لقاء مع الشيخ أحمد القطان..
الذين صفقوا وهتفوا لأم الهزائم هم الذين يسيرون في ركاب الحكام الظالمين

الشيخ أحمد
القطان شخصية إسلامية بارزة غنية عن التعريف، له مواقفه المشرفة المؤثرة على
الأحداث المتلاحقة عبر خطبه الحماسية، التي تلهب مشاعر المستمعين، وعندما اجتاحت
قوات الغزو العراقية الكويت حمل الشيخ أحمد القطان قضية وطنه المحتل، وجاب بها
بلاد العالم الإسلامي؛ منبهًا ومحذرًا وداعيًا إلى الوعي والمعرفة بأخطار ومهالك
هذه الهجمة الشرسة، وفي هذا اللقاء حملنا أسئلتنا ووضعناها بين يدي الداعية
الإسلامي، فكان هذا الحوار.
أفرزت
أزمة الخليج خلافًا في حكم الاستعانة بالكافر لدفع اعتداء كافر آخر كنظام البعث
العراقي، الذي اغتصب دولة الكويت ومن فيها، وأخذ يعد العدة لاغتصاب السعودية ودول
الخليج واستباحة كل المحرمات، فما تقول في هذا الخلاف؟
- إن هذه القضية
مبحوثة في الفقه الإسلامي وحكمها مستقر، والحكم الذي صدر من هيئة العلماء في
الحرمين الشريفين وعلماء الأزهر هو الحكم الصحيح، وظهرت نتائجه في تحرير الكويت،
وحقن الدماء، وصون الأعراض، وحفظ الدين، وسلامة أموال الناس وحرياتهم، وعلى
المسلمين أن ينتبهوا، فلا يخلطوا بين جواز الاستعانة بالكافر، وبين موالاته، فالحب
في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن
يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)، وكذلك البعثي الكافر يجب ألا يُوالى ولا
يُناصر على المسلمين وعداوته ثابتة في الماضي والحاضر والمستقبل، وكذلك كل كافر؛ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة).
يقول
البعض: إن جهودكم خلال اغتصاب حزب البعث العراقي الكافر لدولة الكويت كانت تخدم
حكام الخليج، فما ردكم؟
- حكام الخليج
أشرف من حكام المنظمة السرية البعثية العفلقية العراقية العربية الكافرة، التي
سفكت الدماء، وهدمت المساجد وشربت فيها الخمور، ومارست فيها الدعارة، وهتكت
الأعراض، وسرقت كل شيء حتى الدواء والغذاء وأجهزة المرضى وألقتهم خارج المستشفيات،
وحلقت لحى الصالحين، وقتلت حفاظ القرآن.
في جهودي كنت أسعى لتحرير بلدي كما يسعى
كل لاجئ ومطرود عن وطنه
إن جهودي كانت
لله وفي سبيل الله؛ لنصرة المظلوم، والدعوة، والدعاة، والشعب المسلم الكويتي، الذي
أفتى عناكب السوء من العملاء العلماء، الذين ناصروا الظالم على المظلوم، ووالوا
الكافر على المسلم المغدور، إني في جهودي كنت أسعى لتحرير بلدي كما يسعى كل لاجئ
ومطرود عن وطنه، في جهودي كنت أدافع عن حرمة الحرمين الشريفين، وأدفع عنه الأكاذيب
والأباطيل والإشاعات والصور المدبلجة التي يبثها الإعلام العراقي، ومن وقف معه من
الإعلاميين المرتشين القابضين ثمن العار الممتد عبر الفضاء بدخانه وعبر البحار
بتلوثه وعبر الصحاري بألغامه، لقد كنت أدافع عن شعبي ودعواتي وأهلي وحرماتي، إن
الذين يعملون للحكام هم الذين يسمون طاغوت العراق بصلاح الدين، ويسمون هتك الأعراض
المسلمة بالجهاد لتحرير فلسطين، ويشرب الخمور والمخدرات عند أبواب المساجد تسمى
بتوزيع الثروات، وبسفك الدم الحرام في الأشهر الحُرم، وغزو البيت الحرام يسمون ذلك
توحيد الأمة العربية!
إن الذين يعملون
في صالح الحكام الظالمين هم الذين صفقوا وخطبوا وهتفوا لأم الهزائم، وأم المعايب
وأم المخازي، لقد كنت في كل تحركاتي مع الوفد الشعبي الكويتي وليس الحكومي؛ لشرح
الظلم الذي وقع على المسلمين في أرض الكويت، والذي لم يشهد التاريخ مثله ما سمعنا
أن الأرحام سحبت، وقرضت بالمقاريض من بطون الفتيات الأبكار إلا في ظل طاغوت
العراق، ومن لف لفه ووقف معه في صفه.
كنت فضيلة الشيخ
ولا تزال من المدافعين عن الشعوب المظلومة من خلال الصدع بكلمة الحق، فما موقفكم
من مذبحة «حلبجة» وحرب الخليج السابقة قبل احتلال الكويت؟
نعم إن منبري من
أعظم المنابر المدافعة عن حقوق المسلمين في العالم خاصة الذين يتسلط عليهم
الطواغيت من الحكام، فقضية الأقصى مثلًا أدافع عنها منذ عشرين عامًا تقريبًا،
ومنبري الوحيد الذي دافع عن الانتفاضة خلال 4 سنوات متواصلة بما يزيد على 400 خطبة
ودرس، وعبر مؤتمرات العالم الإسلامي في أوروبا وأمريكا ودول الخليج، وكثير من
الدول العربية ممنوع من دخولها؛ بسبب مواقفي من الأنظمة المتسلطة على الشعوب، ومن
القضايا التي تبناها منبري قضية الأكراد فهو المنبر الوحيد الذي دافع عنهم بعد
مذبحة حلبجة مباشرة، وجمعت التبرعات وأرسلتها على شكل بطانيات وأدوية يوم كان
الجميع يسبحون بجهد النظام العراقي الظالم إلا قليلا من الصالحين الدعاة المخلصين،
وكتب عدة مقالات في مجلة «جودي» الكردية .
ومنبري هو
الوحيد أيضًا الذي جمع الصدقات للمسلمين الكنادرة في إيران من أهل السُنَّة على
الساحل، وقمنا بحفر الآبار للمياه العذبة هناك؛ لأنهم كانوا يموتون في إيران من
الظمأ؛ بسبب الحرب الطاحنة هناك، وكذلك قضية كشمير وآسام في الهند، وقضية المسلمين
في الفلبين والمجاهدين الأفغان وغيرها من قضايا الأمة الإسلامية كقضية إريتريا،
والصومال، والسودان، وغيرها.
الذين صفقوا وهتفوا لأم الهزائم هم الذين
يسيرون في ركاب الحكام الظالمين
وكنت أطوف في
ديوانيات الكويت بشريط مذبحة «حلبجة»، وأغير أفكار الناس والشاعر الكويتي سليمان
الجار الله يشهد على هذا.
وبعد الاحتلال
سمعت الدنيا كلها بخطبي عما حدث للأكراد في العراق، وبكى الناس جميعًا وعرفوا
الحقيقة.
ثم بعد التحرير
تبنيت قضية الدفاع عن الأكراد داخل الكويت وخارجها، ولا أزال أسعى لهم.
وكنت أنادي من
منبر «العليان» بضرورة وقف الحرب العراقية الإيرانية، ولكن لا يستجيب إليّ أحد.
هل
تعتقد أن وقوف بعض علماء المسلمين مع النظام العراقي؛ بسبب انخداعها بالشعارات
الإسلامية، التي نادى لها نظام البعث في العراق، متغاضين عن خلفية الطاغية؟
- إن هذا السقوط
الرهيب له أسبابه، وهي كثيرة: فمنها الحسد لأهل الخليج، ومنها ضعف العلم الشرعي
عند بعضهم، ومنها أخذ الرشوة، ومنها بعدهم عن مشاهدة الحدث، ومنها أثر الإعلام
العراقي، ومنها كره أمريكا، ومنها أثر الشارع المتحمس، ومنها الجهل بكفر البعث،
ومنها الرغبة الجامحة في تحرير فلسطين ولو مع الشيطان الأنسى، ومنها الانخداع بقوة
العراق العسكرية، ومنها الوهم والخيال السينمائي في الاستيلاء على قوة العراق،
وإقامة الخلافة المنتظرة، كلها وساوس وأوهام وظنون وحقد وحسد وتغليب الجانب
السياسي على الجانب الشرعي، وخاصة أن هناك لجانًا شرعية عندهم لم يرجعوا إليها بل
صدرت جميع بياناتهم دون الرجوع إلى اللجان الشرعية، وحل التنازع بالرجوع إلى
الكتاب والسُنَّة، فبعض العلماء عنده سبب واحد من هذه الأسباب وبعضهم تجتمع فيه
كلها.
مواقفكم
قبل الاحتلال عن قضية «الأقصى» واضحة، فما موقفكم الآن؟
- لا يزال منبري
يسمى «منبر الدفاع عن الأقصى»، فـ«الأقصى» عندي عقيدة ودين؛ لأنه بيت الله، وأذكر
أني بعد الاحتلال، وأنا في الجزائر أمام 150 ألف مسلم، وقف خطيب الأقصى أسعد بيوض
التميمي يشمت ويلعن أهل الكويت ويفرح بالاحتلال والقتل، ويفتري ويكذب، وقمت أنا
بعده مباشرة وتحدثت عن القضية الفلسطينية قبل القضية الكويتية، وجعلتهما واحدة،
وألهبت حماس الجماهير وأخذوا يهتفون بالروح بالدم نفديك يا كويت، بالروح بالدم
نفديك يا أقصى، وهذا شريط «الفيديو» يشهد على ما أقول.
وبعد احتلال
الكويت صارت قضيتي لها الأولوية، فهو بلدي، وفيه أهلي ودعوتي، ولم يقصر الشعب
الكويتي أبدًا ولا حكومته في نصرة «الأقصى»! وعندنا ساعة الاحتلال من الفلسطينيين
ما يزيد على 600 ألف ينتفع من ورائهم ما يزيد على مليوني مسلم، فلما عم التحرير
صدرنا بيانًا (وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) (فاطر: 18)، وألا يؤخذ البريء بسبب المسيء،
ولعل منبر جمعية الإصلاح هو الوحيد في مثل هذه الظروف الصعبة سمح لي أن أخطب على
مسرحه، فأدافع عن المظلومين من الفلسطينيين والأكراد وفئة بدون، واليمنيين
الحضارمة ثم أتبعتها بدرس في أحد المساجد، ثم نسمع بعد ذلك من إخواننا في أوروبا
وأمريكا من يكذب على الكويت والكويتيين ويختلق قصصًا مثيرة يسمعها من الإعلام
الأردني والعراقي وهو كذب ومحض افتراء.
خلال
الاحتلال وبعد التحرير سبق وأن التقيت بالحكومة الكويتية بخصوص تطبيق الشريعة
الإسلامية في الكويت، وأسلمة القوانين الوظيفية إلى دستور إسلامي، فما مدى التزام
الحكومة بذلك؟
- وعدت الحكومة
بتطبيق الشريعة الإسلامية ثلاث مرات، المرة الأولى خلال زيارتي مع الوفد في
الطائف، والمرة الثانية خلال المؤتمر الشعبي بجده، والمرة الثالثة خلال زيارتي لها
بعد التحرير، ونسأل الله أن يوفقها إلى تحقيق ما دعت، فهي عبارة عظيمة لا يوفق
إليها إلا الصالحون.
حدثنا فضيلة الشيخ عن تجربتكم مع الشعب السعودي الكريم أثناء الاحتلال؟
- الحديث عن
مواقف المملكة العربية السعودية حكومة وشعبًا ودعاة، وعن دول الخليج عمومًا أرجو
أن نفرد لها مقابلة أخرى في مجلتكم الغراء؛ لأن الحديث ذو شجون، ولا بد للأجيال
المسلمة أن تعلم حقيقة تلك المواقف؛ لترى مدى الأصالة الإسلامية والخلق العظيم،
وكم كنا نجهل تلك الشعوب الكريمة لولا هذه المحنة، التي فجرت ينابيع الجود والكرم
وحسن الجوار والإيثار وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وتحقيق معاني
الأخوة الصادقة؛ حتى عدنا إلى عهد الرعيل الأول من المهاجرين والأنصار إلى لقاء
آخر أتحدث فيه عن الوجه المشرق لهذه الأزمة(1).
____________________
(1) نُشر في
العدد (979)، 2 جمادى الآخرة 1412هـ/ 8 ديسمبر 1991م، ص 13.