الشاهدة على مجزرة «دار الأرقم»

لولا الإيمان الذي يزرعه الله تعالى في قلوبنا لتوقف نبضها، وزال عقلها، لهول ما رأت العيون من فاجعة مجزرة مدرسة «دار الأرقم»، وغيرها من المجازر التي لم يعد أرقامها يسهل إحصاؤها.

المدرسة كانت لا تبعد سوى خطوات عني؛ الأمر الذي أفجع هدوء النفس وحركها عن موضعها بعد سقوط الصاروخ الأول على مصلى المدرسة، وتبعه مباشرة سقوط الصاروخ الثاني.

لقد أفزع الحي بأكمله فكيف بساكنيها؟! فهذه الأصوات يبدو أنها جديدة وأكثر فتكاً وتدميراً، صواريخ كانت أكبر بكثير من حجم النازحين الذين تقطعت بهم السبل بعد قصف الاحتلال منازلهم، وتعثرت بهم الحال أن يجدوا مكاناً للإيواء غير المدرسة، وإن كان عدد نازحيها كبيراً، فهم يرون العيش داخل جدران فصل مدرسي أهون معاناة من العيش في خيمة عبارة عن قطع من النايلون التي لا تصلح لشتاء أو حتى صيف.

قلوب فزعة

خرج من تبقى على قيد الحياة وقلوبهم فزعة من هول الحدث، حتى الجرحى من الذين ما زالت أقدامهم تستطيع حملهم ولو لمسافة قصيرة كانوا يحاولون السير لمكان أكثر أماناً رغم أن الدماء تسيل منهم.

ما أصعب المشهد حينما رأيت عدداً منهم عبارة عن أشلاء وضعت في بطانية لحملها حتى يتم دفنها! لا أعلم كيف يمكن الاحتفاظ بها حتى يتعرف أهلها عليها!

عملية الإجلاء كانت ثقيلة على النفس، أثقل من حمل الجبال على الظهر المنحني، حاول طاقم الإسعاف والدفاع المدني إنقاذ من تبقى أنفاسه تأخذ بالشهيق والزفير.

لكن الذي لم يكن بالحسبان بهذا الظرف الصعب، أن الاحتلال جدد قصفه للمدرسة؛ الأمر الذي جعل إنقاذ من تبقى، وانتشال الجثامين وقطع اللحم لأجساد الأطفال والكبار، والعثور على المفقودين أمراً في غاية الصعوبة.

طلب الدفاع المدني أن نغادر المكان، ورغم خطورة الوضع، فإنهم كانوا يعملون جاهدين أن أغادر مع أقاربي المحيط القريب من المدرسة، فكان إحدى رجال الدفاع المدني يحاول أن يخفف علينا هول الأمر، وعدم القلق.

كدت في هذه اللحظة أرغب بالبكاء كيف لمثله يحرص ألا يصيبنا أذى، بينما هو يبقى يعمل بالميدان تحت وابل الصواريخ، وهم لا يملكون أدوات إنما يكون العمل بأيديهم فقط؟!

أخذت أردد بالدعاء بأن يحفظهم، فكل واحد منهم له عائلة تنتظره.

حاولت الابتعاد عن المنطقة ولو بعض المسافة حتى وإن كانت قصيرة من باب الأخذ بالأسباب.

تم قصف مدرسة أخرى مجاورة لمدرسة «دار الأرقم»، وكذلك مسجد، وبالوقت ذاته كان القصف متواصلاً على المدرسة، فتم إزالة جميع مبانيها فلم يبق منها أثر.

كان القصف عنيفاً جداً، ومدمراً، بصواريخ لم نعهد قوتها من قبل، فيبدو أنها أسلحة جديدة تستخدم في تجاربها الأولى على أجساد الأطفال، والنساء والشيوخ، والرجال، والشجر، والحجر فالجميع مستهدف.

توالي القصف جعل جثامين ومفقودين ما زالوا تحت ركام المدرسة، فكان من الصعب انتشالهم.

هي لم تكن المجزرة الأولى، إنما حلقة من ضمن سلسلة من المجازر الطويلة التي يصعب إحصاؤها، وما زال الاحتلال يتواصل بها ليل نهار، محا من خلالها عائلات كبيرة بأكملها من السجل المدني!


كلمات دلاليه

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة