حتى لا ننسى.. كيف نشأت البؤرة السرطانية في المنطقة العربية؟!

يعتبر ثيودور هرتزل (1860 - 1904م) الأب الروحي للحركة الصهيونية، وقد دعا في كتابه «الدولة اليهودية» عام 1896م إلى ضرورة إنشاء دولة يهودية لحل مشكلة معاداة السامية في أوروبا، وفي عام 1897م عُقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا، حيث تم الاتفاق على السعي لإنشاء دولة يهودية في فلسطين.
ومع بداية القرن العشرين، وجدت الحركة الصهيونية دعماً من بريطانيا، القوة الاستعمارية الكبرى آنذاك، وفي عام 1917م، صدر «وعد بلفور»، وهو تصريح من اللورد آرثر بلفور، وزير خارجية بريطانيا، إلى اللورد روتشيلد، يعلن فيه دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وبعد الحرب العالمية الأولى، وضعت بريطانيا فلسطين تحت الانتداب البريطاني (1920 - 1948م)، وأصبحت تهيئ الظروف لهجرة اليهود إلى فلسطين، وخلال فترة الانتداب البريطاني، تضاعفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، خاصة بعد صعود النازية في ألمانيا، واضطهاد اليهود في أوروبا، ومن عام 1920 إلى 1947م، ارتفعت نسبة السكان اليهود في فلسطين من 10% إلى حوالي 33%، هذه الهجرة كانت مصحوبة بدعم مالي وعسكري لإنشاء مستوطنات يهودية مسلحة؛ ما أدى إلى توترات وصراعات مع السكان الفلسطينيين.
وفي عام 1947م، قدمت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين:
- دولة يهودية (55% من الأرض) رغم أن اليهود لم يكونوا يملكون سوى 7% من أراضي فلسطين.
- دولة عربية (45% من الأرض)، والقدس وبيت لحم تحت إدارة دولية.
رفض الفلسطينيون والعرب هذه الخطة، معتبرين أنها غير عادلة، حيث أعطت لليهود مساحة أكبر بكثير من نسبتهم السكانية.
وفي 14 مايو 1948م، أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة «إسرائيل»، وذلك قبل يوم واحد من انتهاء الانتداب البريطاني، وفي اليوم التالي، اندلعت حرب عام 1948م، بين «إسرائيل» والدول العربية المجاورة (مصر، الأردن، سورية، لبنان، العراق)، لكنها انتهت بانتصار «إسرائيل»، واحتلالها لمساحات أكبر مما منحها قرار التقسيم.
وأدت الحرب إلى نكبة الفلسطينيين، حيث تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، وتدمير مئات القرى.
وفي حرب عام 1967م، احتلت «إسرائيل» الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية، وسيناء، والجولان السوري، وبعد هذه الحرب، بدأت «إسرائيل» في تنفيذ مشروع استيطاني واسع النطاق، خاصة في الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية للمنطقة.
وقامت «إسرائيل» ببناء مستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ بهدف فرض أمر واقع يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، مستخدمة القوانين العسكرية والاستيطانية لمصادرة أراضي الفلسطينيين بالقوة.
كما عملت على تغيير الطابع الإسلامي والمسيحي للقدس من خلال:
- هدم المنازل الفلسطينية.
- توسيع المستوطنات «الإسرائيلية».
- تقليص عدد السكان الفلسطينيين عبر سحب هوياتهم المقدسية.
ومنذ عام 2007م، فرضت «إسرائيل» حصارًا مشددًا على قطاع غزة؛ ما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة، وتمنع دخول العديد من المواد الأساسية إلى غزة، وتشن هجمات عسكرية متكررة على القطاع.
وتقوم «إسرائيل» باعتقال الآلاف من الفلسطينيين سنويًا، بمن فيهم الأطفال، ويمارس الاحتلال سياسات الإعدام الميداني، وهدم المنازل كعقاب جماعي.
آراء بعض المفكرين المسلمين والغربيين في اليهود
في العصر الحديث، تناول العديد من المفكرين المسلمين والمؤرخين الغربيين قضية اليهود من زوايا مختلفة، سواء من حيث تأثيرهم السياسي والاقتصادي، أو علاقتهم بالمجتمعات الغربية والشرقية، وفي هذا السياق، نستعرض بعض آراء المفكرين المسلمين، وكذلك آراء المؤرخين والمفكرين الغربيين حول اليهود في العصر الحديث.
أولًا: آراء المفكرين المسلمين عن اليهود في العصر الحديث:
1- محمد عبده (1849 - 1905م): كان الإمام محمد عبده أحد أبرز المفكرين المسلمين الذين انتقدوا الصهيونية، لكنه لم يكن معاديًا لليهود كديانة، ورأى أن المشكلة ليست في اليهود كأفراد، بل في الصهيونية كحركة سياسية تهدف إلى السيطرة على فلسطين، وأكد أن الصراع بين المسلمين واليهود ليس دينيًا بقدر ما هو سياسي واستعماري.
2- رشيد رضا (1865 - 1935م): تحدث رشيد رضا عن خطورة المشروع الصهيوني، محذرًا من محاولات اليهود للسيطرة على فلسطين بدعم غربي، ووصف اليهود بأنهم يستغلون الاقتصاد والتجارة لتحقيق أهداف سياسية، وانتقد دورهم في دعم الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة العربية.
3- حسن البنا (1906 - 1949م): مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كان من أشد المعارضين للمشروع الصهيوني، ورأى أن اليهود جزء من مؤامرة استعمارية كبرى تهدف إلى إضعاف العالم الإسلامي، ودعا إلى مقاطعة الاقتصاد اليهودي في فلسطين قبل النكبة عام 1948م.
4- سيد قطب (1906 - 1966م): في كتابه «معالم في الطريق» وكتابات أخرى، انتقد سيد قطب دور اليهود في نشر الإلحاد والقيم المادية في المجتمعات الإسلامية، واعتبر أن التاريخ الإسلامي مليء بالصراعات مع اليهود الذين خانوا العهود، ورأى أن اليهود أدوا دورًا في تفكيك القيم الدينية والأخلاقية عبر سيطرتهم على الإعلام والاقتصاد.
5- مالك بن نبي (1905 - 1973م): كان مالك بن نبي من المفكرين الذين تناولوا موضوع السيطرة اليهودية على الاقتصاد العالمي، وأكد أن الصهيونية ليست مجرد حركة دينية، بل مشروع سياسي مدعوم من القوى الغربية، ودعا المسلمين إلى بناء وعي حضاري لمواجهة هذه التحديات بدلًا من التركيز على نظرية المؤامرة.
ثانيًا: آراء المؤرخين والمفكرين الغربيين عن اليهود في العصر الحديث:
على مر العصور، كتب العديد من المفكرين والمؤرخين الغربيين عن اليهود ودورهم في المجتمعات الغربية، بعضهم تحدث عن دورهم الاقتصادي والسياسي، بينما ركّز آخرون على معاداتهم واضطهادهم في الغرب.
1- هنري فورد (1863 – 1947م): صاحب شركة فورد للسيارات، نشر كتاب «اليهودي العالمي» (The International Jew)، قال: إن اليهود يسيطرون على الاقتصاد الأمريكي والعالمي من خلال البنوك والإعلام، ويستخدمون نفوذهم لخلق الحروب والأزمات المالية.
2- نيتشه (1844 - 1900م): الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه لم يكن معاديًا لليهود بالمعنى التقليدي، لكنه انتقد الدين اليهودي والمسيحية على أنهما يمثلان أخلاق الضعف، ورأى أن اليهود أدوا دورًا في تشكيل القيم الأخلاقية الأوروبية بطرق غير صحية، لكنه لم ينكر تأثيرهم الفكري.
3- برنارد لويس (1916 - 2018م): مؤرخ بريطاني متخصص في تاريخ الإسلام واليهود في الشرق الأوسط، رأى أن معاداة اليهود في العالم الإسلامي لم تكن بنفس الحدة كما في أوروبا، لكن الصهيونية جعلت الصراع أكثر تعقيدًا، وأكد أن الخلاف العربي-اليهودي خلاف سياسي أكثر من كونه دينيًا.
4- نعوم تشومسكي (1928م- ): المفكر الأمريكي وهو يهودي الأصل، لكنه ناقد قوي للسياسات «الإسرائيلية» والصهيونية، ويعتبر أن «إسرائيل» دولة استعمارية مدعومة من الغرب، ويرى أن اليهود استخدموا نفوذهم السياسي لدعم سياسات توسعية في الشرق الأوسط.
5- جون كينيث جالبريث (1908 - 2006م): اقتصادي أمريكي بارز، تحدث عن دور اليهود في النظام المصرفي العالمي، ورأى أنهم أدوا دورًا مهمًا في تطوير الرأسمالية الحديثة، لكن ليس بالضرورة عبر مؤامرة، وانتقد بعض السياسات المالية الاحتكارية التي يشارك فيها رجال أعمال يهود.