21 فبراير 2025

|

انتصار غزة جولة للإسلام على الماسونية - الصهيونية (2 - 2)

تحدثنا في الجزء الأول عن الأبعاد العميقة لانتصار غزة، وبيّنا كيف أنه يمثل جولة للإسلام على الماسونية-الصهيونية، بالإضافة إلى بعض الأبعاد الأخرى لهذا النصر المظفّر، ونُكمل ما تبقى من هذه الأبعاد، ثم نتطرق إلى أكاذيب المرجفين الذين ما انفكّوا يشككون في هذا النصر وأهله.

وقف الهجرة إلى الكيان الإجرامي وتتابع أمواج الهجرة العكسية

على مدار أيام «طوفان الأقصى»، تتابعت الأخبار والتقارير في وسائل إعلام العدو الصهيوني نفسه، عن توقف حركة هجرة اليهود إليه من الخارج، وكان الأهم في هذا الإطار، وما زال، ظهور موجات كبيرة ومتتابعة من الهجرة العكسية؛ أي من داخل الكيان الإجرامي إلى خارجه(1).

هذا يعني ببساطة أن الكيان الصهيوني الذي أنفقوا الكثير من المال والجهد والدعاية وعلى مدار عقود طويلة، لترويج صورة أخّاذة جذابة له وترسيخها في الأذهان، لم يعُد يمثل ذاك الحلم الوردي، الذي طالما داعب خيال أولئك المرذولين المنبوذين في شتى بقاع الأرض واستطاع إقناع المترددين منهم، حلم الرفاهية والرخاء، ومجتمع الوفرة والثراء، القادر على استيعابهم جميعاً من شتى أنحاء العالم. 

ولم يعد يجسّد في أذهانهم ذاك الحصن الآمن المنيع، الذي حتماً -وفقاً لملامح الصورة القديمة وأبعادها- سيشعرون في كنفه بالأمن والطمأنينة والثقة والزهو والافتخار، ولا تلك القوة التي طالما وُصفت بأنها لا تُقهر.

لأن معركة «طوفان الأقصى» العارمة المزلزلة نسفت هذه الصورة وعَكَستها تماماً! 

كبح قطار التطبيع

أما عن التطبيع مع هذا الكيان المغتصب، فقد كان قطاره يسير بأقصى وأقسى سرعة، وكانت ذريعة من طبّعوا، ومن يتحينون الظرف المناسب للحاق بهذا القطار الضال الأهوج، أنهم سوف يوظِّفون علاقاتهم مع العدو لصالح القضية الفلسطينية، وإذ بـ«طوفان الأقصى» تكشف للجميع أن هذا الكلام لم يكن سوى مسوِّغات تبريرية وغطاء من الإيهام والتضليل، كذّبته وقائع المعركة ومواقف كل طرف منها، ووجدت القيادات الراغبة في التطبيع التي كانت تقف على عتباته نفسها مضطرة للتوقف، تحسباً لردود فعل شعوبها وصورتها أمام الرأي العام الشعبي العربي بشكل عام! 

ثانياً: تفنيد أكاذيب المرجفين:

فور اندفاع الموجة الأولى لـ«طوفان الأقصى»، أخذت أبواق المرجفين في الفضاء العربي تنفخ سمومها، من تثبيط للهمم وتخويف وتشكيك وتلفيق وتلبيس على الناس بالشبهات حول المجاهدين ومنطلقاتهم وأهدافهم وعِمالتهم وتبعيتهم.. إلخ، تلك السموم التي لم يتوقف نفثها حتى اللحظة، التي نفنّد أبرزها في السطور التالية:

- قيادات المجاهدين شنّوا الحرب من قصورهم الفخمة! 

حيث أخذوا ينسجون الأباطيل عن هؤلاء القادة، عبر تصويرهم على أنهم أصدروا أوامرهم بإشعال نيران الحرب، من فوق مقاعدهم المخملية الوثيرة في الحدائق الغناء لقصورهم المنيفة، التي يرفلون في نعيمها مع ذويهم وأحبابهم هناك في جوف الأرض، بين الطبقات الجيولوجية السفلية في الأعماق السحيقة لأرض القطاع! على حين تركوا أهل غزة يكتوون بنيران الحرب ويواجهون الدمار والفقد والجوع والعري والظلام والرعب وحدهم.

لكن تأبى مشيئة المولى سبحانه إلا أن تكشف زيف ادعاءاتهم وتسوّد وجوههم القبيحة بشكل قاطع حاسم، بأن استشهد جميع هؤلاء القادة في صدر ساحات الوغى، يتقدمون وحداتهم وجنودهم مقاتلين بأسلحتهم مقبلين غير مدبرين، ولم يكتفوا حتى بالقيادة والتوجيه من قلب المعركة، على خطر هذا الأخير نفسه في حرب يعلم الجميع معطيات كل طرف ومقدّراته والتفاوت الهائل بينها الذي يصبّ في كفة العدو بلا أدنى شك.

وهذه مناسبة للتذكير بأن هذا هو مصير جميع قيادات هذه الفئة المؤمنة المجاهدة، وهنا نوجه هذا السؤال المباشر لخونة الدين والأمة: كيف قضى هؤلاء نحبهم: الشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، وأبو هنود، وصلاح شحادة، ويحيى عياش، وفتحي الشقاقي، وسعيد صيام، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف..؟ كيف قضى هؤلاء جميعاً نحبهم وفي أي ميدان؟!

أما عن أهالي هؤلاء القادة، فقد استشهد منهم الكثير والكثير، ويكفي أن نذكر بعضاً منهم على سبيل المثال لا الحصر: نجل محمود الزهار الذي استُشهد في الحرب على القطاع عام 2009م، 6 من أبناء إسماعيل هنية وأحفاده استشهدوا في ضربة واحدة للعدو، في أبريل الماضي وعلى مرأى ومسمع من الجميع، 13 من أسرة الشهيد سعيد صيام، وزير داخلية حكومة «حماس» في القطاع، استشهدوا في ضربة واحدة عام 2009 على يد العدو الصهيوني الشيطاني، والقائمة تطول وتطول، ونحسب هؤلاء القادة الأبطال ومن قضى من ذويهم، من الشهداء، ولا نزكي على الله أحداً.

- الافتراء على القادة باتهامهم العِمالة والتبعية:

لقد وصلت بهم الصفاقة أن يتهموا مجاهدي الإسلام في غزة بالعِمالة، تارة لإيران وأخرى للصهاينة أنفسهم! وهي أكاذيب جمعت بين الوقاحة والحماقة، ولنبدأ بإيران: معلوم أن الدافع للعِمالة لا يخرج عن أمرين؛ السلطة، أو المال، أو كليهما، بالنسبة للسلطة فنتساءل: أين السلطة في بقعة صغيرة محاصرة من كل جانب، ومكتظة بالمخاطر والمآسي والنقص الحاد في جميع أساسيات الحياة، من مستلزمات الصحة والطعام والمياه والنقل والكهرباء.. وسط عالم يقف معظمه ضدهم ويعاديهم، بمن في ذلك غالبية جيرانهم؟

نأتي إلى المال، فإذا افترضنا جدلاً أن هؤلاء ليسوا مجاهدين ولا يتمتع معظمهم بمستوى رفيع من العلم والخبرة، وألا مانع لديهم من التضحية بقومهم وتعريض حاضنتهم للدمار المؤكَّد مقابل المال والثروة، فكيف يتصور عاقل أن يضحي هؤلاء بأرواح أبنائهم وذويهم الذين كانوا يتساقطون تباعاً بين شهيد وجريح بإصابات خطيرة قد تميته وهو على قيد الحياة؟! 

بل كيف يتصور عاقل أن يضحي هؤلاء بأرواحهم أنفسهم، وقد رأوا مصائر أسلافهم من القادة الذين استشهدوا جميعاً بلا استثناء على يد العدو، على نحو ما أسلفنا أعلاه، ليس هذا فقط، بل وكانوا يعاينون استشهاد بعضهم ويخلفونهم في الميادين؟ ماذا يفعل المال لهم إذا كانوا يُقتلون قبل التنعم به وربما قبل الحصول عليه؟!

أما عن التبجح باتهامهم بالعمالة للصهاينة، فهذا قول يتجاوز حدود الصفاقة والوقاحة والحماقة، ويصل بصاحبه إلى درجة العته، وليس من العقل التعاطي معه. 

- «حماقة» غير محسوبة تسببت في دمار القطاع وأهله دون نتيجة:

هكذا وصف بعضهم «طوفان الأقصى»، وهكذا رددوا أثناء الحرب، وما زالوا، وهم يبنون رأيهم هذا على موازين القوى غير المتكافئة تماماً، بالإضافة إلى توجهات القوى الكبرى وبعض القوى الإقليمية وموقفها المعادي للمجاهدين، وأصحاب هذا القول لا يوضعون في سلة واحدة، فمنهم فريق من بسطاء الوعي والمعرفة، وفريق ثانٍ أوصله اجتهاده إلى هذه النتيجة، أما الفريق الأخير فمتصهين.

وللفريق الأول والثاني نقول: بهذا المعيار كان يجب على جميع الشعوب التي ثارت للتحرر من الاحتلال الأجنبي أن تركن للاحتلال الذي قطعاً كان يفوقها قوة ونفوذاً بمراحل، فلم يكن للمغرب وتونس وسورية مثلاً انتهاج طريق الثورة المسلحة ضد الاحتلال، وأن الشعب الجزائري أخطأ حينما قدّم أكثر من مليون شهيد في نضاله ضد الفرنسيين، والحالات متعددة.

متى ترك العدوّ الصهيوني غزة وأهلها في حال سبيلهم، حتى في غير أوقات المعارك المشتعلة بين الطرفين؟ متى توقفت التوغلات والاغتيالات وانتهاك الحرمات واعتقال أبناء غزة من بيوتهم وأمام أولادهم وذويهم؟ ولنا في الضفة الغربية خير مثال، فما يُعرف بـ«السلطة الفلسطينية» هناك نبذت جميع أعمال المقاومة وأشكالها منذ سنوات، بالإضافة إلى التنسيق الأمني القائم على أشدّه مع العدو، ومع هذا لم يتوقف العدو يوماً عن احتلال أجزاء من أراضي الضفة، واعتقال أبنائها إلى آخر سلسلة الانتهاكات والجرائم المتواصلة! 

جرياً على مقولة «أهل مكة أدرى بشعابها»، هل أعرب عموم أهل غزة عن رفضهم لـ«طوفان الأقصى»، أو ضاقت نفوسهم ولو للحظة مما لاقوه من ويلات الحرب المريرة وجحيم نيرانها، التي لم يتجرعها ولم يكتوِ بها غيرهم؟ علماً بأنه لو خرجت مجموعة صغيرة منهم في تظاهرة ضد ما أقدم عليه المجاهدون، لهلّلت وسائل إعلام العدو وداعموه الدوليون والإقليميون لها.

أخيراً، ثمة شواهد مؤكدة أن العدو كان سيشنّ حرب إبادة على غزة، ولو لم يبادر المجاهدون بشنّ الحرب وأسْر أعداد من أبناء العدو وجنوده، لواجهوا العدو دون أي أوراق ضغط تؤلمه وترغمه على التوقف عن غطرسته ووحشيته.

 

 

 

 

 

____________________

(1) تحدثنا عن هذا بشيء من التفصيل في مقال سابق إبّان حرب «طوفان الأقصى» بعنوان «طوفان الأقصى تفكِّك المجتمع الإسرائيلي»، 25/ 8/ 2024م.


كلمات دلاليه

تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة