القوى الغربية متواطئة في جريمة الإبادة الجماعية في غزة
د. ألون بن مائير(*)
ترجمة: جمال خطاب
يبدو أن مزاعم
القوى الغربية حول الأسس الأخلاقية العالية قد تلاشت تماماً، نتيجة لما حدث في غزة
التي تحولت إلى خراب شبه تام، مع قتل أكثر من 59 ألف شخص.
فقد تجاوزت
الحرب في غزة العديد من الخطوط الحمراء، حيث اعتبرت حياة الفلسطينيين تافهة، لا
قيمة ولا أهمية لها، كان من الممكن منع الكثير من هذه الجرائم المروعة ضد
الإنسانية التي ترتكبها حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين في غزة لولا الدعم السياسي
والاقتصادي والعسكري شبه غير المشروط والمستمر من القوى الغربية، بقيادة الولايات
المتحدة، إن لم يكن هذا يشكل تواطؤًا في جرائم الحرب التي ارتُكبت وترتكب ضد عشرات
الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، فلا أدري ما الذي تشكله.
لقد تلاشت
ادعاءات القوى الغربية بالنزاهة الأخلاقية تمامًا، والدليل على ذلك أنه على الرغم
من أن معظم غزة في حالة دمار شامل، وقد تم قتل أكثر من 59 ألف شخص، فإن الدعم
الغربي لا يزال متدفقا مستمرًا بلا كلل، وتستمر إمدادات آلات القتل في التدفق
بينما يموت غالبية الفلسطينيين البالغ عددهم 2.1 مليون جوعًا، ولا يكترث الموردون
بالكارثة الإنسانية المتفاقمة التي يتعرض لها جميع سكان غزة.
وقبل أن أتناول بالتفصيل الدور الذي لا غنى عنه للولايات المتحدة في إنهاء الحرب في غزة، من الضروري إجراء مراجعة موجزة لما فشلت القوى الغربية الأخرى في القيام به.
تقصير فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا
دعمت القوى
الغربية، وخاصة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وما زالت تدعم باستمرار عدوان «إسرائيل»
على غزة، مدعية حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها، وخلال الأسابيع القليلة الماضية
فقط بدأت في التفكير الخجول في معالجة الأزمة الإنسانية المروعة في غزة، لقد نظروا
في تدابير -من تعليق التجارة وفرض العقوبات إلى الانتقادات العلنية والجهود
الدبلوماسية- لإجبار نتنياهو.
بالإضافة إلى
ذلك، أصدرت المملكة المتحدة وفرنسا وكندا مؤخرًا بيانًا مشتركًا يهدد بردود فعل
ملموسة، بما في ذلك عقوبات مستهدفة، إذا فشلت «إسرائيل» في إنهاء عدوانها المتجدد
والسماح بالمساعدات الإنسانية دون عوائق، وأصرت على تحسينات فورية في وصول
المساعدات الإنسانية، كما استضافت المملكة المتحدة وفرنسا أيضًا مؤتمرات دولية
مشتركة لتعزيز وقف إطلاق النار وحل الدولتين، وتعهدت بالدعم الدبلوماسي والمالي
لمبادرات السلام.
تحركات
وإجراءات محدودة لا تفي بالغرض
للأسف، لا تفي هذه التهديدات الغربية والإجراءات المحدودة بالغرض المطلوب لإنهاء جرائم الحرب المروعة التي يرتكبها نتنياهو وحكومته، يجب عليهم فرض حظر فوري على جميع إمدادات المعدات العسكرية وقطع الغيار، وبصفتهم أكبر شركائهم التجاريين، يجب عليهم تجميد جميع التعاملات التجارية مع «إسرائيل» في الحالات التي تُسبب فيها ضررًا، فقط باتخاذ هذه الإجراءات، يُمكن لنتنياهو وحكومته الفاسدة إدراك حجم الغضب الأوروبي.
تواطؤ الولايات المتحدة في جرائم نتنياهو ضد الإنسانية
تستطيع الولايات
المتحدة ممارسة ضغوط أكبر بكثير على «إسرائيل» من الضغوط التي تستطيع القوى
الغربية الأخرى مجتمعة ممارستها، ولكن للأسف، لم تستخدم إدارة بايدن ولا إدارة ترمب
استخدام نفوذها الهائل لإجبار نتنياهو على إنهاء الحرب المروعة التي على وشك تدمير
ما تبقى من غزة وتدمير سكانها بالكامل تقريبًا.
لا شك أن التزام
الولايات المتحدة بالأمن القومي لـ«إسرائيل» أمر مفروغ منه منذ قيام «إسرائيل» عام
1948م، وعلى الرغم من أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد التزمت ولا تزال تلتزم
بهذا الالتزام، فإن «إسرائيل» بعد 77 عامًا لا تشعر بالأمان بسبب الصراع المستمر
مع الفلسطينيين؛ وهذا يعني أنه إذا كانت الولايات المتحدة تهتم بالأمن القومي لـ«إسرائيل»،
وهو ما تفعله بالفعل، كان ينبغي لها التخفيف من مصدر شعور «إسرائيل» بانعدام الأمن
من خلال الضغط الحقيقي عليها للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وهذا هو ما
يمكن أن يحقق الأمن القومي «الإسرائيلي» في نهاية المطاف.
ولعقود من
الزمن، دافع الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون، ومن بينهم ترمب، عن فكرة حل الدولتين،
وعلى الرغم من أنهم بذلوا جهودًا متكررة على مدى عدة عقود لإحلال السلام بين
الجانبين، فإنهم لم يتخذوا أبدًا خطوات ملموسة للضغط على كلا الجانبين لقبول
النتيجة الواقعية الوحيدة التي كانوا يدعون إليها، التي كان من الممكن أن تنهي
الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني.
لم تستخدم
إدارتا بايدن، وترمب، التهديد ضد «إسرائيل» ولو لمرة واحدة، ناهيك عن فرض عقوبات
عليها، لوقف القصف العشوائي لغزة والخنق المتعمد لإمدادات الغذاء والدواء والمياه؛
ما أدى إلى مجاعة جماعية، بل على العكس من ذلك، فقد استمر كلاهما في تزويد «إسرائيل»
بالأسلحة والذخائر التي كانت تطلبها دون تحفظات.
مساعدات
عسكرية متدفقة لـ«إسرائيل»
وفقًا لمشروع
تكاليف الحرب، الذي يتتبع المساعدات والنفقات العسكرية الأمريكية، منذ بدء الحرب
في أكتوبر 2023م، قدمت الولايات المتحدة لـ«إسرائيل» 22.76 مليار دولار كمساعدات
عسكرية، وفي يناير 2025م، أذن ترمب بالإفراج عن 1800 قنبلة «MK-84» (أسلحة تزن
2000 رطل) كانت إدارة بايدن قد حجبتها احتجاجًا على تصرفات «إسرائيل» في رفح.
وبدلاً من إدراك
أن هذه الحرب الشنعاء على غزة تُعزز فكرة أن حل الدولتين وحده كفيل بإنهاء الصراع «الإسرائيلي»
الفلسطيني، عرض ترمب الاستيلاء على غزة وبناء «ريفييرا فاخرة» عليها، الأمر الذي
لن يؤدي إلا إلى إدامة الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني القاتل لجيل آخر.
وبدلاً من
التصدي لنتنياهو وحكومته بشأن فكرة التخطيط لإعادة بناء مستوطنات يهودية جديدة في
غزة، دأب ترمب على الترويج لفكرة نقل الفلسطينيين إلى دولة ثالثة، هذا ليس سوى
موسيقى مريحة في أذن نتنياهو، مُشيدًا بترمب على إبداعه؛ لأنه لا شيء سيُشبع رغبة
نتنياهو وحكومته أكثر من الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والتخلص من
الفلسطينيين نهائيًا.
بدلاً من
الإصرار على وقف إطلاق النار الفوري ووضع إستراتيجية واضحة للخروج من غزة، لا يزال
ترمب يتصرف بحذر شديد، حريصًا على عدم إثارة غضب قاعدته السياسية، وخاصة
الإنجيليين، فبالنسبة لهؤلاء المسيحيين المتدينين، لا يمكن لـ«إسرائيل» أن تخطئ،
على الرغم من قتلها لآلاف من النساء والأطفال الأبرياء وما زالت تضيف مئات آخرين
أسبوعيًا إلى قائمة القتلى، ويدمر نتنياهو ما تبقى من البنية التحتية لغزة لجعلها
غير صالحة للعيش.
والآن، تقوم حكومة نتنياهو بتهجير الفلسطينيين قسراً في غزة إلى الجنوب وتبني معسكر اعتقال على أنقاض رفح، وتخطط حكومته لارتكاب تطهير عرقي كامل عن طريق نفي الفلسطينيين إلى دولة ثالثة، نعم، هناك نكبة أخرى، على غرار نكبة عام 1948م، في طور التكوين.
ترمب يستطيع إنهاء الحرب إذا أراد
تركيز ترمب على
وقف إطلاق النار على الفور كخطوة أولى أمر ضروري، ولكن يجب أن يظل مجرد خطوة أولى،
يجب أن يقول لنتنياهو بوضوح تام: إنه خلال وقف الأعمال العدائية، يجب عليه وضع
وتقديم إستراتيجية للخروج من غزة، يجب أن تتوقف الحرب ولا يمكن استئنافها تحت أي
ظرف من الظروف، ويجب أن يبدأ تدفق المساعدات الإنسانية فورًا بكميات كافية لمنع
المجاعة الجماعية.
نعم، نظرًا
لاعتماد «إسرائيل» على الولايات المتحدة في العديد من القضايا، بما في ذلك الغطاء
السياسي والمساعدة الاقتصادية والعسكرية، فإن ترمب في وضع لا يسمح له بطلب، بل
بمطالبة نتنياهو بالالتزام بمطلب الولايات المتحدة بإنهاء هذه الحرب المروعة، التي
يصعب حتى تخيل عواقبها النهائية.
فترمب الذي يتوق
للفوز بجائزة «نوبل» للسلام يواجه أمامه طريقين؛ الأول: أن يلتزم الصمت في مواجهة
هذه الكارثة الوشيكة، وبذلك سيكون متواطئًا، أمام القانون، في جرائم الحرب
المرتكبة في غزة، أما الطريق الآخر، الذي قد يساعده على تحقيق حلمه هو إنهاء الحرب
في غزة وبدء عملية سلام «إسرائيلية» فلسطينية تؤدي إلى الحل الوحيد القابل للتطبيق؛
حل الدولتين.
هل سيرتقي ترمب
إلى مستوى الحدث ويحقق ما عجز عنه جميع أسلافه؟
_______________
(*) أستاذ
متقاعد في العلاقات الدولية، عمل مؤخرًا في مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، درّس
دورات في المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط.
المصدر: «ميدل
إيست أونلاين».