بعد الفوز الأخير.. تحديات على أجندة الرئيس التركي

د. سعيد الحاج

20 يونيو 2023

4624

خاض الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وحزب «العدالة والتنمية»، في مايو الماضي، الانتخابات الأصعب عليهما منذ عام 2002م، فاز «أردوغان» بولاية رئاسية جديدة في جولة الإعادة، بينما استطاع «تحالف الجمهور» الذي يقوده المحافظة على أغلبية مقاعد البرلمان، رغم التوقعات بعكس ذلك.

ورغم أن النتائج أثبتت تراجعاً نسبياً في رصيد الطرفين، «أردوغان» والحزب، حيث احتاج الأول لجولة إعادة للمرة الأولى، بينما تراجع تصويت الثاني بنسبة 7% عن الانتخابات السابقة، فإن ذلك لا يحجب النتيجة التي جعلت من الرجل ظاهرة في السياسة التركية الحديثة؛ إذ فاز –مع حزبه– بكل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها منذ تأسيسه سواء كانت رئاسية أم تشريعية أم محلية أم استفتاءً دستورياً بعد أكثر من عقدين كاملين من الحكم المتواصل.

وعليه، جددت الانتخابات الأخيرة تفويض الشعب التركي لـ«أردوغان» ليقود البلاد 5 سنوات إضافية، وربما أخيرة إذ هي الولاية الدستورية الأخيرة له، ووضعته أمام سلسلة من التحديات التي يحتاج أن يعالجها، بعضُها مستمر منذ ما قبل الانتخابات وبعضها الآخر استجد فيما بعدها.

تحديات مستمرة

كان الاقتصاد التحدي الأكبر الذي واجه الحكومات التركية المتعاقبة على مدى السنوات القليلة الأخيرة، ثمة مشكلات بنيوية في الاقتصاد التركي تتعلق بحاجته للأموال الساخنة والاستثمارات الخارجية وافتقاره إلى حد ما للصناعات عالية القيمة مثل الصناعات التقنية، ثم أضيف لذلك تحديات غير محسوبة تولدت من جائحة «كورونا» وتداعياتها على الاقتصاد العالمي ولا سيما الاقتصادات النامية مثل تركيا، ثم الحرب الروسية - الأوكرانية التي ألقت بظلالها كذلك على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية بما في ذلك ارتفاع أسعار الوقود بشكل ملحوظ، وكانت تركيا في مقدمة الدول المتأثرة بذلك سلباً؛ حيث إنها تعتمد على الخارج بشكل شبه كامل فيما خص مواد الطاقة التي تمثل الجزء الأكبر من عجز ميزانها التجاري.

وقد انتقل تأثير التداعيات الاقتصادية للشارع بشكل ملموس، حيث ارتفعت نسبة التضخم لمستويات قياسية، وارتفعت بسبب ذلك الأسعار وتراجع سعر صرف الليرة والقوة الشرائية للناس، وغير ذلك من المؤشرات المهمة، كما أن الحكومة خالفت المستويات السياسية والاقتصادية بتبنيها نهج تخفيض سعر الفائدة وليس رفعها لمحاولة ضبط التضخم في البلاد.

ولذلك، كان الاقتصاد البند الأول على جدول الانتخابات الأخيرة، والسردية الأبرز على لسان المعارضة في مواجهة الحكومة، وهنا فعّلت الأخيرة «اقتصاد الانتخابات» بزيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الجباية، مثل رفع الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين ومكافآت الأعياد، وإعادة جدولة الديون، وتسهيل القروض البنكية، وفتح مشاريع سكنية، وما إلى ذلك.

أحد أهم مؤشرات أولوية الاقتصاد بالنسبة لـ«أردوغان» كان اختيار الوزير الأسبق «محمد شيمشك» لوزارة الخزينة والمالية، الذي يتبنى فلسفة اقتصادية ليبيرالية تقليدية من جهة، ويتمتع بسمعة طيبة في الأوساط المالية العالمية من جهة أخرى؛ وعليه، فإن المتوقع عودة الحكومة لسياسة رفع الفائدة للتحكم بنسبة التضخم في المدى القريب، إضافة لإقناع المستثمرين الأجانب بضخ أموالهم في السوق التركية.

ويبقى الاقتصاد التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة وتركيا في المدى المنظور، لا سيما والبلاد ستخدل قريباً أجواء الانتخابات البلدية، ما يمكن أن يضيف تعقيداً على النهج الاقتصادي ونتائجه.

كما كان الزلزال الكبير الذي ضرب جنوب البلاد بداية العام تحدياً غير مسبوق بكلفته البشرية التي تخطت 50 ألف وفاة، وفاتورته الاقتصادية التي تجاوزت 100 مليار دولار أمريكي، وكانت التوقعات أن تؤدي الكارثة لسقوط العدالة والتنمية و«أردوغان» في الانتخابات الماضية، لكن حصل العكس بحصول «أردوغان» على نسب غير مسبوقة في المناطق المتضررة من الزلزال، والسبب الرئيس في ذلك أن الحكومة أثبتت فعاليتها في عملية الإغاثة وإعادة الإعمار، بعد إلقاء اللوم عليها في الأيام الأولى للزلزال، فضلاً عن وعد «أردوغان» بإتمام عملية إعادة الإعمار خلال عام واحد فقط.

إضافة لذلك، يبقى ملف السوريين والأجانب عموماً في البلاد تحدياً ماثلاً، خصوصاً مع تبني المعارضة التقليدية خطاباً يركز على ترحيل السوريين، وتبني بعض التيارات والأحزاب العنصرية الأمر بشكل شبه حصري؛ ولذلك من المتوقع أن تستمر الحكومة في برنامج عودة/إعادة مليون سوري للشمال، جنباً إلى جنب مع عملية ضبط وتأطير الوجود الأجنبي في البلاد، لا سيما وأن الملف مرشح للتفاعل بقوة خلال الانتخابات البلدية القادمة.

كما أن السياسة الخارجية في العموم ستبقى تحدياً قائماً في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية، وضغوط الولايات المتحدة وحلف «الناتو» على تركيا لاتخاذ موقف أكثر انحيازاً ضد موسكو، وهو الأمر الذي تقاومه أنقرة ولا يتوقع أن تعود عنه وفق المعطيات الحالية.

تحديات مستجدة

من جهة ثانية، افتتحت الانتخابات الأخيرة مرحلة جديدة لها تحدياتها الخاصة المستجدة على الساحة السياسية التركية.

أول هذه التحديات الانتخابات البلدية المزمع تنظيمها في مارس المقبل، التي بدأ الإعداد لها منذ اللحظة الأولى لإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة، وبدا ذلك واضحاً في «خطاب الشرفة» التقليدي الذي يلقيه الرئيس التركي عقب كل استحقاق أو فوز انتخابي.

ولعل الانتخابات المقبلة ستكون تحدياً مهماً بعد المعنويات التي حصل عليها «تحالف الجمهور» في الانتخابات الأخيرة، حيث كانت المعارضة قد فازت في الانتخابات الأخيرة عام 2019م ببلديات عدة مدن كبرى في مقدمتها أنقرة وإسطنبول؛ ولذلك سيتعين على الحزب الحاكم وتحالفه أن يعملا بشكل حثيث للانتخابات المقبلة بما في ذلك اختيار مرشح مناسب وقوي وحملة مؤثرة وبرنامج انتخابي مقنع وغير ذلك من العوامل، ثم النظر في منظومة التحالفات وإمكانية التأثير بها.

وعلى هامش الانتخابات، سيكون على «أردوغان» إعادة هيكلة الهيئات القيادية في حزبه كما يفعل بعد كل انتخابات، بما يتناغم مع المتغيرات في الحكومة ومؤسسة الرئاسة من جهة، ويعطي رسالة من التجديد والتغيير للشارع تجاوباً مع نتائج الانتخابات من جهة ثانية، ويُعِدُّ الحزب للانتخابات التي تليها (المحلية في هذه الحالة) من جهة ثالثة.

ويبقى السعي لصياغة دستور جديد للبلاد حلماً يراود الرئيس التركي، حيث خضع الدستور الحالي، الذي صاغته المجموعة العسكرية التي نفذت انقلاب عام 1980م، لما يقرب من 20 تعديلاً دستورياً دون أن تحل كامل مشكلاته، وقد حاول العدالة والتنمية سابقاً مع باقي الأحزاب كتابة دستور مدني لكن التوافق لم يكن ممكناً في حينها، اليوم، وفي ولايته الرئاسية الأخيرة جدد «أردوغان» وعده ونيّته كتابة دستور مدني يليق بمئوية تأسيس الجمهورية، لن تكون المهمة سهلة، فتحالفه لا يملك الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من ذلك، لكنه سيسعى للحصول على دعم بعض أطراف المعارضة في هذا المسعى، وقد تكون الأحزاب المحافظة حديثة التأسيس عوناً له في هذا الإطار.

وأخيراً، ثمة تحدٍّ لا يُتحدث عنه كثيراً في أوساط الحزب والحكومة، وهو مسألة خلافة «أردوغان» في الرئاسة على أقل تقدير وربما في الحزب والرئاسة من باب أنها العهدة الرئاسية الأخيرة له دستورياً، ليس هناك ترتيب رسمي ومعلن للأمر، لكن بعض المؤشرات تقول: إن الموضوع قد يكون على جدول أعمال «أردوغان» في الفترة المقبلة، كثيرون رأوا أن تغييب بعض الشخصيات القوية من الحكومة مثل وزير الداخلية «سليمان صويلو»، والدفاع «خلوصي أكار»، مقابل تولية رئيس جهاز الاستخبارات «حاقان فيدان» وزارة الخارجية إشارة في هذا الإطار.

بيد أنه ما زال من الباكر جداً الجزم باتجاهات تفكير الرجل ومآلات الملف، إذ ما زال هناك 5 سنوات كاملة حتى انتهاء الفترة الدستورية الحالية، وهي مدة طويلة جداً بالنظر للمتغيرات والتطورات المتسارعة في تركيا، فضلاً عن عوامل أخرى كثيرة لها أثرها على الملف لا يمكن الجزم باتجاهاتها منذ الآن.


الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة