الصيام طريق النظام

يطلق النظام
على الخيط الذي تنتظم فيه حبات اللؤلؤ أو العقد، كما يطلق على الترتيب والاتساق، والمنظوم
من كل شيء ما تناسقت أجزاؤه على نسق واحد(1).
والصيام ليس
مجرد امتناع عن الطعام والشرب، بل هو مدرسة عظيمة للنظام والانضباط في حياة المسلم،
فهو يعلمنا كيف ننظم حياتنا ونرتبها في تناسق وإحكام، ويتبين ذلك فيما يأتي:
- التخطيط
للصيام وأثره في صناعة النظام:
لا يقوم نظام دون
تخطيط، فالتخطيط أساس النظام ووسيلته إلى النجاح، والتخطيط للصيام يكون بتبييت
النية والإخلاص لله تعالى، ويكون ذلك قبل الصيام، ومن مزايا النية في الصيام أنها
تتكرر فيه كل يوم، حتى تسهم في ضبط البوصلة التعبدية، فلا ينحرف المسلم في عبادته
إلى الرياء، أو يستقل الأجر والثواب فيضعف عم مواصلة العبادة، وفي هذا تأكيد على
أن التخطيط للنظام يكون قبل العمل، ويستمر في أثناء الأداء حتى يكون عاملاً مساعداً
على الضبط والنجاح.
- النظام
التعبدي في رمضان:
يسهم الصيام في
تنظيم الحياة التعبدية للمسلم، فهو يقوم من نومه قبل الفجر لتناول السحور، الذي
يحرص على تأخيره حتى يدرك صلاة الفجر، وهذا تنظيم لا يحدث في غير الصيام، ويضاف
إلى ذلك أن الصيام يقوي العلاقة مع الله تعالى بصورة منتظمة، فالصائم ينتقل من
عبادة إلى عبادة، مما يزيد من تقوى الله والخوف منه.
ومن أهم مظاهر
النظام التعبدي في رمضان ما يفعله المسلم إذا دخلت العشر الأواخر، حيث يضع نظاماً
خاصاً للاجتهاد في العبادة، من أجل إدراك ليلة القدر والحصول على ثوابها، وقد فعل
النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، حيث كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ويحرص على
إحياء الليل، ودعوة أصحابه إلى تحري ليلة القدر.
ففي صحيح
البخاري عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ،
وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»، وروى البخاري، ومسلم، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ».
- النظام
في طعام الصيام:
قال العقاد:
الصيام في مظهره الاجتماعي يعطينا مظهر أسرة عظيمة من مئات الملايين من الأُسَر،
تنتشر في جوانب الأرض، وتقترن شعائرها الدينية كل يوم بأمَسِّ ما يحس الإنسان في
معيشته اليومية، وهو أمر الطعام والشراب ومتع الأجساد، ملايين من الناس في جوانب
الأرض يطعمون على نظام واحد، ويمسكون عن الطعام على نظام واحد، وقلما انتظمت أسرة
بين جدران بيت على مثل هذا النظام(2).
ففي الصيام تحرص
البيوت على الالتقاء على الطعام والشراب، بل تنتظم الأعمال الحرة والمؤسسية وفق
النظام الجديد، ليكون موعد الإفطار جامعاً لكل الناس، كما تحرص الأمة الإسلامية في
مشارق الأرض ومغاربها على التنظيم لطعام السحور، وترتيب الوقت له، رغم أن الناس
جميعاً في غير الصيام لا يأكلون في هذا الوقت إلا عند الاضطرار، لكنه في الصيام
يكون أمراً عادياً ومنتظماً، كما يظهر النظام في طعام الصيام من خلال الاعتدال في
تناول الطعام، حيث إن المسلم يتجنب الإسراف والتبذير؛ ما يؤدي إلى القدرة على أداء
العبادات، والتقليل من إهدار الموارد الاقتصادية.
- تنظيم
الوقت واستثماره في الصيام:
يفرض الصيام
مواعيد محددة للسحور والإفطار والعبادات؛ ما يعودنا على الالتزام بالمواعيد وتنظيم
الوقت الخاص بكل شيء، كما يشجع الصيام على استثمار الوقت في العبادة والذكر
والقراءة؛ ما يقلل من إضاعة الوقت في أمور غير مفيدة أو نافعة، ويضاف إلى ذلك أن رمضان
يجمع الناس على صلاة التراويح، فينظم المسلم وقته وحياته بما يتناسب مع وقت
الصلاة، ولا يمكن له أن يطوعها لوقته أو نظامه الخاص، فهي سُنة تجمع الناس عقب
صلاة العشاء، وإذا أراد المسلم أن يحدد مواعيد أخرى؛ فإنه يجعلها لاحقة للتراويح
أو متقدمة عليها حتى يأتي وقت الصلاة، فينتظم في صفوف المصلين، تاركا وراءه كل
شيء.
- النظام
الصحي في الصيام:
يؤدي الصيام إلى
تعزيز النظام الصحي في حياة الإنسان، فالصيام يحفظ صحة الإنسان، بل إن الدراسات
الطبية أكدت أن الصيام يساعد على تنظيف الجسم من السموم، وتحسين وظائف الجهاز
الهضمي؛ ما يعزز صحتنا العامة، كما يشجع الصيام على تنظيم وجبات الطعام وتناول
الأطعمة الصحية والمتوازنة؛ ما يحافظ على الوزن المثالي للإنسان.
- نظام
الصيام وأثره في ضبط النفس:
يسهم الصيام في
ضبط النفس وحسن المحافظة على الأخلاق الحميدة من خلال تقرير عدم رد الإساءة
بمثلها، وتوطين النفس على ذلك، فقد روى البخاري، ومسلم، في صحيحيهما، عن أبي
هُريرةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم
فلا يَرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن سابَّهَ أحدٌ، أو قاتَلَه؛ فلْيقُلْ: إنِّي امرؤٌ
صائِمٌ»؛ وفي هذا تنظيم للنفس، وتحكم في انفعالاتها وتصرفاتها.
كما أن الصيام
يقوي التحكم في النفس من حيث القدرة على عدم تناول الطعام والشراب من طلوع الفجر
إلى غروب الشمس، وهذا نظام يدرب النفس على التحكم في شهواتها المادية، كما سبق وأن
تحكمت في شهواتها المعنوية أو الغضبية.
واجبات
عملية لتعزيز النظام في الصيام
1- وضع جداول
محددة بالزمان والمكان لأوقات السحور والإفطار والعبادات.
2- تحديد أهداف
يومية وأسبوعية وشهرية للعبادة والقراءة والأعمال الصالحة المتنوعة.
3- اغتنام جميع
الأوقات في أعمال متنوعة للانتفاع بها في شهر الصيام.
4- تجنب الإسراف
في نوع واحد من الأعمال، حتى لا تمل النفس فتتركه.
5- الاعتدال في
النظام الغذائي.
___________________
(1) المعجم
الوسيط: مجمع اللغة العربية (2/ 933).
(2) الفلسفة
القرآنية: عباس محمود العقاد، ص140.