الأسس المعرفية للنسوية الإسلامية

د. فاطمة حافظ

25 سبتمبر 2025

33

النسوية الإسلامية تيار فكري تأسس في نهايات القرن الماضي على يد نفر من الدارسات المسلمات في الغرب، ثم انتقل إلى العالم الإسلامي، وهي تقدم منتجاً معرفياً يتوسل بمناهج أدوات البحث النسوي في فهم النصوص والتجربة التاريخية الإسلامية، وينتج عن ذلك معرفة ذات طبيعة مختلفة، فهي ليست معرفة إسلامية كما يقدمها الإصلاحيون أو التقليديون بشأن المرأة، وليست أيضاً معرفة نسوية علمانية تقطع مع الدين كما قدمتها تيارات النسوية العربية في مرحلة الاستقلال الوطني وما بعدها.

والمعرفة التي تنتجها النسوية الإسلامية ليست منفصلة عن الواقع، فهي تستهدف إحداث تغيير متعدد المستويات لا يقف عند حد السياسات العامة والقوانين وإنما يطال الخطاب الديني المتعلق بالنساء والتعليم والتربية مما يؤثر على الوعي المجتمعي.

والفكرة المركزية التي تقوم عليها النسوية الإسلامية، هي أن الإسلام من خلال القرآن لا يضع النساء في منزلة أدنى من الرجال، ولا يؤسس لما يسمى «القهر النسوي»، بل إن جذور المساواة تكمن في بنية النص القرآني غير أن القراءات والتأويلات البشرية حجبت الأصل المساواتي وأعادت إنتاج منظومة التمييز الجنسي التي جاء الإسلام للقضاء عليها، ولذلك يتحتم إعادة قراءة النص الديني من منظور نسوي توضح الانحيازات في هذه التأويلات وتقدم قراءة بديلة تكشف عن بنية العدالة والمساواة داخل النص الديني.

يفتح مشروع إعادة قراءة النص الديني التساؤلات حول علاقة النسوية الإسلامية بالتراث، وهل يعد مشروعها لإعادة قراءة النص الديني تفكيكاً للتراث، هذا ما تنفيه الباحثات العربيات على الأقل، إذ يصرحن أن مشروع النسوية الإسلامية التأويلي لا يروم إلى نقض وتفكيك التراث وإنما إصلاحه من الداخل وهي بهذا المعنى حركة إصلاحية ضمن حركات الإصلاح الإسلامي.

وهذا الطرح يستبطن فكرة فساد التراث الإسلامي، وأنه نشأ وتطور من دون مراجعة ونقد وتصحيح حتى وصل إلينا متجاهلاً ظهور حركات تصحيح ونقد للتراث منذ الصدر الأول، كان من ثمارها عشرات المصنفات التي يمكن الإشارة إليها التي انتقدت المناهج والأفكار، بل والأفراد. 

خصائص النسوية الإسلامية

تتميز النسوية الإسلامية بعدد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من أنواع النسويات، وهي:

أولاً: محاولة التوفيق بين الإسلام والنسوية:

تدعي الباحثات أن هناك إمكانيات للتوفيق والدمج بينهما؛ إذ إن النسوية ليست علمانية بالضرورة، كما أنها ليست شيئاً واحداً، فهناك تيارات داخل الحركة النسوية، وهناك النسوية الماركسية، وهناك النسوية السوداء التي تتعلق بذوات البشرة البيضاء، وهناك «النسوية الدينية»؛ وهو ما يعني التوجه نحو الاعتراف بأنواع من النسوية ترتبط بالثقافات والهويات المختلفة وهذا ما يجعل وجود «نسوية إسلامية» أمراً ممكناً.

من جهة أخرى، فإن الإسلام من خلال نصوصه ومن خلال الممارسة النبوية يؤكد عدم احتقار النساء، ويرسي قواعد العدل والمساواة والإنصاف بينهن وبين الرجال.

ثانياً: إعادة قراءة النص الديني من منظور نسوي:

ومن الحجج التي تساق لتبرير ذلك أن النص الديني تمت قراءته من منظور الرجال الذين قدموا قراءات تعبر عن تصوراتهم ورؤاهم ومصالحهم، وبالتالي هناك حاجة لأن يتم قراءة النص من منظور النساء، ومنها أن هذه القراءات تأثرت بالبيئة الثقافية والتاريخية التي نشأ فيها المفسر.

ومنها أن النص القرآني ليس نصاً جامداً صلباً يحتمل قراءة واحدة، وإنما هو نص يحتمل قراءات بعدد من يقرأه، كما تقول نيدي أندجار، وهذه النقطة تثير خشية بعض علماء الشريعة  بحيث تؤدي إلى السيولة المطلقة في فهم النص بحيث لا يصبح هناك معنى واحد للنص، وإنما هناك معان كثيرة لا يضبطها ضابط ولا يستقيم معها فهم.

ثالثاً: الانطلاق من المرجعية الإسلامية:

تؤكد الباحثات الناشطات أنهن ينطلقن من المرجعية الإسلامية ولا يعادين الإسلام، ولكنَّ هناك تبايناً بين الباحثات في فهم المقصود بالمرجعية الإسلامية إذ تذهب معظم الباحثات إلى أن هذه المرجعية تقتصر على القرآن دون السُّنة النبوية بحجج منها أن نص القرآن واضح المعالم محدود الحجم، خلافاً للسُّنة التي هي متشعبة في كتب كثيرة، ومنها أن الأحاديث تعكس إلى حد ما تطلعات وقناعات الجماعة المسلمة بشأن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله.

وفي المقابل، نجد بعض الباحثات لا ينكرن مرجعية السُّنة، وإنما يحاولن التمييز بين سُنة صحيحة، وأخرى غير صحيحة، ويسعين إلى تأويل بعض الأحاديث التي يمكن أن يساء فهمها.

أجندة البحث النسوي

يمكن تقسيم المنتج المعرفي للنسوية الإسلامية إلى قسمين رئيسين: قسم يعمل على الكشف عن جذور عن جذور الإقصاء والتهميش ضد النساء، ومن أجل ذلك تلجأ الباحثات إلى التاريخ من أجل إماطة اللثام عن الحضور النسائي الذي تم تغييبه.

وقسم آخر يدور حول نقد التراث وتقديم قراءات بديلة، وقدمت من خلاله دراسات كثيرة توزعت على عدد من المحاور التي تشكل في مجموعها أجندة البحث النسوي، وهي:

1- دراسات تتناول القرآن الكريم والتراث التفسيري، وقدمت من خلالها دراسات وضعت أسس نظرية التفسير النسوي (أمنة ودود)، ودراسات أخرى تناولت الآيات والمفاهيم وثيقة الصلة بالنساء كالقوامة والولاية والضرب.

2- دراسات تتناول الحديث الشريف والسيرة النبوية، وهي أقل عدداً من الدراسات القرآنية، ولا تتناول المدونة الحديثية كلها وإنما تقارب بعض الأحاديث التي تؤسس لقهر النساء -وفق المنظور النسوي- أو تتناول الخبرة النبوية في التعامل مع النساء.

3- دراسات تختص بالتراث الفقهي، وهي دراسات ذات طابع تفكيكي إذ تدعي وجوب التمييز بين الشريعة المنزلة والفقه الوضعي الذي يعبر عن التجربة التاريخية للفقهاء، وتؤكد أن الفقه غلبت عليه الصفة الذكورية، وكثير من هذه الدراسات تناولت الزواج والعلاقة بين الزوجين وحقوق النساء داخل الأسرة، وحضانة الأطفال.

4- دراسات تختص بالتصوف والتجربة الروحية، وهي تنظر إلى التصوف باعتباره المدخل لإصلاح الفقه والقضاء على القراءات المتشددة.

تتبنى هذه الدراسات مناهج واقترابات مختلفة أهمها: الهرمنيوطيقا أو التأويل وهو المنهجية الأساسية المتبعة في تأويل النص القرآني والحديثي، وتحليل الخطاب، والمنهج التاريخي، واللسانيات، وما إلى ذلك من مناهج حديثة، وفي المقابل نجد حضوراً نادراً وانتقائياً للمنهجيات التراثية فنجد مثلاً احتفاء بأسباب النزول لأنها تشير إلى الطابع التاريخاني للنص.

وقد واجهت النسوية الإسلامية انتقادات معرفية بعضها قدمها علماء الشريعة وتتلخص في الانتقائية التي تسم أعمالها فهي تتخير ما يتوافق مع أهدافها من النصوص وتتجاهل نصوصا أخرى، وتجاهل التحليل لطبيعة النصوص العربية وإغفاله قواعدها العربية وأساليبها البيانية، وطبيعة الأدوات الغربية التي يتم توظيفها في فهم وتحليل النص الديني وهنا يغدو السؤال: إذا كانت أدوات غربية فما الإسلامي في مشروع النسوية الإسلامية؟

أما الطائفة الأخرى من الانتقادات فهي انتقادات نسوية وهي تركز على المنحى الدفاعي للنسوية الإسلامية، ومنها أنها تقدم تأويلات متعسفة للنص الديني للبرهنة على عدم معاداة الإسلام للنساء، ومنها التناقض إذ تشير الباحثات إلى أن ما يُقدم حول الإسلام هو في الحقيقة تفسيرات بشرية تاريخية ومتحيزة ذكورياً، لكن النسويات الإسلاميات أنفسهن يقعن في فخ إنشاء إسلام حقيقي واحد ونسوي، متجاهلات التنوع الهائل في التفسيرات والتقاليد الإسلامية عبر الزمان والمكان.


اقرأ أيضاً:

كيف يتعامل المربُّون مع أطروحات النسوية الإسلامية؟

فاطمة المرنيسي.. ودين نسوي جديد!

الأكاديمية الأردنية رولا الحيت لـ«المجتمع»: شرطان للقبول بـ«النسوية الإسلامية»

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة