انتفاضة عربية ضد الاغتصاب
لا يعرف تاريخ
النساء جرمًا أشد انتهاكًا وترويعًا من الاعتداء الجنسي بدرجاته التي قد تصل حد
الاغتصاب على يد معدومي الشرف والضمير، هؤلاء الذين لا يتورعون في سبيل إشباع
رغباتهم الشيطانية عن انتهاك حرمة وجسد المرأة ولو كانت طفلة تلهو في الروضة!
وبرغم بشاعة جرم
الاغتصاب؛ فإن التشريعات العربية ظلّت تتضمن ثغرات تمكّن المعتدين من الإفلات من
العقوبات المغلظة حال تزوج أحدهم من ضحيته برضاء أهلها بدافع غيرتهم على شرفهم
وخشية افتضاح أمرهم؛ وكانت النتيجة لجوء كثير من الضحايا للتخلص من حياتهن قبل أن
ترتدي أي منهن فستانًا أبيض لذئب انتهك براءتها بالإكراه وتحت التهديد بالقتل.
لكن السنوات
الأخيرة شهدت انتفاضة عربية تشريعية لقطع الطريق على الإفلات من عقوبة الاغتصاب التي
تصل للسجن المؤبد أو الإعدام في بعض الأحيان، فقبل عدة أشهر، أعلن مجلس الوزراء
الكويتي موافقته على إلغاء المادة (182) من قانون الجزاء (16) لسنة 1960 تلك التي
كانت تتيح لمرتكب جريمة خطف امرأة الإفلات من العقاب إذا ما تزوج من الضحية؛ ولنا
أن نتخيل الضحية التي ترى نفسها زوجة لمجرم سادي وعادة ما يدمن لاحقاً تعذيبها
وتعذيب أخيريات لأنه لا يعرف لشهوته كابحاً من ضمير أو شرع!
وتعقيباً على
إلغاء القانون، تحدثت هيفاء الموسى، رئيسة فريق مشروع «ورقتي» لرفع الوعي القانوني
للمرأة، مشيرة لكون المادة كانت نموذجاً لانتهاك صارخ لآدمية المرأة باسم القانون،
وتحت حماية المجتمع ومباركة المجتمع والأهل، وكأننا نعاقب الضحية لا الجاني، وهو
ما كان يشجع على المزيد من الانتهاكات ومن ذلك لجوء من ترفض خطبتهن لاختطاف
الفتيات واغتصابهن!
الزواج خشية الفضيحة!
كانت مصر أيضاً
من أوائل الدول العربية التي أقرت إلغاء المادة التي تعفي المغتصب من العقوبة إذا
تزوج الضحية وذلك في عام 1999م، ثم تتابعت العديد من الدول العربية، فلطالما ظلمت
ترسانة التشريعات النساء ضحايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي.
وبحسب دراسة
منشورة عبر «البيت الخليجي» بعنوان صادم وهو «المغتصبون: أصدقاء القانون»؛ نستطيع
تلمس القوانين التي تعفي الجاني من الملاحقة حال تزوج من ضحيته، في مصر وسورية
وليبيا ولبنان والجزائر، ولهذا وقفت الناشطات بلافتات في بيروت تحمل عبارة «اغتصب
وتزوّج ببلاش!».
هذه الثغرة
القانونية الفجة ظلت قائمة في فلسطين والأردن والعراق وغيرها من البلدان حيث
القوانين التي تُبرِّئ المغتصب وتخفف عقوبته لإنقاذ سمعة الفتاة، ولا عزاء لحياتها
الذليلة مع مجرم، وفي معظم الحالات يكون مدمناً للمخدرات ومنحرفاً سلوكياً.
من خلال دراسة «البحث
عن العدالة: قوانين الاغتصاب في الدول العربية»، والصادر عن منظمة المرأة العربية،
نجد أن هناك دولاً خليجية لم تضع أي ثغرة مبدئياً للإفلات من العقوبة حال الاغتصاب،
ومنها قطر، أما في الإمارات فالعقوبة الإعدام، لكنها ترتبط بانتهاك الفتيات
الصغيرات بوجه خاص.
وبخصوص السعودية،
ظلت القوانين لا تضع تعريفاً واضحاً لجريمة الاغتصاب وتدمجها ضمن حدود الزنى
المطبقة في الشريعة الإسلامية التي تتراوح في عقوبتها بين الجلد والإعدام.
ولكن تلك
القوانين تفتقد لتعريف الاغتصاب تحديداً الذي يعني مواقعة أنثى بغير رضاها وتحت
تهديد وإكراه وربما في ظل إيذاء جسدي باستخدام سلاح أبيض وما شابه.
في اليمن أيضاً
لم يضع القانون تعريفاً صريحاً لجريمة الاغتصاب، ولم يحدد عقوبات تناسب خطورته،
ولهذا ظلت عقوبات الاغتصاب قريبة من جريمة الزنى والفعل الفاضح فقط، خاصة في حالة
غياب الأدلة، وفي السودان يكون على الضحية التي تبلغ عن تعرضها للاغتصاب أن تثبت
براءتها من المشاركة برضاها في ذلك الاعتداء وإلا تعرضت للملاحقة!
يعطينا ذلك لمحة
عن مدى الظلم الذي تعرضت له نساء عربيات قبل تغيير القوانين الجائرة التي تسمح
للمغتصب بالإفلات من عقوبته، قبل أن تسارع الدول العربية مع مطلع الألفية لتغيير
تلك القوانين تدريجياً.
وقد ساهمت حملات
عديدة في إشاعة الوعي لدى المجتمع العربي بخطورة وصم الضحية بالعار أو إكراهها على
الزواج من الجاني، مع ضرورة رعايتها نفسياً وجسدياً، ومن ذلك حملة «Marry Your Rapist»، واعتبار أن الاغتصاب جريمة لا تسقط ولا تغطى بالزواج الشكلي.
متلازمة صدمة الاغتصاب
تحتاج ضحايا
الاغتصاب لدعم نفسي، خاصة أن كثيراً من ضحايا التحرش والاغتصاب يصابون بأعراض
نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، واكتئاب، وتوتر، واضطرابات في النوم، ومشكلات في
الثقة بالنفس.
وبحسب دراسة مهمة
لنهى القاطرجي بعنوان «الاغتصاب: دراسة نفسية تاريخية»، فإن ضحايا الاغتصاب قد
تؤدي اضطراباتهن النفسية لأفكار انتحارية خاصة مع الشعور بوصمة العار والذنب عما
لحق بهن وبأسرهن، كما قد تصبن بـ«فوبيا» شديدة من التعامل مع الآخرين، فضلاً عن أي
فرصة لاحقة للزواج، مع بعض الأمراض السيكوباتية مثل الصداع والكوابيس والاضطرابات
الجسدية المتفرقة مع احتمالية وجود إصابات نتيجة مقاومة الاعتداء.
وحسب دراسة
علمية عبر «Medicover»، تؤثر متلازمة صدمة الاغتصاب (RTS) على كل
ناجية، لكن معظمهن يعانين من تغيرات عاطفية ونفسية، بل وحتى جسدية، بعد الصدمة، تظهر
هذه الأعراض عادة على مرحلتين رئيستين: المرحلة الحادة (بعد الاعتداء مباشرةً)،
والمرحلة طويلة الأمد (التي قد تستمر لأشهر أو حتى سنوات).
ومن بين الأعراض
نوبات البكاء والقلق المستمر والحزن والتقلبات المزاجية والكوابيس وكثير من
اضطرابات الكرب الحاد، ولهذا تحتاج ضحايا العنف الجنسي لاستشارة مراكز تقديم الدعم
النفسي، إلى جانب الرعاية الطبية والقانونية أيضاً لاسترداد حقوقهن والقصاص من
المعتدي.
احمي نفسكِ
مع تحولات
عالمنا اليوم على جميع الأصعدة وخاصة الاجتماعية والثقافية والدينية، والمشاهد
الإباحية التي باتت متاحة على أجهزة المحمول في أيدي الشباب، وابتعاد الأسر في
أحيان كثيرة عن مفهوم الشريعة الإسلامية التي تنهى المرء عن الفواحش التي تهين
النفس البشرية وتجعلها أدنى من البهيمية، بدأت ظاهرة التحرش والاغتصاب تسبب أزمة
حقيقية في الشارع العربي وتطال يدها الصبية والصبايا والأطفال على حد سواء وبلا
تفرقة.
ولهذا، فإن أول
واجبات الأسر المسلمة المكابدة لتنشئة جيل صالح لا تتوه بوصلته عن الفطرة النقية
والخلق القويم ومعاني الرجولة الحقيقية، فينشأ الشاب وهو يعلم أن الفتيات في
الطريق يمثلن أخوات له ومن واجبه حمايتهن وليس العدوان الهمجي بنظرة أو لفظ أو
تصرف مشين.
على الأمهات أن
تنصح بناتهن أيضاً بتدابير حماية أنفسهن في حياتهن اليومية بين الدراسة والعمل،
وكيف تتصرف الفتاة حال استشعرت خطرًا من أحدهم وتطلب الحماية فوراً من المحيطين،
مع ضرورة الالتزام بملابس محتشمة تضفي عليها الوقار والعفة التي أمرنا الله بها في
كتابه العزيز.
وعلى مجتمعنا أن
يكف أذاه عن العفيفات، وأن تتوقف النساء عن نظرية «ستوكهولم» أو لوم الضحية،
ووصمها بالعار والانحلال لأن المشاهدة أثبتت أن كثيراً منهن كنّ أبعد ما تكون عن
لفت الأنظار.
ربما توقف
الإجراءات السابقة من شيوع وباء التحرش والاغتصاب الذي امتدت يداه لنسبة كبيرة من
الإناث والأطفال، الذين يحتاجون لبرامج رعاية واحتضان أسري حقيقي يفتح لهم باب
الأمل في حياة جديدة أكثر أماناً، مع أهمية توقيع العدالة الناجزة والقصاص العادل
بحق المعتدين.
اقرأ
أيضاً:
أعلى 10 دول في
معدلات الاغتصاب
الاغتصاب..
سلاح كسر المرأة في الحروب