القوة الاقتصادية وأثرها في نهضة الأمة وتمكينها

إن من أسباب التمكين أن تهتم الحركات الإسلامية بالجانب الاقتصادي؛ لأن القوة الاقتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها، والضعيف فيها يقهر ولا يحسب له حساب إلا في ظل شرع الله حين يحكم، ولذلك ينبغي للحركات الإسلامية أن تعتمد على الذات في موارد ثابتة، وهذا من النفرة التي أمرنا الله عز وجل بإعدادها لمواجهة الأعداء ونشر الدين، والاستغناء عن مد يد الاستجداء؛ ما يوفر للدعوة والدعاة حرية التحرك، واتخاذ القرار دون ضغوط كابحة للنشاط الإسلامي من أي جهة كانت، إضافة إلى ما توفره القوة المادية من ثقل إعلامي واجتماعي وسياسي هي بأمسّ الحاجة إليه.

كما أن حاجات العمل المتعددة تحتاج إلى أموال طائلة لتغطيتها، والمطلوب من الحركات الإسلامية أن تعد من رجالها من التجار المسلمين من تظهر على سلوكه أخلاق الإسلام في التعاملات التجارية، وتزوده بالخبرات الميدانية بحيث يقتحم مع إخوانه مجالات التجارة الدولية والأسواق العالمية، ويعمل على توحيد جهود التجار المسلمين وإيجاد شبكات للتعاون المثمر بحيث يقارعون الشركات اليهودية والشيوعية والنصرانية، ويبذلون ما في وسعهم من أجل هيمنة الاقتصاد الإسلامي على الأسواق العالمية، ويحررون شعوب المسلمين من سيطرة الفكر الرأسمالي الدخيل والشيوعي.

إن على التجار المسلمين أن يستوعبوا علم الاقتصاد الإسلامي الذي ينسجم مع تصور الإسلام للكون والإنسان والحياة، والذي في طياته حل لمتطلبات العصر الحديث وبخاصة أن العالم الإسلامي يمتلك من الطاقات البشرية والمادية ما يمكنه من بناء اقتصاد سليم قوي يواجه التيارات الاقتصادية المتصارعة، وينقذ البشرية من الويلات الاقتصادية التي تعيشها.

وعليهم أن يسعوا إلى أسلمة المؤسسات الاقتصادية بحيث تنسجم مع النظام الإسلامي على جميع المستويات، كما عليهم أن يعمقوا فاعلية المؤسسات الإسلامية حتى يتم تطويرها ويستفاد من أخطائها، وتعالج العوائق التي تحدث في طريقها، ولقد نجحت الحركة الإسلامية في تركيا نجاحاً جيداً وأصبحت لها مؤسسات قوية ثابتة ولها تأثير وأداء متميز في الشارع التركي.

ولقد استطاعت الحركة الإسلامية في السودان أن تخوض تجارب رائدة في البنوك الإسلامية وفي المؤسسات الاقتصادية وتوظيف فريضة الزكاة لحل مشكلات المسلمين، وكذلك الحركات الإسلامية في اليمن والأردن وماليزيا وإندونيسيا، وأصبح بحمد الله لها بنوك إسلامية ومستشفيات ومؤسسات عملاقة، إلا أن الأعداء يضيقون عليها ويحاربونها.

إن الحركات الإسلامية فهمت معادلة المال وهيمنة الاقتصاد فهماً جيداً، وأصبحت ترى التاجر المسلم من صناع الحياة، بل هم صناع الصناع، يقول أ. محمد أحمد الراشد في هذا الصدد: «وعلى خطة الدعوة أن تتوب توبة نصوحًا من إسرافهم القديم في تعليم الدعاة كراهة المال وحب الوظائف الحكومية..»(1).

وطلب في كتاب صناعة الحياة من الدعاة أن يهتموا بجمع المال ولينزل منهم نفر إلى السوق، لأن في ذلك مردوداً دعوياً، وذكر اليهود الذين استحوذوا على الأموال والأسواق ونحن لا نجيد إلا سبهم، ونضجر من المارون والأقباط والبهرة والقاديانية والمبتدعة والأقليات إذ كان منهم السبق إلى المال، بتسهيل الدوائر الاستعمارية لهم ذلك في فترة الاستعمار جزماً، وبمساعدة من قوى خفية أخرى، ولكننا لم نحسن غير سبهم وشتمهم!

إن قوة الاقتصاد الإسلامي ووصول الأموال إلى قبضة المسلمين ستكون عاملاً من عوامل قوة الدعوة الإسلامية، وستتحكم المنظومة الإسلامية على الاقتصاد العالمي وستعرض على العالم سوقًا إسلامية ومنظومة شركات إسلامية.

وسترتفع رايات المسلمين ومعنوياتهم عندما يرون رجال المال المسلمين الذين ينفقون أموالهم سراً وعلانية ابتغاء مرضاة الله، وينطلق الدعاة في كل مكان مبشرين ومنذرين وخلفهم مؤسسات وشركات تدعمهم وتقف بجانبهم، كل على ثغر، وكل يسعى لتمكين دين الله في الأرض.

إن الإعداد المالي والقوة الاقتصادية ستكون في خدمة الأمة والدعوة والسياسة والفكر، وسيسند حركة التغيير الشاملة من أجل التمكين لدين الله في الأرض.

ولا بد أن تهتم الحركات الإسلامية بميدان الصناعة والزراعة والعقار والاستيراد والتصدير، وبخاصة في البلاد الحرة التي لا ينال أموالنا فيها ظلم، وفي العالم الكبير الفسيح متسع للاستثمار(2).




_________________

(1) صناعة الحياة، محمد أحمد الراشد، دار المنطلق، دار المجتمع السعودية، الطبعة الثانية 1412هـ، 1992م، ص46.

(2) صناعة الحياة، محمد أحمد الراشد، ص 46، 47.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة