قرابة 30 عاماً.. كيف عاش عمار الزبن حريته داخل زنزانته؟!

«هذا هو يوم ميلاد العائلة»، عبارة متكررة يحكيها كل فرد من أفراد عائلة الزبن يوم تحرره، بعد أن قضى أكثر من نصف عمره خلف غياهب زنازين الاحتلال الصهيوني المظلمة!

غياب خلف غياهب السجون

من القبر وحتى نور السماء، يرى الأسير عمار الزين السماء لأول مرة منذ 30 عامًا دون حواجز أو شبك، كان ذاك اليوم الذي كتب أول تاريخ في رزنامة عائلته في 27 فبراير 2025م، ضمن الدفعة السابعة من صفقة تبادل الأسرى «طوفان الأحرار».

قرابة 30 عامًا قضى الزبن وراء القضبان، يتجرع حسرة فراق الأهل، ومن عذابات السجن وقهر السجان تاركًا خلفه زوجة لم يتعد عمرها 20 عامًا، تواجه حياة قاسية بغياب الزوج وفي أحشائها طفلة لم تكمل شهرها الخامس، وطفلة أخرى عمرها عامان قد تحول والدها في حياتها إلى صورة على جدار البيت الذي فقد دفئه!

حاورت «المجتمع» عمار الزبن بعد تحرره، رغم أن الحوار مع أسير قضى أكثر من نصف عمره في سجون الاحتلال يصيبك بالحيرة من أين تبدأ وكيف تختم، لكن الحديث مع أسير قرر أن يعيش حريته داخل زنزانته كان مختلفًا.

هو الأسير القسامي عمار الزبن، وُلد على قمّة جبل جرزيم في مدينة نابلس عام 1975م، وله من الإخوة أربعة، استشهد أخوه الأكبر بشار عام 1994م بعد تحرره من الأسر، وحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القدس (أبو ديس).

تزوج الزبن من امرأة كانت سنده وكتفه الثابت الذي لا يميل، وبعد 4 أعوام فقط، أسر وغاب عنها، فكانت الأب والأم في غيابه، لطفلتين هما بشائر النصر التي كانت لا تتجاوز العامين، وهي الآن أم لطفلتين بعمر الخامسة، وبيسان التي ولدت بعد اعتقاله بـ3 شهور، هي الأخرى تحمل طفلها ذا العامين، كبرتا الاثنتان وهن تتمنيان أن يكون والدهما في كل مناسبة أو بدء فصل دراسي أو يوم تخرجهم أو زفافهم.


بذور حياة للقضية.. الأسرى المحررون |  مجلة المجتمع الكويتية
بذور حياة للقضية.. الأسرى المحررون | مجلة المجتمع الكويتية
يعتبر التحرر من السجن في الدرجة الأولى قيمة عظيمة...
mugtama.com
×


حرية داخل الزنزانة

لم تنتظر زوجة الأسير الزبن تحرر زوجها لتكبر عائلتها لا سيما حين حكم عليه بالمؤبد 27 مرة، وأرادت خوض معركة الإنجاب عن طريق النطف المهربة، فأقنعت زوجها بذلك، يقول الزبن لـ«المجتمع»: زوجتي التي كانت شريكة لمشواري النضالي السبب في فرحة العائلة بطفلين عبر النطف المهربة، وأنا أدين لها لآخر لحظة في حياتي.

نجح الزبن في تهريب نطفة من زنزانته، وأنجب أول سفير للحرية في فلسطين، أسماه باسم مهند على اسم صديقه ورفيق دربه في الحياة ومشوار جهاده مهند الطاهر الذي استشهد وقت أسره.

يروي الزبن تفاصيل رؤيا له في زنزانته ليلة أن اشتدت عليه ليالي السجن المظلمة، فأرسل الله له برؤيا تسلي عن قلبه، يقول: حلمت أن أحدًا صالحًا يقول لي في منامي: استيقظ فسيأتيك طفل اسمه صلاح الدين، ليعلم أنها إشارة من الله أن يحاولا مرة أخرى.

«لقد تحقق الحلم»، يضيف وهو بكامل بهجته، ليس فقط لأنه رزق بطفلين كما كان يحلم، بل لأنه كسر قيد الزنزانة وعاش حريته داخل جدرانها العفنة، لا سيما حين يتذكر كيف قال له الضباط في أول جلسة له داخل المحكمة: ستبقى هنا، لن تحمل طفلًا من صلبك، هذا الحلم حاول نسيانه!

يكمل حديثه: لم يكن هذا الفرح شخصيًا فقط، بل كانت سعادة داخل السجون كلها، والأسرى احتفلوا بمهند رغم أنف السجان، فقد شعروا أنهم انتزعوا حريتهم جميعًا، وأن هذا انتصار لهم كافة، أمّا الشعور فلا يُكتَب بالكلمات، وحسبي أنّي لحظة تهريبي للنطفة قد حرّرتُ جزءاً من روحي وجسدي خارج الأسر، وها هم أكثر من مائة من إخواني الأسرى أنجبوا رغم أنف المحتلّ.


الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. معاناة بطعم المرارة |  مجلة المجتمع الكويتية
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.. معاناة بطعم المرارة | مجلة المجتمع الكويتية
احتلت قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الا...
mugtama.com
×


مسيرة كفاح طويلة

وبالعودة إلى أحداث اليوم الأول من الاعتقال، فقد كان لدى عودته من الأردن، وكانت المرة الأولى التي يغادر فيها فلسطين، مدّة خمسة أيّام فقط، يقول: لم أكن أدري أنّ العدوّ قد أمسك بطرف خيطٍ يقود إليَّ.

وفي 11 يناير 1998م، كان في أقبية التحقيق، يحكي عن أساليب التحقيق التي اعتمدوها معه: العنف الجسدي من كسر الظهر أو أسلوب الموزة، والخنق دون قيود، إضافة إلى الشبح والمنع من النوم لأيامٍ عدّة وصولاً للهلوسة، حيثُ مكث في هذا التحقيق شهرين كاملين برفقة صديقه معاذ بلال.

وعن حُكم الزبن 26 مؤبداً و25 عاماً، فقد كان بتهمة المشاركة في التخطيط والتنفيذ لعدّة عمليات للمقاومة في إطار «كتائب القسّام»، أبرزها عمليّتا سوق محني يهودا، وشارع بن يهودا في القدس المحتلة، فقد قُتِل فيهما 20 صهيونياً وأصيب المئات، وفي عام 2014م زاد على حكمه عامين إضافيين بتهمة تجنيد مجاهدين لأسر جندي.

تحليق الكلمات رغم القيد

مقاومة أخرى وتحليق آخر حلق به الزبن إلى ما وراء جدران زنزانته، كان بقلمه ورواياته وعلمه، فكان من الأسرى الذين أعادوا الحياة العلمية للسجون بعد انهيارها وانعدامها، فحرصوا على إحياء الموروث الثقافي لقيم الثورة والجهاد وتطوير عناصرها، ولكن مع تجديد أنماط التعليم وخاصة بعد دخول فضائية «الجزيرة» التي اختصرت الكثير من البرامج الثقافية والعلمية وغيرها، فكانت الدورات في شتى المجالات، ثم التعليم الجامعيّ.

وكان أيضًا ممن أدخلوا برنامج الدبلوم والبكالوريوس إلى السجون، بعد أن أصدر المحتل الغاشم حكمًا بإيقاف الدراسة عبر الجامعة العبرية المفتوحة، فقد أنهى عامين من الدراسة فيها ثم انتقل إلى الدراسة في جامعة القدس أبو ديس.

«وضعوني في زنزانة ضيقة، ولكن كلماتي جابت البلاد»، هكذا وصف الزبن تجربته مع الكتابة داخل أسره، التي بدأت بروايته «عندما يزهر البرتقال»، وهي قصة استفزازه من رؤية والدة الشهيد أسيل عاصلة الذي استشهد في هبة أكتوبر بداية انتفاضة الأقصى حين كانت ترجو قُضاة الاحتلال الذين جاؤوا للتحقيق في ظروف استشهاد ابنها، فلم يستمعوا لها.

أما الرواية الثانية «من خلف الخطوط» التي تسرد قصة أسر الجنديّ نحشون فاكسمان عام 1994م، بثوب ثقافة تحرير الأسرى، وأخيراً رواية «الزُّمرة» عن 5 من نخبة «القسّام» مكثوا 14 يومًا تحت الأرض في الحرب على القطاع عام 2014م، في ظروف مُستحيلة، حتى حانت ساعة الصفر وأحدثوا مقتلة في العدو، وروايات أخرى.

تحرر عمار الزبن في فبراير وما يزال المحتل الغاشم ينغص عليه فرحته، فقد أبعدوه إلى مصر، ومنع زوجته وولديه من السفر لرؤيته واحتضانه، فكانت الفرحة منقوصة، لكنه يقول: كما خرجنا بعد أن حكموا علينا بالمؤبدات، سنلتقي وأحتضن أبنائي وسيرى المحتلون لقاءنا رغم أنوفهم.

ختم الزبن حواره برسائل كان يرددها في سنوات أسره، يعيد إرسالها، فهي للقدس أولًا: أعتذرُ لكِ، للمقاومة: أنتم الأمل، لـ«كتائب القسام»: رأس الحربة في معركة التحرير، لزوجته: أنتِ سيّدةُ العالم، لأولاده: سامحوني على الغياب، لأُدبَاء التطبيع: ستدوسكم عجلة التاريخ، للأسرى: سيصبحُ السجنُ ماضيًا.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة