النضال الفلسطيني من منظور الشيخ الندوي.. قراءة في كتاب «المسلمون وقضية فلسطين»

كاتب المدوَّنة: شهباس بن عبدالناصر(*)

يقدم كتاب «المسلمون والقضية الفلسطينية» للشيخ أبو الحسن علي الندوي استكشافًا عميقًا للنضال الفلسطيني، وتوضيح الحكمة القرآنية، والسياق التاريخي، والملاحظات المعاصرة.

ونستعرض، في هذا المقال، الموضوعات المركزية والتأملات الجوهرية التي يقدمها الشيخ الندوي يرحمه الله تعالى عن التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، في هذا الكتاب الذي يضم مقالات ومحاضرات له أثناء جولاته الدعوية.

يأخذ الشيخ الندوي القراء في رحلة مضيئة من خلال محاضرات مختلفة تتناول القضايا المهمة المتعلقة بفلسطين والعالم العربي والإسلامي، وبدأ في تحليل العوامل التربوية والأخلاقية التي تؤدي إلى تفكك القضية الفلسطينية، خلال المحاضرات اللاحقة، يحث الشيخ الندوي القادة العرب على التفكير في نتائج خططهم والتراجع عما هم عليه، مؤكدًا أهمية محاسبة النفس، وتفحص السنن الإلهية للغلبة والانتصار.

ويمتد نداؤه الحماسي إلى جميع أنحاء المجتمع العربي، من الصحافة والإذاعة والكتَّاب والمثقفين وقادة الإصلاح.

يسلط الشيخ الندوي الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة الأسباب الجذرية التي تؤدي إلى الفشل للتخلي عنها، ويؤكد وجود علاقة قوية بين القضية الفلسطينية والوعي الإسلامي، ويختتم الكتاب بتقييم النتائج النهائية لكل من العرب والمسلمين، ويضم ملحقًا ثاقبًا يتضمن نصيحة من فارس الخوري، رئيس الوزراء السوري الأسبق.

في جوهر الأمر، يرشد المؤلف القراء من خلال استكشاف مثير للفكر للقضايا الحرجة منظوراً شاملاً للتحديات التي تواجه فلسطين والعالم العربي.

إن عمل الشيخ الندوي يمثل منارة تسلط الضوء على تعقيدات النضال الفلسطيني، وتقدم رؤى قيمة حول المسارات المحتملة للحل، وأسلوب الشيخ صار يقترب من أساليب الجزالة التقريرية أكثر من السلاسة السردية.

نسج الشيخ الندوي المواعظ القرآنية في كلامه التي تنير الصدور تارة وتفيض الدموع تارة، وهو يدعو للتدبر في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) (آل عمران: 139).

أحد الجوانب الجذابة في نهجه رسم الروابط التاريخية بين الأحداث المعاصرة والأحداث الماضية المهمة، مثل استيلاء الصليبيين على القدس وانهيار بغداد، ومن خلال هذه النظرة، يكتسب القراء إطارًا سياقيًا يؤكد الجذور التاريخية التي تشكل النضال الفلسطيني المستمر، ومن خلال القيام بذلك، يحرضنا الشيخ الندوي على التعرف على أصداء التاريخ في محنة الفلسطينيين الحالية.

يبرز العمق التحليلي للكتاب عندما يذكر الشيخ الندوي العوامل الداخلية التي تؤثر على النضال الفلسطيني؛ كالضعف الإيماني، والاتجاه إلى تمتع الرخيص، وتناقض أقوال الأمة، والتعامي عن الحقائق، فإنه يزود القراء بفهم محكم ويدفعهم إلى التفكير في أوجه التشابه بين هذه التحديات المادية والمعنوية.

إن تجارب الشيخ الندوي المباشرة في العالم العربي بين عامي 1948 و1967م تُثري السرد بتحليل نقدي لاستجابات الحكومات الإقليمية للقضية الفلسطينية، ونقده المميز لسياساتهم، وخضوعهم للقوى العالمية، وتآكل القيم الأخلاقية، يوفر للقراء منظورًا ثاقبًا حول تعقيدات القضية، وهو يدعو القراء إلى مقارنة هذه الاستجابات بالمشهد الجيوسياسي الأوسع، حيث يطرح أسئلة استقصائية حول الانحرافات عن المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية بين كافة أفراد المجتمع.

ويشجع الشيخ الندوي القراء على مقارنة هذه التحديات مع النضالات الأخرى من أجل الحرية والاستقلال، وعلى مقارنة بين تاريخ اليهود قتلة الأنبياء وتاريخ المسلمين حَمَلة الرسالة.

وفي النتيجة قال: «وبالعكس من ذلك فالعرب -رغم جميع العلل، ومواضع الضعف، والطوارئ التي تحدثنا عنها في مقالاتنا، ومحاضراتنا السابقة في صراحة ليست فوقها صراحة- ما زالوا، ولا يزالون أصحاب دعوة إنسانية عامة، ورسالة عالمية آفاقية».

وفي نهاية الكتاب، يقدم الشيخ الندوي نصائح ثاقبة حول التغلب على التحديات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وشدد على الحيوية الدائمة للأمة العربية الإسلامية، مؤكداً أنها لا تحتاج إلى رسالة جديدة أو نهضة.

وباستخدام استعارة أمواج النهر، يشير الشيخ الندوي إلى أن القيادة مؤقتة، بينما تظل رسالة الإسلام ثابتة، فيقول: «والأمة العربية الإسلامية لا تحتاج إلى رسالة جديدة، ولا إلى دين جديد، ولا إلى بعث، وإحياء، فإنها هي الأمة الزاخرة بالحيوية، والقوة، المستعدة للانتفاض في كل وقت».

وبهذا يُعد الكتاب بمثابة مصدر أكاديمي سهل القراءة ومثير للتفكير، وهو يتضمن دعوة للتأمل والعلاجات الحاسمة المتجذرة في المبادئ الإسلامية، ويزود القراء بخريطة طريق مفصلة لفهم دقيق للتحديات الفريدة التي يواجهها الشعب الفلسطيني.

ولذلك، فإن العمل لا يقف كمساهمة علمية فحسب، بل أيضًا كدليل قيم للقراء الذين يبحثون عن رؤى سياقية حول النضال الفلسطيني.

باختصار، يدعو كتاب الشيخ أبو الحسن علي الندوي «المسلمون والقضية الفلسطينية» القراء إلى رحلة تأمل، ووقفة تدبر لربط الدروس التاريخية بالوقائع المعاصرة.

هذا العمل المقروء والثاقب ليس مخصصًا للباحثين فحسب، بل لأي شخص مهتم بالحصول على فهم أعمق للنضال الفلسطيني في سياق النسيج الأوسع للتاريخ البشري والسنن الإلهية في تداول الأيام.

   

____________________

(*) باحث ماجستير هندي بجامعة الأزهر الشريف في قسم التفسير وعلوم القرآن.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة