«طوفان الأقصى».. حبل نجاة الأسيرات

ريما محمد زنادة

27 يناير 2025

5791

ملامح الألم والقهر كانت واضحة على الأسيرة المحررة خالدة جرار، فشعرها اكتسى باللون الأبيض، وملامح وجهها كبيرة جداً بالعمر، فقد تم عزلها قبل انعقاد الصفقة في العزل الانفرادي الذي يفتقد لكل معاني الأخلاق والإنسانية؛ حيث توضع به الأسيرة مغيبة عن البشر بغرفة صغيرة جداً، بعيدة عن أشعة الشمس وتفتقد للإضاءة، ولا يسمح لها بأن ترى أحداً من البشر، وممنوع الخروج من هذه الزنزانة.. هذا جزء من القهر، والوجع، والحرمان، والتنكيل، والمرض، والتعذيب للأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال «الإسرائيلي».

الأسيرة المحررة جرار اختصرت معاناتها بوصف تعامل الاحتلال معها، ومع الأسيرات: «لا يتعامل معنا كبشر»؛ فهو بذلك فقد أخلاقه وإنسانيته.

وكثيراً ما كان يروج الاحتلال في تصريحاته بتعامله مع الفلسطينيين بأنهم «غير بشر»، ليعطي لنفسه فرصة أكبر بالتعذيب والقتل والحرمان، فالأسيرة تحرم من أبسط حقوقها، حيث حرمها من عناق ابنتها حينما توفيت، ورفض بشكل قاطع أن يسمح لها بالخروج في ذلك الوقت لوداع ابنتها، حالها حال كل الأسيرات، اللاتي توفي الكثير من أهلهن دون أن يسمح لهن بوداعهن؛ مما يزيد الوجع والقهر في قلوبهن.

اشتعال النار في حرب غزة جعل الاحتلال أكثر همجية وعدوانية في تعذيب الأسيرات والأسرى، فكان يضع كل حقده الأسود وهزيمته أمام المقاومة في غزة عليهم.

القهر والحرمان

الأمر لم يختلف مع الأسيرة المحررة رولا حسنين، فقد قهرها الاحتلال كثيراً بحرمانها من طفلتها الرضيعة التي كانت تبلغ وقت اعتقالها 9 شهور؛ وحجة الاعتقال المزعومة أنها تشكل تهديداً لأمن الاحتلال، عبر نشاطها بوسائل التواصل الاجتماعي.

رغم أن الاحتلال حقيقة لا يحتاج أصلاً لمبرر لأفعاله، فهو يعتقل من يشاء بتهم ملفقة، ويطلب تحت التعذيب الشديد وغياب الوعي أن تعترف الأسيرة بها، ليتم محاكمتها لسنوات أطول بكثير من سنوات عمرها، فهنالك أحكام تتضمن 9 مؤبدات والمؤبد حكمه 25 سنة.

وحينما تستشهد الأسيرة تحت التعذيب، فإن جثمانها لا يسلم إلى أهلها أو حتى الحصول على قبر لدفنها، إنما يتم استكمال احتجازها حتى تكمل حكمها حتى وهي جثة، فيتم وضعها بمقابر الأرقام، لتكون رقماً من الأرقام التي تقضي محكوميتها،

شيء قد لا يتصوره العقل، لكن حقيقة أن الاحتلال يتعمد في اختراع القوانين وطرق التعذيب.

ملامح الأسيرات والأسرى المحررين يؤكد ذلك، خاصة حينما يتم مقارنة لهم من خلال صورة قبل الأسر، وأخرى بعدها، الأمر لا يتعلق فقط بالنزول الحاد بالأوزان، بل أكثر من ذلك، فالوضعية التي تخرج بها الأسيرات تشير إلى حجم القهر والتعذيب.

استوقفتني كلمات الأسيرة المحررة رولا حينما ذكرت أن هناك أنواعاً من التعذيب من الصعب البوح بها حتى أمام المقربين لها؛ ما يؤكد بشاعة سياسة الاحتلال التي ينتهجها ضد الأسيرات.

فقد أكدت بذلك بكلماتها: لولا أن ربط الله على قلوبنا لفقدنا عقولنا! مما يشير لحجم القهر والعذاب في سجون الاحتلال.

الأسيرة تحرم من أبسط حقوقها من الحصول على الطعام يسند جسدها المعذب، فيقدم لهم كميات قليلة جداً لطعام بالأصل رديء يصعب تناوله، لكن ليس باليد حيلة فلا بديل غيره.

والحرمان لا يقتصر على الطعام، حتى حقها بالعلاج ممنوع، فكل ما يصيب الأسيرة من أمراض وأوجاع لا يقدم لها إلا حبة «أكمول» عبارة عن مسكن بسيط، وإذا كانت تعاني الأسيرة من مرض مزمن فهذا لا يعني بالمطلق حقها بالحصول على الدواء؛ الأمر يتطلب محامياً وجلسات ومحاكمات، وبعد كل ذلك قد تحصل عليه وقد لا تحصل.

حتى الملابس فلا يحق لها الحصول عليها، فقط قطعة ملابس ذات قماش رديء خفيف جداً رغم برودة الشتاء القارس.

صفقة الطوفان

حقيقة مهما كتبت فالكلمات عاجزة جداً عن وصف المعاناة الحقيقية للأسيرات، هذا كله يجعل تحريرهن من ضمن أولويات المقاومة حتى وإن كان الثمن عظيماً.

صحيح أن غزة فقدت أموالها وبيوتها ومؤسساتها ومساجدها وأغلى من ذلك أيضاً؛ فقد قدمت المئات من الشهداء والجرحى، فالثمن غال جداً، لكنه يستحق حينما يكون الهدف الأول هو تحرير الأسيرات، هذا النصر الحقيقي الذي خطته المقاومة بدمائها الطاهرة فأي نصر بدون ذلك لا يعتبر نصراً، لا يمكن وصف فرحة غزة رغم وجع أهلها وهم يتابعون حرية حرائر فلسطين وأطفالها الأسرى!


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة