24 فبراير 2025

|

مراجعة كتاب «العالم بعد غزة» لبانكاج ميشرا

جمال خطاب

24 فبراير 2025

36

ترجمة: جمال خطاب (*)

 

 

نستطيع أن نلمح بسهولة ظل الاستعمار من هذا التحليل الواسع الاطلاع للحرب على غزة ومكانة «إسرائيل» في العالم رغم وجود بعض أوجه القصور فيه،  

أصل الصراع

عندما قرأت كتاب بانكاج ميشرا «العالم بعد غزة»، لم أكن أفكر في أحد بقدر ما فكرت في إيان بلاك، وهو زميل سابق قاد تغطية هذه الصحيفة «الجارديان» للشرق الأوسط لسنوات عديدة قبل أن يلتحق بزمالة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، كان بلاك مدركًا تمامًا، بعد عقود من التقارير الدقيقة من «إسرائيل» وفلسطين، للميل إلى تبني قضية أو أخرى وانتقاء الحقائق لدعمها، في عام 2017، صب معرفته في كتاب «الأعداء والجيران»، وهو تاريخ نهائي للأرض الموعودة مرتين، الذي نال الثناء من كلا الجانبين.

وكتب أن مصدر الصراع يعود إلى السرديات المتعارضة تمامًا التي يحكيها «الإسرائيليون» والفلسطينيون أنفسهم، «الإسرائيليون» يرون الوضع نتج عن سعي إلى الحرية والتعبير عن الذات بعد قرون من الاضطهاد ومعاداة السامية، بينما يعتبر الفلسطينيون أنفسهم سكان البلاد الأصليين الذين عاشوا بسلام لقرون كأغلبية مسلمة إلى جانب أقليات مسيحية ويهودية، هذه سرديات غير قابلة أبداً للتوفيق، لأن العدالة والانتصار للقضية الصهيونية يعني الظلم والهزيمة والنفي والإذلال للفلسطينيين.

دور الغرب في إنشاء الكيان

يبدو الأمر الآن وكأننا في عصر آخر، في أكتوبر 2023م، شنت «حماس» هجومها المفاجئ؛ ما أثار رد فعل «إسرائيلياً» أسفر عن مقتل أكثر من 46 ألف شخص، وفقًا للتقديرات، معظمهم من النساء والأطفال، كما يقول ميشرا في المقدمة: «شعرت بضرورة كتابة هذا الكتاب، لتخفيف حيرتي المحبطة قبل حدوث انهيار أخلاقي الشامل»، إنه اتهام ثاقب وغاضب لدور الغرب في إنشاء «إسرائيل» وكل ما نتج عنها، حتى قبل النشر، كان الكتاب مثيرًا للجدل، ينظر ميشرا إلى التاريخ من خلال عدسة العرق وإنهاء الاستعمار، وهي الكلمة التي حاول إيلون ماسك حظرها من «إكس».

تحول مثير لميشرا

دخل ميشرا متأخراً نسبياً في التعامل مع القضية الفلسطينية، كان أبطال «إسرائيل»، وليس العرب، هم من وقع في غرامهم عندما كان صبيًا في طور النمو في الهند، حتى إنه كانت لديه صورة على جدار غرفته لموشيه ديان، وزير الحرب «الإسرائيلي» خلال حرب الأيام الستة، وقد جاء هذا التحول خلال زيارة قام بها عام 2008م إلى «إسرائيل» وفلسطين، حيث صُدم ميشرا عندما شهد الإذلال الذي يتعرض له سكان الضفة الغربية، يكتب: «لم أكن مستعداً لتقبل وحشية وبؤس الاحتلال «الإسرائيلي».. فالجدار المتعرج والعديد من حواجز الطرق المقصود منها تعذيب الفلسطينيين في أرضهم.. الشبكة الحصرية عنصريًا من الطرق الإسفلتية اللامعة وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه التي تربط المستوطنات اليهودية غير القانونية بإسرائيل». 

الفلسطينيون يشبهونني 

الأمر الحاسم هو أنه شعر برابطة عرقية قوية مع العرب، هنا يكتب: «كان هناك تشابه لا أستطيع إنكاره.. كانوا أشخاصًا يشبهونني»، في هذا الصدد -وجودهم المشترك على الجانب الأكثر سمرة كما حدده دبليو إي بي دو بوا باعتباره خط اللون– هو ما حدد لميشرا أوراق اعتماده وأصول انتقاده، لقد حررت الهند نفسها من تفوق العرق الأبيض الغربي، لكن الفلسطينيين «يعانون الآن من كابوس تركناه أنا وأسلافي وراءنا».

دعم الاستعمار الغربي للعنصرية الصهيونية

إن شرور الاستعمار الغربي، إذن، تشكل أسس هذا التحليل، يقول: «عملت جميع القوى الغربية معًا لدعم نظام عنصري عالمي، حيث كان من الطبيعي تمامًا أن يُباد الآسيويون والأفارقة، ويُرهبون، ويُسجنون، ويُنبذون»، إن النازية، حسب هذا الرأي، كانت ببساطة امتداداً للاستعمار، استورده هتلر إلى قارة أوروبا، ولذلك تدفقت المحرقة بشكل طبيعي من عمليات الإبادة الجماعية الأخرى التي ارتكبها البيض في جميع أنحاء العالم.

استغلال منحرف «الهولوكوست»

من الغريب أن «الهولوكوست» لم يتم تخليد ذكراه إلا بعد الحرب بقليل، وقول ميشرا مستشهداً بهانا أرندت وآخرين، أنه خلال محاكمة آيخمان في عام 1961م، فقط أصبحت المحرقة تجسد القضية السياسية للصهيونية، مع «إسرائيل» كدولة وحيدة من شأنها أن تضمن سلامة اليهود، في الوقت نفسه، صور القادة «الإسرائيليون» العربَ بشكل متزايد باعتبارهم متعاونين مع النازيين يهددون بإبادة جماعية جديدة. 

يقول: إن الذاكرة الجماعية للمحرقة «لم تنبع بشكل عضوي مما حدث بين عامي 1939 و1945م فحسب، بل تم بناؤها متأخرًا، وغالبًا بشكل متعمد للغاية، ولأغراض سياسية محددة»، والآن، كما يقول ميشرا، يرى كثيرون أن هذه الذكرى «حُرِفت لتمكين القتل الجماعي ومنح «إسرائيل» الحصانة». 

ويكتب ميشرا أن «دائرة متزايدة الاتساع من الناس في مختلف أنحاء العالم تتهم «إسرائيل» بأنها نظام استعماري استيطاني قاسٍ وعنصري يهودي يدعمه سياسيون غربيون من أقصى اليمين ورفاقهم من الليبراليين».

شماعة معاداة السامية

لا شك أن أنصار «إسرائيل» سوف يوجهون تهمة معاداة السامية إلى فكرة التلاعب عمداً بالمحرقة، وإن كان هذا لا يعني أنها ليست صحيحة جزئياً، أو أن حكومة «إسرائيل» المتطرفة ليست أكثر اعتماداً سياسياً من أي وقت مضى على تخليد ذكرى المحرقة.

إن العديد من الناس قد يقبلون تصوير «إسرائيل» على أنها نظام متوحش متعصب، ولكن هناك مشكلات في تحليل ميشرا أيضاً، حيث إن نموذج «إسرائيل» كدولة استعمارية استيطانية يفشل في استيعاب الارتباط الديني القومي اليهودي بأرض «إسرائيل»، الوطن التاريخي «الإسرائيلي» الذي يشكل جوهر الفلسفة الصهيونية، أو وجود اليهود الشرقيين في «إسرائيل»، الذين لديهم جذور تاريخية عميقة في الشرق الأوسط.

المنظور العالمي

إن رسم خريطة للنقد الأيديولوجي على الأحداث العالمية، كما يفعل ميشرا، يتطلب بعض الحيل الفكرية للحفاظ على النظرية من الانهيار، ولكي يحافظ على هذا النموذج، يتعين عليه أن يمحو كل الاستعمار العنصري الذي ارتكبته دول خارج الغرب، وتقدم اليابان مثالاً صارخاً، فقد قتلت القوات اليابانية الإمبراطورية الملايين من الصينيين والكوريين والتايوانيين الأصليين، واغتصبتهم، وعذبتهم، وأجبرتهم على العبودية الجنسية، ولكن ميشرا يتخطى هذه الفظائع، ويكتب بدلاً من ذلك أن الدولة الجزيرة «أذلت الإمبرياليات الأوروبية في جميع أنحاء آسيا».

تدمير هالة «إسرائيل»

في نهاية الكتاب، نجد معالجة موجزة لهجوم السابع من أكتوبر، حيث يكتب ميشرا أن «حماس دمرت بشكل دائم هالة إسرائيل التي لا تُقهر»، ويستنتج أن الهجمات كانت بمثابة بيرل هاربر أخرى من قِبَل «الأغلبية البيضاء المصدومة والمذعورة، حيث تم انتهاك القوة البيضاء علناً».

 

 

 

 

 

____________________

(*) الكاتب: تشارلي إنجلش، المصدر: «الجارديان». 


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة