الابتلاء.. فوائده ومجالاته والتعامل معه
رحم الله
المؤمنين الصادقين، مستهم البأساء والضراء وزُلزلوا؛ فثبتوا وصبروا محتسبين أجرهم
عند الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23)، لقد عاشوا أحراراً وماتوا أبراراً.
لقد عظُم
الإيمانُ في قلوبهم فتحملوا ما يأتيهم وما يصيبهم صابرين مستبشرين متوكلين على
الله دائمًا؛ (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ
اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
وكم تسعد
البشرية بثبات المؤمنين الموحدين الصادقين فترتفع راية الإيمان والنور وتزهق راية
الكفر والزور: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الإسراء: 81)!
وكم تخسر
البشرية بل كم يخسر المؤمنون الصادقون أنفسهم حين تغيب عنهم معاني التضحية والفداء
والصبر والعطاء حين تمسهم البأساء والضراء وزلازل المحن والابتلاء! وصدق الله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، وقال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ
الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ
إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة)، وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ
فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام: 42).
ويقول النبي صلى
الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هَمّ، ولا حزن، ولا أذى،
ولا غَمّ حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه» (رواه البخاري)، وقال:
«عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء
شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له» (رواه مسلم)، ويقول: «إن
عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا،
ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي، وابن ماجه)، وجاء في الصحيح: «أشد الناس بلاء
الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في
دينه صلابة زيد له في البلاء».
فوائد الابتلاء
- يتميز
الصادقون من الكاذبين.
- يُعرف
المجاهدون ويُفضَح ويُكشف المنافقون والمخذلون.
- تقوية إيمان
المؤمنين فيقوى إيمانهم وتمسكهم بدينهم.
- يعرف عامة
الناس قيمة الدين والدعوة.
- يعظم جزاء
المؤمنين مع عظم البلاء.
- كفارة
للخطايا وتطهير من الذنوب؛ (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن
دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران: 195).
- يُعرَف أعداء
الدين والعقيدة وأولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ
الطَّيِّبِ) (الأنفال: 37).
- تزداد
العقيدة والدين والدعوة محبة ومكانة في قلوب المؤمنين الصادقين ويزداد المؤمنون
محبة عند الله؛ «وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم..» (حديث حسن).
مجالات الابتلاء
- الدنيا وما
بها من زخارف الشهوات والأموال والجاه والمنصب.
- في الأهل
والولد والمال والبدن؛ (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ
وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال: 28).
- التشكيك في
الداعية والدعوة والتشهير والغمر واللمز والسخرية وتلفيق التهم؛ (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ
الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ
مَعَهُ نَذِيراً {7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ
يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً
مَّسْحُوراً) (الفرقان).
- التآمر لقتل
أصحاب الدعوة وسجنهم وإخراجهم من ديارهم؛ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ
أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ
خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30)، كما حصل مع النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره
من الرسل عليهم السلام، التهجير والإخراج من الديار كما حصل لبعض الصحابة رضي الله
عنهم، والتعذيب كما حصل مع الصحابي الجليل بلال بن رباح وغيره رضي الله عنهم.
- الحصار
والتضييق والتهديد والوعيد.
التعامل مع الابتلاء
- الدعاء.
- الصبر
والمصابرة.
- الصلاة
والصيام وقيام الليل والاستعانة بالله.
- قراءة القرآن
بتأمل وتدبر.
- احتساب الأجر
والثواب.
- تذكُّر أهل
الابتلاء من الرسل عليهم السلام.
- تذكُّر ما
أعده الله من النعيم والحياة الطيبة للصادقين في الدنيا والآخرة.
- تذكُّر حقارة
الدنيا وسرعة زوالها.
- تذكُّر نعيم
الآخرة للصادقين الصابرين.
- تذكُّر عقاب
الله للظالمين يوم القيامة.
والمطلوب هو
الصبر والتمسك بطريق الدعوة رغم الابتلاء؛ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف: 28).
والحمد لله رب
العالمين.
لماذا يبتلي الله العباد؟ أهم 10أسباب للابتلاء
كيف يربي الله عباده بالابتلاء في الدنيا؟