الأساس الفكري للعنصرية الصهيونية ضد اليهود والعرب (2 - 4)

ويتصف العربي، حسب تصور وايزمان، بصفات قريبة من التي ذكرناها من قبل، فهو عنصر منحط يحاول الجري قبل أن يستطيع السير، وهو شعب غير مستعد للديموقراطية ومن السهل أن يقع تحت تأثير البلاشفة والكاثوليك [كذا] كما ورد في رسالة وايزمان إلى أينشتاين بتاريخ 30 نوفمبر 1929م.

أما الفيلسوف الأمريكي هوراس كالن، فإنه لم ير العربي إلا في صورة شيخ قبيلة من صحراء النقب، يلبس هو وأولاده ساعات مستوردة لا تبيِّن الوقت، ويحملون أقلاماً لا يستعملونها في جاكتات غربية يرتدونها فوق جلابيبهم، ووظيفتهم الأساسية هي تهريب الحشيش بطبيعة الحال. وفي أحد استطلاعات الرأي (نُشرت نتائجه عام 1971)، جاء أن ٧٦% من الإسرائيليين يؤمنون بأن العرب لن يصلوا إلى مستوى التقدم الذي وصل إليه اليهود.

ونعتقد أنه لا يفيد كثيراً أن نأتي بمزيد من الأدلة والقرائن والبراهين من أعمال بن جوريون أو جابوتنسكي أو غيرهما من الكُتَّاب الصهاينة، إذ أن مثل هذا سيكون مجرد توثيق كميّ وتمدُّد أفقي لا يغيِّر ملامح الصورة كثيراً.

العنصرية الصهيونية ضد الفلسطينيين.. «لهافا» نموذجاً |  Mugtama
العنصرية الصهيونية ضد الفلسطينيين.. «لهافا» نموذجاً | Mugtama
رغم حداثة عهدها وعدم اطلاع الكثيرين على أهدافها ال...
mugtama.com
×

وفي هذا الإطار، نلاحظ أن العربي الجديد، وهو المقابل البنيوي لليهودي الأبيض، لا يأتي ذكره إلا في النادر. ومن هذه اللحظات النادرة ما دوَّنه هرتزل في يومياته حينما كان في القاهرة يتفاوض في شأن أحد مشروعاته الاستيطانية، فقد استمع الزعيم الصهيوني إلى محاضرة عن الري، ويبدو أنه رأى بعض المصريين واستمع إلى أسئلتهم، فكتب يقول: " [المصريون] هم سادة المستقبل هنا، ومن العجيب أن الإنجليز لا يرون ذلك، فهم يعتقدون أنهم سيتعاملون مع الفلاحين إلى الأبد".

ثم أخذ هرتزل بعد ذلك يصف كيف أن الاستعمار نفسه يخلق الجرثومة التي تقضي عليه، وذلك لأنه يعلِّم الفلاحين الثورة. ثم أبدى هرتزل دهشته لفشل البريطانيين في إدراك هذه الحقيقة البسيطة. ويحق للمرء أن يتعجب لفشله هو نفسه في إدراكها، إذ أنه ذهب ليتفاوض في اليوم التالي بشأن منطقة العريش لتكون موطناً للاستيطان الصهيوني. ويبدو أن ما حدث هو لحظة إدراك تاريخية نادرة من جانب الزعيم الصهيوني فَهم فيها الاستعمار البريطاني باعتباره ظاهرة تاريخية إنسانية لا تتسم بالثبات. ولكنه غاص، مرة أخرى، في الأسطورة الصهيونية الحلولية العضوية، فاستثنى الاستعمار الصهيوني المقدَّس والمطلق من هذا القانون التاريخي الإنساني، ولم تُترجَم لحظة الإدراك نفسها إلى حكمة إنسانية أو سلوك عقلاني.

وقد رسم هوراس كالن صورة الفلسطيني في المستقبل، كما يحب أن يراها، فقال: "لو حصل اللاجئون على جوازات سفر وغيرها من الوثائق التي تُمكِّنهم من التحرك بحرية، ولو حصلوا على مبلغ كاف من المال ليشقوا به طريقهم إلى مكان من المُتوقَّع أن يجدو فيه سبل العيش المعقولة. وقيل لهم إن هذا هو كل ما سيحصلون عليه ولا شيء آخر أبداً، لو حدث هذا لبدأوا عندئذ في الاعتماد على النفس"، أي أن تحديث الشخصية العربية سينتج عنه أن يفهم العرب الحقوق اليهودية في إطارها الحلولي العضوي باعتبارها حقوقاً مقدَّسة أزلية لا تقبل النقاش ولا تخضع للتغير.

كما أن التصوُّر الصهيوني يقوم على أن تحديث الشخصية العربية قد يؤدي بالفعل إلى تلاشي الشخصية العربية نفسها، أو أنها ستكتشف أنه لا توجد هوية عربية، وإنما هوية سنية أو شيعية أو مصرية (فرعونية). وهكذا تتبخر القومية العربية وتظهر الدويلات الإثنية الدينية على النمط الإسرائيلي. ولكن الحديث عن الإنسان العربي في المستقبل هو في نهاية الأمر حديث نادر في الكتابات الصهيونية.

الأصول المقدسة للإرهاب اليهودي |  Mugtama
الأصول المقدسة للإرهاب اليهودي | Mugtama
كثيرون هم الذي يذهلهم آلة البطش الصهيونية، وحالة ا...
mugtama.com
×

2- العربي ممثلاً للأغيار (تجريد العربي):

وينطلق هذا التصوُّر من التصوُّر الصهيوني لليهودي باعتباره يهودياً خالصاً (وأنه وحده موضع الحلول ويوجد داخل الدائرة المقدَّسة). ويصبح العربي ممثلاً لكل الأغيار (الذين يقعون خارج نطاق دائرة الحلول والقداسة)، أي أنه تصوُّر ينبع من الثنائية الحلولية الصلبة.

وقد وُصف الأغيار في الأدبيات الصهيونية بأنهم: ذئاب، قتلة، متربصون باليهود، معادون أزليون لليهود. و «الأغيار» مقولة مجردة، بل إنها أكثر تجريداً من مقولة «اليهودي» في الأدبيات النازية، أو مقولة «الزنجي» في الأدبيات العنصرية البيضاء. وهي أكثر تجريداً لأنها لا تضم أقلية واحدة، أو عدة أقليات، أو حتى عنصراً بشرياً بأكمله، وإنما تضم كل الآخرين في كل زمان ومكان. وقد وضع الصهاينة الإنسان العربي على وجه العموم، والفلسطيني على وجه الخصوص، داخل مقولة «الأغيار» حتى يصبح بغير ملامح أو قسمات.

وتظهر مقولة «الأغيار» هذه في وعد بلفور (أهم الوثائق الصهيونية) حيث أشار إلى العرب (الذين كانوا يشكلون أكثر من حوالي 93% من مجموع السكان) على أنهم الجماعات غير اليهودية، دون تحديد هذه الجماعات أو ذكر اسمها، حتى تظل هذه الجماعات عند مستوى عال من التجريد. إن هذه الجماعات غير اليهودية هي أية جماعة إنسانية تشغل الأرض التي سيستوطن فيها الشعب اليهودي. وبينما كان هرتزل يتفاوض بشأن كريت موقعاً للاستيطان الصهيوني كتب عن الجماعات غير اليهودية التي تقطنها بطريقة تنم عن عدم الاكتراث والتجريد، فقد وصفهم بأنهم "عرب، يونانيون، هذا الحشد المُختلَط من الشرق".

اقرأ أيضاً: الخطاب الصهيوني المراوغ 

أما تشرنحوفسكي، في قصيدته «وقت الحراسة» التي كتبها في تل أبيب عام 1936م، فلم يُكلِّف خاطره الإشارة إلى العرب، بل يتحدث عن الأغيار فحسب، بوصفهم رجال الصحراء المتوحشين، وهم بهذا، يصبحون شيئاً عاماً مجرداً خالياً من القداسة، وجزء من الطبيعة يَسهُل التعامل معه واصطياده وإبادته.

وفي «إسرائيل»، لا يتحدثون عن «اليهود والعرب»، وإنما يتحدثون عن «اليهود وغير اليهود». وكما يقول إسرائيل شاهاك، فإن كل شيء في إسرائيل ينقسم إلى يهودي وغير يهودي. وينطبق هذا التقسيم على كل مظاهر الحياة فيها، حتى على ما يزرع من خضراوات من طماطم وبطاطس وغيرها. وفي هذا الصدد، قد يكون من المفيد أن نتذكر أن الحاخام أبراهام أفيدان حين أوصى الجنود الإسرائيليين بقتل المدنيين الأغيار أو غير اليهود كان يعني في الواقع العرب فحسب، ولا شك في أن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي يعرفون تماماً ما كان يرمي إليه الحاخام.

هذا هو التصوُّر الصهيوني للعربي (الممثل للأغيار) في الماضي والحاضر، فماذا عن الإنسان العربي ممثل الأغيار في المستقبل؟ هنا نجد أن الزمان قد تجمَّد وأُلغي، كما هو شأن الكتابات الصهيونية دائماً، فالأغيار ذئاب في الماضي والحاضر والمستقبل. والإنسان العربي الخانع الخاضع للعنف الصهيوني، هو نفسه الإنسان العربي المقاتل الأزلي ضد اليهود: كلاهما جزء من مخطط ميلودرامي أزلي.

وقد وصف رئيس جمهورية إسرائيل السابق إسحق بن تسفي المقاومة العربية في أوائل القرن الحالي بأنها مجرد مذبحة يرتكبها أعداء اليهود في فلسطين، حرَّض عليها قنصل روسيا القيصري، أي أن معاداة اليهود هي هي لا تتغيَّر، فهي تأخذ شكل مذابح في روسيا أو مقاومة عربية في فلسطين! وفي المؤتمر الصهيوني السابع (١٩٠٥)، طرح أحد الصهاينة تصوراً مماثلاً للتصور الذي طرحه هرتزل عن الإنسان العربي في المستقبل، وحذَّر من أن الفلاحين الفلسطينيين سيثورون ضد الاستعمار الصهيوني، كما طالب المستوطنين الصهاينة بأن يسلكوا سلوكاً مختلفاً حتى لا يشتد الصراع مع العرب.

وقد ردَّ أحد المستوطنين الصهاينة بأن الفلاحين العرب سيتحولون ضد اليهود مهما كان تصرف وسلوك اليهود حيالهم، فثورة الفلسطينيين ليست محاولة لرد العدوان والظلم الواقع عليهم، وإنما هي تعبير عن العداء الأبدي الذي يبديه الأغيار نحو اليهود "هذا الشعب الذي طُرد من بلاده". وهذا التفسير السهل الذي يشرح كل شيء لا يزال شائعاً في إسرائيل حتى بين المثقفين. ويُفسِّر الكاتب الإسرائيلي يهوشاوا المقاومة العربية بأنها شيء غير مفهوم، ودوافعها غير عقلانية إلى حدٍّ كبير، فثمة شيء ما في اليهود يؤدي إلى إثارة جنون الأغيار. والعرب، بوصفهم أغياراً، لا يشذون عن هذه القاعدة. والواقع أن مقولة «الأغيار» (العرب) تُعفي الصهاينة من مسئولية التوجُّه المحدَّد للمسألة الفلسطينية وللإنسان العربي.

 




_____________________

المصدر: كتاب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – الجزء الثالث: العنصرية والإرهاب الصهيونيان.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة