيق بين اتحاد المحامين العرب والأمانة العامة لجامعة الدول العربية(1).
_________________
(1) نُشر بالعدد
(1839)، 19 صفر 1430هـ/ 14 فبراير 2009م، ص26.