أنس الشريف.. أديت الرسالة ونلت الشهادة

هناك أناس يرحلون بأجسادهم لكن تبقى أرواحهم تحلّق في سماء المجد، تضيء دروب الأحياء وتزرع في القلوب معاني العزّة، ومن هؤلاء كان أنس الشريف، الذي عرف رسالته مبكرًا، وأدّاها بإيمان وصبر، حتى نال الخاتمة التي تمناها؛ الشهادة في سبيل الله.

لم يكن خبر رحيله مجرد حدث، بل كان قصة إلهام للأمة، ودليلًا على أن طريق الحق مهما طال، فإن نهايته نور وخلود.

أهمية الكلمة ودورها في نقل الحقيقة من منظور الشرع | مجلة المجتمع
أهمية الكلمة ودورها في نقل الحقيقة من منظور الشرع | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


حامل الأمانة

منذ شبابه، فهم الشريف أن الحياة ليست مجرد أيام نعدّها، بل رسالة نؤديها، حمل همّ دينه وأمته، وأدرك أن الدفاع عن الأرض والعرض فريضة شرعية وواجب إنساني، كان يستحضر دائمًا قول الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَ) (التوبة: 111).

هذا اليقين جعل خطواته ثابتة، وقراراته محسوبة، وهمّته عالية لا تهدأ.

ثبات أمام العاصفة

حين اشتدت الحرب وتكاثرت الأزمات، لم يعرف الشريف التراجع، كان يعلم أن النصر لا يولد في ميادين القتال فقط، بل في القلوب المؤمنة التي لا تهتز أمام الخوف أو الجوع أو الحصار.

كان يردد لمن حوله: إننا لا نقاتل لنعيش طويلاً، بل لنموت موتة تليق بأمة كريمة.

هذا الثبات يذكّر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» (رواه أبو داود، والترمذي).

لحظة اللقاء

في أحد أيام الصراع، حيث أصوات القصف تملأ المكان ورائحة البارود تختلط بالتراب، كان الشريف يتقدّم بخطى ثابتة، ولسانه يلهج بالتكبير، لم يكن يرى الموت، بل كان يرى وعد الله، ويسمع في قلبه نداء الآية: (وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ) (آل عمران: 169).

سقط جسده على الأرض، لكن روحه ارتفعت إلى السماء، وابتسامة النصر لا تزال مرسومة على وجهه.


أنس الشريف.. الكلمة المسفوكة على أرض غزة | مجلة المجتمع
أنس الشريف.. الكلمة المسفوكة على أرض غزة | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×


دموع العزّة

عندما وصل الخبر إلى أسرته، اختلطت الدموع بالابتسامات، أمه التي ربّته على الكرامة رفعت يديها للسماء قائلة: اللهم اجعل لقائي به في الفردوس الأعلى، فقد قدّمنا لك ما نملك.

أما أطفاله، فكبروا في لحظة، مدركين أن أباهم لم يغِب، بل سبقهم إلى دار الخلود، ينتظرهم عند أبواب الجنة.

رسائل من حياته

- الإخلاص زاد الطريق:

ما كان لله دام، وما كان لغيره انقطع، إخلاصه جعل أثره باقيًا حتى بعد رحيله.

- التضحية شرف:

لم يعتبر نفسه ضحية حرب، بل جنديًّا في معركة الحق.

- الثبات يورث النصر أو الشهادة:

كان يرى أن النصر وعدٌ من الله، وأن الشهادة إحدى الحسنيين.

قدوة للأمة

لم يكن الشريف قدوة في ساحة المعركة فحسب، بل كان قدوة في حياته اليومية؛ في بره بوالديه، ووفائه لأصدقائه، ورعايته لجيرانه، ونصحه للشباب، علّم من حوله أن البطولة الحقيقية تبدأ من الأخلاق، وأن السلاح بلا عقيدة يصدأ قبل أن يُستخدم.

الشهادة ليست النهاية

لقد أتمّ الشريف ما بدأه، وأدّى الأمانة، وترك للأمة وصية غير مكتوبة، مفادها: كونوا على العهد، فطريقنا واحد، نهايته إمّا نصر أو شهادة.

يصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (رواه البخاري، ومسلم).

رحل الجسد، لكن الرسالة باقية، وصدى التكبيرات التي ودّع بها الدنيا ما زال يتردّد في قلوب الأحرار، فسلام على روحه، وسلام على من سار على دربه، وسلام على الشهداء جميعًا.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة