21 فبراير 2025

|

النسوية الراديكالية.. مشروع لمعاداة الرجل واستئصال الأسرة

د. كاميليا حلمي

20 فبراير 2025

1518

برزت الحركات النسوية في الغرب كرد فعل على ما تعرضت له المرأة من تهميش واستغلال عبر العصور، حيث كانت تعاني من قيود اجتماعية وقانونية تجعلها في مرتبة أدنى بكثير من مرتبة الرجل، هذه المعاناة دفعت العديد من النساء والمفكرين إلى المطالبة بتحسين أوضاع المرأة؛ ما أدى إلى ظهور الفكر النسوي بمدارسه المختلفة، منها من طالب بالحقوق الأساسية للنساء، ومنها من بالغ في تلك المطالبات، ومنها ما يمكن تصنيفه على أنها تيارات فكرية متطرفة تسعى لتغيير البنية الاجتماعية بالكامل.

وضع المرأة في أوروبا القديمة

عانت المرأة في أوروبا، قبل ظهور الحركات النسوية، من أوضاع قاسية، حيث كانت محرومة من الحقوق الأساسية مثل التعليم، والعمل، والتملك، ففي العصور الوسطى، كانت المرأة تُعتبر ناقصة الأهلية القانونية، وتخضع تماماً لسلطة الأب أو الزوج، الذي كان يستمد سلطته من البطريرك في الكنيسة، الذي كان بدوره يستمد سلطته من الإله، ومن هنا جاءت كلمة «البطرياركية»، التي ترجمت إلى «الأبوية» و«الذكورية».

رغم أن نشأة النسوية كانت مدفوعة بمطالب مشروعة فإنها تحولت إلى أيديولوجيا تتبنى صراعاً بين الجنسين

وكانت المرأة في تلك العصور تعامل معاملة الحيوان، فتباع وتشترى، حتى إنهم صنعوا لها لجاماً يسمى «لجام التوبيخ»، يستخدمه الزوج إذا أراد إسكاتها عن الكلام! وتم توظيف النصوص الدينية المحرفة لتبرير حرمان النساء من حقوقهن، فكانت تُحرم من الإرث في كثير من الأحيان، وتُمنع من المشاركة في الحياة العامة.

وفي ظل الثورة الصناعية، ازدادت معاناة النساء، حيث تم استغلالهن في المصانع بأجور زهيدة وساعات عمل طويلة، دون أي ضمانات أو حقوق، وحرمانهن من أي استقلالية مالية أو قانونية؛ ما جعل الظروف مهيأة لظهور مطالبات بالتغيير.

من المطالبة بالإصلاح إلى أيديولوجيا متطرفة

جاءت الموجة الأولى التي حملت اسم «حركة تحرير المرأة» في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وركزت على نيل المرأة حقوقها الأساسية، مثل: التعليم، وحق التملك، وحق التصويت في الانتخابات، وكانت هذه المطالب تُطرح تحت شعار تحقيق العدالة وليس من باب الصراع مع الرجل، حيث كانت المرأة في ذلك الوقت تبحث عن إصلاحات تنسجم مع الفطرة البشرية، وذلك مع عدم إنكارها لوجود الرجل في حياتها كزوج، ومع قيامها بأدوارها الفطرية كزوجة وأم داخل الأسرة. 

لكن مع مرور الوقت، برزت الحركة النسوية الراديكالية في الستينيات من القرن العشرين، التي تبنت نظرة أكثر راديكالية، حيث لم تكتفِ بالمطالبة بالمساواة في الحقوق، بل سعت إلى إعادة تشكيل مفهوم الأسرة والعلاقات الاجتماعية، وهو ما انعكس في شعارات مثل «تحرير المرأة من سلطة الرجل»، و«الاستقلال التام للمرأة».

النسوية الراديكالية لا ترى في الرجل شريكاً طبيعياً للمرأة بل تصوره كعدو لها و«مستعمر» لجسدها وعقلها!

أما الموجة الثالثة والرابعة، فقد تجاوزت المطالبة بالمساواة إلى الترويج لأفكار تهدف إلى تغيير البنية الأسرية بالكامل، والتشكيك في الأدوار الفطرية للمرأة والرجل، كاختصاص الرجل بمهام القوامة، واختصاص المرأة بمهام الأمومة ورعاية المنزل؛ ما أدى إلى تصاعد الجدل حول مدى تأثير هذه الأفكار على استقرار المجتمعات.

ورغم أن نشأة النسوية كانت مدفوعة بمطالب مشروعة لتحسين أوضاع النساء في الغرب، فإن الحركة سرعان ما تحولت إلى أيديولوجيا تتبنى صراعاً مفتعلاً بين الجنسين، وتدعو إلى العداء بين الرجل والمرأة، وتعمل على إزاحة الرجل من حياة المرأة تماماً.

ولم تتوقف النسوية الراديكالية عند مهاجمة الرجل وإشعال فتيل العداء بينه وبين المرأة، ولكن سعت أيضاً إلى تفكيك الأسرة بالكامل، حيث يرى هذا التيار أن الأسرة التقليدية مؤسسة قمعية تهدف إلى إبقاء المرأة في دور «الزوجة والأم»؛ ما يجعلها –بحسب زعمهم– رهينة للمنظومة الذكورية، ومن هنا، بدأ الترويج لفكرة الاستقلالية المطلقة للمرأة، والتشجيع على العيش الفردي، وتقليل أهمية الزواج والأمومة، بل واعتبار الإنجاب نفسه عبئاً يجب التخلص منه عبر دعم الإجهاض، من باب الحرية التامة في الجسد، وهو شعار أساسي من شعارات النسوية الراديكالية: «جسدي ملكي»، «جسدي اختياري».

من أبرز الدلائل على ذلك انتشار حملات، مثل: «لا تحتاجين لرجل في حياتك»، «أنت قوية ومستقلة»، «الأمومة عبودية»، «عبودية التناسل»، وهذه الأفكار تجد صداها في السياسات الحديثة التي تحاول الحد من تكوين الأسرة الفطرية الطبيعية، مثل تغيير أولويات الفتيات نحو الدراسات العليا، والوظائف الرفيعة، ليصبح الزواج في نهاية سلم الاهتمامات، وفي المقابل، تقديم تسهيلات قانونية كبيرة للطلاق، والترويج للعلاقات الشاذة كبديل للعلاقة الفطرية بين الرجل والمرأة.

تجريم العلاقة الزوجية.. نموذج لتطرف النسوية

في ظل هذا الفكر المتطرف، بدأ الحديث عن مصطلح «الاغتصاب الزوجي»، وهو مفهوم تسعى النسويات الراديكاليات إلى ترسيخه قانونياً في العديد من الدول، الفكرة الأساسية وراء هذا الطرح هي أن أي علاقة جنسية بين الزوج وزوجته، حتى لو تمت برضاها، فهي مبنية على «اضطرار» المرأة للخضوع لسلطة الرجل، وبالتالي فهي شكل من أشكال العنف.

بل إن بعض أبرز النسويات الراديكاليات صرحن علناً بأن «كل علاقة جنسية بين الرجل والمرأة هي اغتصاب بحكم طبيعتها»؛ لأنها –بحسب زعمهن– تقوم على عدم التكافؤ بين الطرفين!

الإسلام أعطى المرأة حقوقها المشروعة من حق التملك والإرث والتعليم وسمح لها بالعمل وفق الضوابط الشرعية

فالنسوية الراديكالية لا ترى في الرجل شريكاً طبيعياً للمرأة، بل تصوره كعدو لها، و«مستعمر» لجسدها وعقلها، حيث تنطلق تلك الفكرة من رؤية فلسفية متطرفة لا تعتبر الذكر والأنثى شريكين في الحياة، بل هناك علاقة قهر قائمة على القوة والسيطرة.. ومن هذا المنطلق، ترى النسويات المتطرفات أن أي علاقة بين الرجل والمرأة –حتى لو كانت في إطار الزواج الشرعي والقانوني– علاقة استعباد واستغلال للمرأة، وطالبن بتحرير المرأة؛ أي أن تتحرر المرأة من العبودية للرجل! 

ويلاحظ هنا التناقض في الطرح، فالعلاقة الحميمية بين الزوج وزوجته «قهر واغتصاب واستغلال»، أما إذا عملت المرأة في الدعارة، فهو عمل مأجور، يوازي أي عمل أو وظيفة يقوم بها الإنسان، فلا غبار عليه، المهم أن يكون رضائياً، وألا يتم استغلال المرأة والاستيلاء على المقابل المالي لها!

هذه النظرة المقلوبة التي تضع أي علاقة زوجية في إطار الصراع والاستغلال، تفتح الباب لتفكيك مؤسسة الزواج قانونياً واجتماعياً.

وفي بعض الدول الغربية، بدأ إدخال قوانين تجرّم ما يسمى «الاغتصاب الزوجي»؛ وهو ما أدى إلى حالات طلاق وانهيار أسر بناء على ادعاءات لا يمكن إثباتها بسهولة، لكنها كافية لتدمير علاقة زوجية مستقرة.

النتائج الكارثية للنسوية الراديكالية

أدى تطبيق أفكار النسوية المتطرفة في بعض المجتمعات الغربية إلى نتائج كارثية، منها:

- ارتفاع نسب الطلاق بشكل غير مسبوق.

- انخفاض معدلات الزواج.

- انتشار العلاقات غير الشرعية.

- زيادة أعداد الأطفال غير الشرعيين.

- انتشار الشذوذ الجنسي.

.. وحافظ على التوازن بين إعطاء المرأة حقوقها المشروعة وحماية الأسرة من الأفكار التي تسعى إلى تفكيكها

تكريم الإسلام للمرأة وحمايته للأسرة

لقد أعطت القيم الإسلامية المرأة حقوقها المشروعة، حيث منحها الإسلام حق التملك، والإرث، والتعليم، وسمحت لها بالعمل خارج البيت وفق الضوابط الشرعية، وأكد تكريمها كأم وزوجة وابنة، ولم يكن هناك حاجة إلى «ثورة نسوية» في المجتمعات الإسلامية؛ لأن الشريعة الإسلامية ضمنت للمرأة مكانتها دون أن تفرض عليها صراعاً مع الرجل.

والعلاقة بين الزوجين في الإسلام قائمة على المودة والرحمة، وليس على الصراع والاستغلال، يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).

كما أن الإسلام أكد ضرورة العدل، كما أكد الفهم الصحيح للأدوار الفطرية داخل الأسرة؛ ما يجعل العلاقة الزوجية تكاملية لا صراعية.

من هنا يمكن القول: إن النسوية في الغرب كانت نتاج ظلم حقيقي تعرضت له المرأة، لكن الحركات التي ظهرت لاحقاً حركات مؤدلجة، تتبنى الصراع بدلاً من الإصلاح، وبينما كان الهدف الأساسي تحسين أوضاع النساء، فإن بعض التيارات النسوية اليوم تحولت إلى مشروع لهدم الأسرة واستئصال الرجل من المجتمع، من خلال نشر أفكار مثل «الاغتصاب الزوجي» و«تحرير المرأة من الزواج»، حيث تسعى تلك الحركات إلى خلق مجتمع قائم على الفردية المطلقة؛ ما يؤدي إلى انهيار المنظومة الاجتماعية بالكامل.

محاربة الأفكار المنحرفة تبدأ بنشر الوعي حول أخطارها والتمسك بالمبادئ التي تحفظ استقرار المجتمع

وهنا يظهر دور الشريعة الإسلامية في الحفاظ على التوازن بين إعطاء المرأة حقوقها المشروعة، وحماية الأسرة من الأفكار التي تسعى إلى تفكيكها.

فهل حققت النسوية العدالة للمرأة، أم أنها خلقت مشكلات جديدة لم تكن موجودة من قبل؟

إن محاربة هذه الأفكار المنحرفة تبدأ بنشر الوعي حول أخطارها، والتمسك بالمبادئ التي تحفظ استقرار المجتمع؛ لأن الأسرة ليست مؤسسة قمعية، بل أساس أي حضارة سليمة ومتزنة.

 

 

 

 

 

________________________

رئيسة لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. 


تابعنا

أحدث المقالات

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة