الخبّاز والفنان.. بين عسل القطايف وسم المسرح!

في عالم متغير
متقلب لا يعرف قوانين الثبات، تبدلت الأدوار، وانقلبت الموازين، وباتت الأدوار
غائبة الملامح، وفتحت مجالس الحديث والموعظة ذراعيها لحامل المسك ونافخ الكير؛
فأصبح الممثل داعية، والجاهل عالماً، والأبله حكيماً! وتحولت السينما إلى منابر،
فظهر الممثلون والفنانون في ثوب الدعاة ورجال الدين! فباتوا يتحدثون عن القضايا
الفكرية والدينية، مؤثرين في شريحة واسعة من الجماهير بآرائهم ومواقفهم.
ومن هذه النماذج ما يعرف ببرنامج «قطايف» الذي يقدمه الفنان المصري سامح حسين كمحتوى ديني توعوي؛ ما أثار العديد من التساؤلات: هل يتفوق الخباز بعسل قطايفه، وحسن برنامجه، وجمال رسالته؟ أم أن الطبع سيغلب التطبع؟ والفنان ما زال يتجرع سم المسرح، ويستتر وراء حجاب الموعظة، هل تؤخذ الحكمة من أفواه الممثلين؟ وهل انتهى دور الدعاة الحقيقين؟ وهل الدعوة الإسلامية فرض عين على كل مسلم مهما كان عمله وانتماؤه، أم أنها فرض كفاية على العلماء ورجال الدين؟
برنامج «قطايف» للفنان سامح حسين
برنامج «قطايف» للفنان المصري سامح حسين برنامج ثقافي روحاني ديني، يسعى إلى تعزيز القيم الأخلاقية، وإحياء الفطرة الإنسانية، وتذكير الناس بالآخرة، وكيفية الاستعداد لها، وعدم الهرولة وراء الدنيا وشهواتها، ويعتمد البرنامج على تقديم موضوعات مختلفة مستوحاة من تعاليم الإسلام والقيم المجتمعية.
سبب
تميز البرنامج
على الرغم من تعدد البرامج الدينة، فإن برنامج «قطايف» لفت أنظار شريحة واسعة من الجمهور، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب؛ حيث إن مقدم البرنامج فنان مصري، وبيئته الدراما والفن، ليس الدين والمنبر؛ الأمر الذي جذب الانتباه، إضافة إلى أسلوبه البعيد عن الوعظ التقليدي لرجال الدين، كما أن برنامج قطايف اعتمد على السرد القصصي، والحوار المبسط الهادئ، المدعوم بأمثلة من الحياة اليومية، ومن الحلقات التي لاقت رواجًا كبيرًا لهذا البرنامج حلقة بعنوان «على خريطة ربنا».
يمكنك الاطلاع أيضاً: الدعوة إلى الله على بصيرة.. أسسها وتجلياتها
هل
تؤخذ الحكمة من أفواه الممثلين؟!
أثار برنامج «قطايف»
العديد من التساؤلات حول اختيار ممثلين للوعظ بدلًا من العلماء ورجال الدين، إلا
أن الشريعة الإسلامية قضت على هذه المسألة في مهدها، وجعلت الفطرة الإسلامية
العنصر المتحكم في قبول الحديث من عدمه، ولذا؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحكمة
ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها»، فالواعظ لا يشترط أن يكون رجل دين، أو عالماً،
أو إماماً، أو حكيماً، بل يمكن لممثل، أو فنان أن يعظ غيره، أو ينصحه، أو يأمره
بمعروف، أو ينهاه عن منكر، فما دمت تستطيع أن تفرق بين الحق والباطل، وتقبل ما
يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وترد ما يخالفها، فلا حرج عليك أن تأخذ الحكمة من
أفواه الممثلين.
فالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام الظاهرة التي لا تسقط عن العبد بسبب بعده أو
تقصيره، أو إخلاله ببعض الواجبات، أو ارتكابه لبعض الذنوب، والنبي صلى الله عليه
وسلم حينما أمرنا بذلك، لم يقتصر على الدعاة أو العلماء، بل قال صلى الله عليه
وسلم: «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع
فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم)، وقال سبحانه وتعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104).
ولا شك أن أحسن
الناس في دعوته، وأنفعهم في أمره ونهيه؛ من كان أهلًا لذلك من العلماء ورجال
الدين، أو ما كان ممتثلًا لما يأمر الناس به، فلا يحدثهم البارحة عن الجنة والنار،
ويباغتهم الليلة بمعصية أو ذنب كإخراج عمل درامي يلهي الناس، أو فيلم سينمائي
يبعدهم عن عبادتهم، قال شعيب عليه السلام: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ
عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) (هود: 88).
وفي ذات السياق
يقول أبو الأسود الدؤلي:
لا تَنْهَ عَنْ
خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
فَابْدَأُ
بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيْهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
يمكنك الاطلاع أيضاً: تربية الدعاة على الخوف من الله تعالى
لا
تأكل القطايف على معدة فارغة
على الرغم من
أهمية برنامج «قطايف» للفنان سامح حسين، فإنه يقدم الحلوى قبل الغداء!
فالشريعة
الإسلامية ليست جرعات سطحية، أو عرضاً قصصياً سريعاً، بل لها أصول دينية، وركائز
أساسية لا بد أن يكتسبها المسلم من العلماء، والدعاة، والكتاب والسُّنة، وأمهات
الكتب، والمصادر الموثوقة، فالشريعة لها علماؤها المتخصصون، ورجالها المخلصون،
الذين أفنوا أعمارهم في معرفة الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، والسنن والآداب،
والقواعد والتشريعات، والكبائر والثغرات.