ليلة القدر.. وقلق المستقبل!

القلق وباء العصر الحديث، ويُعرف في عالم المشكلات النفسية بـ«الباب»؛ لأنه عندما يُفتح، تدخل بعده معظم الاضطرابات النفسية والمشكلات السلوكية.

والقلق بشكل عام هو سيطرة مشاعر التوتر والخوف والضيق على الإنسان، خصوصًا عندما يرتبط ذلك بأمور قد تحدث أو لا تحدث في الأيام القادمة.

أما قلق المستقبل، فهو نوع خاص من القلق يجعل الشخص لا يفكر إلا بما قد يحمله المستقبل من مشكلات وصعاب، وأن غدًا أسوأ من اليوم، بالإضافة إلى شعور الشخص بعدم الأمان، وهذا يجعله دائم التوتر والحزن والخوف من اتخاذ القرارات، كما يتوجه سلوك هذا الشخص لمحاولة تأمين مستقبله ومستقبل أولاده، الذي قد يتجاوز فيه الحدود المقبولة شرعًا وعرفًا.

وقلق المستقبل ليس بجديد على البشر، بل قد نفهم إحدى زواياه من قصة أبينا آدم عليه السلام، عندما وسوس له الشيطان أن الأكل من الشجرة سيضمن له الخلود والملك الدائم، وهذان الأمران أكبر محركات السلوك الإنساني، فكم وقعت البشرية في حفر الشرور وهي تبحث عن الخلود في الدنيا، وتتقاتل على امتلاك المزيد والمزيد من الحطام الفاني!

وجاءت الرسالة الخاتمة على يد سيد البشر عليه الصلاة والسلام لتبني اليقين والإيمان بأن المستقبل الحقيقي هو الدار الآخرة، التي يجب أن تتجه بوصلة السلوك والفكر إليها دائمًا، وأن ترياق قلق المستقبل وعلاجه هو تجديد التوحيد في النفوس، والحياة في رحاب الأسماء الحسنى والصفات العلى.

وأما عن ليلة القدر وارتباطها بقلق المستقبل فله وجهان؛ أما الأول، فهو التأثير الذي شرحه الكثير من العلماء: أنه في هذه الليلة تُكتب المقادير، وتوزّع تصاريف القدر، فهنيئًا لمن قامها، وطلب من رب الخير كل خير، وتحويل مشاعر وأفكار القلق إلى سلوك إيماني، له بالغ الأثر من الناحية الإيجابية على النفس الإنسانية، حيث يرفع العبد الفقير حاجته للرب القدير، وهو بالإجابة جدير.

وأما الوجه الثاني، فإن ليلة القدر هي تأمين للمستقبل الحقيقي للمسلم في الدار الآخرة، فليلة القدر خير من عبادة ألف شهر، التي تعوّض أعمارنا القصيرة وأعمالنا القليلة، ولهذا يجب تحويل القلق والخوف مما بعد الموت إلى وقود يحرّك هذا الجسد ليعمل للفردوس الأعلى، والجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة